الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقيقة في اتجاهها المعاكس

علي شايع

2014 / 4 / 10
الصحافة والاعلام


يفرض عالم المتناقضات المترادفة الموحش، مزيداً من والوعي والتمييز والدراية، خاصة لدى وسائل الإعلام، على اعتبارها الوسيلة الحية والضميرية لنشر القيم والأخلاق، وإعلاء أمثلتها السلوكية، سعيا لتغيير الوعي الجمعي، ومساندة الساعين فيه، نحو أفق التقدّم والحضارة، وأن يكون الإعلام وفق هذه التعريف الأولي، منحازاً للحل الأفضل، وفق قيم العدل والمساواة والحرية والقانون. إعلام تصبح قضيته؛ الإنسان أياً كان أصله أو هويته.
تلك الصورة المعتبرة والمعلنة كغاية لدى جميع وسائل الإعلام العربي، حين نسعى لوضعها في جهة المقارنة بين التنظير والحقيقية نصدم بواقع مغاير وغريب وموحش، بل ومقزّز أحياناً، لحظة تجد إعلاميين لهم حضور وحظوة في المشهد اليومي، ينظـّرون لمسميات ومصطلحات مثل التحزّب الإعلامي أو القبلية الإعلامية.
كم ذا أبغض الإعلامي المواظب على عادته بمجانبة الحياد المفروض عليه، بواقع مهنيته وتقديمه لضيفين يقف على مسافة واحدة منهم، لكنه في الغالب ينحاز بشكل مفتضح، وصريح، ومعلن "حتى يكاد المريب أن يقول خذوني"، لكن من ذا يأخذه لناصية حق، وهو المدجّج مسبقاً والمؤتزر بعقائد موحشة وفاجعة، يحاول لأجلها تزييف أيّة حقيقة لغاية في نفسه، فتراه يغيّر نسب "التصويت الشعبي" الموضوعة في مستهل البرنامج لتوائم ما يفرش له من أفكار إستباقية، يلوي فيها أعناق الحقائق، ويجاهد بأبشع الوسائل، ليضع الآخر وأفكاره على سرير (بروكست) وهو بطل أسطورة إغريقية قديمة تحكي عن عملاق كان يضع سريره في الهواء الطلق، معترضاً المارة، فكلما مر به شخص، أخذه عنوة وطرحه على ذلك السرير، فإن كان قصيراً عن أبعاده، ربطه من طرف وسحب أطرافه إلى (الاتجاه المعاكس)، غير مبال بانخلاعها وتمزقها، حدّ الموت. وإن كان أطول، صار إلى تقطيع أطرافه لتوائم مقاس السرير. حكاية طريفة عن المعتقدين باحتكار الحقيقة؛ وفق مقاسهم، واستعدادهم- بل سعيهم- لتقطيع أوصال الآخر وهلاكه، غاية لمطابقة حقيقتهم الإكراهية.
منذ وقت طويل لا أطيق متابعة فضائية الجزيرة، وقاطعتها حدّ حذفها من الترددات، ولكن ومن باب (مكره أخاك) أتلقى اتصالاً أو رسالة تشير إلى حلقة برنامج أو تفصيل خبر، فأعود إلى موقع الفضائية، وهو ما فعلته قبل أيام لمتابعة حلقة من برنامج (الاتجاه المعاكس). لم أستبق الوقائع بتوقع مسار البرنامج، و"صبرت وفي العين قذى، و في الحلق شجى" كما يقال، حتى فاض الكيل، ورأيت مقدم البرنامج محلقاً بطغيان ما يسوقه من أفكار، قامعاً أحد المتحدثين بطريقة هوجاء، يتطاير فيها الزبد، ولا تمكث أيـّة حقيقة وسط الترافس في لجة الموج، يعاضده مخرج يظهره أعلى صوتاً وأكثر حضوراً، وكاميرات تناصر لقطاتها ما يدعيه من حقائق بصور أو وثائق. وتكاد تبصر غبار معركة لا يُرى فيها أطراف الأصابع!. ومواصلاً وبالصراخ تنظيره لحقيقته، كما لو أنها ساطعة كعين الشمس، وبحسب رأيه الذي ينشره أحياناً في مقالات صحفية، فإن معالجة وسائل الإعلام (لتلك القضية) بحيادية هي نوع من "العبث الإعلامي والموضوعية المفتعلة".
ومن عجائب تنظيراته دعوته إلى "التحزّب الإعلامي" و"القبلية الإعلامية" بحجة إن الإعلام المتقدم قد يكون مع أبناء جلدته سياسياً وإعلامياً، في وقت يتصرف "بهمجية كوحش كاسر مع الغرباء". ويبيح لنفسه (قبليته الإعلامية) تلك بحجّة انعدام الديموقراطية والرأي الآخر، في مجمل العلاقات الدولية؛، سياسياً، واقتصادياً، وإعلامياً، ومتسائلاً:" لماذا نحاول نحن تطبيقها في إعلامنا؟.. متى ندرك أن الإعلام، كالسياسة، تماماً، لا يمكن أن يكون إلا حزبياً، كي لا نقول قبلياً؟!".. والغريب أنه في أحاديث سابقة يفخر بشهادته وتجربته الإعلامية الغربية. لكن الرجل لم يغالط نفسه هنا في اعتقاده ونظريته التي لا تطابق واقع الإعلام الجاد، الذي كشف لنا حقائقنا أكثر من إعلامنا العربي، فهذا الإعلامي أبن بيئته ومكانه؛ تيهاً، صحراوياً ،عربياً، فريداً.
بيئته التي يكون فيها علمانياً، وقبلياً، وطائفياً، ومخادعاً، ومشهوراً، يترادف الملايين على صفحته في موقعه على الفيسبوك (facebook)، حتى يكاد الرقم يكون صاعقاً؛ فتعداد أربعة ملايين معجب بأفكاره، كبير، و ربما لا يوازي شيئا في عديد أمة عربية يفترض بها الوعي، لما يفوق، و بأقل التقديرات ما يتخرّج من الجامعات العربية، التي وصل عددها لأكثر من 240 جامعة، وآلاف المعاهد. ولعلّ نسبة الوعي وفق تلك الحسابات ستفوق ربع تعداد سكان العالم العربي الكبير البالغ 338 مليون نسمة وفق تقديرات عام 2007. وهي نسبة يرتجى أن تكون نسب الواعين فيها تفوق الربع، أي 84 مليوناً ونصف المليون. وحصة الإعلامي (فيصل القاسم) منهم 4 ملايين متابع. فهل يعقل عديد هذه الأغلبية الواعية الصامتة المقموعة، وهي تسمع وترى الزيف والمسوخ والبغضاء في أعتى مراحلها؟.
يبدو الحديث عن تلك الأعداد المهولة، حديث عار وشنار، إذ لا يستطيعون التمييز، ويعدمون المبادرة لنصرة المظلوم، والمغبون حقّه، وإغاثة الملهوف، وهي من سوابق الذل العربي، فالعرب أقرّت، فذلّت.. كما قالها متحسر قديم منهم، ولعلّ هذه الجموع المليونية أصيبت بالسأم وأثقلتها اللا جدوى، ولعلّهم لا يجدون الوسيلة للوصول، وهنا الطامة الكبرى، والصاخة المهولة، أن نعتبر إعلامنا العربي قد عبر عن آرائهم وحمل عنهم ما حملوه. وهم يرون أمام أعينهم انطلاء الأكاذيب في المبثوث الإعلامي في الفضاء، أو على صفحة الفيس بوك التي يضع أربعة ملايين إعجابهم عليها، غير آبهين بالملامة حين لا يتعبوا أنفسهم قليلاً لاكتشاف كوارث الزيف. فالسيد(فيصل القاسم) يضع في صفحته -على سبيل المثال- صورة لمشترك في البرنامج كان مرشحاً في انتخابات 2010 للبرلمان العراقي، ولكنه أعتزل الترشيح لهذه الدورة الانتخابية الجديدة.. (القاسم) يضع صورة لدعاية هذا الرجل الانتخابية السابقة، ليوهم المشاهدين أن ما يقوله هذا المشترك طمعاً وسعياً في الحصول على منصب. وهي مخالفة أخلاقية قبل أن تكون مخالفة إعلامية.

هذه حقيقة واحدة من حقائق كثيرة ملوية الأعناق، ينشرها ويروج لها هذا الإعلامي، وتمرّ على الملايين المخدوعة والمخدّرة والهابة مع الباطل هبوب المجروف والمغلوب على آمره، مسحوبة إلى "التحزّب الإعلامي" الأعمى، والتبعية القبلية الغابرة، و بنكهة إعلامية حضارية، لها حيز وحضور ومقبولية مليونية، فأي إعلام يسوق هذه الجموع إلى الهاوية؟.

حديث إعلامنا وما يروج فيه، ينطبق عليه سؤال شاعرنا العربي، وأترك الإجابة عنه للقارئ الكريم:
حديثك في الشتاء حديث صيف.. وشتوي الحديث إذا تصيف
فتخلط فيه من هذا بهذا..فما أدري أأحمق أم حصيف؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا