الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاكمة الصحفي ميخائيل تيسي أول محاكمة فكرية للاشتراكية في العراق

سيف عدنان ارحيم القيسي

2014 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



شهد العراق بعد نهاية الحرب العالمية الأولى جملة من التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فبعد الاحتلال البريطاني للعراق ومن ثم تشكيل المملكة العراقية في 23 آب 1921 بدأ الوضع العام يأخذ منحنى آخر بالتطور التدريجي نتيجة تشكيل الدولة العراقية ومؤسساتها العامة فبدأ الدارسون يواكبون التعليم الذي بدأت الحكمة العراقية توليه أهمية خاصة،وبدأ المفكرون بدورهم يؤلفون كل حسب مجال تخصصه في ظل ما يمكن تسميته بالحرية العامة بعيداً عن سطوة الدولة العثمانية وسياسة التتريك التي انتهجتها في التعليم والتأليف لاسيما بعد وصول الكتب والمراجع على اختلاف مشاربها وموجة الأفكار الجديدة التي لكن العراقيون يألفونها من قبل ومنها الأفكار اليسارية التي بدأت تلقى لها رواجاً في الشارع العراقي وتأثر كثير من الجيل المثقف بتلك الأفكار التي بدأت تحاكي نبض الشارع العراقي ومحاولتهم أيجاد تفسيرات لواقعهم المتردي لاسيما في ظل الهيمنة البريطانية،ومن بين تلك الشخصيات التي أثارت جدلاً واسعاً هو ميخائيل تيسي الذي ولد في بغداد عام 1895 وتلقى تعليمه في إحدى المدارس المسيحية وكان يجيد اللغة الانكليزية ،مما أمكنه من العمل كمترجم في وزارة المالية ، وزارة الأوقاف ووزارة الدفاع ،وعين قائم مقاما لقضاء (الشيخان)ثم معاونا للمدير العام لدائرة تسوية الأراضي بدء مشواره الصحفي في صحيفة الرافدين ، ينشر فيها سلسلة من المقالات في النقد الاجتماعي وقد لاقت تلك المقالات قبولا واسعا ،بسبب أسلوبها المتميز الذي يمازجه هزل اقرب الى النكتة الشعبية وذلك باستخدامه كلمات شعبية متداولة وباللهجة المحلية الدارجة.
أصدر تيسي كتابا ،ضم قصصه القصيرة حمل عنوان (مرآة الحال ) وفي عام 1922 أصدر كتابه الذي كان مثارا للجدل بعنوان ( ماهية النفس ورابطتها بالجسد )وهو يحمل أفكارً تحمل في طياتها تأثير الفكر الفلسفي للاشتراكية عن دار دنكور في بغداد ، وبعد إصدار فتوى من أحد شيوخ الدين بتكفيره لكون كتابه يدعو للكفر،فتعرض لمحاولة اغتيال كما تعرض للسخرية ولسيل من النكات للنيل من شخصه،وربما كان أكثر هذه النكات انتشارا ما نشرته إحدى المجلات البغدادية على غلافها (في بغداد ظهر مبدأ جديد اسمه " المبدأ التيسي".
ولكن يبدو أن موجة الانفتاح لم تكن كما توقعه الكثيرون لاسيما بعد تقدي ميخائيل تيسي للمحاكمة في الثالث من آذار 1923 من قبل محكمة جزاء بغداد لأنه أهان الأديان بكتابة "ماهية النفس ورابطاتها بالجسد"،وضمت الدعوى كذلك محاكمة عبدالأحد حبوش صاحب مجلة "الزنبقة" التي ناصبت ميخائيل تيسي العداء بعد نشره كتابه "ماهية النفس" بتهمة السب القذف بحق ميخائيل تيسي،ونرى مدى احترام القضاء للآخرين حتى وان تجاوزوا على القانون فان حقهم مصون من اي تجاوز أخر.
وبعد مناقشة القضية اتهمت المحكمة جميع الماثلين امامها وأجلت الدعوى ليوم الاثنين المصادف الخامس من شباط 1923 فيشير محمود خالص القانوني العراقي في مذكراته ان القاضي أجل القرار ليوم الخميس القادم و"أظنه يحكمه لأني رأيت آثار الحنق بادية على وجهه لم أرى عدلاً وأظنه ليس بموجود إذا كانت تذهب بممثلي الشعب أنى شأت فأقرأ على ذلك الشعب السلام".
مهما يكن من أمر فأن المحكمة حكمت في الثامن من شباط على ميخائيل تيسي بالغرامة(1000)روبية ومصادرة كتابه (ماهية النفس)،والشيء الغريب ان قرار الحكم لم يصدر من قبل هيئة المحكمة بل صدر من قبل قاضي واحد هو"عبدالقادر السنوي"،كما حكم على عبدالأحد حبوش بـ(500)روبية غرامة للسب والقذف،مع أعطاء (200)روبية تضمينات شخصية لميخائيل تيسي فبالرغم من ادانته الا انه حصل على حقوقه الذاتية من قبل القضاء المستجد في الدولة العراقية.
ولكن يبدو أن محاكمة ميخائيل تيسي لم تنهي عزمه في مواصلة مسار نهجه الذي سمي بـ"الساخر" فأصدر كتابا ضم مجموعة مقالاته النقدية دعاه (نقدات كناس الشوارع) وصدرت له رواية بعنوان(خيمة العدالة)كان ميخائيل تيسي من الأصدقاء المقربين من أول شخصية ماركسية في العراق (حسين الرحال)في عام 1925 أصدر صحيفته الساخرة (كناس الشوارع )الذي تأثر كثيراً بإراءه الفكرية والتي بدورها تركت أثراً واضحاً في نهجه الفكري والفلسفي وفي نقده للواقع العام وهو ما حملته صحيفته التي بدأت تعتمد أسلوبا متميزا في سخريتها تقف وراءه رؤى فكرية تحمل فلسفة واعية وتوجها اشتراكيا
بعد تعرض( تيسي) ،لمحاولة الاغتيال،أغلق الصحيفة وأصدر صحيفة جديدة هي (مرآة الحال) في عام 15-10-1926 ولكنها لم تستمر،ولكن عشقه للعمل الصحفي وإيمانه أن الصحافة واجب اجتماعي دفعاه الى إصدار صحيفة (سينما الحياة ) وذلك في السابع عشر من كانون الأول 1926،وبقى مواكباً على عمله الصحفي حتى نهاية نهاية الأربعينيات وتوفي ميخائيل تيسي في بغداد في عام 1962 ليترك أرثاً من المقالات التي أثارت بدورها جدلاً واسعاً كادت ان تؤدي بحياته مرات عديدة ولكنه بحق ترك بصمة واضحة في مجال تاريخ الصحافة العراقية كونه أختط لنفسه مسارً خاصاً عبر من خلاله عن فلسفته الاشتراكية التي وجدها تمثل الحل الأمثل لواقع العراق في تلك المرحلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل