الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتخابات الرئاسة المصرية وأزمة القوي الاشتراكية

إلهامي الميرغني

2014 / 4 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


انتخابات الرئاسة المصرية
وأزمة القوي الاشتراكية

دول كانوا إن قالوا
يلوطوا في الحكمة والأفكار
ماتوا ومات وقتهم
ما حصدوا غير العار
لا شقت الأسوار حكايتهم
ولا السما بكيتهم
ولا مجدتهم في السكك أشعار
ماتوا ما بقوا كلمة مسموعة
ولا راية مرفوعة
ماتوا وكانوا كتار
محمد سيف
رغم مرور أكثر من مائة عام علي بذور الفكر الاشتراكي في مصر لا يزال التيار الاشتراكي ضعيف ولا يملك ثقل جماهيري يعكس ثقله الفكري والسياسي.
مخاض الميلاد للحزب الاشتراكي الأول
لقد ولدت الاشتراكية المصرية في مطلع القرن الماضي مع ميلاد الحزب الوطني وتولي محمد فريد لرئاسته بعد رحيل مصطفي كامل وإطلاق عمر لطفي حملته التعاونية،ولدت الاشتراكية المصرية مع أفكار أنطون مارون وسلامة موسي وعلي العناني ومصطفي حسين المنصوري والشيخ صفوان أبو الفتح، ولدت بصدور كتاب سلامة موسي عن الاشتراكية عام 1913 وصدور كتاب مصطفي المنصوري " تاريخ المذاهب الاشتراكية " عام 1915. ولدت الاشتراكية في إضرابات عمال الترام وعمال عنابر السكة الحديد واحتجاجات الفلاحين. و في عام 1920 تم تأسيس الحزب الاشتراكي المصري.
كان المفكرون المصريين يحاولون بلورة رؤية اشتراكية مصرية وبذلوا جهوداً جادة في هذا المجال لكن رغبة جناح من الحزب في الانضمام للدولية الاشتراكية وتغيير أسم الحزب إلي الحزب الشيوعي المصري وعمل برنامج للفلاحين كشرط للانضمام وفصل روزنتال أحد الأجانب المؤسسين للحزب كل ذلك حمل التجربة في مراحلها الأولي بأعباء كبيرة لم تكن تناسب هذه المرحلة من التطور الاقتصادي والاجتماعي ،كان لدي الحزب اتحاد عمال كبير يضم أكثر من 20 ألف عامل موزعين علي 56 نقابة منها 38 في القاهرة و 33 في الاسكندرية و18 في منطقة القنال و 4 نقابات في دمنهور ونقابة في زفتي.
وكتب الاشتراكيون الأوائل أن الدين معهم وإلي صفهم .. إلي صف الضعفاء والكادحين وليس في صف أعداء الإنسان.
لذلك توقفت الاجتهادات الوطنية في تطوير الفكر الاشتراكي وبناء نظرية للاشتراكية المصرية والاعتماد علي التحليلات الأممية الجاهزة.
لقد كان انضمام الحزب الأول إلي الأممية وما تبعه من متغيرات هو قطع للطريق علي بناء رؤية اشتراكية مصرية.وأدي الأمر إلي صدام مع حكومة الوفد انتهي بان سعد زغلول زعيم الوطنية المصرية قرر تصفية الحزب واعتقال قياداته ومطاردة أعضائه وإغلاق مقراته.وخلال المحاكمة اعترف المتهمين ببسالة عن عضويتهم للحزب ودفاعهم عن حقوق العمال والفلاحين.هكذا كان سلفنا الأوائل وميلاد الاشتراكية في مصر.
سنوات الأزمة الأولي
امتدت أزمة الاشتراكيين المصريين الأولي من سنة 1924 وحتى مطلع الأربعينات ولكن تأثير الدولية الاشتراكية علي الحركة كان سبب للعديد من المشاكل والانحرافات التي ارتبطت بقطاعات من الاشتراكيين المصريين بدأت بالصدام مع سعد زغلول وحزب الوفد عام 1924 وامتدت في فترات لاحقة لتدعوا للتسليم للمشروع الناصري وحل الحزب وكل ذلك بمباركة موسكو .
لكن تميزت هذه الفترة بتصاعد وتيرة الحركة العمالية من ناحية وبذل جهود في المجال الفكري والثقافي ولكن ذلك لم يعيد للاشتراكية جماهيريتها التي فقدتها بضربة الحزب سنة 1924 ولكنها حافظت علي بعض كوادره التي ظلت مستمرة قابضة علي الجمر تحاول إعادة البناء .
ويذكر الدكتور رفعت السعيد في كتاباته عن تلك الفترة كيف أن تدخل الأممية في الشأن المصري قاد إلي وصول أحد عملاء الأمن محمد عبدالعزيز إلي سكرتارية الحزب في مصر ودوره في القبض علي كل مبعوثي الكومنتيرن إلي مصر.
عندما نتأمل هذه الأزمة نجد أن انضمام للحزب للأممية قطع الطريق علي بلورة رؤية مصرية للاشتراكية وقاد إلي مواقف خاطئة من حكومة الوفد وقطع روابط الحزب الجماهيرية خلال سنوات المطاردات.
الموجه الثانية من الحركة الاشتراكية
بدأت منذ مطلع الأربعينات محاولات أكبر لإعادة البناء ركزت علي الجانب الثقافي مثل " جماعة الفن والحرية " ، " جماعة الفجر الجديد "، " الخبز والحرية " ، " اتحاد أنصار السلام " ، جماعة البحوث " ، جماعة الشباب للثقافة الشعبية " ، لجنة نشر الثقافة الحديثة " ، " دار الأبحاث العلمية ".
كما صدر عدد من الصحف منها الضمير وأم درمان والجماهير والفجر الجديد . وساهمت هذه الصحف الاشتراكية في بناء وعي جديد.كما ارتبطت بصعود الحركة العمالية وهو ما تبلور في محاولة إرسال مندوب لحضور اجتماعات اتحاد النقابات العالمي،ثم إضراب المرحوم محمد يوسف المدرك ورفاقه في ميدان العتبة الخضراء من اجل إصدار قانون النقابات العمالية سنة 1939 ، وتتويج ذلك بتشكيل اللجنة الوطنية للطلبة والعمال عام 1946 .
تأسست في تلك الفترة نقابة عمال النسيج الميكانيكي بالقاهرة وضواحيها ، ونجح العمال في إصدار القانون رقم 85 لسنة 1942 كأول قانون لتنظيم النقابات العمالية في مصر بعد أكثر من 43 سنة من النضال العمالي الذي بدأ مع إضراب لقافي السجاير عام 1899.وبدأت المرحلة الثانية من تطوير النضال العمالي بتشكيل اللجنة التحضيرية لاتحاد نقابات عمال مصر والتي كان من المقرر عقد مؤتمره التأسيسي يوم 26 يناير 1952 اليوم الذي احترقت فيه القاهرة .
أدرك العمال أهمية وصول ممثليهم الحقيقيين إلي البرلمان فتم ترشيح العامل النقابي فضالي عبدالجيد في الانتخابات عام 1945 ثم ترشيح المرحوم محمد يوسف المدرك في انتخابات 1950 ثم المرحوم طه سعد عثمان في انتخابات 1957 .
لذلك استطاعت الحركة الاشتراكية أن تستعيد تواجدها الجماهيري خلال الأربعينات من القرن الماضي وأن تمثل قطب فاعل في الحركة الوطنية المصرية من خلال الدمج بين حركة الطلبة والعمال أو من خلال صحف اليسار.ويذكر الدكتور رفعت السعيد أن جريدة الجماهير كانت توزع أكثر من 15 ألف نسخة في الأربعينات من القرن الماضي وهو ما لم تتجاوزه كل الصحافة اليسارية علي امتداد التاريخ باستثناء جريدة " الأهالي" خلال عامي 1976 و 1977 .
رغم عودة الارتباط بين الحركة الاشتراكية والحركة العمالية بقوة خلال الموجة الثانية وبدرجة أقل مع حركة الفلاحين ، ورغم ظروف العمل السري إلا أن كل تنظيمات تلك الفترة كانت تتمتع بدرجات متفاوته من النفوذ وسط العمال والفلاحين. لكن التشرزم والحلقية والانشقاقات المتوالية كانت من أهم سمات الحركة خلال الأربعينات والخمسينات.
ويري شيخ النقابيين الاشتراكيين عطية الصيرفي " إن تعددية المنظمات الشيوعية في مصر الملكية ومصر الجمهورية كان ومازال أمراً صحياً تماماً لأن التعددية الحزبية كانت وما زالت أيضاً تعبيراً عن اختلاف الرؤي والاجتهادات في صفوف الشيوعيين المصريين في طبعتهم الثانية ومن هنا ظهرت المركزية الاستبدادية في مجمل المنظمات والأحزاب الشيوعية الوسيطة إلي حد ما.وإذا تابعنا حالات الانقسام في الحركة الشيوعية فسوف نري إنها انقسامات صائبة إذ كانت بمثابة تعبير موضوعي عن خلافات المواقف.هذه المواقف التي لا بد أن تأتي بالتعددية الحزبية الاشتراكية". ( عطية الصيرفي – اليسار المصري وأجياله العتيدة ضد اليسار الجديد – صفحة 21 ) . ويفتخر عطية الصيرفي بأن الحركة الثانية مولت نفسها بنفسها ويعتبرهم جيل غير مبطوح الرأس لم يرتزق من خارج حدود مصر المحروسة .
كما استطاعت الحركة بناء نفوذ وسط قطاعات إستراتيجية مثل ميكانيكي سلاح الطيران وكونستبلات الشرطة بل وضباط الجيش والشرطة.
لكن التبعية الأممية تسببت في الخبطة الثانية للحركة من خلال قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وهو وما رفضه جزء من الحركة ولكن البعض قبله وهلل له لكي يكسب ولاء موسكو ويخسر الجماهير المصرية ويعمق العزلة .
وعندما انطلقت 23 يوليو 1952 بادرت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني ( حدتو) بتأييدها لأن قادة الثورة من بينهم أتنين من قسم الجيش في حدتو هما المرحوم يوسف صديق والأستاذ خالد محي الدين ، وكان مسئول القسم المرحوم أحمد فؤاد الذي أصبح رئيس مجلس إدارة بنك بعد ذلك وظل يحظي باحترام خاص طول فترة حكم الرئيس عبد الناصر والسادات.
يمكننا أن نري تجلي أخر للانحراف في الحركة الاشتراكية من خلال الوصول للسلطة عبر انقلاب عسكري وهو الخط الذي أيدته حدتو في 1952 وأيده الحزب الشيوعي السوداني في انقلاب هاشم العطا ومن نجم عنه من توجيه ضربة قوية للحزب السوداني شقيق حدتو مع فارق أن الحالة السودانية كانت من أعضاء الحزب بينما الحالة المصرية كان مجرد وجود 2 من بين 15 عضو في مجلس الثورة.
يمثل هذا الموقف جذر موقف بعض من يسمون أنفسهم يساريين بالجيش حتى الآن. قد نغفر لحدتو موقفها من 23 يوليو ولكننا لا يمكن أن نغفر أو نسامح في صمتهم علي إعدام خميس والبقري عمال كفر الدوار بعد أيام من يوليو.
ويقول عم عطية في ذلك " ليعلم من يعلم أن ثورة يوليو قد حققت تغييراً ملحوظاً وردة غير واضحة بسبب انبهار الجماهير المصرية بالتغيرات المسطحة والعريضة التي غطت أفقها وجميع منافذ رؤياها تماما بفضل الإعلام الحكومي الذي بدء في تشييد صرح عقلية الجماعة أو عقلية القطيع التي تسود عادة في ظل الأنظمة الفاشية" . ( عطية الصيرفي – عسكرة الحياة النقابية والعمالية في مصر – صفحة 13)
بل ويمتد ذلك إلي أزمة مارس 1954 وانحياز قطاع من الطبقة العاملة لصالح الجيش وخروجهم في مظاهرات تهتف تسقط الأحزاب ، تسقط الديمقراطية . وعندما أعلن الجيش في تمثيلية انسحابه من الحياة السياسية، تحالفت أجهزة الدولة من " مجلس قيادة الثورة زائد هيئة البوليس الحربي زائد هيئة المباحث العسكرية – المخابرات الحربية - زائد مباحث أمن الدولة زائد هيئة التحرير – التنظيم الذي أنشأته ثورة يوليه – زائد مديرية التحرير زائد اتحاد عمال النقل المشترك في مدينة القاهرة " . ويقدر عطية الصيرفي أن هيئة التحرير أنفقت علي إضراب مارس عشرة الآف جنيه ( صفحة 21 من كتاب العسكرة ) . كما تم الاعتداء علي النقابي الشريف أحمد فرغلي أحد قيادات النقل المشترك الرافض للإضراب وكذلك الدكتور عبد الرازق السنهوري.وكانت المظاهرات تهتف بسقوط الحرية والديمقراطية وبقاء حكم العسكر وذلك في مواجهة مظاهرات الطلبة والمثقفين التي كانت تنادي بالحرية والديمقراطية وبسقوط حكم العسكر . وما أشبه الليلة بالبارحة.
ويحدثنا الصيرفي عن ظهور النقابيين الرسميين بالطبنجات وظهور الارستقراطية العمالية وإهدار الاستقلالية النقابية واعتقال قادة أحزاب ما قبل 23 يوليو لضمان عدم العودة للتجربة الحزبية مرة أخري ومصادرة الحياة السياسية.وبعد أن تم تدجين الحركة النقابية والاشتراكية المعارضة لمارس 1954 واندماج قطاعات من اليسار في مشروع يوليو.وافقت الدولة علي إنشاء الاتحاد العام لعمال مصر والذي كان أمل وهدف عمال مصر علي مدي عقدي الأربعينات والخمسينات.ولنبدأ مرحلة جديدة من تدجين القوي الاشتراكية توجت بحملة الاعتقالات الكبري في يناير 1959.
لا يمكن أن نقول أن حركة الاعتقالات اقتصرت علي القوي الاشتراكية فقط ولكنها شملت القوي الإسلامية وعناصر جماعة الأخوان المسلمين وتعرضوا معاً لنفس التعذيب والتنكيل في السجن الحربي وأوردي أبو زعبل ومعتقل المحاريق في الواحات.لكن الفرق بين التيارين أن الأخوان يحملون منذ تأسيس الجماعة عام 1928 مشروع الدولة الإسلامية ، بينما القوي الاشتراكية لم تبلور مشروع متكامل كبديل اقتصادي واجتماعي وسياسي. بل والأكثر من ذلك أن المنجزات التي حققتها التنمية والمواجهة مع المشروع الاستعماري ومعركة السويس وبناء السد العالي وتشكيل تكتل دول عدم الانحياز والدعم السوفيتي للمشروع الناصري باعتباره محرك للتحرر الوطني ونجاح خطة التنمية الأولي 1960-1965 وطرح خطة بناء الألف مصنع. كل ذلك جعل برنامج عبدالناصر المطبق علي الأرض والذي بدء بالإصلاح الزراعي أكثر راديكالية مما كانت تطرحه هذه المنظمات قبل وبعد الواحات.
موقف الاشتراكيين من المواجهة مع الاستعمار والديمقراطية وفقه الأولويات
لا يمكن المفاضلة بين الخبز والحرية لأن تحقيقهما معاً شئ ضروري ، الخبز بلا حرية عبودية ، والحرية بلا خبز ترف بلا مضمون . لكن ارتباطهما معا هو هدف البشرية.لدينا قطاع من الاشتراكيين المصريين دخلوا تحت عباءة الدولة منذ مارس 1954 ثم مع دخول معركة التمصير 1955 وحرب السويس 1956 ثم مرحلة التأميمات الكبري والمرحلة الثانية والثالثة من الإصلاح الزراعي.
لكن بعض الاشتراكيين اعتبرو أن التناقض مع الاستعمار هو التناقض الرئيسي لذلك كان البعض يهتف لناصر داخل معتقلات الناصرية ، وتخلي البعض عن المطالب الديمقراطية لأن لا صوت يعلو علي صوت المعركة مع الاستعمار.ولكن المكتسبات الناصرية كانت في بعض جوانبها تفوق برامج بعض هذه القوي الاشتراكية.كما أن جزء من هذه القوي صار جزء من الدولة الناصرية فور خروجه من المعتقلات في نهاية 1964 .
وعندما طرح بعض الاشتراكيين مقولة " مجموعة اشتراكية في السلطة " لم يكن من الغريب أن يكون علي رأس هذه المجموعة عادل حسين الذي قاد في الثمانينات عملية التحول الثانية إلي الإسلام .وان يتم الحديث داخل معتقلات الناصرية عن هذه الفكرة والحديث عن وحدة الاشتراكيين المصريين والاشتراكيين الناصريين.وقد كان الأستاذ محمود أمين العالم هو القطب الثاني الداعي للفكرة التي عارضها الدكتور فؤاد مرسي والدكتور إسماعيل صبري عبدالله والدكتور فوزي منصور.وقام الأستاذ أحمد فؤاد والأستاذ أحمد حمروش بالتوفيق بين هذه المجموعة والسلطة الناصرية .
لذلك عندما حدثت النكسة وبدأ أفول نجم المشروع الناصري ، وعندما قبل عبدالناصر مبادرة روجرز وتوقفت خطة التنمية.بدأت عملية مراجعة شاملة للتطور في مصر. وفي عام 1968 خرج عمال المصانع الحربية يرفعون مطالبهم مع المطالبة بإعادة محاكمة قادة الطيران باعتبارهم المسئولين عن النكسة.وبدأت بشاير ميلاد جديد للاشتراكيين المصريين.
لكن تبقي هناك حقيقة هامة وهي انه كانت لدي جيلنا فكرة سائدة وهي خطأ . أن كل المنظمات والقيادات الشيوعية قد حلت نفسها واندمجت في الاتحاد الاشتراكي.لأن الواقع أن هناك عدة حلقات رفضت الحل منها التيار الثوري ومجموعة الأستاذ طاهر البدري ومحمد المنشاوي وعيداروس القصير وآخرين،ومجموعة الاستمرار بقيادة المرحوم رجائي طنطاوي وعدلي جرجس ومنصور زكي والتي رفضت الحل واستمرت ، ومجموعة وحدة الشيوعيين بقيادة إبراهيم فتحي وعدد من الرموز والحلقات الصغيرة . لذلك لا يجب ان نعمم ماجاء في قصيدة محمد سيف عن اللي لا فاتو كلمة مسموعة ولا راية مرفوعة ولا مجدتهم في السكك أشعار علي كل جيل الأربعينات والخمسينات.
وعندما بدأت التعبئة من اجل معركة استرداد الكرامة أرتفع شعار " لا صوت يعلوا علي صوت المعركة " وبعد أن كانت الديمقراطية مؤجلة لما بعد التحرير ، أصبحت المطالب الاقتصادية والاجتماعية أيضا مؤجلة لحشد كل شئ من أجل المعركة.
مهم ونحن نتحدث عن هذه المرحلة أيضاً أن نتذكر دور مقولات " التطور اللارأسمالي"السوفيتية علي الاشتراكيين المصريين وتنظيرة "المجموعة الاشتراكية في السلطة ".وان عبد الناصر يبني الاشتراكية بلا اشتراكيين.لذلك عند وفاة الرئيس عبد الناصر في سبتمبر 1970 .كانت الأبواب مفتوحة للردة دون أن تكون هناك قوات منظمة للمقاومة.
لقد حاول عبد الناصر إنقاذ مايمكن إنقاذه في " بيان 30 مارس" والحديث عن إعادة بناء الاتحاد الاشتراكي ولكن مع التمسك بالتنظيم الوحيد والإبقاء علي مصادرة الحياة السياسية وتجريم الأحزاب وتحويل النقابات العمالية والتعاونيات إلي جزء من أجهزة الدولة وخاضعة للرقابة الكاملة من المباحث العامة والأمن القومي الذي يحدد قيادتها وتشكيلاتها.وتشكلت فئة طبقية تحقق مصالحها من العيش علي فساد أجهزة الدولة والنقابات العمالية.أما النقابات المهنية فهي كيانات أكثر تشوهاً تخلط بين منح التراخيص المهنية والدفاع عن أعضائها وتجمع في عضويتها بين العمال وأصحاب الأعمال وتعتمد مواردها علي تمويل الدولة والرسوم التي تفرض علي المواطنين.
وعندما صعد السادات ومشروع الردة للحكم لم يجد أمامه مقاومة تذكر.حتى الدولة الأمنية التي بناها عبدالناصر في سنوات.انهارت في ليلة واحدة عندما دخل السادات المواجهة في 15 مايو 1971. لكن مشروع الردة كان من الصعب اتخاذ خطوات عملية به قبل تحرير سيناء المحتلة وإنهاء الصراع مع إسرائيل.
بدا السادات التحركات بشكل سريع فقام بطرد الخبراء السوفيت،وبدأ الإعلام يجهز الشعب لأن القطاع العام وتدخل الدولة في الاقتصاد هو سبب النكسة وسبب الفقر المتفاقم .
وعندما نجحت القوات المسلحة في عبور قناة السويس وبينما كانت دماء الشرفاء تلون مياه القنال وخوذ الشهداء طافية فوق مياه القنال.تحدث السادات عن اكتشافه بأن 99% من أوراق اللعبة في أيد أمريكا وبالتالي هو مضطر للتوجه للأمريكان لإنهاء الصراع الذي تحول من صراع عربي صهيوني إلي صراع مصري إسرائيلي.رغم وجود الجيوش العربية مع الجيش المصري في المعركة ورغم القرار العربي بحظر النفط.
وبدأت محادثات الكيلو 101 ثم اتفاقية فصل القوات الأولي والثانية .وتواكب معها صدرو قانون استثمار المال العربي والأجنبي رقم 43 لسنة 1974 وتحويل بورسعيد لمنطقة حرة . واستكمال مرحلة التحول الكبير نحو اقتصاد السوق الحرة.
لا نستغرب أن الاقتصاد الوطني الذي بناه المصريين بدمائهم وعرقهم تم تدميره دون أن يجد من يدافع عنه ، والمكتسبات الاجتماعية للعمال والفلاحين انتهكت وانتهت دون أن يتحرك العمال والفلاحين المسلوبة أرادتهم السياسية ومحظورة تنظيماتهم لعقود.
ألا نجد في ذلك درس لبعض القوي اليسارية التي تردد أنه لا صوت يعلو علي صوت المعركة وأن المعركة مع الإرهاب والإبقاء علي الدولة أهم من الديمقراطية والحرية وعودة عربدة الداخلية . الا نجد أن بعض الرموز التي فعلت ذلك في الستينات والسبعينات لا زالت تكرر نفس الأخطاء وبنفس الحماسة.
التجمع والحركة الشيوعية الثالثة
بعد تصاعد الاتجاهات الاشتراكية الرافضة للهزيمة بدء تشكل الحركة الشيوعية الثالثة وبدأت الحلقات الطلابية والشبابية التي تأسست بعد النكسة تندمج في منظمات جديدة.ومع تصاعد الحركة الطلابية عامي 1972 و1973 بدأت تمد المنظمات بعضويات جديدة .
ومع دخول عام 1975 وبداية ظهور ملامح الردة الساداتية اتحدت حدتو الجديدة بقيادة الرفيق زكي مراد مع جزء من حلقة شروق بقيادة الرفيق نبيل الهلالي و الرفيق يوسف درويش و الرفيق مشيل كامل وكانت غالبية أعضائها من قيادات الحركة الطلابية وتم إعلان تأسيس الحزب الشيوعي المصري.وكان الرفيقين مراد والهلالي هما مركز الثقل في بناء التنظيم الجديد وإعادة البناء حتى تم اغتيال الأستاذ زكي مراد في حادث سيارة يري عم عطية الصيرفي وآخرين أنه كان من تدبير مباحث أمن الدولة.
وحظي الحزب منذ مولده باعتراف الاتحاد السوفيتي وجذب عشرات الطلبة والعمال ودعم إضرابات المحلة ولكن اجتماعاً تم طلب خلاله أحمد حمروش من الرفيق زكي مراد مهادنة السادات لكن مراد رفض وكان ذلك بحضور المهندس فوزي حبشي وبعدها تم اغتياله.
يعرض عطية الصيرفي لدخول عدد ممن يسميهم الاشتراكيين الناصريين لصفوف الحزب الشيوعي المصري الذي كان يجمع فكر مختلط بين الاشتراكية العلمية والاشتراكية الناصرية الشمولية والاستبدادية ( صفحة 60).ويحدثنا عن تصعيد القيادات الناصرية في قيادة الحزب وهو ما يعتبره الصيرفي أنهم كانوا يصنعون حفاري قبر الحزب الشيوعي المستجد بأيديهم في وقت خلا فيه الحزب من رجل رشيد مثل زكي مراد . وأنهم أغدقوا عليهم المال والسفريات إلي موسكو والدول الاشتراكية وتفرغهم الثوري بينما أطيح بالعديد من قيادات الحزب مثل فوزي حبشي وميشيل كامل وأديب ديمتري وغيرهم.وبقي الرفيق الهلالي رحمه الله يجاهد للإبقاء علي الحزب وعندما فشل في ذلك خرج ليؤسس حزب الشعب الاشتراكي وأنه وصف وضعه في الحزب بقول الشاعر العربي :
أقمت فيهم مهاناً بين أظهرهم كأني مصحف في بيت زنديق
كما اندمج الجزء الآخر من شروق مع مجموعة الاستمرار وتشكل الحزب الشيوعي المصري 8 يناير ، واندمجت مجموعة حلقات مع التنظيم الشيوعي المصري وتأسس حزب العمال الشيوعي المصري واستمرت مجموعة التيار الثوري تعمل بنفس الاسم وبعض المجموعات التروتسكية .
شعرت الدولة المصرية بالخطر الجديد من ميلاد حركة شيوعية جديدة قوية وبأن العنقاء تبعث مرة أخري من تحت الرماد وتزداد قوة بزخم شباب الجامعات وبداية التحركات العمالية والتمرد علي التنظيم النقابي الحكومي.لذلك كان لابد من استخدام تنظيم الدولة في إيجاد قطب جديد لاستقطاب الوافدين الجدد واستيعابهم بدلاً من انخراطهم في منظمات اليسار الجديد.
لذلك أعلن السادات تطوير الاتحاد الاشتراكي ( التنظيم الأوحد لثورة يوليو وهو موروث من تجربة الحزب الواحد السوفيتية مع تمصيره ) وفكر في بناء ثلاث منابر باعتبار أن الفكر له ثلاث أجنحة يمين ووسط ويسار. وكان هو علي رأس منبر الوسط وجاء باتنين من تنظيم الضباط الأحرار ليصبح السيد مصطفي كامل مراد رئيس منبر الأحرار الاشتراكيين ( اليمين ) والسيد خالد محي الدين رئيس منبر اليسار.
لكن الشباب المتمرد لم يقبل بفكرة المنابر ورفضت معظم الأحزاب الجديدة الفكرة . باستثناء الحزب الشيوعي المصري الذي تبني الفكرة ولديه قيادات تربت في أحضان الدولة عبر عصور مختلفة ولديه عضويات وقيادات ناصرية ورأي أن يصبح التجمع الواجهة العلنية للحزب السري.وبذلك يمكن لعقلاء التجمع السيطرة علي اندفاع الشباب.وعند ميلاد التجمع ضم عدد من القيادات النقابية والفلاحية المكافحة وجذب قطاعات طلابية وشبابية واستطاع قيادة نضال عمالي وفلاحي حقيقي جذب الكثير من القيادات من خارج صفوف التجمع.
ولكن ظل هناك صراع في القيادة بين من هم داخل الحزب الشيوعي المصري ومن هم خارجه وكان ذلك سبباً في خروج مجموعات متوالية من التجمع منذ تأسيسه وحتي ما بعد ثورة 25 يناير .
كان تصاعد الحركة العمالية داعم للتنظيمات الجديدة التي كانت تعتمد علي النشاط العمالي والطلابي مع ضعف العمل في الأحياء وفي الريف كجزء مصاحب للحركة منذ نشأتها الأولي.
ما بين 1975 و 1995 اختفت تنظيمات الحركة الثالثة باستثناء الحزب الشيوعي المصري الذي استمر في علاقته بحزب التجمع.وبدأ التجمع منذ نهاية التسعينات تبني سياسة الأسقف المنخفضة باعتباره جزء من السلطة القائمة وليس باعتباره معارض لهذه السلطة.لذلك كانت مكافأته بتعيين 175 عضو له في المحليات وترك بعض الدوائر له.وفي انتخابات 2010 في قمة فساد مبارك والتي قاطعتها كل الأحزاب المصرية خاض التجمع الانتخابات ليعطي شرعية لنظام مبارك الفاسد مقابل 6 مقاعد في برلمان يضم أكثر من 450 عضو، وعندما بدأ التجهيز ل25 يناير اعتبر التجمع أنها محاولة من الشباب لإفساد الاحتفال بأعياد الشرطة.
لذلك عندما بدء التحضير لثورة يناير كانت الحركة الاشتراكية في أقصي مراحل ضعفها رغم وصول سياسات الليبرالية الجديدة إلي قمة الإفقار والتبعية وتصاعد الاحتجاجات العمالية منذ عام 2006 وميلاد نقابات عمالية مستقلة منذ عام 2008 ومنذ عام 2001 وحتى عام 2010 حدث أكثر من 3218 احتجاج عمالي ، ودخل موظفي الحكومة بشدة في الحركة الاحتجاجية بجانب العمال كما اتسعت احتجاجات القطاع الخاص والاستثماري.
غالبية التنظيمات الشيوعية السبعينية تمت تصفيتها باستثناء الحزب الشيوعي المصري الذي تعرض للعديد من الانشقاقات منذ نشأته. كما اندمجت مجموعة من المنظمات التروتسكية وتوحدت في تنظيم الاشتراكيين الثوريين.
ونجح الاشتراكيين الثوريين في جذب مئات الشباب إلي عضويتهم خلال التسعينات والألفية الجديدة ، كما غادره أيضاً المئات . ورغم اللغة الثورية التي يرفعها إلا أنه كان من أوائل الداعين للعلاقة مع التيارات الإسلامية باعتبارها تيارات شعبية والتحالف معها كضرورة لبناء التنظيم الاشتراكي.وحرص الاشتراكيين الثوريين علي التمايز علي كل قوي اليسار باعتبارهم العصبة الناجية، ومن ثم طرح تكتيكات يسارية بشكل دائم لضمان كسب الشباب لصفوفهم.ودائما كان لهم دور سلبي في الحركة الاحتجاجية بدء من إضراب المحلة وحتي إضراب الأطباء. وهم من دعوا للتصويت لعبد المنعم أبو الفتوح وعملت قياداتهم ضمن حملته الانتخابية ، ثم دعوا لانتخاب مرسي والتحالف مع الأخوان المسلمين .
يسار الدولة
من المهم أن نركز علي اليسار الذي يري أنه جزء من الدولة الرأسمالية وجزء من النظام أي نظام عبدالناصر أو السادات أو حتى مبارك وان بضع مقاعد في البرلمان تكفي لبقاء اليسار حي. هذا اليسار هو الذي وجد برنامج عبدالناصر أكثر جذرية من برنامجه،والذي اعتبر المعركة مع الاستعمار أهم من الديمقراطية،والذي قبل بالتعامل بالأسقف المنخفضة مع نظام مبارك .
إن هذا اليسار لا يملك مشروع بديل ولكنه مجرد معارضة يسارية من علي أرض الرأسمالية التابعة مع بعض التحسينات والإصلاحات رغم الإدعاءات والمسميات.والاشتراكيين الثوريين يتبنون نظريات بعيدة عن الواقع تمهد للتعامل مع القوي الاسلامية باعتبارهم قلب الحركة الشعبية.وهم يتعاملون باستمرار مع كل التحركات باعتبارها جواد يمكن أن نمطيه لنصل إلي نقطة جديدة وهكذا .
لذلك عندما تحركت الملايين في 25 يناير لم يكن لدي الاشتراكيين رؤية بديلة أو مشروع بديل للتنمية ولم يكن لديهم قوي جماهيرية وتنظيمات داعمة لحركتهم رغم تصاعد حركة الاحتجاجات العمالية منذ عام 2006 وحتى الآن.ورغم تصاعد الحركة الفلاحية وحركة مقاومة استعادة أراضي الإصلاح الزراعي والأوقاف وحركة مقاومة قانون الإيجارات الزراعية وتحول علاقات الإنتاج في الريف المصري ورغم احتجاجات المياه والزراعة في العديد من القري المصرية.
إن مهمة بلورة بديل ورؤية متكاملة للمستقبل ومشروع تنموي جديد.هي مهمة منوطة بكل القوي الاشتراكية المصرية ولبناتها الأولي موجودة في كتابات الاقتصاديين والسياسيين المصريين. وبعضها تبلور عبر كفاح ممتد عبر السنوات وله رموزه وإتباعه. لكن تظل أزمة غياب تنظيمات العمال والفلاحين وفقراء المدن والريف أكبر نقاط ضعف بناء المشروع البديل.
الموقف بعد ثورة يناير
كان لا بد من إعادة بناء وبعث جديدة للحركة الاشتراكية بعد ثورة 25 يناير . وقد كان من مميزات الفرز بعد الثورة خروج تيار اليسار الديمقراطي ليؤسس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي مع قوي أخري وإن كان جزء منه انضم للتحالف ثم غادره. وهو الوضع الذي كان ملتبسا منذ مطلع الألفية الجديدة وحتى 25 يناير . تبلورت أوضاع القوي الاشتراكية في تأسيس عدة أحزاب جديدة منها:
حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
بدأت فكرة الحزب كبديل جديد لحزب التجمع وكصيغة لتجميع عدد من قوي اليسار بدء من تيار الاستقلال في التجمع والذي خرج بعد استنفاذ كل وسائل تغيير حزب التجمع من داخله وتيار التجديد الاشتراكي كمجموعة خارجة من تنظيم الاشتراكيين الثوريين ومجموعات من جيل السبعينات والاجيال السابقة من ناحية وعشرات من الشباب الذين لم تكن لهم علاقة بالسياسة قبل 25 يناير أو من يسمون شباب الميادين.
حرص الحزب عند تأسيسه علي أن يسمي " التحالف " ويضع ضمن أدبياته أنه بيت اليسار العريض ومن العجائب أن تيار التجديد الاشتراكي رفض في البداية أن يسمي الحزب الاشتراكي ويسمي أسم عام فسمي التحالف الشعبي ليتمكن من ضم كل اليسار بما فيهم القوي الناصرية.ولكن مجموعة تيار الاستقلال في التجمع هي التي اشترطت إضافة اشتراكي لأسم الحزب الأمر الذي اضطر معه تيار التجديد للقبول بذلك لأنه يعتبر أن التحالف خطوة علي طريق الوصول لبناء الحزب الاشتراكي الذي سيضم كل الاشتراكيين الثوريين وأن التحالف خطوة لغربلة العضوية وفرزها.
لقد حاول الحزب أن يعمل كحزب متعدد الاتجاهات وأقرت لائحته وجود منابر حزبية داخله.لكن التجربة العملية أوضحت منذ تأسيس الحزب أن المكونات غير متجانسة مما أضعف فاعلية الحزب ووجوده الجماهيري.وكان هناك جدل مستمر حول طبيعة الحزب هل هو حزب عقائدي أم حزب برنامج سياسي وهل هو حزب إصلاحي أم حزب ثوري وهل هو حزب متعدد أم حزب موحد التوجه.
وإذا كان الحزب قد نجح في جمع أكثر من 6000 عضوية وانتزاع الشرعية كأول تنظيم اشتراكي علني إلا أن تناقض المواقف وصراع القيادة أفقد الحزب الكثير من حيويته.كما أن غياب التثقيف والتوجه السياسي للحزب في بعض الفترات أدي إلي حدوث أزمة بلغت زروتها بخروج مجموعات التجديد الاشتراكي واليسار الديمقراطي من الحزب وتأسيس حزب جديد هو العيش والحرية.
ويعمل الحزب خلال الشهور الأخيرة علي تنفيذ خطة للتثقيف وبناء العضوية مع إعادة فرز العضويات وبناء الوحدات الحزبية يصعب الحكم علي نتائجها الآن.
الحزب الاشتراكي المصري
يتميز الحزب الاشتراكي بالكفاءة الفكرية والسياسية لكوادره والتدقيق في معايير العضوية ولكن ذلك انعكس علي محدودية العضوية وضعف انتشاره في المحافظات.
حزب العمال والفلاحين
هو أحد الأحزاب التي نشأت بعد الثورة وتميزت بنزوع راديكالي وتركيز علي تحركات الميادين. كما نظم الحزب حملة شعبية بعنوان الفقراء أولا . لكنها لم تحقق النتائج المطلوبة وتقلصت عضويته كثيرا بفعل التغيرات السياسية الأخيرة.
الحزب الشيوعي المصري
استفاد الحزب من مناخ ثورة يناير وأعلن عن نفسه كحزب علني دون أن يتقدم بطلب تصريح من لجنة الأحزاب وباعتباره الوريث للحزب الشيوعي القديم. وظل علي علاقته بحزب التجمع وان كان قد خفف من التواجد نتيجة الوجود المستقل وفي محاولة لبناء مازال متعثر ومحدود التأثير.
هذا عرض عام لمسيرة القوي الاشتراكية حتى الآن ومنها نستخلص عدة حقائق :
1. إن محاولات بلورة نظرية اشتراكية مصرية وأدت منذ حزب العشرينات والانضمام للأممية ولازالت تحتاج لمن يستكملها.
2. إن جزء من القوي الاشتراكية كان متأثرا بالتوجهات السوفيتية فقبل قرار تقسيم فلسطين ثم قبل انقلاب مارس 1954 ثم حل الحزب وأنهي الوجود المستقل ودخل تنظيم السلطة وصار جزء من الدولة منذ منتصف الستينات.
3. إن الحركة الاشتراكية الحالية علي رغم اختلاف تلاوينها من الاشتراكيين الثوريين وحتى التجمع لا يوجد لديها مشروع بديل،ولا توجد لديها كتل جماهيرية تتحرك علي أساس سياسي وليس علي أساس شخصي أو عائلي أو قبلي .
4. أخطأت القوي الاشتراكية عندما قبلت بالتحرر الوطني مقابل الديمقراطية وعندما قبلت أنه لا صوت يعلو علي صوت المعركة وتحولت إلي جزء من النظام ولا يزال البعض يري أن المعركة مع الإرهاب والحفاظ علي الدولة أهم من كل الحريات وحقوق الإنسان.
القوي الاشتراكية واختيار الرئيس القادم
يبلور موقف القوي الاشتراكية من انتخابات الرئيس القادم عمق الأزمة وتطور الانحراف التاريخي وتطوره عبر مراحل التاريخ المصري.فعندما تفجرت ثورة 25 يناير فكرت قطاعات من الاشتراكيين في بناء منظمات جديدة تستفيد من زخم الشباب الثوري وتستعيد النفوذ وسط العمال والفلاحين.وفي انتخابات البرلمان لم تتمكن أحزاب اليسار من تمرير أي مرشح رغم نزاهة الانتخابات وتوقف دعم الدولة للمرشحين باستثناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الذي شكل تحالف ضم عدة أحزاب منها الاشتراكي المصري و ائتلاف شباب الثورة و حزب المساواة والتنمية إضافة إلي أحزاب التيار المصري وهو انشقاق عن جماعة الأخوان المسلمين ، والتحالف المصري ، و مصر الحرية عمرو حمزاوي.
ونجح للتحالف 6 أعضاء أبرزهم الأستاذ أبو العز الحريري في الإسكندرية والأستاذ مجدي الخريبي في الدقهلية. وفي انتخابات الرئاسة الأولي رشحت القوي الاشتراكية 4 مرشحين هم المستشار هشام البسطويسي عن حزب التجمع والأستاذ أبو العز الحريري عن التحالف الشعبي الاشتراكي والأستاذ خالد علي مستقل والاستاذ حمدين صباحي عن حزب الكرامة . بينما أيد الاشتراكيين الثوريين ترشيح عبد المنعم أبو الفتوح احد قيادات جماعة الأخوان المسلمين.
رغم ضعف الأحزاب الجديدة وعدم قدرة اليسار علي توصيل أكثر من نائبين للبرلمان وغياب أي منظمات جماهيرية وسيطة في الريف والمدن كان لدينا أربعة مرشحين في الجولة الأولي لانتخابات الرئاسة.وفي جولة الإعادة بين مرشح الأخوان المسلمين ومرشح النظام القديم دعي الاشتراكيين الثوريين وآخرين إلي عصر الليمون وانتخاب محمد مرسي باعتباره رئيس مدني في مواجهة أحمد شفيق العسكري . وقاطع العديد من المنظمات معركة الإعادة.
بينما دعت بعض الأحزاب ومنذ الجولة الأولي لحرية الاختيار لكل عضو لكي لا يكون لديها موقف واحد يمكن أن يؤدي لتفتيت العضوية للإبقاء علي الوحدة الهلامية والعدد دون تجانس فكري وسياسي.
وانخرطت القوي الاشتراكية في دعم حملة تمرد كأفراد .وعندما بدأ التحرك في 30 يونيه و 3 يوليه ثم 26 يوليه لتفويض المشير السياسي.اعتبر قطاع من القوي الاشتراكية ماحدث انقلاب عسكري متكامل الأركان وقد كان الأستاذ خالد علي من أوائل المتبنين لهذا التوجه،بينما اعتبر البعض أن الانقلاب جاء لدعم التحرك الشعبي فلا نسميه انقلاب !!!! بينما اعتبره قطاع آخر ثورة جديدة تضع مبادئ التحرر من التبعية والحرب علي الإرهاب علي رأس أولوياتها. واعتبرها البعض الآخر حلقة جديدة من ثورة 25 يناير .
لذلك من الطبيعي أن نشهد التباينات الحالية ما بين ثلاث مواقف:
الأول: يمثله حزب التجمع والذي أعلن مبكراً تأييده لترشيح المشير السيسي وفتح مقراته لحملة المشير.
الثاني : يمثله الحزب الشيوعي المصري ويترك لأعضائه حرية الاختيار بين أي من المرشحين.
الثالث : يدعو لمقاطعة الانتخابات لأنه لن تكون هناك انتخابات ولكنها تمثيلية انتخابية لا يجب أن ننجرف لها وهذا موقف الاشتراكيين الثوريين. بينما دعي حزب العيش والحرية إلي استكمال التوكيلات لحمدين ودعوته للانسحاب لفضح حقيقية التمثيلية التي يجري التجهيز لها.
بينما لم يعلن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي والحزب الاشتراكي المصري موقفهم النهائي من المرشحين حتى الآن.وإن كانت اللجنة المركزية للتحالف قد أعلنت أن حمدين صباحي وبرنامجه هو الأقرب إلينا ولكننا سنحدد موقفنا النهائي بعد إغلاق باب الترشيح واتضاح خريطة المرشحين النهائية.
لذلك يعاني الاشتراكيين المصريين من الانقسام حول الموقف من انتخابات الرئاسة ، وباستثناء دعوات المقاطعة التي لا تتعدي نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي وليس لها أي ظهير جماهيري يؤيدها.نجد حزب الدستور الليبرالي قد حسم موقفه بتأييد ترشيح حمدين صباحي ليزيد من أزمة وعزلة الأحزاب التي تأخرت في حسم موقفها.
أنصار ترشيح المشير السيسي نوعين الأول يتطلع لمعركة البرلمان ما بعد الانتخابات الرئاسية،وانه من الصعب النزول للشارع ضد الإرادة الشعبوية ثم الترشح لمجلس النواب.والاتجاه الثاني يري أن المشير هو الذي أنقذ مصر من حكم الأخوان وهو الذي يخوض معركة التحرر الوطني وواجه المخطط الأمريكي بخلع الأخوان ويواجه معركة شرسة مع قوي الإرهاب الإسلامي تحتاج لحشد كل القوي خلف القوات المسلحة والحفاظ علي الدولة المصرية من التفكك.
وهذا الفريق لا يري الدور الخليجي في دعم 30 يونيه ومليارات الدولارات التي تدفقت لحماية الأنظمة الخليجية من وصول رياح الأخوان المسلمين إليها ، ولا يري مناورات الجيش المصري والجيش الإماراتي ، ولم يسمع عن مقترحات ضم مصر لدول مجلس التعاون الخليجي .
بل ويعتبر المعركة مع الإرهاب والحفاظ علي الدولة هو الأولوية الأولي والديمقراطية تأتي في مرحلة لاحقة فلا صوت يعلو علي صوت المعركة.إنها نفس الأفكار التي ترددت علي مدي التاريخ ولكن بشخصيات جديدة تعاني من نفس الأمراض القديمة.
بينما يري الفريق الآخر أن حمدين ليس أفضل من يمثل اليسار ولكن الرهان علي انحيازه للديمقراطية في مقابل الاجراءت البوليسية التي بدأت بقانون حظر التظاهر وقانون الإرهاب وعودة عربدة الشرطة والدولة الأمنية.وإننا بحاجة لإطلاق الحريات العامة وإجراء بعد الإصلاحات الاقتصادية التي تحسن من شروط حركتنا لبلورة وبناء بديل تنموي متكامل علي طريق التحول الاشتراكي .
لقد حاولت خلال العرض المطول أن أوضح أن الانحراف الحالي في الموقف من ترشيح السيسي ليس وليد 30 يونيه ولكن له تاريخ ممتد بامتداد تاريخ الحركة الاشتراكية في مصر عبر العقود المتوالية.كما أن خلط الأوراق بين اليسار الماركسي واليسار الناصري حد من فرص بلورة قطب واضح المعالم ويلد دائما حلولاً مشوهة ومبتسرة.
لذلك نستطيع أن نقول أنه حان الوقت للفرز داخل المعسكر الاشتراكي بين يسار الدولة الناصري واليسار الماركسي الذي يريد بناء الاشتراكية المصرية ويستكمل جهود الاشتراكيين المصريين الأوائل.
والفرز لا يعني عداء للناصرية والناصريين علي العكس فإنا ادعوا لانتخاب حمدين صباحي وأدعم بلورة قطب ناصري خالص يجمع أقطاب الناصرية المناضلين ويبلور بديل وطني ديمقراطي ولكنه مختلف عن البديل الذي نحاول أن نبلوره.
الناصريين حلفائنا في معارك التحرر من التبعية والديمقراطية ولكن الاشتراكية التي نريدها والتي نسعي لبلورة رؤية لها مختلفة عن الاشتراكية الناصرية لأنها تعتمد علي تنظيمات العمال والفلاحين وفقراء القري والمدن وتعتمد علي المبادرات القاعدية والنقابات المستقلة والتعاونيات،وتعتمد علي إدارة محلية ديمقراطية ولا تعتمد علي حكم محلي يقوده لواءات الجيش والشرطة. لن تبني الاشتراكية إلا بوعي وإرادة الجماهير بديمقراطية تشاركيه من أسفل وبلورة رموز قادرة علي النفاذ لمجلس النواب والتعبير عن هذه التوجهات والمنافسة علي رئاسة الدولة وعدم الاكتفاء بدور التمثيل المشرف. نريد بلورة توجه تنموي جديد.
لقد كانت ثورة 25 يناير ثورة الطبقة الوسطي المدينية بجدارة ، وكانت ثورة 30 يونيه ثورة كل المصريين ولكنها ضمت قيادات الحزب الوطني والتجمعات القبلية والعشائرية وامتدت لتشمل الريف والمدن.
لذلك لن يتجاوز اليسار أزمته ويبلور قطب أو أقطاب وركائز حزبية حقيقية وفاعلة إذا لم يتصدي لأمية تزيد نسبتها علي 40% ولنلاحظ كم اللواءات الموجود في هيئة محو الأمية لنعرف مدي اهتمام الدولة بمحو الأمية.لن تبني الاشتراكية بشعب جاهل وعاطل وفقير.
لن تبني الاشتراكية بدون برنامج زراعي حقيقي وتنظيمات فلاحيه ونقابات وتعاونيات تحول الفلاحين الحائزين وعمال الزراعة إلي مشاركين حقيقيين وفرض برنامج لتحديث الريف وخوض معركة علي المستوي القومي ومعارك علي مستوي كل قري وكفور ونجوع مصر.
لن تبني الاشتراكية بدون تنظيمات العمال ونقاباتهم المستقلة ونضالهم المشترك وتوحيد حركتهم.وبناء تنظيمات حقيقية فاعلة وليس مجرد منظمات شكلية هشة عديمة الفاعلية ومشاركتهم في الإنتاج والإدارة.
لن تبني الاشتراكية بدون تنظيم الفقراء في القطاع الغير رسمي وفي الأحياء الشعبية والعشوائيات ودون خوض معارك الناس في السكن والمياه والصرف الصحي والكهرباء والنظافة والتعليم والصحة والثقافة والرياضة.
إن معركة الرئاسة الدائرة حالياً ليست نهاية المطاف ولكنها خطوة علي طريق تجهيز فريقنا ليكون لاعب رئيسي في الحياة السياسية.وبلورة أحزب حقيقية تستطيع المنافسة علي مقاعد البرلمان والمحليات ورئاسة الجمهورية بعضو من أعضائها لا برئيس الضرورة ، وتستطيع طرح بديل تنموي تلتف حوله الجماهير وتحارب من اجله.
المعركة صعبة والعدو شرس.نحن لن نحارب الرأسمالية المصرية فقط ولكننا نحارب الليبرالية المتوحشة بشبكات مصالحها وأجهزتها الأمنية واذرعها العنكبوتية. لكننا حتما سننتصر.
وأطلع علالي مصر في المسا
أسبح لفوق وأعدنا
في كل يوم بنزيد عدد
في كل ليلة بيضوي شباك جديد
نفس جديد
وعروق جديدة بتنتفض في المدد
يسعد مساكم يا صحاب
محمد سيف

إلهامي الميرغني
17/4/2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطائرات من دون طيار الفاعل الرئيسي الجديد في الحروب


.. سيول جارفة ضرب ولاية قريات في سلطنة عُمان




.. دمار مربع سكني بمخيم المغازي جراء القصف على غزة


.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: سنرد على إيران وقاعدة نيفاتيم




.. بايدن ينشغل بساعته الذكية أثناء حديث السوداني عن العلاقة بين