الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياب.. فراهيدي متجدد

شاكر الخياط
كاتب ناقد وشاعر

(Shakir Al Khaiatt)

2014 / 4 / 25
الادب والفن


قبل ان اخوض في هذا الموضوع لابد لي ان اتطرق الى معلومة قد تغيب عن ذهن البعض القليل وهي ان السياب كان يجيد قرض الشعر وهو قد كتب الشعر العمودي بقصائد كثيرة...وموجودة في مكتبة القارئ.. ولو لم يكن السياب بهذا العنفوان وهذا الحب للشعر العربي الاصيل ومعرفة اسراره وتفاصيله لما استطاع ان يبدع مجددا في انتاج الشعر الحر الذي ادى الى تطور كبير ليس في الادب على صعيد العراق انما على صعيد الوطن العربي.. والادب العربي عموما.. بل تعدى هذا الاهتمام على مستوى العالمية كذلك، ان من حسن الصدف بل ربما تكون هذه واحدة من حسنات القدر ان يجتمع الاثنان الفراهيدي الخليل بن احمد، والفراهيدي الجديد المتجدد ، في بلدة واحدة ومسقط راس واحد تتشرف البصرة ويتشرف العراق بهما مثلما افتخرت ولازالت با مثالهم من العمالقة والمبدعين الذين اثروا الادب العربي فاصبحوا مراجع وثروة لا يمكن ان نتجاهلها يوما...لعل البصرة في رايي هي واحدة من الاسباب التي حدت بالسياب الى ان يتوج جهده بهذا الابداع متراصفة ومصطفة مع جملة اسباب كثيرة، وهي نفسها التي ربما دفعت الفراهيدي الى ذلك الخلق الجديد الذي اصبح منهاجا يسير عليه الناظمون مثلما عرفنا بنتاج من سبق هذا الابداع وهذه حالة نادرة تؤشر في باب اخر الى عظمة ما اتى به الفراهيدي الاول.. ولعلني لا اجانب الحقيقة ابدا انما اكون في لبها على الدوام لو ارجعت الأخفش وبشار بن برد والجاحظ وسيبويه والفرزدق والاصمعي وابن المقفع والحسن البصري الى مدينتهم الرائعة البصرة، وربما آخرون فاتني ذكرهم لاستمرار البحث.. البصرة تلك المدينة التي مهما تكالبت عليها الازمنة والمصائب ومهما مرت عليها الذئاب والمتنمرة انفسهم لن تزيح عن شناشيلها وعشّارها سمة الخلود.. ولهذا فهي مدعاة فخر لكل صائب ومبدع، وهي ابعد ما تكون بالحب عن كل جاهل...
كان السيّاب شاعراً فذّاً اصطبغ شعره بصبغة الأطوار التي تقلّبت فيها حياته المعاشيّة والاجتماعية والفكريّة. لقد كان للسياب من الالم الذي عصره في شبابه الاثر الكبير في نبوغه، كما هو حال النابغين غيره، مضافا الى هذا شعوره بالغربة القاسية المؤلمة وهو في بيت ابيه، مثلما شعر بتلك الغربة في بيئته، وكان يبحث عمن يخرج قلبه الشديد الحساسية من اتون آلامه، ولربما كان موضوع المرأة في حياة السياب تلك الفتاة التي يريد ان يبوح لها بأسراره ومعاناته ويسكب روحه في روحها ولكي تنتشله من اوهامه ، وتُغرقه في عالمٍ من الحنان والرقة؛اثر واضح بل وطافح ايضا، ورافق ذلك كله تتبّع فكريّ وعاطفي لحركة الرومانسية التي شاعت في اوروبا والتي ازدهرت في بعض الأقطار العربيّة ولاسيّما لبنان المقيم والمهاجر، فاندفع في تلك الحركة، وراح في قصائده الأولى يداعب شجونه في جوّ من الضبابية اليائسة، وراح يناجي الموت، وينظر إلى مصيره نظرة اللوعة والحرمان، ويهوي في لجة عالمه المنهار، لم يبتعد السياب ابدا عن الخزين الثر والموروث الوافر للشعر العربي القديم فقد حفظ منه الكثير ، وهضمه ورصع به ديباجة شعره بصورة مباشرة وغير مباشرة، ففي الأسلوب برز التأثر واضحًا في مجموعة "البواكير"
وفي التراكيب التي رددها كنا نلاحظ أن أكثرها من الشعر العباسي، وقد نثرها السياب في مجموعاته المختلفة، وتظهركذلك التضمينات الشعرية والاقتباس واغلبها في ديوانيـه : "أنشودة المطر" و "شناشيل ابنة الجلبي"، وهذا يعني بلا ادنى شك أن الشاعر في نضجه الأدبي كان مقتنعًا بالتضمين على طريقة "إيليوت" بل ربما كان يفعل ذلك عن قصد، لان التضمين عند السياب له علاقة واعية مع القديم، وفيه إثراء للتجربة وتعميق للمعنى.
مثلما كان ذلك جليا في تطوير المضمون وملاحظة الأثر القديم، لكنه توسع أو عارض، وفي كلتا الحالتين يشحن معانيه الجديدة بطاقة لها جذور قوية في التراث.



هذه المحاولات كانت في المرحلة الأولى من مراحل شعر السيّاب، وهي مرحلة يمر بها اي شاعر حيث تستنتج وترى في شعره بداية لشاعر لم يكن يفكر فيما سينتج لهذه الامة من ادب جديد ومدرسة ومنهج جديد سيخلده الى يوم النشور..
لينتقل بعدها الى مرحلة تعتبر مرحلة الخروج من الذاتية الفرديّة إلى الذاتية الاجتماعية، التي انطلق الشاعر منها في نزعة اشتراكيّة ورومانسيته حادة، يتحدث عن آلام المجتمع وهموم الناس، ويُهاجم الظلم في أصحابه، وقد بدأ بمد جذور ابداعه الجديد في تربة الادب الخصبة مظهرا انه لم يتخلَّ عما قرا وحفظ لذا تراه غير بعيد عن العمود في مضمونه لولا الشكل، وهنا نؤكد على ان روح العمود في البيت الشعري القديم التي اطرها الفراهيدي ببحوره الخمسة عشر والتي اصبحت فيما بعد ستة عشر، هي ذات الروح التي دأب السياب عليها في تأطيره لبحور من الستة عشر، وهي ايقاعية التفعيل لتفعيلة واحدة مكررة مرتين في الشطر( البيت) او تفعيلة واحدة مكررة ثلاث مرات او تفعيلة واحدة مكررة اربع مرات، وبهذا يستخلص السياب التفعيلات الايقاعية في البيت الواحد والتي اجاز استخدامها مرة او اكثر حسب نظم الشطر في الشعر الحر اضافة الى بعض الجوازات لسنا الان بصددها... ويُصوّر ذلك مثلا في (حفار القبور) حين يقول:

واخيبتاه! ألن أعيش بغير موت الآخرين
والطيبات: من الرغيف، إلى النساء، إلى البنين
هي منة الموتى عليّ. فكيف أشفق بالأنام
فلتمطرنهم القذائف بالحديد وبالضرام

يرى بعض الباحثين إن السياب تأثر بشعراء عرب وأجانب في مراحل تطور تجربته الشعرية وبخاصة في الخمسينيات " في مرحلة الالتزام الماركسي وما تلاها " ناقلاً عن السيّاب قوله " إنه يحب البريطانيين وليام شكسبير وجون كيتس". وذكروا أن السيّاب كان يقول: «وأكاد أعتبر نفسي متأثراً بعض التأثر بكيتس من ناحية الاهتمام بالصور بحيث يعطيك كل بيت صورة، وبشكسبير من ناحية الاهتمام بالصور التراجيدية العنيفة. وأنا معجب بتوماس إليوت.. متأثر بأسلوبه لا أكثر… ولا تنس دانتي فأنا أكاد أفضّله على كل شاعر.» ويقول آخرون : إن السياب ذكر عام 1956 أن البحتري " أول شاعر تأثر به ثم وقع تحت تأثير الشاعر المصري علي محمود طه (الذي توفي عام 1949) فترة من الزمن وعن طريقه تعرف على آفاق جديدة من الشعر حين قرأ ترجماته للشعراء الإنجليز والفرنسيين" ويتطرق بعض النقاد إلى تأثر السيّاب بكل من أبي تمام والبريطانية سيتويل وينقل عنه قوله : «حين أراجع إنتاجي الشعري ولا سيّما في مرحلته الأخيرة أجد أثر هذين الشاعرين واضحاً فالطريقة التي أكتب بها أغلب قصائدي الآن هي مزيج من طريقة أبي تمام وطريقة إديث سيتويل». ولطالما أشاد السياب بالشاعر العراقي المعروف محمد مهدي الجواهري (1899-1997) الذي كان يلقب (متنبي العصر) واعتبره "أعظم شاعر" في ختام النهج التفعيلي للشعر العربي. ولم يعرف عن السياب تمرده على النصوص العربية مهما كانت درجتها من الابداع وكأن ولادة السياب في البصرة بالذات ومعاناته العائلية في طفولته ومعاناته الاجتماعية في حياته من غربة وغير ذلك، كانت تتجمع لتصبح كأسباب ومقومات خلق لمبدع خلاق ما كان بدونها سيكون كعبقريته الان...على ان الفراهيدي في علمه ( العروض) كان المثل الاعلى للسياب الذي لم يكن يفكر يوما بالخروج عن الذات التي اودعته هذه الملكة واظهرته من خلالها غير متنصل عن الاصل ولا لاهث كما هي الحال مع من يريد ان يصل اليه ( حاشاه من هؤلاء ان يقتربوا حتى) تجنيا وبهتانا ...على ان ما نلاحظه في هذه الايام من دعوات صارخة بلهاء ومن ضجة وحملة لإبعاد اصالة السياب عن نهجه الذي اوجده فخرا لنا وعنوانا بدعوى ان هذا تجديد ما هو في الحقيقة الا ابتعاد عن الاصل وليس فيه من التجديد لا قالبا ولا مضمونا.. ولا يمكنني ان انسى من حاورني يوما قائلا " لو ان السياب كان حيا لبادر اول المبادرين الى كتابة ما يسميه هو بــ ( شعر نثر).."
من هنا انتهز هذه الفرصة الجميلة لأولئك المدعين بالحداثة او التحديث او التطور ان يقرأوا الخليل ثم السياب بعد ان يكملوا قراءة المتنبي ثم يختاروا مدعاهم الباطل بعد حين... ومن ظن انني متزمت برايي فهذا خطأ كبير، لأنني لا اغمط الناس حقوقها ولم ولن اقف مهما اوتيت من مكنة وقوة بطريق التحديث والتجدد الا انني اريد ان نسمي الامور بمسمياتها.. فما كان شعرا هو شعر، وما كان نثرا هو نثر،، ولكل هويته الطيبة المبدعة الراقية ، ام ظن هؤلاء ان النثر هو اقل من الشعر؟ وهذه طامة كبرى









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا