الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النص الإبداعي بين القيمة المضافة والمحكمة

صلاح الصادق الجهاني

2014 / 4 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



كانت من ضمن قراءتي لصحيفة برقة اليانعة،عدد 36 للسنة الثانية، مقال عن الكاتب والمفكر الصادق النيهوم،الكاتب الذي آثار جدل خلال حياته ومماته،وقبل البدء في الموضوع نشكر صحيفة برقة التي فتحت الباب علي مصراعيه ليمارس الجميع هواية الكتابة.
إن ما كتب عن الصادق النيهوم،وليس عن فكر الصادق النيهوم، لم يكن تحليل أو قراءة لنص او استنباط تتبع فيه طرق البحث العلمي،وأدواته المتبعة في ممارسة النقد أو التحليل،وبالتالي لا يرتقي إلي مستوي النقد لدراسة فكر هذا الكاتب،وعند دراسة ماكتب الصادق النيهوم يجب إن نعي التالي:
إن الصادق النيهوم الذي اعتبره المحللين مدرسة فكرية متكاملة بكامل أدواتها،والتي لها انتماءاتها في النقد للمدرسة "الكلبية"،هي نتاج فكري متطور يخرج عن الكلاسيكية والتقليد المتبعة في الكتابة السائدة المعروفة،لكون كتابات النيهوم هي نتيجة تفكير منهجي وتحليل،لا يتوقف عند إعادة واستنساخ قراءات وإنتاج الآخرين،وبالتالي لا يخرج صاحبة عن مكاتبه الآخرين،بل هي قيمة مضافة للفكر الإنساني بما فيها من جديد إننا أمام حالة ترتقي إلي مستوي الإبداع،النيهوم يفجر قضايا لا يمكن للكثير الاقتراب منها أو تناولها،ويعتبرها الكثير منطقة محرمة،ولسنا أمام عقلية أفكارها جاهزة متكلسة ترفض ما يخالف سقف قراءتها،وتعتبر الخروج عليها هرطقة وكفر لكون العلم يضع هذه الأفكار والوعي الزائف بها محل الاختبار وتمحيص والتجريب ليصل ألي الحقيقة،ووعي شامل لكافة جوانبها وإبعادها،وهو ما بني علية أسس العلم.
وهنا علينا أن نعي ونفرق في مسالة القدسية،فالنص الديني المتمثل في القران له قدسية غير قابل للنقد لكونه منزل من الله تعالي وليس من صنع البشر،وبالتالي يترفع عن النقد الذي يوجه للنتاج الإنساني الذي لا يرتقي لمستوي القدسية،وعلي أي حال من الأحوال،فالعلم ليس له قدسية لكون حقائقه ليست ثابتة،وهي قابلة دائما للنقد والشك والاختبار للوصول إلي اليقين الذي يمكن اختباره وتطبيقه والتأكد من نتائجه،بينما الدين يتطلب الإيمان بالحقائق الربانية والنص المنزل الثابت.
إن الربط بين الدين الثابت ذي القدسية والعلم المتغير وليد الشك هو أساء للدين قبل كل شي،والحث علي طلب العلم في بقاع بعيدة من ظهر البسيطة لهو دليل علي تفرد العلم لعلم الرحمن بتغير وتطور ماهية الأشياء ووسائل كل عصر،ويقول نبينا الكريم في ذلك( انتم اعرف بدنياكم ) و أي محاولة لإعطاء قدسية لنص من صنع البشر تختبئ خلفها نوايا تحكم واستغلال للدين لسيطرة البشر علي بشر مثلهم، ونحن جميعا نعي كيف سخر الدين ولنا مثال بما حدث في العصور الوسطي من تحكم الكنيسة التي كانت تحمي الإقطاع،ووضعت حقائق العلم ثابتة حسب رويتها وربطها بالنص الديني بتفسيرات خاطئة،ودفع العلماء والمفكرين ضريبة ذلك بان شردوا واحرقوا ولعل قصة جاليليو ودوران الأرض الذي أثبتها العلم ورفضتها الكنيسة مثل واضح وتضارب أوقعت الكنيسة نفسها بيه،وكان نتيجة للفهم الخاطئ للعلاقة بين العلم والدين.
من هنا وعند الرجوع إلي ما كتبه النيهوم نعي انه يعي هذه العلاقة جيدا، ويؤمن بها مثل إيمانه بالله تعالي،ولا يقع في هذا الشرك النيهوم لا يضع العقيدة محل الشك،وهي الإيمان بلله ورسله وكتبة ويوم الآخرة،والتي يستوجب الخروج عليها فقط توجه الخروج عن الدين والكفر الأعظم، واشتراطات الإسلام في ذلك معروفة، ولا توجه تهمة نتيجة فهم أو قراءات خاطئة،قد تنتج عن حسن نية أحيانا أو غيره عن الدين،وهي كمقدمة خاطئة تكون نتائجها بالتالي خاطئة،وإساءة للدين وللبشر علي حد سواء.
إن اعتماد منهجية التكفير عند مطالعة عطاءات الآخر أو الاستناد علي مناقشات منقولة وبدون بذل اي جهد بالرجوع الي أدبيات الكاتب بالخصوص،والتي يوضح فيها أفكاره ورويته،والتي هي نقيض لما يطرح،وبالتالي فإن حجم التهمة تكون مثل المحكمة غير مخولة،التي تصدر الأحكام قبل المداولة أصلا وبدون أدلة واضحة وهي نتيجة لتزمت وفهم خاطئ وأحكام مسبقة علي الأفكار والأشخاص معا،وتربط سلوك المفكر ونتاجه بدون بصيرة لقيمة هذا النتاج الفكري.
إن أسس القراءة النقدية الملتزمة بالضمير المهني خصوصا؛عندما يتناول المرء نصا إبداعيا،لا ينبغي علية تحويله إلي محكمة ويتحول الناقد إلي قارئ،وقاضي،ومدعي عام،وهذا يتعارض حتى مع ابسط القواعد القضائية والقانونية، القراءة النقدية ينبغي لها أن تشكل قيمة مضافة إلي النص،وليس محاكمته،والإقلال من قيمته الإبداعية،فالكتابة هي حالة إبداعية لها ظروفها وعواملها المكانية والزمنية.
لقد أنسب ذلك المقال بصحيفة برقة إلي حوار بين الصادق النيهوم في ردهة فندق وبدون الرجوع للأدبيات الغزيرة للكاتب، دلالة علي بساطة تناول مثل هذه القيمة الفكرية لفكر الكاتب،إن النيهوم قد حلل ولادة المسيح بأنه كان ثمرة زواج السيدة مريم من يوسف النجار،عند الرجوع إلي المصادر الأصلية لصادق النيهوم وكتاباته لا يجد الباحث أي نص يعزز هذا الاتهام الباطل،والذي قصد منه وضع المفكر وأدبه في قائمة الإلحاد وتكفير،وتعمده للتطاول علي الآيات القرآنية الكريمة،وهذا محل الاتهام جزافي، لان القارئ الذي عاصر كتابات الصادق بالإسلام والقران وان بيئته إسلامية التكوين وولد من أب وأم يدينون بالإسلام جملة وتفسيرا.
ولكن الأمر يبدو له علاقة بالتفسير القاصر لفهم أدب الكاتب في سياقاته الموضوعية،خصوصا فيما يتعلق بالعبادات والمعاملات والكهنوت الإسلامي الوافد علي ثقافة المسلمين، لقد كانت تفسيرات الصادق لهذه القضايا متزامنة مع خطا المكان والزمان والملتقي، لأنه كان متفوقا علي زمنه وثقافته السائدة، هذا التباين بين المبدع وبيئته من الطبيعي أن يخلق فجوة بين الطرفين في الفهم والاستيعاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد