الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما يفعله البهاضمة يتكرر ج 2

حسين الرواني

2014 / 4 / 29
الادب والفن


كلما فتحت فيس بوك، يسألني بمَ تفكر؟
في الحقيقة، أفكر في شيء هو كل الأشياء، أفكر في سلامة، سلامة التي كلما امتلأت عيناي بوجهها، أو بطيف وجهها، رتلت شفتا رماد قلبي، ما تيسر من أورادي التي أكثر من تردادها في اعتكافات خاطري، تعبدا في حزني الممتد كالزمن على الزمن نفسه:
" سبحان شمس لونت..
وجهك بالشروق والغروب " .
سلامة التي لا شيء يذكرني بوجهها الربيعي الاشقر، لا شيء مما تظل الخضراء، او تقل الغبراء، سوى الشمس في مشهدين من مشاهدها، الاول حين تلدها ليلة حبلى حفظت كل تفاصيل مخاضها من كثرة السهر، والثاني حين تبدأ بصف خيوط شعرها الذهبي لتنام، حتى الشمس تنام في الليل.
هل لسلامة عرق من الاكراد، او الالمان، هل أحد اجدادها او جداتها من الكرد، تساءلت أكثر من مرة، وأنا أتصفح ملامح طيف وجهها الاشقر، ذي الفم الذي تمتد شفتاه أحيانا الى نهايتين حادتين، مزموتين قليلا، هكذا تكون غالبا حين تكون جادة بصمت، أو مشغولة بشيء من همومها، وذي العينين العسليتين، اللتين أرينني ما لم أر في عينين لأنثى غيرها، ألف لون، وألف تعبير، وألف سؤال، وجواب، وعتاب، وأمل، ويأس، كانت عيناها تمتلكان خزينا لا ينضب من الطاقة التعبيرية، عن كل ما سبق.

حين تكون سلامة أمامي، أنسى كيف أفكر، وكيف اتساءل، وكيف افرز بين ما هو مسموع، ومبصر، ومشموم، وملموس، ومعقول، وغير معقول، أمامها، تتحد في نفسي جميع المحسوسات، وتفقد حواسي الخمس الحدود الفاصلة بين كل منها، وتمتزج قواي الإدراكية، مع حواس جوارحي، لتصبح كلها طريقا واحدا، يؤدي بي الى سلامة، ووجودها الذي يكفيني عناء التفكر والتفكير، والروية في الجواب، والحرص على انتقاء الاسئلة، وسرعة البديهة, والفطنة، ومكر احاديث العشاق الملتوية التي يمهدون بها لطلب ما يشتهيه المحبون في خلواتهم، حتى هذه الامنيات، التي كانت عندي اقرب الى شعور الروح، من متعة الجسد، كانت غير مفهومة المعنى بدقة، على الاقل لمثلي، أمام كائن خلق للجمال، وخلقت لأعيش له.
حين كنت اخرج من بيت سلامة، كنت احاول جاهدا ان اتحاشى وداعها، كانت المسافة بين باب الغرفة والباب الخارجي، كافية بالنسبة الى متوسط الذكاء مثلي، للتفكير والعثور على طريقة مناسبة للتخلص من هذه اللحظة التي كانت تصيبي بشيء أشبه بالإقدام على الانتحار، لكن كان احتمال ان تنجرح مشاعرها، هو ما يفشل خططي البائسة تلك، او يفقدها أية أهمية تذكر، فخضر ليس مجنونا، على حد علمه هو، ليقدم على فعل شيء، يحتمل ولو احتمالا ضئيلا، ان يكون سيزعجها، ويعكر مزاجها، حتى لو كان هذا التعكر والانزعاج بعد رحيله، وحين كنت اضطر الى وداعها، أفعله باختصار، وقليل من الجفاف، وما أن أضع رجلي على الطريق الخارجي، وأدير ظهري للباب الزرقاء، وهي ممسكة نصفه المتحرك بكفها الأيسر الذي لا يلوح منه على الجزء الخارجي من الباب سوى الإبهام، وتتكئ بكتفها الأيمن على نصف الباب الثابت، حتى تبدأ عنقي في رغبة طفل اُخرج من جنة العابه انتزاعا، تقاوم اوامري التي يصدرها مساعدي المخول دائما، عقلي المتسالم الى دواماته التراجيدية المطاطية، اوامري الصارمة، بعدم الالتفاف الى وراء، لأن هذا الالتفاف، مهما كان بسيطا، فسيصحبه التفات عينين خائرتين، آيستين، تبتلعان كل ما بينهما وبين وجهها الاشقر المندس كعصفور بين نصفي الباب الازرق، ليلتهما منه ما يستطيعان من صور، سأتذكر كثيرا منها بعد حادثة الدفن الثاني.
أخبرتني مرة، أنها ظلت ممسكة بنصفي الباب بطريقتها المعهودة، وتمنت ان أدير وجهي اليها وأنا أسير مبتعدا عن بيتها الذي لم يكن بعيدا عن نهاية الشارع، فبيتها كان الثاني في ترتيب بيوت الدربونة، هذه المسافة القصيرة، كانت تشهد إطراقي المستمر برأس عجائزية ثكلى، إطراقي الملفت للنظر، الذي وصفته لي بتألم، في زيارتي التي تلتها، والتي لم تتكرر كثيرا بعد هذه المرة سوى مرة واحدة كما أذكر، حين ذهبت في وقت مبكر، يشبه ذهاباتي الكثيرة السابقة الى المسطر، كنت اتحرى من هذه التبكيرة، ان احظى بلقاء أبيها، الذي لا يخرج الى العمل ايام الجمع، رغم انه لم يكن يحصل على فرص عمل كثيرة اثناء ايام الاسبوع الاخرى، وأمها قليلة الخروج من البيت، إلا الى المستشفيات، او المقابر، او الاعراس والفواتح. جمعتهما في غرفته، واعتذرت منهما عن ...

في غرفتي، التي كان موقعها الجغرافي يتغير كثيرا خلال فصل السنة الواحد، بين ان تكون مخزن الاغراض القديمة وأكياس الطحين وبقايا سيراميك، ومدرج رفوف حديدي، في بيت بهضام الشبيه، أو تكون غرفة العائلة في بيت سلامة في الكرغولية، أو غرفة الاستقبال في بيت أحد الاصدقاء في الكمالية، او حي الضباط، او الرئاسة، او معسكر طيران الجيش، او أحد الارصفة في بغداد، في الكاظمية، او ساحة المتنزه في تقاطع المشتل والبلديات، او صالة الاستقبال في شقة خالي، او في كربلاء، او في غرفة ابو نور الخلفة البصري الساكن في حي الاطباء، او النجف، او البصرة، او في غرفة 13 الطابق الاول في فندق رزكار في شارع مولوي في السليمانية، او في غرفة رقم 24 في فندق الورود في البتاوين. او سطح بيت امير في المام ويس في الهارونية بديالى، غرفتي الزئبقية، التي لا تقر في مكان واحد طيلة فصل، توزعت بين ارصفة شوارع المتشردين، الذين لا يجمع قصصهم أي جامع، وبين ليالي الذل البهضامي، او ليالي الاختناق بالمهانة في بيوت المعارف، في جميع تلك الامكنة، كان طيف سلامة يلاحق ذاكرتي، بكل ما تجيده هي من حسن يفوق الاشتهاء، حتى اطغى لحظات التمني عندي، لم تكن تقوى على تمني جمال كجمالها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة