الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الوحي والتاريخ (1)

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 5 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


منذ قرون والرجل العربي يعيش في الوحي بعقله، وفي التاريخ بجسد دون عقل. وقد أسفرت هذه الفصامية عن هجرة العقل العربي للتاريخ، بينما بقي الجسد العربي يعيش مضطراً في غربة ونفور وامتعاض، وأحياناً في استعلاء تعويضي كاذب، إزاء واقع لم ولا يشارك في تطويره وتحسينه. هذه الفصامية العربية ما بين الوحي والتاريخ تلقي الضوء على الأسباب الجوهرية التي تجعل الرجل العربي مصمم الآن بغباء لا يُحسد عليه على استخدام أنجع اختراعات التاريخ في محاولة انتحارية لتدمير التاريخ ذاته. هذا الفصام الحضاري هو نفسه الذي دفع تسعة عشر انتحارياً عربياً لاختطاف عدة طائرات مدنية وتحويلها بركابها إلى أحزمة ناسفة، لا لشيء سوى التخلص من أبرز وأشهر معالم التاريخ الإنساني ورموز قوته في العصر الحاضر. هؤلاء لم يكونوا يستهدفون برجي التجارة العالميين أو مبنى الكونجرس أو البيت الأبيض أو البنتاجون تحديداً. في الحقيقة، هم كانوا يستهدفون التاريخ ذاته، ومن سوء طالع هذه الأبنية أنها كانت الصروح الحضارية الأشهر والأقوى على الإطلاق في تجسيد هذا التاريخ.

في الزمان والمكان يكمن الفرق الجوهري بين الوحي والتاريخ. الوحي مطلق بلا حدود وبلا بداية وبلا نهاية زمانية أو مكانية، ما يجعله وفق العقلية العربية ’صالح لكل مكان وزمان؛ لكن التاريخ ليس كذلك. على نقيض الوحي، التاريخ محدود ومحصور بأزمنة وأمكنة دائمة الدوران والحركة، ما يجعله هو نفسه دائم التغيير أيضاً. الوحي ثابت وأزلي وأبدي، لكن التاريخ حركي ونسبي ومتغير، بتغير ظروفه الزمانية والمكانية. هكذا بينما قد بقي العقل العربي ثابتاً وأزلياً وأبدياً داخل حدود الوحي، كان الجسد العربي في الوقت نفسه يقطع مسافات وعصور طويلة عبر ظروف التاريخ الزمانية والمكانية الحركية والنسبية والمتغيرة، الذي طور الجسد العربي القديم لآخر حديث ومعاصر شديد التباعد والاختلاف والتناقض عن الأول. مع ذلك، قد بقي العقل العربي قديماً مثلما كان في الأول. هكذا، في الوقت الحاضر، أصبح الرجل العربي يعيش بعقل قديم داخل جسد مواكب لأحدث الموضات والابتكارات العالمية.

في المنظور العربي الوحي هو القرآن، كلام الله الأزلي الخالد المنزل من السماء. وقد دارت حرب كلامية عبثية داخل العقل العربي قديماً حول ما إذا كان الوحي (القرآن) قديماً أو حديثاً. فريق خلص إلى كون كلام الله (القرآن) قديم، بمعنى أنه لم يخضع لفعل الخلق الإلهي مثل بقية الكون والكائنات السماوية والأرضية الأخرى ومن ثم لا يخضع لسنة التغيير والفناء الكوني الإلهية مثل الحياة والموت والخلق والعدم. إذا كان الوحي ’قديم‘- لم يخلق- هذا يعني أنه أزلي الوجود، ليست له بداية (خلق) أو نهاية (قيامة) مثل بقية عناصر الكون شاملة الإنسان نفسه. بالتالي يتحول الوحي (القرآن) إلى مطلق ويصبح، بالنتيجة، صالحاً للتطبيق في كل زمان ومكان. في المقابل رأى الفريق الحديثي أن الوحي وإن كان معناه إلاهياً أزلياً خالداً، إلا أن رسمه ولفظه (القرآن) مخلوقاً مستحدثاً مثل سائر مفردات الكون. هكذا تنشأ مسافة ما بين معنى القرآن المطلق الخالد من جهة ولفظه النسبي المخلوق من الأخرى، ما يفتح الطريق أمام إمكانية مخالفة ’النص‘ القرآني إلى درجة تسمح بالخروج عنه كلياً عبر تأويل الكلمة (رسمة القرآن) النسبية المخلوقة قياساً على معناها الإلهي المطلق، الذي يبقى مستقلاً ومنفصلاً عن كلام القرآن ذاته كسر من الأسرار الإلهية العليا ويصبح القرآن مجرد محاولة ضمن أخرى كثيرة سابقة وقادمة محتملة لثبر أغوار الغاية الإلهية العليا من الوجود.

وقد انتصر فريق قدم القرآن (الوحي) على خلق الوجود. منذ ذلك الزمن تحول الوحي (القرآن) إلى نص أزلي مطلق خارج نواميس وسيرورة الكون. وبينما كان الكون، التاريخ، في سيرورة مستمرة بقي الوحي (القرآن) ثابتاً خالداً، أو هكذا على الأقل أقنع العقل العربي نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 5 / 3 - 12:27 )
1- القرآن ؛ كلام الله الأزلي .
2- الأدله على صحة تواصل الله مع الأنبياء :
- دليل الحكمة : اذا بني انسان منزلا لغير هدف او غاية عدد ناه ابلها غبيا، فهل يعقل ان يخلق الاله الانسان العاقل لغير سبب او غاية.
- دليل الفطرة : اثبت علم النفس ان في النفس الانسانية شوق لمعرفة مصدرها والغاية من وجودها، كما ترفض فطريا الفناء بالموت، كذلك زود الله الانسان بالعقل القادر على طرح هذه التساؤلات. أليس من المستنكر ان يدع الاله مخلوقه الانسان دون عون او هداية؟.
- الدليل الأخلاقي : طرحه الفيلسوف الالماني الكبير (ايمانويل كانت) فقال : (ان ظمأ الطفل للماء هو اقوي دليل علي وجود الماء، وبالمثل فان شوقنا لوجود العدل هو دليلنا علي وجود العادل). ويعني الفيلسوف الكبير بذلك ان النفس الانسانية لا تقبل ان ينجو الظالم بظلمه ، لذلك تقبل ببداهة شديدة فكرة وجود البعث والحساب. الا يحتم ذلك وجود الديانات آلتي تخبرنا كيف نسلك لنضمن النجاة؟!.
- دليل الكتب السماوية : فإذا ثبت لك بالدراسة العميقة الأمينة صدق ما ورد في احد الكتب السماوية، فذلك دليل مباشر علي تواصل الاله مع الانسان.


2 - يا اااااخلف
عدلي جندي ( 2014 / 5 / 3 - 13:55 )
خلف الكاتب يتناول اشكالية جمود الفكر الاسلامي المعاصر ولم يتطرق الي وجود خالق من عدمه وحضرتك توكد وجهة نظر الكاتب بتكرار مقاطع تثبت جموده


3 - تًخَلٌفنا
هانى شاكر ( 2014 / 5 / 3 - 20:51 )

تًخَلٌفنا
___


لذلك يتفكه ألأفندية على ألبسطاء و يقولوا لهم : أنتم متخلفين تَخَلُف أزلى ..

عندما نرى أن بلادنا مصر مشلولة لأن كل مسؤل أو موظف فى ربوعنا ألسعيدة .. من رئيس ألوزراء إلى ألوزير إلى ألقاضى إلى ألمدرس إلى عامل ألنظافة ... يعيش مشلولا .. و أسير ألرعب ألدائم فيما ينتظره من عذاب ألقبر و ألنار إن هو تبول واقفاً ... نتوقع أن دورة ألتَخَلُف ألأزلى قد أكتملت و أننا قد وصلنا فعلاً إلى ألقاع .. و أن ألمستقبل مُشرق !

يا نديمى .. لاحت ألشمس ، فقم و أمض بنا
فلعل ألتخلف ألأزلى ... أن يغفل عن موكبنا


رائع أستاذنا

...


4 - جدلية
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 6 / 17 - 08:36 )
هل كان الله مجبرا على إنزال الوحي على الأنبياء سرا وفي خلوة لكي لا يراه ولا يشعر به إلا الأنبياء والرسل مثلا ؟
وهل كان ضروريا أن يجعل وسيطا بينه وبين مخلوقاته ؟
أليس من المعقول والمنطق أن يواجه الله مخلوقاته بدون أن يبعث لهم برسل مخاطبا إياهم من وراء الستار ؟
ولماذا لم يفعل ذلك مع الحيوانات والكائنات الأخر ى وما المانع من ذلك؟
ثورة الزلازل والبرا كن والإنفجارات الكونية والتقلبات المناخية والجاذبية المتأصلة في الكون وحركة النجوم والكواكب والشمس والقمر وتأثيره على كوكبنا والكواكب القريبة منه وتفعيلات أخرى في الكون لم نكتشفها بعد والإكتشافات المذهلة التي وصلنا إليها وما هو آت بعدها و هل
كل هذه الواقعية تحتاج إلى إله للعبادة ؟ وما جدوى هذه العبودية ؟
والقوى العليا للكون أهي إلى جانب الشر أم إلى جانب الخير ؟
وهل هناك سادية في الأمر الإلهي ؟ أم هو ود خالص ؟ أم كل هذه
الأسئلة مجرد حلم لا علاقة له بواقع الكون اللغز ؟

اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار