الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذابح -سيفو-... إحدى الفصول المنسية من تاريخ شعوب ضُحِّيِ بها على مذبح لُعّبَةِ الأُمم

جاك جوزيف أوسي

2014 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


"سيفو" ܣ-;-ܝ-;-ܦ-;-ܐ-;- كلمة سريانية تعني السيف باللغة العربية وهي ترمز إلى السلاح الذي استُخّدم في عمليات القتل الممنهجة التي تعرض لها المواطنون السريان والأشوريين في الدولة العثمانية عام 1915 الذي سُمِّيَ في الأدبيات التاريخية السريانية ب "شاتو دسيفو"، ܫ-;-ܢ-;-ܬ-;-ܐ-;- ܕ-;-ܣ-;-ܝ-;-ܦ-;-ܐ-;- أي "عام السيف".
هذه المذابح لم تكن الأولى التي تعرض لها السريان والأشوريين في الدولة العثمانية، فمنذ أواخر القرن التاسع عشر بدأت عمليات القتل الممنهج بحق الأقليات الدينية والعرقية في الإمبراطورية العثمانية. ويتفق معظم الباحثين في التاريخ التركي الحديث على أن سبب هذه المجازر يعود إلى يقين القادة العسكريين الأتراك بأن أي ثورة داخلية أو حرب أهلية ستؤدي إلى انفصال أجزاء واسعة من الإمبراطورية مثلما حدث في دول البلقان بين منتصف القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حين نالت معظم تلك المقاطعات استقلالها. كما أدت عمليات تتريك الشعوب القاطنة ضمن الدولة العثمانية واستعمال العنف المبالغ به لصهر كافة المكونات العرقية في البوتقة التركية إلى ردود فعل قوية وعنيفة أدت إلى انتشار الفكر القومي المعارض لهذه السياسة كالعربي والأرمني وإعادة إحياء النزعة القومية الآشورية/السريانية.
وقد بدأت أولى عمليات الإبادة على نطاق واسع سنة 1895 أثناء ما سمي بالمجازر الحميدية عندما قُتِلَ مئات الآلاف من الأرمن والسريان في مدن جنوب تركيا وخاصة بأضنة وآمد وذلك بعد اتهام الأرمن بمحاولة اغتيال السلطان عبد الحميد الثاني، وكان السبب غير المباشر لتلك المذابح ليس لإبادة الأرمن والمسيحيين، بل لتلقينهم درساً، ولإبقائهم في أماكنهم المختارة لهم في "نظام الملّه"، وذلك لإخماد حماسهم وإطفاء جذوة الشعور القومي عندهم، وخصوصاً الأرمن. غير أن السبب المباشر للمجازر التي حلت بالآشوريين/السريان، عام 1915، هي خشية العثمانيين من انضمامهم إلى الروس أو الثوار الأرمن وخصوصاً بعد فشل حملة القوقاز الأولى وكارثة معركة "صاري قاميش" التي حلت بالجيش العثماني بداية عام 1915 والتي اندلعت على إثرها عمليات القتل الواسعة ضد الأرمن.
كيف تمت عمليات القتل؟
تم استخدام العديد من الطرق في قتل المدنيين، وكان السلاح الأبيض الأكثر شيوعاً كونه غير مكلف ومنه أُشتق اسم المجازر بالسريانية. ويُروى أنه في بداية المجازر في آمد (ديار بكر) أُعتُقِلَ حوالي الألف من أعيان البلدة من الأرمن والسريان بتهمة حيازة أسلحة وبعد أن جُمِعَ مبلغ مالي مقابل إطلاق سراحهم قرأ عليهم مفتي المدنية خبر الصفح عنهم، وسيقوا بعدها في شوارع البلدة وضعوا في عوامات خشبية على نهر دجلة ليتم إيقافهم في ملتقى نهر بطمان بدجلة جنوبي المدينة حيث عروا من ملابسهم وذبحوا ورمت جثثهم بالنهر. في الوقت الذي قامت السلطات بأخبار ذويهم بوصولهم سالمين إلى الموصل. وقد قام العثمانيون بهذه العملية عدة مرات حتى أنه يروى أن أهالي الموصل كانوا يشاهدون وصول العوامات الخشبية الفارغة متبوعة بجثث المقتولين طافية على النهر، فقام القنصل الألماني هناك بالاحتجاج لدى والي الموصل غير أن الأخير ألقى اللوم على والي ديار بكر. وقد حاولت السلطات العثمانية بعدها إجبار كاهن الأرمن في المدينة على توقيع وثيقة تثبت وفات الأعيان بأسباب طبيعية غير أنه رفض، فقاموا بقلع أسنانه ونتف لحيته وتم اغتصاب زوجته وقتلها ثم فقأوا عينيه ودقوا مسمارا بجبينه.
وأثناء مجازر نصيبين وجزيرة ابن عمر الثانية في آب 1915 اقتيد الرجال إلى وادي بعيد وتم ذبحهم بعد تخييرهم بين الموت ودخول الإسلام. فقتلوا خلال يومين 800 رجلا. بعد يومين أرسلت بقية العائلات في عوامات خشبية، وبأعالي النهر تم التقاطهم من قِبل سكان محلّيين حيث تم اغتصاب النسوة وقتلهن ورمي جثثهن بالنهر.
وتعتبر قرية قرة باش شمال شرق آمد من أولى القرى السريانية التي تم إبادة سكانها بشكل شبه كامل. فبعد أن تم تجميع جميع قطع الأسلحة فيها، دخلها مجموعة من خمسين رجلاً وقاموا بجمع الرجال بها وقتلهم بعدها قام مسؤولان من حركة تركيا الفتاة بتحريض سكان القُرى المجاورة للهجوم على قرة باش واعدين إياهم بالغنائم مقابل إبادة سكانها. وبالفعل هوجمت القرية في أيار 1915 فنُهِبت المنازل وأُحرِقت كما قام المهاجمون باغتصاب النسوة وقتلهن. ويروي الدكتور "فلويد سميث" الذي كان عاملا بالإرسالية الأمريكية بآمد ما شاهده:
في 21 أيار استقبل مجمعنا ثلاثة أو أربعة أشخاص وفي اليوم التالي وصلت مجاميع من النساء والأطفال الأرمن والسريان. وقد أخبرني القرويون أن السكان المحليين هاجموهم قبل ثلاث ليالي في الوقت الذي قام الجيش العثماني بسد الطريق إلى آمد، غير أن البعض تمكن من التسلل إليها. ويمكن تصنيف أنواع الجروح التي تكبدوها إلى التالي:
1- جروح من جراء سيوف أو سكاكين على فروة الرأس والوجه والعنق والأكتاف والظهر والأطراف.
2- ثقوب ناتجة عن طلقات نارية على الأطراف.
3- جروح ناتجة عن آلات قاطعة ثقيلة كالفئوس.
وفي وقت لاحق، تم استهداف قرية "قابية"، فالتجأ سكانها إلى كنيسة "مار قرياقوس"، فتم جمع الرجال وربطهم وقتلهم حرقاً بينما اغتصبت النسوة في الكنيسة وقُتِلّنَ بالفئوس بحسب رواية إحدى الناجيات التي تمكنت من الهرب بعد أن اختبأت بين جثث أقاربها، وكان الذكر السعيد الحظ بالنجاة من هذه المحرقة فتى تمكن من الهروب بعد أن اختبأ في كروم العنب.
وبالرغم من صدور قرار بالعفو عن جميع المسيحيين ما عدا الأرمن، فإنه لدى ترحيل قافلة من النساء والأطفال باتجاه ماردين قام محمد رشيد باشا، والي آمد، بإيقافها في قرية "غوليكه" وجمع 800 طفل في أحد المباني وقام بإشعال النار فيه شخصياً.
والجدير بالذكر إن بعض عمليات القتل تمت بهدف الدعاية الإعلامية المضادة، فقد ذكر جوزيف نعيم، وهو قسيس كلداني نجا في مجازر الرها في كتابه "هل ستفنى هذه الأمة؟" أن عمليات الترحيل القسرية بدأت خلال آذار 1915, حين وصلت المدينة قوافل المرحلين الأرمن من الأرياف المحيطة بها وهم في حالة مزرية. بينما بدأت عمليات الإبادة بالشهر اللاحق وطالت جميع المسيحيين بدون استثناء. حيث قاموا بجمع بعض الذكور الآشوريين/السريان ابتداء من عمر السادسة عشر وقاموا بتعذيبهم وقتلهم في ساحات المدينة، ثم قاموا بتصويرهم على أساس أنهم مواطنون أتراك تم قتلهم من قِبل الأرمن.
ويبقى أن ننوه بأن محمد رشيد باشا، وفي معرض الدفاع عما اقترفته يداه قال أنه استلم أوامر الإبادة من خلال برقية من طلعت باشا وزير الحرب تحتوي على ثلاث كلمات فقط: أحرق - دمّر - أقتل (Yak-Vur-Ö-;-ldür).
في كتابه "مجد السريان" لمار غريغوريوس يوحنّا إبراهيم مطران حلب للسريان الأرثوذكس يصف النكبة التي تعرض لها السريان قائلاً:
لقد أودت الحرب بحياة حوالي مائة ألف سرياني في مختلف الأبرشيات وتركت وراءها عددً كبيراً من الأيتام والأرامل وضعضعت معظم الأبرشيات المهمّة، لا بل قضت على بعضها بسبب هجرة أبنائها الى بلاد الله. ودمّرت كنائس كثيرة وأديرة تاريخية في بلاد ما بين النهرين لعبت دوراً مهماً في سالف الأزمان في نشر الحضارة والمدنية، وتبعثرت المخطوطات الثمينة والذخـائر النفيسة والمكتبات الشهيرة، وخلقت جوّاً كئيباً في حياة السريان أينما كـانوا، وخسر السريان كمجموعة وكأفراد ممتلكاتهم من أموال منقولة وغير منقولة. وبالتالي تفـكّكت وحدة الطائفة الجغـرافية بالتقسيمات السياسية التي جاءت كتحصيل حاصل لمـخططات الاستعمار. وصحيح أنّ نهضة جديدة قامت في ربـوع سورية ولبنان بإعادة تشكيل أبرشيات سريانية في كـل منهما، ولكنها كانت على حساب أبرشيات أخرى سريانية زالـت من الوجود.
في الرابع والعشرين من نيسان، في كل عام، يتذكر السريان والأشوريين والأرمن، أجدادهم الذين سقطوا شهداء على مذبح شهوة السلطة التي انتابت مجموعة عنصرية تركية رأت أن مجد الأمة التركية لا يتحقق إلا بإبادة جميع المكونات التي لا تتقاطع دينياً أو قومياً مع التعريف الذي وضعوه لهذه الأمة. ويستنكرون بصمت التجاهل دول الغرب وبعض دول الشرق لمأساتهم التي رأت أن الإهمال والتغاضي عن هذه المجازر في سبيل ضم تركيا لصفّها، بما يمثله موقعها الاستراتيجي الهام اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، أهم وأنفع لمصالحها من اتخاذ موقف أخلاقي بحق شعوب قررت بعد أن دفنت أمواتها بحسرة وضمدت جراحها بصمت، أن تخرج من ظلام الموت إلى نور الحياة، لتجاهد في سبيل بناء مجتمع إنساني أكثر عدلاً وإنسانية، يُقدّم الحق على المصلحة، وكرامة الإنسان على المنفعة، ويُذكّر الإنسانية جمعاء بأن صمت دول العالم على ما حدث في تركيا في بدايات القرن العشرين هو ما جرّ عليها أهوال النازية ومآسي البلقان والمذابح التي تجري حالياً على امتداد الشرق الأوسط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل