الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس من التجربة الأمريكية

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2014 / 5 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لا شك أننا فى مصر مقبلون على تجربة إنتخابية جديدة بعد أسابيع قليلة حيث يختار المصريون رئيسا جديدا. هنالك أمران يتمنى الشعب أن يحرص عليهما رئيسنا القادم: سيادة القانون والصدق مع الشعب. من المؤكد أن تجارب الدول الديمقراطية العريقة كالولايات المتحدة الأمريكية قد تكون مفيدة لرؤسائنا القادمين. من المعروف أن المجتمع الأمريكى فى الوقت الحالى ليس مجتمعا نموذجيا خاليا من كل المثالب التى تنتشر فى المجتمعات الأخرى لكنه فى جميع الأحوال مجتمع ينتشر فى ثناياه ثقافة سيادة واحترام القوانين حيث يعتبر الأمريكيون شعبا منضبطا يحترم القوانين وقلما تجد مواطنا يتجاوز فى حق آخر فى الشارع الأمريكى لدرجة أن أحدهم قد يعتذر لو لمس طرف أصبعك أو مر أمامك وأنت تقف أمام نافذة عرض فى واجهة محل من المحلات. لعل التاريخ الأمريكى منذ نزوح الأوروبيين إلى الفارة الأمريكية يشير إلى أن الطريق لم يكن دائما مفروشا بالورود بل كان مليئا بالدماء والفوضى وإنعدام القانون. لقد تحول الأمريكيون خلال مائتى عام من شعب فوضوى يسيطر عليه عقلية رعاة البقر إلى شعب يحترم القانون. والغريب أن الشعب الأمريكى بات يتبنى قيما ومبادئ أساسية منها الصدق مع النفس والآخرين حتى فى مجال السياسة حيث يسود فيه مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة". وفى هذا المقال سوف نتناول بعض الأمثلة التى تؤكد حرص الأمريكيين على سيادة القانون وتفادى الكذب على المواطنين.

بدأ الأوروبيون يشدون الرحال إلى الساحل الشرقى للولايات المتحدة الأمريكية إبان القرن السابع عشر. لقد كانت بلاد العم سام قبل الإنفصال عن التاج البريطانى وإنشاء دولة مستقلة فى عام 1776م تعج بالفوضوى وكانت ثقافة الكاوبوى سائدة فى كل أرجائها. الجدير بالذكر أن الأمريكيين خاضوا حروبا ضارية مع السكان الأصليين ("الهنود الحمر") حيث قتل الكثيرون من هؤلاء السكان. تؤكد الدراسات أن عدد السكان الأصليين كان حوالى 12 مليون حين اكتشف كولومبس القارة الأمريكية فى 1492م وأنخفض هذا العدد إلى أقل من مليون بفضل الحروب والأمراض التى أدخلها الأوروبيون إلى القارة الجديدة. وفى القرن التاسع عشر شهدت الولايات المتحدة حربا أهلية فى الفترة من 1861 حتى 1865حيث حاولت ولايات الجنوب وعددها إحدى عشرة ولاية الانفصال عن ولايات الشمال غير أن الرئيس أبراهام لنكولن (الرئيس رقم 16) استطاع هزيمة الجنوبيين ومن ثم نجح فى توحيد البلاد. وفى عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين بدأت عصابات المافيا فى السيطرةعلى شوارع المدن الكبرى كمدينة شيكاغو حيث قامت عائلة آل كابونى بإرتكاب جرائم مختلفة وتحولت عصابته إلى دولة داخل الدولة.

لا شك أن تحول الأمريكيين من شعب يهيمن عليه "عقلية الكاوبوى" إلى شعب يحترم الفانون ويخشى انتهاكه لا يكمن فى طبيعة القوانين الأمريكية بل فى طريقة تطبيقها حيث إن أية محاولة للتأثير أو لعرقلة التطبيق تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بصرف النظر عن هوية مرتكب الجريمة. الجدير بالذكر أن جريمة عرقلة العدالة لا تتحقق فقط عند التدخل فى عمل القضاة فحسب بل أيضا عند التدخل للتأثير على قرارات النيابة والشرطة. لم تكد تمر بضعة شهور على تولى جورج بوش الأبن مقاليد الأمور فى الولايات المتحدة فى عام 2001م حتى قامت شرطة تكساس بإلقاء القبض على ابنتى الرئيس وهما تحاولان شراء الكحوليات من خلال بطاقات شخصية مزورة على اعتبار أن القانون فى تكساس لا يسمح بتناول أو شراء المنتجات الكحولية لمن هم أقل من 21 عاما. وكانت هذه هى المرة الثانية التى تلقى فيها الشرطة القبض على جينا بوش خلال خمسة أسابيع. أما عقوبة إرتكاب المخالفة فكانت عبارة عن غرامة 500 دولار وحضور ورشة عن أضرار الكحول وخدمة مجتمع وسحب تراخيص القيادة لمدة شهر. لقد أعلن متحدث البيت الأبيض أن الرئيس والسيدة الأولى لا يرغبان فى الحديث عن هذا الحادث المشين.

وفى عام 2002 كان جب بوش حاكما لولاية فلوريدا وأخوه جورج رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. ففى يناير من عام 2002م ألقت شرطة فلوريدا القبض على نويل ابنة جب بوش بتهمة محاولة الحصول على أدوية مهدئة من إحدى صيدليات فلوريدا بعد أن انتحلت شخصية أحد أطباء تالاهاسى (فلوريدا). لم يملك جب بوش وزوجته إلا إصدار بيان يطالبان فيه الصحافة باحترام خصوصية الأسرة. لم يستطع حاكم فلوريدا أو أخوه الرئيس الأمريكى أو أبوه الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الأب التدخل لدى شرطة فلوريدا التى تولت اجراءات التحقيق مع نويل بوش وأختها.

ويأتى الصدق مع النفس ومع الآخرين على قمة القيم التى لا يتسامح بشأنها الأمريكيون، وحتى فى مجال السياسة فالمواطنون لا يقبلون ولا يتهاونون مع الكذب. فى يونيو 1972م ألقت الشرطة القبض على أشخاص نجحوا فى اقتحام مقرات الحزب الديمقراطى بواشطن العاصمة. لقد استطاع صحفيان من صحيفة الواشنطن بوست أن يتوصلا إلى معلومات مفادها أن البيت الأبيض متورط فى هذا الاقتحام حيث سعى مساعدو الرئيس لوضع أجهزة تصنت لمراقبة أعمال الحزب المنافس. لقد أنكر ريتشارد نيكسون علمه بهذه الجرائم وأعلن أن البيت الأبيض لا صلة له باللصوص وفى نفس الوقت رفض تسليم التسجيلات التى تحتوى على أحاديثه داخل مقر الرئاسة إلا أن المحكمة العليا أصدرت حكما بضرورة تسليم التسجيلات لجهات التحقيق. الجدير بالذكر أن أحد شرائط التسجيل قد أوضحت أن نيكسون لم يكن على علم بتورط البيت الأبيض فى هذه الجريمة فحسب بل كان على صلة وثيقة بالخطط التى من شأنها عرقلة مجريات التحقيق فى هذا الأمر مما دفع نيكسون إلى الاعتراف بتضليل البلاد فيما يتعلق بتوقيت معرفة البيت الأبيض بتفاصيل الجريمة. لم يغفر الأمريكيون الكذب الذى مارسه نيكسون عليهم مما أفقده شعببته فى فترة وجيزة، فأضطر إلى تقديم استقالته فى 9 أغسطس عام 1974م ليصبح بذلك الرئيس الأمريكى الوحيد الذى أجبر على الاستقالة.

فى عام 1987م أعرب السيناتور الأمريكى جارى هارت عن رغبته فى خوض انتخابات الرئاسة الأمريكية التى سوف تجرى عام 1988م. فى هذه الأثناء سرت شائعات أن جارى يقيم علاقة غير شرعية مع إحدى الفتيات. وفى 3 مايو 1987م أجرت صحيفة نيويورك تايمز حوارا مع المرشح الديمقراطى المحتمل جارى هارت حيث نفى جملة وتفصيلا وجود هذه العلاقة بل ذهب أبعد من ذلك حين تحدى الصحافة الأمريكية أن تتبعه حيثما يذهب مؤكدا أن الصحفيين سوف يصابون بالملل لأنهم لن يجدوا شيئا يكتبونه عنه. ولسخرية القدر فإن صحيفة ميامى هيرالد نشرت مقالا فى نفس يوم صدور صحيفة نيويورك تايمز يوضح أن اثنين من الصحفيين قاما بمراقبة مقر إقامة المرشح حيث شاهدا فتاة وهى تخرج من المنزل. هاجم هارت الصحيفة زاعما أن الصحفيين لم يشاهدا مداخل المنزل للتأكد من الفترة التى قضتها الفتاة داخله. لم يكد يمر يومان حتى نشرت صحيفة مبامى هيرالد مقالا مفاده أن هارت قضى ليلة مع ذات الفتاة على ظهر يخت فى جزر الباهامازا واستطاعت الصخيفة أن تحصل على صورة للفتاة وتدعى دونا رايس وهى تجلس على ركبة السيناتور داخل اليخت. المثير للدهشة أن شعبية المرشح تدهورت لتصبح 17% بعد أن كانت 32%. والسبب فى هذا الانخفاض لا يعود إلى العلاقة غير المشروعة فحسب بل يرجع أيضا إلى الكذب الذى مارسه المرشح على الأمريكيين.

من هذا المنطلق فإن الدروس المستفاداة من التجربة الأمريكية التى أشرنا إلى بعض نماذجها تتلخص فى أمرين: احترام القوانين وتطبيقها على الخفير والوزير وتبنى مبدأ المصارحة وعدم السعى لتضليل الشعب حتى لا يفقد الثقة فى حكامه كما كان يحدث قبل الثورة. لعل الرئيس القادم يضع هذين الأمرين نصب عينيه خلال الفترة التى يتولى خلالها مقاليد أمور شعب نفذ صبره وأوشك على الانفجار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة