الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقابي والسياسي في عيد العمال

عبدالحق رحيوي

2014 / 5 / 8
الحركة العمالية والنقابية


النقابي والسياسي في عيد العمال.
في إطار الاحتفال باليوم العالمي للعمال، يبقى السؤال بماذا ستحتفل الشغيلة ؟ سؤال جديرا ويستحق التفكير فيه، فمن الناحية المنطقية الاحتفال هو شكل من أشكال التعبير عن الفرح والحياة، إن الاحتفال أرقى أشكال السعادة المشتركة، لأنه في الغالب لا يكون فرديا، على عكس الحزن أو ألم الذي يبقى تجربة فردية، وبتالي يكون لهذا الاحتفال دلالة ايجابية، ودليل على أن الشغيلة بخير. لكن إذا كان هذا مجرد خطأ لغوي، أو محاولة، للإضفاء على هذا اليوم طابعا سلميا، بدليل، أنه يوم للإحتفال، وليس للثورة، كما تعتقد البروليتاريا، فإن الأمر يضعنا بجدية أمام دلالة هذا اليوم وقيمته، وماذا يمكن أن يقدم للعامل، في حياته البئيسة والشقية.
قبل الحديث عن هذا اليوم العالمي للعمال، لا بد من تقديم لمحة موجزة عن تاريخية هذا الحدث، الذي يعد فكرة أسترالية الأصل، قبل أن تنضج في شمال القارة الأمريكية، ونقصد هنا كندا وأمريكا، فتعد تورنتو الكندية وشيكاجو الأمريكية المدينتين التي عرفت نضج سياسي لطبقة العاملة المؤمنة بحقوقها، في أواخر القرن التاسع عشر، هذه الحركية التي اتسمت بها الطبقة العمالية، تعكس حركية الفكر والواقع معا.فعلى المستوى الفكري لا يمكن بأي حال أن نفصل الحركة العمالية عن التصور الماركسي للعامل، والعمل، ورب العمل، هذا المثلث الذي تضيع فيه الحقوق، وتحدث فيه سرقة قيمة الإنتاج، بالإضافة الى التصورات الفلسفية التي بلورها كل من ديكارت، روسو، وكانط، .... الخ حول قيمة الانسان وكرامته، وأن الإنسان لا يقبل أن يكون عبدا أو آلة في يد البرجوازية، هذا التصور الفلسفي الذي حاول القضاء على كل الثنائيات والانشطارات التي مست بنية الإنسان، رجل / امرأة، عبد / سيد، عامل / رب العمل، وتوحيدها في مفهوم واحد هو الإنسان. كان له دور كبير في خروج من أشكال العبودية التي خضع لها العامل، على مر التاريخ. لذلك يمكن القول أن التصور الماركسي للعامل والإنسان تغذى من التصورات الفلسفية حول هذا الكائن، وكل ما قام به ماركس محاول تأسيس للطبقة العاملة سياسيا، لتتولى القيادة على المستوى الاقتصادي، والسياسي، وهذا لن يتم إلا من خلال كفاحها المرير ضد الطبقة البرجوازية المالكة للإقتصاد والسلطة والمعرفة.
ساهم التصور الماركسي للعامل، والفلسفي حول للإنسان، في تأصيل الوعي الثوري في مخيلة العامل، وحثه للخروج الى الشارع للتعبير عن مطالبه، وذلك من خلال فعل الاحتجاج، وعندما يحتج شخص ما، فإنه يعبر عن أزمة قد تكون أزمة فردية أو مشتركة، فالاحتجاج هو تعبير صريح على أن الوضع حرج وغير مريح، بل أن الفرد يشعر باضطراب في علاقته بالواقع والعمل، فالواقع لم يعد مطمئنا، والشغل يولد تدريجيا توترا للإرادة. هكذا إذن ساهمت الحركة الفكرية في القرن التاسع بظهور الحركة العمالية، وتعبير عن مطالبها وحقوقها وتعبير عن استلابها وراء الآت،خصوصا في ظل مكننة العمل، وظهور المشروع الصناعي الكبير، الذي يسعى الى تحقيق طموح برجوازية دون اهتمام براحة العامل وكرامته، ولم تكن تخلوا احتجاجات الطبقة العاملة من دماء الشهداء، فكانت تقدم دمها من أجل حقوقها، ولم تتخلى يوما عن مشروعها النضالي الهادف الى الرقي بالعمل والعامل، وأن يستمتع العامل بالحياة، بدلا أن تستمتع الآت بحضوره.
في إطار هذا الصراع بين العمال والطبقة البرجوازية، تم الاعتراف باليوم العالمي للعمال في فترات مختلفة من القرن التاسع عشر والعشرين، حسب تاريخ ظهور المصنع والعامل، وتشكل وعي هذه الطبقة، في كل دولة على حدة، ليتم الاعتراف به رسميا كيوم عالمي تحتفي به الشغيلة. إلا أن هذا الاحتفال في دلالته السيكولوجية ليس إنجازا للشغيلة، وإنما إنجازا حققته الرأسمالية، فهذا اليوم يسمح للعامل بالتفريغ عن مطالبه، إنه نوع من البوح يخفف عن العامل، سنة من الصمت المطلق داخل المعمل، يبوح العامل يحتج يعبر يفرغ مكبوتاته ليعود من جديد، الى آلته، إنه يوم يساعد العامل على التركيز مستقبلا، وعلى أن الاحتجاج أصبح له يوم في السنة. فعندما تريد أن تقضي على مضمون أي عمل، ما عليك سوى مأسسته، أي الاعتراف به وتنظيمه، وضبطه، من أجل مراقبته. هذا ما حدث مع اليوم العالمي للعمال، لقد أصبح فارغ من أي مضمون، فالعمال يخرجون الى الشارع يتحدثون يهرجون، يبوحون، ويعودون الى منازلهم، وكأن شيء لم يكن، تبدأ المطالب تقال وتتبخر، لا أحد ينصت الى مطالبهم، سوى شرطي يتقاسم معهم نفس خيبة الأمل، يتبادل العامل والشرطي نظرات في صمت، وينصتون معا الى المهرجون فوق المنصات، حيث سياسيون يمارسون نفاقهم المعهود، فهما يقتسمان نفس القدر.
هذا هو اليوم العالمي للعمال في المغرب، لا جديد يذكر، ولا تخطيط، ولا تفكير، ولا مطالب جديدة، الكلمات هي نفسها والشعارات خالدة تكرر بعفوية، والأشخاص تغيرت فقط ملامحهم، وتعددت معاناتهم. ما حدث في فاتح ماي هذه السنة، يحير العقول الرياضية والمنطقية، فالكل خرج للإحتجاج، من بنكيران والداودي وكذلك شباط ...الخ فكل يتحول في الفاتح من ماي الى مناضل ويلقي بجلبابه السياسة، فهؤلاء السياسيون الذين من المفروض، أن يخوضوا حوارات مع الطبقة العاملة والإنصات الى مشاكلها الأبدية، تصدروا الصفوف الأمامية، والكل حشد جيشه وخرج الى الشارع لكي يحتج. ويبقى السؤال المطروح من سيحتج على من ؟. مادام عامل النظافة وجد بنكيران في الصف الأمامي وقد تحول الى نقابي ورجل شريف وما يقال على بنكيران يقال على كل السياسيين، لكن ربما لبنكيران قصة مع التماسيح والعفاريت، التي ينبغي فضح قدرتها على الاختراق، وزرع الصمت في كل مكان، وربما هذا اليوم المناسب. لكن حتى التماسيح والعفاريت التي تحدث عنها خرجت الى الاحتجاج، وبشكل أكبر مما توقعه. في هذا البلد الكل يتهرب من المسؤولية، وكل ينتظر الفرصة ليعلن على أنه مناضل شريف، وأنه قادر على فعل ما عجز عنه الاخر، وهذا يعكس بوضوح أزمة السياسة والنقابة في المغرب.
عندما نتحدث عن العمل السياسي، فإن هذا العمل مات بمجرد ما تمت مأسسته داخل أحزاب تتناوب على الجلوس فوق مقاعد البرلمان، وتقبل بهذه اللعبة الشريفة، التي تعد من أخطر الخطط التي لجأت إليها الدول من أجل القضاء على العمل الثوري. وما قيل على العمل السياسي يقال على العمل النقابي فمجرد تم تأسيس النقابة، حتى أصبح من الممكن الحديث عن تاريخ وفاة العمل النضالي، لقد أصبح فارغا من مضمونه وما زاد الطين بلة، هو أن العمل النقابي في المغرب غير مستقل عن العمل السياسي بل خاضع له، عندما يخضع العمل النقابي الى منطق السياسي فمرحبا بك في عالم النفاق والتمثيل، وهذا ما حدث في اليوم العمالي سنة 2014م.
في حديثنا عن السياسي النقابي، والذي يشكل موضوعنا الأساسي في إطار اليوم العالمي للعمال، ينبغي أن نفهم بوضوح أن أزمة العمل النضالي، تتجلى بوضوح في تعدد الأحزاب والنقابات، وهذا التعدد لا يعكس تعدد الفكر لأنه لا يؤسس للإختلاف، وإنما هو خلاف مؤسس تاريخيا، يعكس بالدرجة الأولى تعدد المصالح. فالأفكار مهما اختلفت فإنها قابلة للإختزال، فالحقيقة واحدة لا يختلف حولها اثنان، أما الاديولوجيا حتى وان كان من المستحيل فصلها عن الحقيقة فإنها تنشطر الى اديولوجيتين. هذا ما يوجد في الدول المتقدمة سياسيا، حزبين وعلى الأكثر ثلاثة أحزاب، على عكس التجربة المغربية فهي غنية بكل معنى الكلمة، لقد أفرط السياسيون في التفكير فتناسلت الأحزاب، أصبح من صعب حفظ أسمائها جميعا، والغريب في الأمر أن أحزاب متوازية أعلنت منذ ميلادها أنها لن تلتقي، فأحزابا مازالت تعتقد أن الفضاء السياسي مسطح وأن مستقيمان لا يلتقيان إلا بإذن الله، فهي غير قابلة لأن تختصر أو تتوحد، فكل حزب تصوره، و برنامجه، ورمزا جميلا.
هذا التعدد الحزبي الذي بلغ درجة التضخم، يمكن اعتباره وصمت عار في زمن الديموقراطية والفكر المتحرك، يقابله في الجانب الآخر تعدد نقابي، نقابات بلا مطالب، ولا أوراق، ولا قيادات، نقابات متعددة الأسماء بتعدد الأحزاب، تظهر مثل القمر كل يوم من فاتح ماي، تطل من نافذتها، تنظر الى حكومتها، فتقول عبارات صادقة : "اذا احسنت نقول لها أحسنت واذا أساءت نقول لها أسأت". فهي لم تخضع بشكل مطلق الى الحزب وإنما تحافظ على قدرتها على النقد البناء، رغم أنهما في الغالب يقتسمان نفس المقر، ونفس الشعارات، ونفس الأشخاص.
وما أثار انتباهي يوم فاتح ماي حدث من كثرة غرابته، سيبقى راسخا في ذاكرة، فبعد أن ألقت جميع القيادات المنضوية تحت الاتحاد الوطني للشغل كلمتها بمناسبة اليوم العمالي، صعد في الأخير الكاتب العام لحزب العدالة والتنمية ليزكي الخطاب المهرج حول الطبقة العاملة، ، فبدأ من مقتل الحسناوي بفاس، وعرج على قضية الصحراء، وخاض في الحرب السورية، وأدان الانقلاب المصري، وكأن مائة مليون مصري ينتظرون من يتحدث عنهم، ومن يفتي في قضيتهم، لمصر رجالها، وسوريا مفكيريها، وللصحراء ملكها، المهم تحدث عن كل شيء إلا عن العمال، ولم يقترب من سياسة الحكومة، سوى ببعض كلمات المديح، مع كلمة نائب حزب، أسدل الستار عن القصيدة، ودفنت العديد من المطالب، الى اشعار آخر وتكون الكلمة أكثر قوة عندما يتقلد حزبا آخر قيادة الحكومة.
هذا بالضبط ما حدث وما سيحدث لاحقا، فبدلا من أن يكون هدف النقابة عمليا، وتنطلق في عملها انطلاقا من القاعدة، وتضع مطالب وحقوق العمال في أولويتها، أصبحت النقابة تدافع عن استراتيجية الحكومة والحزب، وتحولت الى أداة ايديولوجية فعالة في يد الحزب، فبدلا ما يؤسس الحزب لعمله السياسي انطلاقا من قاعدة جماهيرية، التي فشل في اقناعها نظرا للإخفاقات المتكررة التي راكمتها الأحزاب في المغرب، فإنه يجد هذه القاعدة في النقابة، فتوسعت دائرة الأحزاب، الى درجة أصبح الكل محزب، ولم يقوى الاتحاد المغربي للشغل، على قول كلمة في حق الحكومة، لكي لا يغضب اخوانه السياسيين، وما يقال على الاتحاد المغربي للشغل، يقال على كل النقابات تابعة سياسيا وماديا وفكريا لأحزاب معينة. فمتى يتحرر العمل النقابي من سلطة الحزب السياسي؟ وأي أفق للعمل النقابي، وما دوره ؟ هل تحول هذا العمل النقابي الى عمل موسمي ومناسباتي، مثل موسم جني الزيتون؟؟؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صدامات بين طلبة والشرطة الإيطالية احتجاجا على اتفاقيات تعاون


.. التوحد مش وصمة عاملوا ولادنا بشكل طبيعى وتفهموا حالتهم .. رس




.. الشرطة الأميركية تحتجز عددا من الموظفين بشركة -غوغل- بعد تظا


.. اعتصام موظفين بشركة -غوغل- احتجاجا على دعمها لإسرائيل




.. مظاهرات للأطباء في كينيا بعد إضراب دخل أسبوعه الخامس