الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر في التقرير الاستراتيجي الإسرائيلي 2014- ترجمة عليان الهندي- الحلقة السادسة

عليان الهندي

2014 / 5 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


التقلبات في مصر

إفرايم قام•
على مدار جيلين منذ ثورة الضباط الشباب التي وقعت في مصر عام 1952 تمتع نظام الحكم المصري باستقرار نسبي. واعتمد هذا الاستقرار على الدمج بين زعيم قوي وعلى دعم الجيش لنظام الحكم مقابل امتيازات كبيرة للجيش وقمع المعارضة عندما تشكل أي خطر على النظام. ورغم الاستقرار تعرض النظام لتهديدات تمثلت :مظاهرات كبيرة وقصيرة زمنيا نتيجة الأزمة الاقتصادية التي مرت بها مصر، المعارضة الإسلامية التي شكلت تهديدات للنظام بين الفينة والأخرى مثل قتلها للرئيس السادات، موجة التفجيرات التي قام بها المتطرفين المسلمين خاصة في تسعينيات القرن الماضي وعرف النظام كيفية مواجهتها وإبقائها تحت السيطرة. لكن إسقاط نظام مبارك أنهى فترة الاستقرار وفتح مرحلة جديدة من عدم الوضوح في مصر.

سقوط حكم الإخوان المسلمين
على مدار عشرات السنوات حلم الإخوان المسلمين باللحظة التي وصلوا فيها لسدة الحكم في مصر، واستعدوا للحظة سقوط نظام مبارك، الذي ترك ورائه فراغا منح الإخوان المسلمين الفرصة التي انتظروها طويلاً. ورغم أنهم لم يكونوا مفجرين الثورة، إلا أن وضعهم عام 2012 كان أفضل من وضع الآخرين حيث حصدوا أكبر حصة من مقاعد البرلمان متفوقين في ذلك على الاحزاب الليبرالية والعلمانية وكذلك على الشبان الذين فجروا الثورة بداية عام 2011 الذين تمت تنحيتهم جانيا. أما الحزب الثاني الذي فاز بالانتخابات فقد كان من أحزاب السلفيين. ومن الناحية العملية سيطر الإخوان المسلمين على البرلمان والحكومة والرئاسة. وطردت قيادة الجيش (الموجودة من فترة حكم حسني مبارك) من قبل الرئيس المصري محمد مرسي في إجراء سريع بالتعاون مع القيادات الأكثر شباباً في الجيش. والقياده العسكرية الجديده التي قادها وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي توقع منها استمرار التعاون مع الرئيس لأن الفضل في إبرازها يعود لمحمد مرسي نفسه. وفي الخارج، استقبلت الحكومات الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية نظام الإخوان المسلمين واعتبرته نظاماً شرعياً وبدءوا يلهثون خلفه سعياً إلى التعاون معه.
لكن في ذروة قوة نظام الإخوان المسلمين ظهر ضعفه وبدأت الأمور تشوش بعضها بسبب أخطاء النظام وبعضها بسبب الواقع المعقد والصعب الذي كان مطلوباً من الإخوان المسلمين مواجهته. ورغم سيطرة الإخوان على البرلمان والحكومة والرئاسة، ظل الجيش والجهاز القضائي وشباب الثورة مصادر قوة قوية. وفاز محمد مرسي بالانتخابات بأغلبية بسيطة 51.7% وكانت قوته من الناحية العملية محدودة. وفي ظل هذا الوضع حاول الإخوان امتلاك سلطات أكثر مما كان معارضيهم –قيادة الجيش ومنافسيهم وبعض فئات المجتمع– مستعدين لمنحهم إياها. وفي نهاية عام 2012، أقال مرسي النائب العام وأصدر أوامر حولته لرئيس محصن من أي مطلب قانوني ومنح مجلس الشورى حصانة من أية إمكانية لحله من الناحية القانونية وعين لجنة لصياغة الدستور الجديد سيطرت عليها شخصيات مؤيدة للإخوان.
وكانت النتيجة هي، مسودة دستور عززت دور الدين ولم يمثل الاجماع الوطني. وفي نفس الوقت، عين مرسي عناصر الإخوان بمناصب رفيعة في الدولة وبوسائل الإعلام القومية، ومنحهم سيطرة على الوزارات المهمة، وأقال جزء كبير من المحافظين وعين بدلاً منهم المقربين منه، كما اعتقلت السلطات نشطاء حقوق الانسان والإعلاميين الذين انتقدوا النظام وقيدوا حرية التعبير. ومن موقع القوة لم تأخذ قيادة الإخوان المسلمين بالحسبان أن الجيش سيتحالف مع القوى الليبراليه من أجل إسقاطهم. وعندما حدث ذلك كان الإخوان المسلمين خائري القوى ولم يستطيعوا منع طردهم من السلطة.
وعلاوة على ذلك، لم يهتم مرسي بإنشاء تحالف مع القوى غير الاسلامية لتحقيق المصالحة الوطنية لتوحيد الشعب. ورغم محاولته في البداية التمسك بإمكانية التعاون مع الجهات الأخرى في إدارة الحكم وتعيين نواب ومساعدين له من خارج الإخوان، لكنه سرعان ما تخلى عن هذه المحاولات معتمداً في ذلك على دائرة مغلقة من أنصاره. ويشار إلى أن مرسي فشل في استمالة قيادة الجيش لصالحه رغم أنه عينهم في مناصبهم. وبتلك السياسة أعطى مرسي الانطباع للكثيرين أنه يحاول تركيز كل الصلاحيات بين يديه ويعطي لنفسه صلاحيات ديكتاتورية وربما يسعى إلى إقامة دولة شريعة ذات بنظام رئاسي يملك فيها كافة الصلاحيات.
ونتيجة كل ذلك زادت الشكوك بقدره والتزام مرسي بأن يكون رئيس الجميع كما وعد، وببناء نظام سياسي يستجيب لتطلعات معظم الجمهور. ويجب التوضيح أن حكم الإخوان المسلمين لم يشهد تبني سياسة متطرفة خاصة في المجال الخارجي، بل كانت سياسة الإخوان الخارجية امتداداً لما سبقها. ومن وجهات نظر مختلفة لم تشهد السياسة الخارجية المصريه أي تحول، وربما يعود ذلك إلى اعتبارات الواقع أو الرغبة في اكتساب نقاط قوة إضافية قبل ان يتم تبني سياسة أكثر تطرفاً. وبناء على ذلك، حافظ الإخوان المسلمين على علاقة جيدة مع الإدارة الأمريكية من أجل استمرار تدفق المساعدات الاقتصادية وامتنع عن إقامة علاقات دبلوماسية مع إيران التي توقعت حدوث تغييرات في السياسة المصرية. كما أن العلاقات الإسرائيلية المصرية لم تدخل في أزمة رغم أن شخصيات مركزية في الإخوان المسلمين هاجمت إسرائيل. وعدم إجراء مرسي أي اتصال مع القيادات الإسرائيلية لم يمنع علاقات التنسيق بين الجيشين خاصة في كل ما يتعلق بالوضع الأمني في شبه جزيرة سيناء. وبالإضافة لذلك، كانت الحكومة المصرية الوسيط بين إسرائيل وحماس خلال عملية عامود السحاب وقامت بتعيين سفير جديد لها في إسرائيل.
وفي المجال الداخلي لم يحاول مرسي المس بمصالح الجيش ومكانته باستثناء تغيير القيادة القديمة، ولم يعمل على تقييد حريته في المجال الأمني وتركه يقيم علاقات مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل ولم يمس بمصالحه الاقتصادية. لكن الأهم كان في تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في مصر خلال فترة حكم الإخوان حيث ازداد الوضع الاقتصادي صعوبة لأن النظام أظهر عدم قدرة وعدم تفهم في كيفية إدارة دولة كبيرة فيها الكثير من التعقيدات مثل مصر، حيث ارتفعت أسعار المنتجات الأساسية ومن ضمنها أسعار المواد الغذائية بنسبة 50% منذ عام 2010، وازدادت البطالة خاصة في أوساط الشباب، وأصبح هناك نقص بالمحروقات وازدادت الاضطرابات التي قمعت بالقوة. وبلغت نسبة النمو عام 2012 مستوى منخفض وتقلصت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، ما تسبب في تراجع السياحة وتوسعت ظاهرة تهريب الأموال للخارج وازداد الدين الخارجي وامتنعت معظم دول الخليج باستثناء قطر عن تقديم مساعدات اقتصادية مهمة لمصر في اعقاب تحفظ هذه الدول من الإخوان المسلمين. ولم تعرف الحكومة الفاقدة للخبرة كيف تقدم الخدمات الأساسية وتضررت خدمات المواصلات وتراكمت أكوام الزبالة في الشوارع وتراجعت سلطة القانون والنظام.
وبالإضافة لذلك، انتشرت الجريمة لدرجة أصبح فيها المواطنين يخشون التحرك في أماكن معينة. وخلال فترة حكم مبارك كون الإخوان حولهم مشاعر وتعاطف شعبي كونهم يراعون احتياجات الشعب بواسطة تقديمهم خدمات تعليمية وصحية ورفاهية للمناطق الفقيرة. لكن خلال عام من حكمهم اتضح أن تقديم خدمات في دولة يبلغ تعداد سكانها 80 مليون نسمة هو أمر مختلف كليا، وعدم قدرة مرسي وطاقمه على إدارة الدولة وامتناعهم عن إشراك جماعات أخرى في الحكم صعب كثيراً من إمكانية الخروج من الأزمة. ونتيجه ذلك، تزايدت أعداد المصريين الذين لا يؤمنون بأن حكومة مرسي قادرة على إدارة الدولة وتنفيذ الوعود بتحسين الوضع الاقتصادي وفرض سلطة القانون والنظام العام وتقديم الخدمات الأساسية. وبدأ الكثيرون يعتقدون أن الإخوان المسلمين سرقوا الثورة لصالح رؤيتهم وأن حكمهم لا يختلف عن حكم مبارك. وعلاوة على ذلك، بدء النظام في أخونة الدولة الأمر الذي أثار الليبراليين واليسارين والجيش على نظام مرسي. وإلى جانب وظيفة الجيش الحاسمة في إسقاط نظامهم قامت الجماهير بدور مركزي وحاسم في إسقاط نظام مبارك، وبعد عامين نظام الإخوان. إذن نبع فشل الإخوان من عدم قدرتهم على إجراء حوار اجتماعي يؤدي لاستطفاف الجمهور حولهم، بل اعتمدوا على قوتهم العددية وحاولوا فرض موقفهم على الجمهور.
وكانت بداية النهاية في شهر نوفمبر عام 2012 عندما حاول مرسي تحصين نفسه من الاشراف القضائي حيث فهم معارضي الإخوان أنهم إذا لم يثوروا سيستمر الإخوان في حملة السيطرة على مؤسسات الدولة. ومن هنا ازدادت معارضة النظام. وساهمت عيوب السلطة الجديدة بإعادة ربط الجيش مع المجموعات الليبرالية ومع عناصر نظام مبارك وأعادوا القوة للشارع. وفي ديسمبر بدأت الملايين تخرج إلى الشوارع ضد سلطة الإخوان ووقع أكثر من 22 مليون شخص على عريضة تمت صياغتها من قبل حركة تمرد الشبابية، التي طالبت باستقالة مرسي وإجراء انتخابات فورية للرئاسة. ومن الجانب الآخر اتضح أن السلطة التي يقودها الإخوان كانت أكثر ضعفاً في مواجهة منافسيها خاصة أولئك الذين توحدوا ضدها. وتمثل ضعف سلطة الإخوان بالخطوات المترددة وغير الكافية لتعزيز سيطرتهم على مفاصل الحكم في الدولة. وجاءت الضربة النهائية في نهاية حزيران عام 2013 من قبل قيادة الجيش الذي أزاح مرسي عن كرسي الرئاسة واعتقل قادة الإخوان المسلمين والكثير من مساعديهم وأغلق المحطات الاسلامية ومكاتب الجزيرة في القاهره وتولى الحكم.

الجيش في الداخل - الإخوان في الخارج
طرد الإخوان المسلمين من مناصبهم، أعاد الجيش للعب دور مركزي في الساحة المصرية، وساعدهم في ذلك الجماهير التي خرجت للشوارع تطالب بعودتهم، الأمر الذي منحهم تأثيراً كبيراً على التطورات السياسية. وبعد إبعاد الإخوان عن سدة الحكم ،مباشرة بعد الانقلاب، وضع الجيش خارطة طرق لفترة انتقالية يتم من خلالها تشكيل حكومة انتقالية خاضعة لرئيس مؤقت. وتضمنت خارطة الطرق سلسلة مراحل من أهمها إعداد دستور جديد بدل الدستور الذي وضعه الإخوان الذين تم تجميده. وإقرار الدستور الجديد يؤدي إلى انتخابات برلمانية ورئاسية. وترأس لجنة إقرار الدستور وزير الخارجية السابق عمرو موسى، وضمت في عضويتها مندوبين عن القوى السياسية في مصر باستثناء الإخوان المسلمين. وضمت الحكومة الجديدة التي تم تعيينها وزراء تكنوقراط من دون أي انتماء سياسي، لكنها ضمت بعض وزراء خدموا في عهد مبارك. وتم الانتهاء من صياغة الدستور في نهاية عام 2013 حيث ستجري بعده انتخابات الرئاسة والبرلمان. ولا بد من الاشارة أن الدستور الجديد وسع من صلاحيات الجيش بما في ذلك محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية وحق الاعتراض على قرار الرئيس تعيين وزير الدفاع من دون موافقة الجيش المسبقة.
بشكل عام، تطبيق خارطة الطريق التي وضعها الجيش ليست بالأمر البسيط. وعمل الحكومة المؤقتة كما لمس ذلك من الأشهر السابقة ضعيف ولم يحسن كثيراً من مستوى تقديم الخدمات الأساسية. وحل مكان الإخوان تحالف ضعيف ضم الجيش والمجموعات الليبرالية وعناصر نظام مبارك، الذين لا يملكون أية أهداف ومصالح مشتركة. وعلاوة على تقليص قوة الإخوان والجماعات الاسلامية المختلفة، لا توجد للحكومة الحالية رؤية واضحة حول كيفية تطبيق خارطة الطرق، وتتحدث عن مصالحة وطنية لكنها لا توضح كيف ستحققها. وفي غضون ذلك، ظل الإخوان المسلمين خارج خارطة الطريق. غير أن تعزيز قوة الجيش واستخدام القوة ضد التنظيم وتطبيق قوانين الطوارئ وإغلاق قنوات التلفزة الإسلامية لا تبشر بالتوجه نحو الديمقراطية، حتى المجموعات الليبرالية لا تشعر بالراحة من التطورات الحاصلة رغم أنها معنية بتقييد تأثير التنظيمات الاسلامية. وفي نهاية عام 2013 وجهت انتقادات ضد حكم الجيش من أوساط علمانية وليبرالية عارضت سابقا سلطة الإخوان وعبرت عن شكوكها في استمرار التحالف مع الجيش.
والمشكلة الأساسية التي يواجهها الجيش والحكومة المؤقتة هي :كيف يمكن معالجة موضوع الإخوان المسلمين. الجيش تدخل من أجل طردهم من الحكم، ولم يعلن أن هدفه وقف أسلمة مصر أو لمساعدة التيارات الليبرالية، بل تدخل لشعوره بدوره في وقف تدهور الأوضاع في مصر عندما لم يجد طرف قادر على القيام بذلك. لكن تدخل الجيش ألزمه باستخدام القوة ضد الإخوان وضد الجهات الاسلامية الأخرى، مستخدماً في ذلك الرصاص الحي والاعتقالات والعمليات العسكرية الواسعة في سيناء وخطوات طارئة. وإضافة لذلك، وضع الجيش نفسه كأقوى طرف في مصر بأية مواجهة داخلية، يسعى من خلالها إلى قمع التنظيمات الإسلامية ويدعم من الناحية العملية المجموعات الليبرالية.
وهذا الوضع يطرح علامات استفهام وأسئلة مثل :ما هي نوايا القياده العسكرية، وهل ترغب بالبقاء كطرف مسيطر على مصر لفترة طويلة ؟. أم أنه سيترك الساحة السياسية ويعيد الجيش لقواعده السابقة ؟. وهل سيستخدم القوة من أجل التأثير على طابع النظام، إن كان ذلك –أي سلطة سيفضلها الجيش ؟. وهل سيعيد الجيش مصر لعصر القمع السياسي الذي مارسه نظام مبارك ؟. أو يشجع عملية دمقراطية الدولة ؟. وهل تتعاون المجموعات الليبرالية والشباب مع الجيش ضد الإخوان المسلمين ؟.
حتى هذه المرحلة، لا توجد للأسئلة المذكورة أجوبة واضحة. ويبدو أن الجيش نفسه لم يقرر كيف يتصرف، لكن يمكن اقتراح عدة افتراضات أساسية هي :أولا، يقول وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي أن الجيش لا يرغب بالسيطرة بشكل مباشر على مصر، لكنه لن يترك مهمته الأساسية قبل أن يتحقق الاستقرار في الدولة وتتبلور جهة قادرة على قيادتها، وهذه العملية ستستمر فتره طويلة. ثانياً، لا يبدو أن الجيش سيسمح للإخوان المسلمين بالسيطرة على الدولة بعد محاولة الحكم الفاشلة التي استمرت عام. وتؤكد الصلابة التي أظهرها الجيش في قمعه لقيادات الإخوان ومؤيديهم ،مع عدد كبير من القتلى والانتقادات الدولية، على إصراره على منع تحويل الإخوان لعنصر قائد في الدولة مستقبلا، خشية أن يؤدي وجودهم لحالة من عدم الاستقرار ولتدهور الاوضاع من جديد. ثالثا، يدرك الجيش أن منع استمرار تدهور الأوضاع ،ومن أجل مواجهة المشاكل التي تعيق تقدم الدولة، ونظرا لقوة وتأثير الإخوان، من الضروري التوصل لحل وسط ومصالحة مع هذا التيار ُيمكن من دمجهم بطريقة ما في السلطة.
لكن وضع التنظيم المعقد يخلق صعوبات للتوصل إلى مصالحة وتسوية. وسبق أن تعرض الإخوان لضربة قوية جداً بعد أن تحقق حلمهم بالوصول إلى السلطة بناءاً على رغبة أغلبية الشعب. الان، يعتبر الإخوان مصدر وجهة فاشلة ووقف ضدهم معظم الشعب. واحتل الجيش مكانهم في السلطة الذي يرى بهم طرف مسئول عن تدهور الاوضاع ويصر على منع عودتهم للسلطة. ورغم قدرة الجيش على مواجهتهم، فإن قدرتهم على تجنيد الملايين تضررت بعد اعتقال الكثير من قيادات الجماعة وعناصرها. كما تدعم المملكة العربية السعودية ودول الخليج الجيش. وفي ظل هذا الوضع، لا يوجد للإخوان المسلمين استراتيجية واضحة وهم مربكون ويعملون بطريقة مثيرة للمشاكل.
فمن جانب ما زال الإخوان المسلمين يملكون قوة مهمة –فهم الأكثر تنظيماً ويتمتعون بدعم شعبي واسع ويملكون القدرة على تحريك مئات الالاف من مؤيديهم للشوارع. وعلاوة على ذلك، إيمانهم الديني وشعورهم بأنهم ضحايا وأن الحقيقة معهم وشعورهم بأن السلطة سرقت منهم بالقوة وبطرق غير شرعية، تخلق صعوبات أمامهم للتوصل لحل وسط. ولهذه الأسباب رفضوا عدة اقتراحات من ضمنها اقتراح الجيش بالمشاركة في الحكومة التي شكلت بعد إقالة مرسي. وكان ردهم التقليدي هو المطالبة بعودة الشرعية الدستورية، أي عودة مرسي لمنصب الرئيس والاعتراف بالدستور الذي تمت صياغته في عهده. ومن الجانب الآخر، وإذا رغبوا بإعلان العصيان المدني فإن الشعب سيتهمهم بالمسؤولية عن تدهور الأوضاع التي قد تصل لحرب أهلية. وإذا حدث ذلك سيضطرون للعودة للعمل السري ويفقدون قدرتهم على العمل في الساحة السياسية، التي حققت لهم انجازات مهمة في المراحل السابقة.
وعلاوة على ذلك، أصدرت محكمة القضايا المستعجلة في نهاية شهر سبتمبر 2013 قرارا بمنع كل النشاطات السياسية والاجتماعية للإخوان المسلمين، وأغلقت كافة المكاتب والمؤسسات التابعة لهم في المحافظات المصرية المختلفة، وقررت توكيل الحكومة بتشكيل لجنة لإدارة الأموال للتنظيم إلى حين صدور حكم نهائي بخصوصها. وأعاقت الحكومة تنفيذ القرار، لكنها عدلت عن ذلك وأعلنت عن حل جمعية الإخوان المسلمين. وفي نهاية شهر ديسمبر عام 2013 أعلن عن الإخوان المسلمين تنظيم إرهابي في أعقاب تفجير انتحاري تسبب بمقتل 14 من عناصر الأمن. وبهذه الطريقة أصبح الإخوان عدوا للنظام.
ونتيجة ذلك، برز خلاف داخل الإخوان حول المصالحة مع الجيش والاندماج بالحياة السياسية أو الانتظار لحين تلبية شروطهم. وحتى الان لم يستجب الإخوان لاقتراحات الجيش وللوساطات الخارجية من قبل بعض الجهات الغربية للانضمام للحكومة، ومن الواضح أن الجيش لا يستطيع الموافقة على مطالبهم الأساسية. كما رفض الإخوان المشاركة في لجنة صياغة الدستور خوفا من منحهم النظام الجديد شرعية، رغم أن حزب النور السلفي قرر المشاركة في لجنة الدستور لرغبته في التأثير على اللجنة كي تحدد دور الدين في حياة الدولة. ومع ذلك، ورغم مطالبة قيادة الإخوان بانتفاضة شاملة ضد نظام العسكر وضد الحكومة المؤقتة، إلا أنهم اكتفوا بعصيان مدني محدود وباستخدام محدود للقوة هنا وهناك، وامتنعوا عن تحدي الجيش والحكومة خوفا من فقدانهم بقايا تأثيرهم وقوتهم. السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما هي السياسة التي سيتبعها الإخوان المسلمين على المدى البعيد، وهل يملكون القدرة على الاعتراف بأخطائهم والتعلم من أسباب فشلهم ؟. لكن الخوف الأساسي هو وصول التنظيم لاستنتاج بأن مشاركته في المسيرة الديمقراطية أوصلته للحكم، لكنها لم تبقيه هناك، لأن خصومهم تأمروا عليهم، بما فيهم الجماعات الليبرالية الذين لم يتصرفوا وفق قواعد الديمقراطية التي ينادون بها. ومن هنا، لن يكون للإخوان رغبة بالمشاركة في العملية الديمقراطية، ومن الأفضل لهم التوجه نحو القوة والعنف، مع عقد تحالفات مع الجهات الإسلامية أخرى. وتدهور الأوضاع في سيناء يشير إلى الرغبة المذكورة أعلاه.
وفيما يتعلق بسيناء، لا بد من الإشارة أن قوات الأمن المصرية لم تفرض سيطرتها بشكل كافي حتى خلال فتره حكم مبارك، وبعد اسقاطه. لكن بعد اسقاط مرسي توفرت أجواء الفوضى والتمرد خاصة في منطقة شمال شرق سيناء، المحاذية لقطاع غزة وإسرائيل وفي وسط سيناء قرب قناة السويس. ويعمل في سيناء مئات المخربين المنظمين عسكرياً ويتلقون تعليمات من مستويات أعلى. والمجموعات المتطرفة المذكورة تتضمن بدو مسلحين مرتبطين بمليشيا جهادية سلفية ويعملون في تهريب المجموعات المسلحة المرتبطة بالتنظيمات في غزة ومقاتلين مسلمين تسللوا للمنطقة من العراق واليمن، ويرتبط بعضهم بعلاقات مع القاعدة. ولا بد من الإشارة أن البدو ليسوا من داعمي الإخوان المسلمين بالضرورة. بل شهدت مناطقهم ظاهرة التطرف في السنوات الأخيرة، ويحاولون استغلال اهتمام الجيش في الشئون الداخلية من أجل تحقيق مصالحهم والاستجابة لمطالبهم. وفي أعقاب إسقاط مرسي أعلنت هذه المجموعات عن تشكيل "مجلس حرب" يستخدم القوة ضد الحكومة الحالية وقوات الأمن. وعلى الأرض تهاجم خلايا البدو المسلحين دوريات ومواقع الجيش والشرطة ومحطاتهم ويختطفون موظفي السلطة. وحسب تقييمات الجيش الإسرائيلي، نفذت في شهر يوليو وآب من عام 2013 أكثر من 300 عملية ضد قوات الأمن المصرية في سيناء وصلت في ذروتها لمقتل 25 شرطياً كانوا في طريقهم لمنازلهم.
وعلى ضوء تدهور الأوضاع في سيناء، شن الجيش المصري منذ أواسط آب عام 2013 هجوم واسع، خاصة في شمال شرق سيناء من أجل اجتثاث هذه المجموعات من مواقعها. وتم ذلك بعد تنسيق دخول القوات المصرية مع إسرائيل. وفي السياق ذاته، يبدي الجيش المصري إصراراً على وقف عمل الانفاق على حدود قطاع غزة، وقلص عدد سكان القطاع المسموح لهم دخول سيناء خشية إرسال حماس أسلحة ومقاتلين لمصر من أجل مساعده الإخوان المسلمين. والهدف المعلن للجيش هو إقامة قطاع أمني يفصل بين سيناء وقطاع غزة. ويجب التوضيح أن هذه هي المرة الأولى ،منذ إسقاط نظام مبارك، التي يشن فيها الجيش حرب شاملة ومهمة لتعزيز سيطرته على سيناء.

وجهة النظام المصري – إلى أين
تقف مصر اليوم أمام مفترق طرق، فقد مر على هذا البلد تقلبات صعبة في السنوات الثلاث الماضية، تضمنت استخدام العنف، ولم يستقر حتى الآن. وأدت التقلبات في مصر إلى تنامي قوة الإخوان المسلمين والجيش والمنظمات الاسلامية الأخرى وكذلك مجموعات الشباب الذين فجروا الثورة وجهات ليبرالية تتصارع فيما بينها على شكل وصورة وطابع مصر في المستقبل، لكن بعض هذه القوى لم يقرر بعد أي صراع يخوض، وهذه الجهات:
1. الجيش الذي أصبح أكبر قوة في مصر، لأخذه على عاتقه وقف تدهور الدولة في عهد سلطة الإخوان المسلمين بالقوة، لكن الجيش لم يقرر بعد إلى متى سيبقى في مركز قيادة مصر.
2. وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي الرجل القوي في مصر وهناك من يشبهه بجمال عبد الناصر، ويشير إلى نيته الترشح في انتخابات الرئاسة. وإذا أعلن السيسي ترشحه وفاز، فإن ذلك يعزز مكانة الجيش كمصدر قوة أساسية في الدولة، ولو من وراء الكواليس.
3. الإخوان المسلمين الذين لم ينجحوا في استغلال الفرصة التاريخية التي منحتهم السيطرة على مصر، لعدم أهليتهم لقيادتها وعدم فهمهم للواقع وهما ما أديا إلى إسقاط مرسي. والان عليهم أن يقرروا إما الاندماج بالمسيرة السياسية التي يبدو أنه سيكون لهم تأثيراً فيها، لكنهم لن يكونوا قادتها، أو خوض صراع عنيف يحمل الكثير من المخاطر لهم ولمصر.
4. مجموعات أخرى، خاصة جيل الشباب الذين فجروا الثورة التي أسقطت نظام مبارك وساهموا في إسقاط نظام مرسي ومجموعات المعسكر الليبرالي الذين لم يصلوا للسلطة حتى الآن، يطالبون بمشاركتهم في بلورة نظام الحكم الجديد الحر والديمقراطي. وإضافة إلى الصراع الداخلي هناك أزمات اقتصادية واجتماعية متعاظمة وصعبة يواجهها نظام الحكم في مصر منذ عدة أجيال، وازداد الأمر خطورة بعد تعاظم العنف وانهيار القانون والأمن العام وازدياد حالة عدم الوضوح التي ميزت مصر منذ إسقاط نظام مبارك. ورغم تحسن الأوضاع نهاية عام 2013 ،إلا أن الاوضاع الاقتصادية ما زالت صعبة. وأيا كانت السلطة القادمة، فإن النظام الذي يتبلور في مصر سيواجه نفس المشاكل التي ساهمت في اسقاط مبارك.

ويبدو أن مفاتيح الحل الأساسية للتطورات المستقبليه في مصر موجودة بأيدي الإخوان المسلمين، فقرارهم بخوض الصراع أو الانضمام للمسيرة السلمية ستحدد، هل مصر متجهه نحو الاصلاحات السياسية أو باتجاه تصاعد العنف وعدم الاستقرار. وقرارهم بهذا الخصوص سيؤثر على الجيش حين يقرر البقاء في قمة السلطة أو السيطرة من وراء الكواليس، وهنا يمكن الاشارة إلى سيناريوهان أساسيان ممكنان هما:
الاول، يتطور في حالة قرر الإخوان المسلمين الدخول بمواجهة عنيفة من أجل زعزعة النظام الحالي، أو على الأقل الموافقة على مطالبهم. وفي هذا السياق هناك عدة انواع من العنف، تبدأ من العصيان المدني مع مستوى عنف منخفض، مع شن هجمات متفرقة في مناطق محددة مثل الذي ينفذ في سيناء واستمرار حرب عصابات وتشجيع اندلاع انتفاضة ضد السلطات وشن حرب أهلية وفق الصيغة الجزائرية سابقا وسوريا اليوم. ومن الواضح أن قرار كهذا سيمكن الجيش من استخدام كل قواته من أجل قمع الانتفاضة والبقاء الطرف المركزي في السلطة طالما لم يقمع الإخوان المسلمين.
وهذا سيناريو خطر من وجهة نظر الإخوان المسلمين. ومنذ الانقلاب الذي أطاح بحكومة مرسي يتعرض الإخوان لقمع من قبل الجيش. ومنذ المنتصف الثاني من عام 2013 عززت الإجراءات الأمنية الداخلية، وفي شهر نوفمبر وقع الرئيس على قانون يقيد حق الاحتجاج ويمنح الشرطة وقوات الأمن صلاحيات تفريق المظاهرات بالقوة، إذا تطلب الوضع ذلك. وأعادت هذه الخطوات مصر لفترة حكم مبارك. وإذا توجه الإخوان إلى المواجهة المباشرة، سيقمعهم الجيش بشدة، وسيفقدون بعض مؤيديهم إذا ما اعتبروا مسؤولين عن الانهيار، وبالتالي فشل أهدافهم. وفي ظل هذه الأوضاع، يعتقد أن التنظيم سيفضل صراع محدود (يحدث من الناحية العملية الان) على خيار تدهور الأوضاع وحرب أهلية شاملة. وعلاوة على ذلك، لم تستخدم الجهات الاسلامية خيار العنف الواسع، والنموذج السوري لا يشجع بتكرار التجربة. كما أن تركيبة المجتمع المصري لا تؤدي إلى حرب أهلية. وعليه، يدعم تصرف الإخوان في أشهر ما بعد إسقاط مرسي، فرضية الصراع المحدود.
الثاني، التوصل إلى اتفاق مع الإخوان لمشاركتهم في المسيرة السياسية. وهذا السيناريو صعب من وجهة نظرهم، لأنه يتطلب منهم الإقرار بإسقاطهم بعدما كانوا في السلطة، كما أن عدم الثقة المتبادلة بين الجيش والإخوان لا يساعد في ذلك. ومثل هذا السيناريو، يتطلب من الجيش والمعسكر الليبرالي تقديم تنازلات حقيقية للإخوان إن كان في مجال الشراكة بالسلطة أو في صياغة الدستور. لكن هذا السيناريو لا يعتبر مستحيل إذا اعتبر بديل وحيد لتدهور الأوضاع إلى عنف واسع. يشار أن حزب النور السلفي قرر المشاركة في لجنة صياغة الدستور، وحتى أن بعض الإخوان يدعمون الانضمام للمسيرة السلمية.
وبين تدهور الأوضاع في مصر إلى صراع عنيف بمستوى أو بآخر وبين حدوث انفراجة سياسية تسمح بمشاركة الإخوان المسلمين، سيستمر الصراع الداخلي وعدم الاستقرار في الدولة لفترة طويلة، ربما لعدة سنوات تجري خلالها انقلابات أخرى في الحكم. وفي هذه الحالة سيظل الجيش مصدر قوة مهم وربما الجهة المركزية والقائدة لنظام الحكم الذي سيحاول جلب الاستقرار لمصر. ووفق هذا الافتراض، لا يمكن استثناء أن يكون رئيس مصر القادم رجل عسكري على شكل وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، كما حكمت مصر من قبل ثلاثة شخصيات عسكرية في الستين عاماً الماضية.
لكن، ستواجه سلطة الجيش مشاكل صعبة سيضطر إلى البحث عن حلول لها، خاصة أن هذه المشاكل أسقطت مبارك وأنهت حكم مرسي. وإضافة لذلك، على الجيش مواجهة قواعد قوة الإخوان المسلمين إذا قرروا خوض مواجهة عنيفة. وعدى عن الإخوان، هناك مجموعات ليبرالية وجماهير في الشوارع لهم مصالح خاصة بهم، ورغم دعمهم للجيش في إسقاط مرسي والإخوان المسلمين، إلا أنهم معنيون بحياة سياسية منفتحة وليس العودة لعصر القمع –عصر حسني مبارك. وفي جميع الأحوال، استخدام الجيش للقوة بشكل مبالغ فيه يعرضه للانتقادات.
وبناء على ذلك، هل تشير تجربة السنوات الثلاث الأخيرة أن مصر تتقدم نحو الدمقرطة ؟. هنا لا بد من الإشارة أن عملية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت عامي 2011 و 2012 عبرت ،بشكل جزئي، عن رغبات الشعب. لكن أحداث عامي 2012 و 2013 أشارت أن مصر مثلها مثل الدول العربية الأخرى تنقصها عناصر مهمة في عملية الدمقرطة الكاملة، إضافة إلا أن القوى الأساسية في مصر مثل الإخوان المسلمين والجيش والمجموعات الليبرالية – ليست ديمقراطية بالمفهوم الغربي للكلمة. وكانت عملية الديمقراطية مهمة جدا للإخوان المسلمين من أجل الوصول لسدة الحكم، التي وصلوا إليها بفضل تنظيمهم وإدارتهم الممتازة للانتخابات. لكن، بعد وصولهم للسلطة لم تعد الديمقراطية تعني لهم الكثير، حيث وضع في الدستور الذي صاغوه أهمية قصوى للدين، ولم يأخذ بالحسبان الأقلية والمحافظة على حقوقها، ولم تكن هناك مساواة كاملة للمرأة وللأقليات الدينية والفكرية، والجيش كما هو معروف لا يعطي أهمية للقيم الديمقراطية، وحتى المجموعات الليبرالية فقد دعمت استخدام الجيش القوة ضد الإخوان ودعمت وقف العملية الديمقراطية عندما تعارضت مع مصالحهم.
وهناك عيب آخر مهم وهو أن بناء الديمقراطية في مصر لم يتم بشكل تدريجي ولفترة طويلة تمتد من أسفل إلى أعلى، تعتبر فيها الانتخابات قيمة مهمة لكنها ليست وحيدة. وعندما تكون القيم الحيوية الأخرى ناقصة أو معيبة، فإن نتيجة العملية الديمقراطية السريعة والجزئية ستكون حالة من عدم الاستقرار وعدم وجود كوابح وتوازنات، لسلطة المنتصر فيها يستخدم أدوات غير ديمقراطية ويقمع المعارضة. وهذه العيوب البارزة ظهرت في الدول العربية التي لم تشهد إرثاَ ديمقراطياً حقيقيا يلعب فيه الإسلام السياسي والقبلية العشائرية دورا مهما. ولهذه الأسباب كان مبارك يصرح دائماً ،عندما توجه له انتقادات أمريكية، أن الولايات المتحدة لا تفهم العالم العربي والمجتمع المصري غير جاهز للديمقراطية. ولا يعني ذلك أن النظام الديمقراطي لا يمكن أن يتطور في مصر لكن ذلك يتم بشكل تدريجي ولفترة طويلة وبعد التوصل لاتفاق وطني شامل حول قيم مركزية.

انعكاسات إقليمية
تمر مصر بتغييرات كبيرة ونهايتها غير واضحة ومحاولة الإخوان المسلمين تركيز السلطة في ايديها انتهت في اعقاب تدخل الجيش والضغط الشعبي. ويعتقد أن الإخوان لن ينجحوا في العودة لسدة الحكم والسيطرة على مصر. ومع ذلك، من غير الواضح إن كان ما جرى سيؤدي لإشراكهم في المسيرة السياسية مع جهات أخرى. أم العكس، اندلاع موجة عنف بشكل مقلص أو واسع. كما أن الفترة التي سيسطر فيها الجيش على مقاليد الحكم غير واضحة. لكن، يبدو أنه سيظل على هذا الحال إلى أن تستقر الأوضاع في مصر، ويبدو أن عدم الاستقرار سيستمر طويلاً.
وسيكون للضربة التي وجهت للإخوان المسلمين انعكاسات خارج حدود مصر، لأنهم مرجعية كل التنظيمات الإسلامية في العالم العربي، وفشلهم وسقوطهم في مصر له انعكاسات على الإخوان المسلمين في دول أخرى مثل تونس والأردن، التي تدور فيهما مواجهة بين الإخوان وبين أنظمة الحكم الجديدة والقديمة ومع التيار العلماني. وفشل الإخوان في مصر بعرض نظام حكم ناجح وتوحيد الجميع ورائهم بما في ذلك غير المؤيدين لهم، أدى إلى سرعة طردهم من سدة الحكم. واعتبر كل ذلك عامل تشجيع للجهات التي تحارب الجماعات الجهادية في العالم العربي وإثبات أن بالإمكان مواجهة الإسلام السياسي الصاعد ووقف مده.
وللانقلاب في مصر انعكاسات سلبية على حماس، ففي العام الماضي تضررت علاقات حماس مع سوريا وإيران وحزب الله. وعلى الرغم من الخلافات خلال حكم الإخوان المسلمين بين الحكومة المصرية وحماس حول القضايا الأمنية والاقتصادية المرتبطة بمنطقة الحدود بين قطاع غزة وسيناء، إلا أن تلك الخلافات جرت في ظل وجود مرجعية حماس على سدة الحكم في مصر التي وفرت لها دعماً أساسياً وأيديولوجياً. لكن ازدياد المشاكل الأمنية خطورة وضعف السيطرة المصريه على سيناء في أعقاب إسقاط مرسي دفع الجيش المصري إلى زيادة الضغط على حماس حيث شن الجيش حملة واسعة لإغلاق الأنفاق وعزز من إشراف الجيش على تنقل سكان غزة إلى مصر. وجاءت هذه الخطوات في إطار مساعي الجيش لإحكام قبضته على مصر. ويرى الجيش في حماس مصدر قلق ومعادي من الناحية الأمنية بسبب علاقتها بالإخوان المسلمين والجهات الجهادية. ووصل التوتر حدا دفع إلى التهديد باستخدام القوة ضد قطاع غزة في حال لم تضبط حماس نشاطاتها العسكرية في سيناء.
وبالإضافة لذلك، تعتبر إيران من الدول المتضررة من الانقلاب المصري. فرغم عدم تحقيق سلطة الإخوان المسلمين التوقعات الإيرانية بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران، إلا أن إسقاط نظام الإخوان بدد الآمال الإيرانية في تحقيق عدة مجالات هي :انبعاث إسلامي إقليمي، وتقارب سني شيعي، وتحسين العلاقات بين مصر وإيران في اعقاب الزيارات غير الرسمية للرئيسين، وتعزيز العنصر الإسلامي في العالم العربي على حساب العنصر الوطني، وإضعاف محور الدول المعتدلة خاصة محور السعودية–مصر. كما أن إسقاط مرسي حمل عناصر ايجابية لإيران هي :تحفظ الإيرانيين من الانتقادات الحادة التي وجهها مرسي إلى نظام الأسد وتراجع علاقات الجيش المصري بحماس سيدفع الأخيرة إلى الارتماء بالحضن الإيراني. لكن بشكل عام يميل الانقلاب في مصر لغير صالح الإيرانيين. وعليه، أوضحت القيادة المصرية الجديدة أن تحسين العلاقات مع إيران يتطلب المزيد من الوقت، وأن تتخذ إيران خطوات تأخذ بالحسبان أمن مصر والدول العربية.
وإلى ذلك يجب أن نضيف، التغيير المتوقع في علاقات مصر مع الدول العظمى. حيث تشهد العلاقات المصرية-الأمريكية منذ بداية عام 2011 توترا في أعقاب ما اعتبر تدخل أمريكي في الشؤون المصرية الداخلية. وبدأ التوتر عندما طالبت إدارة أوباما من مبارك التخلي بسرعة عن السلطة حتى قبل أن يسقط. وتعززت المرارة من الإدارة الأمريكية بعد إسقاط مرسي من قبل الجيش، حيث ذكر المتحدثين باسمها أن الجيش اسقط رئيس تم انتخابه بطرق شرعية، ووصل التوتر ذروته في أعقاب القرار الأمريكي بتجميد جزء من المساعدات العسكرية لمصر من ضمنها طائرات F-16 ومروحيات أباتشي وشبكة دفاع جوي وصواريخ مضادة للصواريخ. واعتبر المصريين الخطوة تجاهلا أمريكيا للإدارة السيئة لنظام مرسي الذي أدار البلد بطريقة غير ديمقراطية رغم أنه انتخب ديمقراطيا، ونتيجة ذلك خرجت الملايين لإسقاطه.
ومن الشق الذي حدث في العلاقات المصرية-الأمريكية سارعت روسيا إلى الدخول، فبعد انقطاع دام 40 عاماً في العلاقات العسكرية مع مصر، عقد في شهر نوفمبر عام 2013 اجتماع مشترك في مصر ضم وزيري الخارجية والدفاع الروسيين مع نظرائهما المصريين. واتفق خلال الاجتماع على إجراء تدريبات مشتركة في مجال محاربة الإرهاب والقرصنة البحرية وتعزيز التعاون المشترك بين أسلحة جو وبحرية البلدين وتوسيع التعاون الاقتصادي، والأهم من ذلك ذكرت تقارير روسية أن روسيا اقترحت على مصر صفقه سلاح كبيرة يصل ثمنها من 2-4 مليارد دولار تتضمن طائرات ميغ 29 ومروحيات حربية وأجهزة دفاع جوي وصواريخ مضادة للصواريخ وتحديث قدرات الأسلحة الروسية القديمة التي زودها الاتحاد السوفييتي لمصر قبل 40 عاماً.
ولا يوجد شك أن التقارب المصري-الروسي نبع من تعبير مصر عن استيائها من الإدارة الأمريكية التي تدخلت في شؤونها الداخلية خاصة بعد تجميد جزء من المساعدات العسكرية، وفي نفس الوقت إشعارها أنها تملك البديل عن علاقاتها بها ومن ضمن ذلك ما يتعلق بسوق السلاح. ومن هذا الجانب، تعتبر زيارة وزيري خارجية والدفاع الروسيين تغييراً مهماً في العلاقات الروسية-المصرية. ومع ذلك، لا تعتبر التدريبات في مجال محاربة الإرهاب اختراقاً، ويبدو أن صفقة السلاح الكبيرة هي اقتراح روسي لم تستجب مصر له بعد. وعلاوة على ذلك، ترتبط مصر منذ عام 1980 بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة ومساعداتها لا بديل عنها. وعليه لن تسارع مصر إلى إحراق الجسور مع الولايات المتحدة. لكن إذا لم تعمل إدارة أوباما على إصلاح القصور في علاقاتها مع مصر فإن العلاقات المصرية-الروسية ستشهد تطورا متزايداً بما في ذلك بالمجال العسكري.
وفي النهاية، انعكاسات ما حدث في مصر على إسرائيل. رغم عدم اتخاذ سلطة الإخوان المسلمين أية قرارات تغير وتؤدي إلى تراجع العلاقات المصرية-الإسرائيلية، إلا أن العلاقات شهدت نوعاً من العداء لإسرائيل خاصة من قبل قيادات إخوانية. وقلصت العلاقات بين البلدين إلى المجال العسكري فقط. ومع ذلك، لا بد من الإشارة أن من تولى الحكم بعد الإخوان لا يعتبر طرفاً مؤيداً لإسرائيل، وظل العداء لها على حاله مع ابتعاد العنصر الايديولوجي منه الذي مثله الإخوان المسلمين، ويدرك الجيش فائدة التعاون والتنسيق مع إسرائيل خاصة في المجال الأمني. والاستنتاج هو أن على إسرائيل مساعدة مصر في تعزيز سيطرتها على سيناء، بواسطة موافقتها على توسيع الوجود المصري العسكري في سيناء خلافاً لما هو متفق عليه في اتفاق السلام. كما أن العلاقات مهمة في مجال آخر ذكرته وسائل إعلام ويتمثل في مساعدة مصر عسكرياً ضد الجهات الجهادية. وعلى إسرائيل مساعدة مصر في واشنطن بهدف منع تدهور علاقات النظام المصري الجديد مع الولايات المتحدة. وبشكل عام لا يوجد شك بأن ما حدث في مصر حقق فوائد كثيرة لإسرائيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث