الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة البربرية في سوريا – نظام حكم يقوم على طائفة واحدة

سفيان الحمامي

2014 / 5 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


الدولة البربرية في سوريا – نظام حكم يقوم على طائفة واحدة

كان أفضل وصف لنظام الحكم في سوريا منذ عقد 1980 ما كتبه الباحث الفرنسي المتميز ( ميشيل سورا ) بعنوان ( الدولة البربرية ) وذلك عندما درس بمنهجية تحليلية رائعة (نظام الحكم في سوريا وأصدر آرائه في نصوص- سوريا اليوم ) التي نشرت في كتاب (الدولة البربرية ) ، حينذاك تمّ خطفه من قبل المخابرات السورية في لبنان ،ومن ثم قتله كونه إنتقد النظام السوري المجرم .
لقد أعاد ( سورا ) تفسير نظرية العالم العربي ( إبن خلدون ) في فهم نظام حكم حافظ الأسد القائم على (العصبية ) والتي أسماها عالم الاجتماع الفرنسي ( اميل دوركهايم - التعاضد الميكانيكي )، وهذا يعني أن السلطة في نظام الحكم السوري قامت على إستثمار عصبية الطائفة العلوية لتعزيز أركان النظام ،وحوّل العصبية الطائفية الدينية إلى طائفة سياسية عبر خطاب سياسي خفي مخصّص لأبناء الطائفة وإعادة تفعيل الذاكرة الجماعية الحبلى بالعداء للغالبية السنّية ومكونات الشعب الأخرىفي سوريا ، وعبر تجنيد الشباب من أبناء الطائفة في أجهزة الجيش والأمن والحزب وإدارات القطاع العام ، ثم صهر الطائفة في مجموعات وشبكات المصالح الإقتصادية لتعزيز سلطة الطائفة ماليا إلى جانب السلطات السياسية والعسكرية والأمنية .
لقد بنى حافظ الأسد نظاما طائفيا كريها كما كتب (ميشيل سورا )، واكمل إبنه بشار بناء ذلك النظام إستنادا إلى عصبية الطائفة ليضمن قاعدة الولاء لنظامه من أبنائها ، وظهر ذلك جليا في فرص الوظائف الحكومية التي كانت تعطى ( وفق إحصاءات صحيحة سرية )بنسبة لا تقل عن 70 % لأبناء الطائفة العلوية على مستوى سوريا وحتى في المحافظات والمدن والبلدان والقرى التي لا يتواجد فيها شخص واحد من أبناء الطائفة العلوية إضافة إلى منح فرص الإنتساب للجيش السوري وأجهزة الأمن العديدة بشكل شبه حصري لأبناء تلك الطائفة ، وكذلك الأمر في الأعمال التجارية والإقتصادية التي كانت محصورة بأبناء عائلته ومن ثم طائفته بمشاركة بعض المرتزقة من أبناء مكونات الشعب السوري الأخرى ، مما سبّب مواقف عدائية جراء الحرمان والإحباط من بقية مكونات الشعب السوري وخاصة الأغلبية السنية بأنها غريبة في وطنها ومهمّشة ومقهورة وتعاقب على أية كلمة تعبّر عنها حين المطالبة بحقوقها من أجهزة القمع ذات اللون الطائفي الواحد التي تخص أركان نظام الحكم.
لكن مسار الثورة السورية وضع المجتمع ضد الدولة في حالة فريدة في تاريخ الثورات البشرية ، عبر خروج هذا الشعب من قمقم التسلّط والقمع والترهيب إلى المطالبة بالحقوق الإنسانية أولا ثم السياسية ثانيا ثم تغيير نظام الحكم العائلي والطائفي لاحقا ، وتجلّى ذلك بالتضامن والتنسيق المجتمعي بين تنسيقيات الثورة في كافة المحافظات السورية قاطبة ( درعا ، حمص ، حماه ، ادلب ، حلب وريفها ، دمشق وريفها ، دير الزور ، الحسكة ، بانياس ، جبلة والحفة واللاذقية ،السويداء ،الرقة، الخ ) .
لقد أعلن السوريون عبر مظاهراتهم المتزامنة في أيام الجمعة وفي أيام التضامن الأخرى أن المجتمع السوري رفض سلطة الدولة القائمة على نظام الحكم العائلي والطائفي ، وأنهم يسعون لبناء نظام حكم وطني يقوم على المواطنة والعدالة والحقوق والواجبات المتساوية .
وبالعودة إلى طبيعة نظام الحكم البربري،فقد قدمت الدكتورة( أرليت القاضي) عرضا متميزا لما قام به ( ميشيل سورا ) وذلك في مقال في صحيفة الحياة اللندنية في 5 اكتوبر 2013 بقولها :
قبل حوالى ثلاثين عاماً شكلت المجزرة المروعة التي نفذتها وحدات طائفية من الجيش السوري في مدينة حماه السورية محطة توقّف عندها الباحث الفرنسي المستعرب ميشال سورا، وحلّل انطلاقاً منها بنية النظام السوري وركائزه الذي كان في عهدة حافظ الأسد.
والملفت في ما كتب (سورا )الذي عمل وأقام في دمشق ثم بيروت حتى وفاته، هو أن هذا النظام الذي كان يعاني تأزماً منذ تلك الفترة تمكن بأساليبه وأدائه أن يحكم قبضته على سورية ويضمن استمراريته وأن هذا الأداء لا يزال مستخدماً اليوم وبعد أن تحولت مجمل الأراضي السورية إلى مسرح لمجازر يومية تفوق بوحشيتها ما شهدته حماه عام 1982.
الوقائع الدامية الدائرة في سورية اليوم تظهر كم كان (سورا) وهو أحد أهم المختصين في شؤون الشرق الأوسط محقاً في اختيار عنوان «الدولة البربرية» لتحليله وهو العنوان الذي اعتمد للكتاب الذي صدر عن «برس اونيفرسيتر دو فرانس» ويتضمن مجموعة من كتاباته حول حكم آل الأسد.
بانتقال الحكم من الأب إلى الإبن بشار ، لم ير الأخير أي داع لتغيير نهج أثبت جدواه على مدى عقود، من دون الاكتراث للتحولات التي شهدها العالم العربي، بل العكس، فقد تستر وراء ذريعة التطوير والتحديث إضافة إلى المفاعيل الأخرى التي اعتمدها والده أملاً بتأمين استمرارية نظامه.
يبدأ (سورا ) تحليله بالصيغة التي اعتمدت لتبرير مجزرة حماه وتبناها الغرب عموماً ومفادها أنها «مجرد عملية جراحية لا بد منها» ضد معقل أصولي في سورية، ما جعل الدولة السورية تبدو في حينه «دولة علمانية تعمل للحداثة في مواجهة معارضة دينية ظلامية» تمثلت في ذلك الوقت بالإخوان المسلمين.
ويستعرض الباحث مدى قدرة النظام على «استغلال الانقسامات الاجتماعية بمهارة مذهلة» وعلى «اللعب على كل الازدواجيات من دون السماح لأي منها بالسيطرة»، فاستغل المشاكل الطائفية وصراع الطبقات والنظام العسكري وحكم البعث والإسلام التقدمي والإسلام الرجعي، وأيضاً اليمين واليسار والشرق والغرب وفلسطين وإسرائيل، مستخدماً كل ذلك لأحكام قبضته على البلاد.
وفي مواجهة الحركة الشعبية التي بلغت أوجها في تلك الفترة استنفر النظام الأجهزة البيروقراطية للمجتمع من نقابات واتحادات وقوى سياسية منضوية في إطار «الجبهة الوطنية التقدمية»، وأيضاً الحركات الحليفة في العالم العربي مثل الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية التابعة له .
ومن منطلق تزويد نفسه بعمق دولي وقع معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفياتي ودعمها بتحالف استراتيجي مع الثورة الإيرانية من منطلق الرابط التاريخي بين الطائفتين العلوية والشيعية.
واعتبر (سورا )أن التجزئة على طريقة «فرّق تسدْ» شكلت مصدر القوة الرئيسي للنظام الذي أوكل دوراً محورياً على هذا الصعيد إلى أحد أشقاء الرئيس ، جميل الأسد، الذي عمل على تطبيق هذا التوجه عبر جمعية «علي المرتضى» التي استمالت القبائل والعشائر السورية البدوية المختلفة والمتناحرة وعملت في الوقت ذاته على تأليب سكان الريف على سكان المدن.
لعب النظام السوري وفقاً (لسورا )على التناقضات بين القوى والطبقات الاجتماعية وعلى كل المستويات ومن كل الزوايا، ليحصر الجميع ضمن صيغة مفادها أن المشكلة ليست مشكلة صراع بين أكثرية وأقلية لأنه في سورية «ما من طرف إلا ويمثل أقلية بالنسبة إلى الآخر» بحيث أن الأقليات تتمحور جميعها حول النظام «وفقاً لمبدأ العصبية الجماعية»، وهو ما يبرز وجود «دولة قوية ومستقرة».
ويلفت (سورا )إلى التباين بين العلويين (10 في المئة من الشعب السوري) والغالبية المؤلفة من حوالى 70 في المئة من السنّة، الذي يشكل تناقضاً جوهرياً جعل الإخوان المسلمين يعتبرون أن سورية عرضة لمؤامرة تهدف إلى الإبقاء على العلويين في موقع السيطرة فيما حزب «البعث» والجيش هما مجرد أدوات في أيديهم.
وهو يشارك الإخوان في موقفهم هذا، إذ يقول انه بدافع تحصين الطائفة العلوية وتحصين صفوفها انصب نشاط جمعية «علي المرتضى» على تحويل الطائفة العلوية إلى «طائفة سياسية متمحورة حول «شخصية علوية» وذلك بحجة الحداثة. ويرى أن الجيش شكّل مجالاً للتجنيد لمصلحة «العصبية» ما اقتضى التحقق من أنه «لا يوجد في داخله أي قوة كفيلة بتهديد النظام».
واستخلص (سورا )من هذا المنطلق أن النظام سيعرف «وجوداً مديداً» ما لم يحصل ما هو مفاجئ مثل «الاعتداء على شخص الرئيس وقتله ».
أما حزب «البعث» فهو في رأي (سورا ) مجرد «الواجهة المدنية للنظام» إذ إن المؤتمر الذي عقده الحزب في كانون الثاني (يناير) 1979 أطاح «أي أوهام» حول «إمكانية انفتاحه سياسياً على الكتلة السنّية» بداخله، وضمت شخصيات من أمثال رئيس الأركان السابق حكمت الشهابي ووزير الدفاع السابق مصطفى طلاس وعبد الحليم خدام وغيرهم، وهؤلاء تحولوا عبر المؤتمرات المتتالية إلى «رهائن سنّة لدى الأقلية الحاكمة». ولفت (سورا ) إلى أن المشرف على تنظيم مؤتمر العام 1979 كان الشقيق الآخر للرئيس، رفعت الأسد، الذي استبدل ببساطة مبدأ «المركزية الديموقراطية» التي تقضي بانتخاب المندوبين الحزبيين من القاعدة بمبدأ آخر يقضي ببساطة بتعيينهم من القيادة.
بهذه الطريقة «ضبط البعث صفوفه» لكنه لم يتجاوز وفق ( سورا ) حالة «الإفلاس السياسي للنظام» الذي برز عبر الانتخابات الاشتراعية في عام 1981 إذ اقتصرت نسبة المشاركة فيها على 4 في المئة من السكان، ففي سورية كما في المشرق إجمالاً «تعمل الأحزاب على طريقة العصابات وتعمل الدول على طريقة المنظمات السياسية» متسترة بشعارات مضللة مطلقة.
هكذا ، فإن النظام السوري صنّف نفسه «الوريث الكوني للحركة الوطنية العربية» و«التجسيد الملموس للدولة الحديثة اللاطائفية» بهدف صيانة الطائفة العلوية «عصبيتها» بما يفقد الطوائف الأخرى «عصبياتها من منطلق «ايديولوجيا البناء الوطني»، ودائماً «التحديث» بما يقتضي تخلي الكل عن تمايزه «كشرط للوحدة والمساواة في المجتمع المدني».
ويؤكد (سورا )أن الطائفة بالتالي تحل فعلياً محل الحزب ما يؤدي إلى تردٍ على صعيد النظام السياسي وتأزم الحزب، في حين أن ما تحتاج سورية هو «نظام سياسي حقيقي» و«ديموقراطي» ينقذ النظام والمجتمع المهددين بالانفجار.
هذا التحليل المفصّل لبنية النظام السوري لم يعد ربما يكشف عن خفايا في أيامنا هذه، في ضوء ما خبره العالم من دهاء ودموية أثبتهما ذلك النظام ، لكن ما تجرأ على كتابته (سورا )كسر محظوراً كان سائداً في العالم أجمع قبل ثلاثين عاماً ، وهو ما دفع حياته ثمناً له في أحد أقبية الضاحية الجنوبية لبيروت حيث توفي في 1985 بعد حوالى عام على اختطافه من قبل «منظمة الجهاد الإسلامي اللبنانية» الموالية لنظام آل الأسد وإحدى فصائل المرتزقة التي يعتمد عليها .
لكن ، من المؤسف أن موقف فرنسا / الدولة العظمى كان آنذاك تهادنيا مع تلك الدولة البربرية ونظام حكم عائلة الأسد الطائفي ، خشية من امتداد أفعاله الإجرامية إلى الأراضي الفرنسية ، وعملا بحكمة أن الشخص المحترم يتجنب الصراع مع الزعران لأنه سيخسر في الحالتين ، أن ربح فهو يوصف بأنه يصارع الزعران وهذا معيب وإن خسر فإنه يفضح نفسه بأنه واجه زعران وخسر أمامهم ، وقاد ذلك الموقف الدولة الفرنسية آنذاك إلى الاكتفاء بفرض عقوبات على نظام آل الأسد البربري ، لكن هل تنفع العقوبات مع هكذا نظام متوحش ؟ بالعكس ، هو يعتبرذلك نصرا له وراحة واستقلالية في استكمال أفعال الزعرنة في أي موقع ومكان دون رادع أو محاسب .
هل اتعظت فرنسا والدول العظمى من تلك التجربة المتوحشة لنظام آل الأسد ، الحكم للقارئء ؟
سفيان الحمامي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اريد ان تجاوب نفسك اولا
نور الحرية ( 2014 / 5 / 12 - 12:08 )
دعني اذكرك واذكر غيرك ممن اصطفوا في الجانب الخطا. مالذي يمنع بشار او قل نظامه ككل من ان يغير سلوكه قبل هذه الازمة او حتى الان وذلك بالانبطاح الى اميركا والغرب كما انبطح مشايخ الخليج وكل من يشارك في هذا العدوان على سوريا. اطلب منك جوابا صريحا فقط


2 - صاحب الضمير والحس الإنساني ليس في الجانب الخطأ
سفيان الحمامي ( 2014 / 5 / 12 - 17:13 )
اشكر صاحب التعليق واحترم رايه وهو حر بما يقتنع به
لكنني أقول له بانني أعمل في إطار أكاديمي مثل كل الاكاديميين أصحاب الضمير والحس الإنساني في العالم ، وهؤلاء في الجانب الصح من التاريخ ، ليسوا مأجورين ، ولا يتم شرائهم بأموال الشعب المنهوبة من قبل الحكام
فأنأ أعتز بمواقفي وكتاباتي وآرائي في وجه الطغاة المجرمين ومرتزقتهم من المأجورين الذين باعوا ضميرهم ببضعة نقود
وأنا وأمثالي ليست قضيتنا دول الخليج وحكامها ، قضيتنا شعب يذبح بيد حكامه ، ومشرد وهارب من بطشهم ، وسارق أموالهم
اشكركم


3 - المقبور و الأسد الثاني
ماجدة منصور ( 2014 / 5 / 12 - 21:08 )
إن المقبور _الأسد الأول_قد أثبت و لؤما لا نظير له حين فرق و قسم المجتمع السوري وجعل الإبن يكتب تقارير عن أبيه و أنا أعرف حالات كثيرة لرجال زجوا بأقاربهم في السجون.0
هل تصدق يا استاذ أن سوريا هي الدولة الوحيدة و التي كانت تدار سياستها الداخلية بموجب تقارير مخابراتية دنيئة و رخيصة!!و لدي إثباتات على ما اقوله.0
إن الأسد الأول النافق قد ورَث سوريا الى الأسد الثاني و قد اعتقد الوريث الشاذ أن ما فعله المقبور في حماة هو ما يجب أن يمارسه دائما و ابدا.0
لقد شوه الاسدين جميع القيم الإنسانية التي تمتعنا بها عندما سلط علينا القرباط و النور و غيَب مثقفبنا ما عدا قلة قليلة تسبح بحمده ليلا نهارا.0
سيزول الاسد حتما و ستبقى سوريا لأبناءها الحقيقيين.0
لك احترامي

اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت