الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيتنا القديم : بيت زمن الطين .............. ذكريات من طين

سعدي عباس العبد

2014 / 5 / 12
الادب والفن


• بيتنا القديم : هو الحياة والمكان الاليف .. الحياة في ملامحها الممحوة .. هو الزمن في
• رحلة الدموع والذكريات ... البيوت رائحة ولون .. وبكاء ... وحياة تنمو في حقول
• النسيان والدموع ....... لا زالت ملامح الطين مطبوعة في ذاكرتي .. رائحة طين الجداران
• .. وهي تضوع بتلك الرائحة حالما يلامسها الماء .. حالما تتحسس اصابع الماء جدران
• الطين تنبعث تلك الرائحة , نفاذة .. اصابع الماء , امّهات رؤومات .. يبلّلن التراب فيغدو
• بيتا .. بيت من الطين .. كان بيتنا ..والبيوتات التي في الجوار .. الطين كان يشغل مساحة
• رحبة من حياتنا ... كنا اقرب ما نكون إلى غابة من طين . او مخلوقات طينية , اذ كنا نملك اغلب
• ملامح الطين . ... اغلب ضرورات الحياة او التي كانت سببا في تغذية ديمومة الحياة .. كانت
• ._. حياتنا بالطبع _ .. نتاج الطين .. حتى رائحة ابداننا وانفاسنا كانت مشربة بنكهة
• الطين ...... كان تنور الطين ..مركون عند الطرف القصي من فناء البيت , القناة التي عبرها
• نتواصل في ديمومة مع مجرى الحياة
• كان تنورا عجوزا بتجاعيد طينية متشققة او مخدّدة ..راسخ في المكان , بكامل
• يبوسته وسخامه ومحراثه ... كانت ثيابنا طوال موسم الشتاء معفرة بالطين ..
• .. كانت اصابعي على الدوام ملطّخة بالطين , كما لو إنها مصنوعة من الطين ..
• حتى بات الطين جزء حميم من بدني ........ اغلب العابنا او الدمى التي نلهو بها
• او تلهو بنا .. لا فرق .. كانت مصنوعة من الطين ..
• الماء يمحو الطين ويعيد انتاجه بملامح واشكال مغايرة ..الشمس تجفّف الدمى الطينية
• والشمس والماء والطين , هبت الطبيعة في انتاج افراحنا الصغيرة .. المتمثلة في الدمى
• .. ابتساماتنا الشحيحة كانت هي الاخرى من نتاج الطين ..وكذلك مباهجنا النادرة
• فلو لا الدمى ما كنا ابتسمنا مبتهجين ..
• المسرّات صناعة طينية بالفطرة ............ الخوف ايضا كان منتوجا طينيا .. فملامح السعلاة
• التي كانت تنحتها اصابع الطفل الاعور صديقنا القديم في زمن الطين .او من زمن الطين
• الطفل الساحر او كبير السحره الطينين .. كانت ملامح في غاية الاتقان والرعب ..على وفق
• زماننا الطيني .... حتى كنا نخال السعلاة حقيقة تمشي على الارض
• لشد ما كان يدهشنا ذلك الساحر الصغير ...
• وما يدهشني الآن هو انّ اغلب سنوات العمر امضيتها مع الطين في ولادته الثانية المجفّفة
• اقصد وسط الجدران الطينية .. لكن الطين في سنواتي الاحقة .. مختلف عن ذلك الطين
• طين الطفولة في اشكاله البدائية الساحرة
• فالطين في اوقاتهِ المتأخرة له رائحة الدم والصدىء ..ونكهة المرارة ..
• فالسجن الذي هو عبارة عن حجرة ضيّقة من الطين .. كان اقرب ما يكون إلى فرن
• متأجج طوال موسم الصيف ..فوهج لهب الشمس يتسلل حارقا عبر سقف الجينكو
• كان الجينكو يتفاعل او يتضامن مع حرارة الشمس في ايقاد حرارة المعدن المعبّر لتلك الحرائق
• المخترقة لسطح السقف ..ونحن كنا اقرب ما نكون لوقود او حطب يتأجج في الفرن
• كانوا يخرجوننا مع الاطلالة الاولى لنور الفجر من السجن ..كنا اشبة بقطيع من العبيد الفراعنة
• .. ليقذفوا بنا إلى حفرة من طين .. كانت حفرة فسيحة تسع لرهطين من المساجين .. نمكّث
• طوال الظهيرة القائظة الحزيرانية الشاوية ندوف او نعجن الطين باقدامنا ..كي يكون مطاوعا ولينا
• ومهيئا لصناعة
• اللبن .. هو قريب في شكله وحجمه من ابلوك الاسمنت...
• كان طين الحفرة او الزمن المتأخر .. ثقيلا لزجا ..له رائحة البرك الاسنة المتخلّف عن امطار شتاء
• قديم .. كان اقرب إلى الوحل المداف بنشارة الخشب او قمامة متروكة منذ زمن عصيب !
• انشأنا نحن سجناء الكتيبة معسكرا كاملا بسائر ملحقاته من الطين ..شيّدنا قاعات طولية
• من الطين ..استغرق بناءه العديد من الحفر او الخمريات مفردة خمرة .. كما يطلق عليها في
• الجيش ..
• لم نكن نعلم , اننا كنا نشيّد مقبرة لنا .. لابداننا قبل انّ تتحول إلى جثامين مفتّتت ..
• لم نكن ندري أننا كنا نحفر قبورا لنا .. قبور مدافة بالطين وباقدامنا .. اقدامنا التي ستحيلها
• الحرب إلى بقايا من طين .. وما تلك الحفر الطينية الا قبور تمهيدية لاحلامنا التي صرعتها
• الحرب والطين ...الحرب التي رحلتّنا في وقت مهوّل مبكّر إلى الطين .. من الطين إلى الطين
• ... قذفتنا إلى حفرٍ او قبور .. ستغدو فيما بعد حفر من طين , بعد انّ تخط عليها اصابع الشتاءات
• لمساتها الاخيرة .. بعد انّ تمهرها بحبر المطر .. المطر والتراب حليفان في صناعة
• قبور الطين ..مثلما كانا حليفان في صناعة الحياة والتنانير ... فتحة التنور لا تشبه مداخل القبور
• الاوّلى تدخل عبرها الحياة ..او مقومات وديمومة الحياة المتمثلة بالقمح المطحون ..والثانية
• تغلق الحياة بجدران من الطين ..تغادر الحياة التنانير .. تغادر بيوتات الطين .. ولن تبقى سوى
• الذكريات في بيوت الطين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير