الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الوحي والتاريخ (7)

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 5 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- الخالق والمخلوق (الطبيعي والاعتباري)

بينما لا يزال خالق الشخص الطبيعي موضوع جدل وشك ونزاع واختلاف وصراع بين الأشخاص الطبيعية بدرجة أكبر وأخطر بكثير من اتفاقهم عليه، خالق الشخص الاعتباري ليس كذلك. حين يقوم أربعة أشخاص طبيعية، مثلاً، بإنشاء شركة أو جمعية ربحية أو خيرية هم عندئذٍ يخلقون شخصاً خامساً بجانب شخوصهم الطبيعية الأربعة المستقلة، ويهبونه من أنفسهم اسماً وشخصية ومسؤولية قانونية محددة. بذلك تستطيع الأشخاص الطبيعية أن تخلق أشخاصاً اعتبارية في أي زمان ومكان، بشروط وقواعد تأسيسية وقانونية ولخدمة أغراض وغايات مختلفة. وكما يستطيع الشخص الطبيعي أن يخلق شخصاً اعتبارياً أياً كان، هو أيضاً يستطيع أن يفضه أو يحله أو ينهي وجوده متى شاء أو اضطر إلى ذلك. في المقابل، هل يستطيع الشخص الاعتباري أن يخلق شخصاً طبيعياً، وينهي حياته؟

ثمة حقيقة أخرى مرتبطة بكون الشخص الطبيعي هو فعلاً الذي يحي ويميت الشخص الاعتباري: لا يوجد شخص اعتباري دون شخص طبيعي سابقاً على وجوده. ففي حين يتمتع الشخص الطبيعي بالكفاية والاستقلالية الذاتية التي تسمح له بالوجود منفرداً بذاته ومستغنياً عن كافة الأشخاص الاعتبارية، في المقابل هذه الأخيرة لا تملك هذه الرفاهية؛ عكس الشخص الطبيعي، الشخص الاعتباري لا يتمتع بالكفاية والاستقلالية الذاتية لكن يبقى وجوده دائماً وأبداً مرتبط بوجود الشخص الطبيعي الممثل والمشغل والضامن والحامي له. في الحقيقة الشخص الطبيعي ليس هو خالق الشخص الاعتباري فقط، بل هو نافخ الروح فيه ومشغله ومطوره وصائنه أيضاً؛ لذلك، بمجرد غياب الأول يتحول الأخير إلى أطلال بلا حياة حتى تطويها عوامل النسيان والمناخ؛ وليست المعابد والآثار المهجورة حول العالم وتحديداً في مصر، كونها هياكل جسدية لأشخاص اعتبارية- آلهة؟- قديمة، غير أمثلة ميتة تشهد بذلك. هذه المعابد بعدما هجرها خالقوها الطبيعيون تحولت إلى أكداس من الحجارة المبعثرة في انتظار أن يدفنها الزمن وعوامل التعرية.

بجانب الأشخاص الاعتبارية، يستطيع الشخص الطبيعي أن يصنع من الأدوات والأسلحة المادية ما يفوقه هو نفسه قوة وقدرة تدميرية بكثير إلى حد امتلاك إمكانيات القضاء النهائي على كوكب الأرض والجنس البشري كله خلال ساعات معدودات، مثل القنابل الذرية والنووية والهيدروجينية والحرارية والفراغية...الخ. وبالمثل تستطيع الأشخاص الاعتبارية التي هي من خلق الشخص الطبيعي نفسه أن تفوقه قوة وأهمية إلى حد بعيد، إلى حد السيادة المطلقة عليه واحتكار شرعية قهره وفرض إرادتها (قوانينها/شريعتها؟) عليه بالقوة الجبرية وقتله إذا لزم الأمر (بتهمة الخيانة العظمى/الردة؟). رغم كونه في الأساس صنيعة الشخص الطبيعي ولا يتمتع بحياة أو وجود مكتفي ومستقل بذاته بمعزل عن الأول، هذا لا يعني بالضرورة أو في جميع الأحوال غلبة وسيادة الخالق (الشخص الطبيعي) على المخلوق (الشخص الاعتباري). في الغالب، تكون الأشخاص الاعتبارية التي هي صنيعة الأشخاص الطبيعية ذات قوة وأولوية، وفائدة، أعظم بكثير من خالقيها أنفسهم. لكن رغم هذه القوة الهائلة التي قد يتمتع بها الشخص الاعتباري مقارنة بالطبيعي، تبقى حقيقة مثبتة أن الأول يفتقر إلى الكيان المكتفي والمستقل والمستغني بذاته عن الثاني؛ إذ بينما وجود الشخص الطبيعي يبقى ممكناً من دون الشخص الاعتباري، وجود الأخير مستحيل من دون الأول.

رغم كون ’مصر‘ شخصاً اعتبارياً قد أنشأه من الأساس أشخاص طبيعيون ومن المستحيل أن يكون له وجود أو أن يرتقي ويتقدم من دونهم تحديداً، لا شك في كون هذا المخلوق الاعتباري يفوق في قوته وأهميته وشرعيته أي من هؤلاء الأشخاص الطبيعيين قديماً وحديثاً، منفردين ومجتمعين. علاوة على ذلك، رغم كون هؤلاء الأشخاص الأوائل والحاليين هم أنفسهم الذين قد أسسوه وأعطوه من أنفسهم رسمه واسمه ويحفظوه حتى اليوم هم الآن الذين قد أصبحوا يكتسبون هويتهم، جنسيتهم، منه؛ رغم أنهم هم الذين قد أسموه ’مصر‘ في الأول، هو الذي قد أصبح يسميهم ’مصريين‘ الآن. في قول آخر، رغم مخلوقية الشخص الاعتباري وافتقاره الكفاية والاستقلالية الذاتية هو لا يزال يستطيع إذا ما توفرت الشروط الملائمة أن يكتسب من خالقيه أنفسهم قوة وكفاية واستقلالية ذاتية جبارة أضعاف أضعاف ما لديهم جميعاً مجتمعين.

هذا هو ما قد يؤدي أحياناً إلى تصور خاطئ أن الشخص الاعتباري بالنظر إلى قوته الهائلة مقارنة بالشخص الطبيعي قادر على أن يخلق الأخير، أو على الأقل يملك من الشرعية ما يسوغ له التضحية به وسحقه بين سنون تروس ماكينته العملاقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 5 / 19 - 21:04 )
- هل العقل البشري يدرك كل شيء؟ .
في عام 1927 وضع (هايزنبرج) مبدأ (عدم اليقين) أو مبدأ (الريبة) , وهو مبدأ فيزيائي من المباديء التي تحكم الكون , ينُص هذا المبدأ على (أننا ممنوعون من معرفة الحقيقة الكلية , وليس لنا أن نختار إلا نصف الحقيقة أما الحقيقة الكاملة فنحن ممنوعون عنها) .
- العلم يقول : (اننا إذا رمزنا للموجات الكهرومغناطىسية بخط تبلغ طوله150 مليون كيلومتر ؛ فإن العين البشرية تبصر منه مترا ونصف المتر ؛ فقط!... ما أشد عجز البصر عن إدراك ما حوله!... مثال آخر : هل يعلم المادي ان المخ البشري يتعرض لـ (400 مليار) معلومة في الثانية لكنه يدرك منها (2000) معلومة ؛ فقط!... ما أشد عجزه الإنسان عن الإدراك!... وبعد ذلك يطلب المادي عن الخالق!) .

اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجرب التاكو السعودي بالكبدة مع الشيف ل


.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس




.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ


.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع




.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م