الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الوحي والتاريخ (8)

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 5 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- صفات الشخص الاعتباري

كونه في الأساس صنيعة الشخص الطبيعي، في العادة يكتسب الشخص الاعتباري صفاته من صانعه؛ وكونه يجسد الجهد الجمعي لصانعيه ذهنياً وبدنياً، هو بالضرورة الأذكى والأقوى منهم جميعاً سواء على انفراد أو في مجموعات متفرقة مهما تعاظمت إنجازاتها ومقدراتها. حيث أن من صفات الشخص الطبيعي أن يستهلك السلع، أن ينطق بكلمات وجمل مفهومة، أن يتحرك، ويحب ويكره، ويصادق ويعاهد ويهادن ويحارب...الخ كان طبيعياً أن يلبس الصانع صنيعته صفات مماثلة لصفاته نفسه. لذلك يجب الحذر بشدة حين الحديث عن الأشخاص الاعتبارية ولا يغيب عن ذهن المتحدث والمستمع أبداً أن اللغة المستخدمة في توصيف الأشخاص الاعتبارية هي نفس اللغة التي قد صنعتها الأشخاص الطبيعية في الأصل لتوصيف أنفسها ولأغراض الاتصال وتبادل المفاهيم والمنافع فيما بينها.

حين يوصف شخصاً اعتبارياً مثل ’مصر، بصفات القوة أو الضعف، زيادة الاستهلاك عن الإنتاج، كونه متقدم أو متأخر، صديق أو عدو للولايات المتحدة أو إسرائيل، مرتبط بمعاهدة سلام بالأخيرة بعدما خاض عدة حروب ضدها، أو كونه دولة شقيقة للأشقاء العرب...الخ يجب أن لا يغيب عن ذهن الكاتب والقارئ حقيقة كون جميع هذه الصفات ’مجازية‘، لا يجب أن تُفهم حرفياً بمعناها الظاهر. في الحقيقة، الذين فعلاً يستهلكون وينتجون البضائع، يتقدمون أو يتأخرون، يصادقون أو يعادون الغير، يرتبطون بمواثيق وعهود ويخوضون الحروب هم كتلة الأشخاص الطبيعية المنتشرة عبر الامتداد الجغرافي والتاريخي المسمى ’دولة مصر‘؛ وتلك هي صفاتهم فضلاً عن كونها صفات فطرية وأصيلة في جميع الأشخاص الطبيعية البشرية حول العالم وعبر التاريخ. لذلك حين يُقال أن ’مصر قد أبرمت معاهدة سلام مع إسرائيل‘ يجب أن يدرك كل من الكاتب والقارئ المجاز الكامن هنا وأن يفهم أن المعنى الحقيقي لهذه الجملة هو: "الأشخاص الطبيعيون (المصريون) المكون منهم الشخص الاعتباري (مصر) قد أبرموا معاهدة سلام مع نظرائهم الأشخاص الطبيعيين (الإسرائيليين) المكون منهم الشخص الاعتباري المقابل (إسرائيل). الأشخاص الاعتبارية لا تنطق ولا تكتب لكي تستطيع التفاوض وتوقيع المعاهدات.

الأشخاص الاعتبارية مثل أمريكا، روسيا، الصين، الهند، السعودية، مصر أو الصومال محكومة في صفات القوة والضعف، التقدم والتأخر، الاستهلاك والانتاج، الديمقراطية والاستبداد...الخ بصوافي مجاميع سكانها من هذه الصفات. لأنها من الأصل تفتقر إلى الاستقلالية والكفاية الذاتية بمعزل عن صانعيها الأشخاص الطبيعيين، إذن لابد أن تكون قوة الأشخاص الاعتبارية (أمريكا، روسيا، الصين، الهند، السعودية، مصر، الصومال) مكافئة بدرجة أو بأخرى لقوة أشخاصها (شعوبها/مواطنيها/سكانها) الطبيعيين؛ فلا يمكن أن تستهلك أو تنتج أكثر مما يستهلكونه وينتجونه هم، أو تحقق من التقدم أو التأخر أكثر من تقدمهم أو تأخرهم هم كأشخاص طبيعيين؛ وقبل أن تكون دولة ديمقراطية أو استبدادية لابد أن يكون هؤلاء الأشخاص الطبيعيون ديمقراطيون أو استبداديون أولاً. في النهاية، كل شخص طبيعي (شعب) يستحق شخصه الاعتباري (دولته)، كون هذه الأخيرة تجسد بدرجة أو بأخرى صافي مجموع الجهد الذهني والبدني لهؤلاء الأشخاص الطبيعيين عبر امتدادهم الجغرافي والتاريخي.

ثمة شخص اعتباري آخر، الله، قد أثار ولا يزال كثيراً من الكلام والجدل الفقهي من بدايات التاريخ الإسلامي إلى اليوم. هل الله له يد مثل سائر البشر، أم هي أضخم من مجموع أيادي البشرية جمعاء؟ هل عرشه في السماء يشبه عروش الملوك في الأرض، أم أن كرسييه قد وسع السماوات والأرض؟ هل هو يوحي إلى البشر، يكلم ويستشير الملائكة من حوله، يأمر الجن؟ هل خلق الكون في سبعة أيام، وسيره وسخره بقدر إلى حين لأغراض ومنافع بشرية؟ باختصار، إذا كان الله موجود بحكم الوحي والمنطق والتاريخ فلابد أن تكون له صفات معينة؛ وطالما كانت هذه الصفات المعينة نتيجة منطقية لمقدمة الوجود البديهي، إذن كيف يستطيع البشر (الأشخاص الطبيعيون) توصيف هذه الصفات الإلهية (الاعتبارية)؟

قد وقع المتكلمة المسلمون الأوائل في خطأ قاتل حين لم يستطيعوا تمييز الله كشخص اعتباري له صفات مختلفة جوهرياً عن صفات الأشخاص الطبيعية أمثالهم. وبالنظر إلى غياب هذا التمييز الضروري، كانت النتيجة أنهم قد ألبسوا الذات الإلهية (الاعتبارية) نفس صفاتهم الطبيعية لكن بعد مدها إلى حدودها المطلقة، ليصنعوا منه شخصاً طبيعياً خارقاً، أو سوبرمان؛ فإذا كان من صفاتهم كأشخاص طبيعيين أنهم يستطيعون السمع والإبصار والعلم والخلق والعدل والانتقام...الخ، يكون هو بالنتيجة السميع والبصير والعليم والخالق والعادل والمنتقم الجبار...الخ؛ وحيث أنهم يستطيعون الاتصال والتفاهم فيما بينهم إيحاءً وتصريحاً، قد تخيلوا أن الله في السماء يملك أيضاً أن يتصل بهم وحياً وكلاماً، وحتى بلسان عربي مبين مثلهم أنفسهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 5 / 21 - 22:59 )
تم التعليق في خانة الفيس بوك , تحت مُعرّف (أبو بدر الراوي) , و السبب : سعة مساحة الكتابة .

اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم