الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواقف قصة قصيرة

محمد عبد الله دالي

2014 / 5 / 26
الادب والفن


مواقف محمد عبد الله دالي
قبل خروجه ، كان يلقي على نفسه نظرة متفحصة في المرآة الصدئة المعلقة في مدخل البيت ،ما زالت زوجته تلحُ عليه باستبدالها ،كان يقول لها يا أم بهاء، إنها جيدة على أية حال ، لايوجد مثلها اليوم .وعند خروجه ،يبدأ بقراءة الفاتحة والمعوذتين ، ويتأبط مجموعة من الكتب يختارها من مكتبته المتواضعة ، ليبيعها على بعض أصحاب المكتبات أو بائعي الكتب ممن يفترشون رصيف الشارع . وقبل إن يدفع للمشتري الكتب ، كان يقلب كل كتاب ، ويتصفحه ويرمقه نظرة عتاب أخيرة للزاوية اليمنى من الكتاب ، ليودع توقيعه ، كمن يودع ابنه لسفر بعيد ، ويؤكد إصراره على سعر مرتفع أول الأمر ، ثم يعود بعد ذلك ببيع بسعر يفرضه عليه المشتري هكذا حاله منذ زمن ليس بالبعيد ،منذ أن فرضت الحياة حصارها عليه ،يضع نقوده بجيبه مهموما ،إنها لاتسد مصروف اليوم ،يواصل سيره إلى العمل . كان معلما مخلصا ،أصر أن يدَسَ ،بين جمل اللغة العربية شيء من حب الوطن لتلاميذه . كان يغرس في قلوبهم الانتماء إلى الأرض ،والى النهرين والنخيل ،يشعر بلذة العمل ، وفي نهاية الدوام يودع تلاميذه بكلمة تعودوا على خير .. الى اللقاء يا أولاد ... وبخطى تَعِبة ،يَحسُ أن ثقلا على كتفيه ،هموم العمل وهموم العائلة .أو الناس كانَ أبو بهاء ،ذا حسً مرهف ،اجتماعيا ،ودودا وهو ماشياً يلقي بتحيته ،على الأصدقاء ،صاحب الحانوت أو الحلاق وبائع الصحف ، والابتسامة لا تفارق شفتيه . يتوقف قليلا مع البعض منهم ، ليتبادل الحديث ، ولكل واحد منهم رد خاص وسؤال خاص وبطرقته ، يملاء علاقته بألوان المعروفة ألوان ثابتة في حياته اعتاد عليها ، قد تتغير بعض الأحيان . مرت أيام ورأى يديه خالية من الكتب ، انتابه شيء من الحزن أًحسَ إنه فقد أثمن كنز ولاشيء يعادله ،كنز من المعرفة .كان يواسي نفسه أحيانا ، العلم والثقافة هذا يومها ، وستعوض بالمستقبل ، إن شاء الله ، استرجع قواه وسرح بذاكريه ،غاص في مكتبة الخالية .. قرأ شعراً للمتنبي وللجاحظ و لديكنز ولنجيب ، وانسابت الذكريات ، قطع تفكيره صوت ينادي :ــ
ــ أبو بهاء ــ أبو بهاء
ــ انتبه من حلمه الجميل ،
ــ ها ـــ أهلا أبا سعيد
ــ لك عندي أمانة منذ زمن ، قد استعرت منك كتابين ،هما .. الكامل للمبرد .. والأمالي للقالي ، وأنا خجلان جداً لتأخيرهما .. وأكرر اعتذاري .
ــ أجابه ..لا عليك .. لاعليك ، تناولهما بلهفة ، قائلا بخدمتكم ، المكتبة وصاحبها ، وفي قلبه يقول . لو يدري أين أصبحت وأين أمست . ودعه وشيء من الفرح في قلبه ، ثم توقف فجأةً أمام أول ، مكتبة .. ضاعة الفرحة ،أيهما أبيع ،قلب الكامل ، وبسرعة قلب أوراق الامالي شاماً رائحته ، إنها مميزة .،أحسَ بنكهة الورق تتغلغل في أعماقه ، ثم وضع الامالي فوق الكامل ، ونفس الطريقة قلب الكتاب الثاني ثم امسك ،كل كتاب بيد وأخذ ينقل نظراته بينهما ، أيهما يبيع ..أيهما أفضل ..منْ ..منْ ،قطع اختياره قارئ بجانبه قائلا .. بيع هذا .. دفع أحدهما لصاحب المكتبة .. واستمر بالمسير وهو يقلب الكتاب ، وراح يشمُ رائحة الورق الأسمر من جديد ،وعيناه تلمعان ... ولسان حاله يقول ( وخير معين في الزمان كتاب ) كيف لا وقد أعانه على حفظ كرامته


محمد عبد الله دالي الرفاعي
في / تموز / 1997








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو


.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا




.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية