الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية ... والصراع على هوية الشرق الأوسط

جاك جوزيف أوسي

2014 / 5 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


قال باتريك سيل في كتابه ( الصراع على سورية) من يستطاع السيطرة على سورية يمكنه أن يحكم المشرق العربي ويُهدد منطقة الشرق الأوسط برّمتهِا. وذلك للأسباب التالية:
أولاً - الموقع الاستراتيجي الهام، فهي حارسة المسالك الشمالية - الشرقية التي تُهدد قناة السويس الشريان الحيوي الهام في الاقتصاد الدولي والمنفذ البري إلى هضبة الأناضول التي تُشكل كعب أخيل بالنسبة لتركيا. وتسيطر على خط اليابسة الممتد من العراق إلى البحر الأبيض المتوسط، وبذلك تمثل سورية البوابة الشمالية للعالم العربي والمدّخل الساحلي الغربي للشرق الأوسط.
ثانياً - هي قلب وعقل وروح الحركة القومية العربية منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى الآن، على أرضها ولدت الأفكار القومية، وعلى ترابها وضعت أسس حركات التحرر العربية. وهي بذلك الساحة التي يُختبر عليها المثل العليا التي من أجلها تُبنى الأمم وعلى أرضها سيُعاد تشكيل النظام الإقليمي والدولي.
ثالثاً - بسبب التنوع العرقي والإثني والديني والعشائري والتنافس الذي يدور بين هذا الموزاييك الجميل، وبسبب التقسيمات الجغرافية بين الساحل والداخل، الجبل والسهل، المدينة والريف، البادية والحضر، وتنافس المجتمعات الزراعية والصناعية والتجارية فيما بينها، وبسبب صراع الأفكار والمبادئ والمفاهيم، وخاصة فيما يتعلق بالسياسة العربية (الرؤيا والهدف )، جعل باترك سيل يقول: يجب أن لا نعتقد أنها الضحية لمشاجرات شعب آخر ... وإذا ما فتشنا عن أسباب أزمة دولية محزنة فإن الخيط يقودنا في بعض الأحيان إلى دمشق.
رابعاً - هذا الموقع كان همزة الوصل بين حلقات الصراع الدولي في المنطقة. الحلقة الأولى كان الصراع بين الأسر الهاشمية في الأردن والعراق على السيطرة على سوريا، وصراعها مع خصومها العرب. والثانية كانت بين العرب و الصهيونية العالمية في محاولتها للسيطرة على أرض فلسطين. والثالثة الصراع بين الضاريين الاستعمار الفرنسي من جهة والانكليزي من جهة أخرى للسيطرة على المنطقة بين الحربين العالميتين. والرابعة الصراع الذي بدأ يظهر مع نهاية الحرب العالمية الثانية بين القوى العظمى للسيطرة على الشرق الأوسط ممثلة بالاتحاد السوفييتي (لدعم حركات التحرر الوطني) من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى(للسيطرة على ثروات المنطقة).
أما الحلقة الخامسة والأخيرة، فهي الهجمة الشرسة التي تُشن عليها مُنّذُ ما يُقارب الأربع سنوات، بتوجيّه أميركي – غربي، بهدف إعادة رسم الخارطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية في منطقة الشرق الأوسط بهدف مواجهة التنين الصيني الصاعد ومحاصرة روسيا الاتحادية العائدة بقوة إلى مسرح السياسة الدولية، هذا أولاً. أما الصراع الثاني الذي يدور للسيطرة عليها فهو ذو شقين، الأول تركي – خليجي يهدف إلى محاصرة إيران وتحجيّم دورها الإقليمي وبعبارة أخرى تحطيم ما يُسمى (الهلال الشيعي) الذي يسعى لابتلاع (الأُقيانوس السّنّي). والثاني تركي – قطري من جهة وباقي دول الخليج من جهة أخرى. والصراع الأخير يدور حول طبيعة الإسلام الذي سيحكُم المنطقة وميدانه عاصمتين رئيسيتين (القاهرة ودمشق) ومن يُسيطر على الأولى سيحسم المعركة في الثانية. دون أن نُغّفل الدور الإسرائيلي في هذا الصراع والذي سيجعل تل أبيب القُبلة لدول المنطقة المتصارعة على قاعدة أن عدو عدوي .... هو صديقي.
وفي هذه المعركة رُفِعت الشعارات الإسلامية التي توزعت بين وكيلين حصريين، وشريك مُضارب. الوكيل الأول إيراني جاء إلى المنطقة مع الثورة الإيرانية عام 1979، والثاني تُركي وصل عام 2002 إلى السلطة في أنقرة بعد اضطهاد طويل انتهى (بتسوية) مع واشنطن. أما الشريك المضارب الذي يرتدي العباءة الوهابية فهو يتجنّب الاصطدام بالأنظمة القائمة بشكل مباشر ويحاول أن يشتري صمتها إن غزّ عليه شراء ولاءها، فإن فشِل حرّك خلاياه النائمة كي تُعيث في الأرض خراباً ودماراً.
وبنتيجة ذلك تراجعت القضية القومية والوطنية حتى كادت أن تموت وتندثر، لأن الإسلاميين اعتبروها بِدّعة نسبوا إليها كل الخطايا والموبقات التي كانت موجودة في مجتمعاتنا، وصوّروها قناعاً للدكتاتورية العسكرية وطغيان حكم الفرد. ونتيجة ذلك كان (الربيع العربي) القشرة التي قسمت ظهر البعير وتفّجرت بسببه كل العصبيات الطائفية والمذهبية والقبلية والمناطقية في الشرق الأوسط.
وفي ظل هذا المناخ بدأت إسرائيل بالازدهار والنمو والتمتع بترف المطالبة بيهودية الدولة بعد أن بدأت كل مجموعة تُطالب بدولة مفصلة على قياسها وبدأت الدول الإقليمية (السعودية وتركيا) بدعم مجموعات قومية ومذهبية كي تؤسس دولها حتى تكون حاجزاً في وجه بعضها البعض.
لقد انتظر سكان الشرق الأوسط بلهفة وصبر على تقاطع الطرقات، وتضرّعوا بحرارة على أعتاب الأماكن المقدسة، واعتكفوا في الصوامع والخلوات داعين إلى الله كي يأتي المهدي المنتظر كي يملأ الدنيا عدلاً وخيراً بعد أن امتلأت ظلماً وجوراً. ولكن ما حدث هو أن الأعور الدجال أرخى بضلال عباءته على المنطقة وكشف اللثام عن وجهه فبانت عينه الجاحظة التي لا تنشر إلا الفوضى والخراب.
هذه العين هي عين الغرب والقوى الرجعية الطامعة بخيراتنا وثرواتنا التي تُريد حرماننا منها كي تبني مستقبلها ومستقبل أولادها. والبعض منا مدفوعاً بعقيدة فاسدة أو رغبة حاقدة أو جهالة واضحة ارتضى أن يكون دمية بيد هذه القوى الحاقدة ويُنفّذ مخططاتها بإدخال المنطقة بمعارك داخلية ضحينا خلالها بفلذات أكبادنا لتدمير أوطاننا وإلغاء تراثنا وإرهاق اقتصادنا واستنزاف مواردنا كي نُعمّر بلادهم ونُنشط اقتصادهم ونزيد من تكديس ثرواتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة


.. قوات الاحتلال تعتقل شابا خلال اقتحامها مخيم شعفاط في القدس ا




.. تصاعد الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد حرب إسرائيل


.. واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل وتحذر من عملية




.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را