الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ينصف الشعب في زمن التناقضات

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2014 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


تختلط الصور والمشاهد اليوم في بلادنا وفي جهتنا وإقليمنا، وسط تحديات جسام ولدها الواقع المر الذي تعيشه الجماهير، وأي واقع إنه من النوع الذي يصعب وصفه ومحاولة تحليله والخوض في تفاصيله، ليس لتشابك هذه التفاصيل ودقتها فحسب بل لكثرتها وتنوعها وتناقضها لدرجة أن المتتبعين والمهتمين باتوا يتحدثون عن واقع الحال المرّ بشكل يصعب معه تمييز نوع الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، التي نعيشها في هذا الوطن.

نعم إنها الحقيقة، فوطننا ـ أو قطعة الأرض التي تجمعنا ـ لا زال يجمع بين المتناقضات... فمع توافر الخيرات يوجد الجوع والفقر المدقع، ومع كثرة رجال الأمن والعسكر تشعر الجماهير باتساع فضاءات الجريمة، ومع وجود الديمقراطية وحرية الآراء والتعبير، هناك ديكتاتورية خفية تمارس أعمالها بقوة القانون وعلى هامشه، وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد بل إن الحقوق والحريات أصبحت تمارس ضمن إطار طبقي ضيق لا يستطيع معه المواطن البسيط أن يدافع عن نفسه حتى وان ساق كل الأدلة والبراهين، ولعل تواجده أحيانا ولو بالصدفة في المكان الخطأ قد يكلفه غاليا، وفي الجهة المقابلة تجد البعض يقترف عشرات الجرائم والسرقات والفساد، لكنه بالنتيجة يعيش حياة فارهة ولا يعترف بوجود ما يسمى بالقانون، فمن أجرم وفعل ما فعل بحق الجماهير يعيش اليوم حياة الأبطال الفاتحين المتمرغين في اللذة والنعيم، مشفوعا ببركة الصفقات السياسية ولتذهب حياة من ظلمهم إلى الجحيم، ولست ادري ماذا سيحدث إن استمرت هذه المهازل .

يسكننا حنين إلى مغرب قوي قادر على تحقيق العدالة والحرية لجميع أبناءة عبر وسائل مقبولة ومشروعة تتيح للجميع المشاركة في صناعة القرار والتفكير بغد أفضل بعيدا عن معركة توزيع المغانم واستغلال الانتخابات، فمتى سنشعر فعلا بأن من يدلي بصوته سينتخب حقا للمغرب ولحرية المغاربة وكرامتهم، ومتى سيفكر كل الساسة والقادة والقائمون على الأمور و غيرهم بالجميع لا أن يتم إبعاد هذا ومكافأة ذاك لأنه لم يكون من فصيلته أو حزبه أو من يدور في فلكه، فمن المفروض أن الجميع يتمتع بحقوق المواطنة ولهم الحق والحرية في اختيار من يرونه مناسبا وفق الضوابط المعتمدة التي اقرها القانون ، فالقوة والمنعة ليست شعارات وعنتريات خائبة يمارسها هذا بدوافع الشهوة السياسية وإبراز العضلات وينكرها عليه ذاك إنها أفعال وعمل على الساحة وبكل الاتجاهات وليست محصورة بشخص قائد ضرورة أو قوي أمين كما ضللنا نقرئها في دعاية الكثير من المرشحين أثناء الانتخابات، فهذه الأخيرة وجب أن تكون منهجا لدولة بمؤسسات حقيقية تنصف الجميع وتدافع عنهم وتوفر لهم متطلبات الحياة العصرية التي صارت في متناول الجميع وفي شتى أرجاء المعمورة إلا أبناء هذا الوطن المساكين.

إننا نعيش اليوم تحديا جديدا ولمن يبتغي الحل فالتكاتف الوطني لازال متاحا وله من القبول ما يؤهله لأن يكون المشروع الأول الذي سيكتب له النجاح إن صدقت النوايا بكل تأكيد، فآن الأوان أن يجد أصحاب القرار والسياسيين وقادة الوطن طريقًا وأسلوبًا جديدًا في التعاطي مع أزمات وطننا، وإيجاد المخارج والحلول الصحيحة لها، والتأسيس لمرحلة جديدة أساسها الإرادة والثقة المتبادلة، ويغلقوا صفحة السنوات الماضية التي أضافت إلى شعبنا أثقالًا جديدة على معاناتهم وأزماتهم, والبحث عن التحالفات التي تقرب الحلول، وتضمن سير تنفيذها، والأهم أن تطرح كل القضايا العالقة على طاولة البحث ليتحمل كل طرف مسؤوليته بأمانة وشرف وصدق ونزاهة .

على جميع المغاربة أن يعوا حجم الأزمة التي يعيشها وطننا، والتي تتطلب بالدرجة الأساس تكاتف الجهود الرامية إلى الإنقاذ من الانكفاء الخطير الذي تعيشها وجماهيرها ، وضرورة الدعوة إلى بناء مغرب حر مزدهر على أسس وطنية وشرعية ودستورية ثابتة وواضحة، ويجب أن تعلو المصلحة الوطنية فوق كل الطموحات الشخصية والفئوية، والحزبية ويجب أن نجعلها مصلحة عليا فوق كل المصالح والاعتبارات الأخرى، ويجب أن ينطلق هذا الموقف باتجاه الفعل الصحيح وفق حسابات دقيقة بعيدًا عن مستنقع المنافع والأحقاد والرواسب الدنيئة والحسابات الذاتية والطموحات والمصالح الذاتية، لأنها مواقف مرفوضة بكل المعاير الدينية والأخلاقية والوطنية.
فالبؤس كحالة نفسية واجتماعية لا يمكن لأحد إنكار وجودها في بلدنا، لكن الأرقام والمعطيات حولها تتضارب، علما أن معدل البطالة الحقيقي لا يمكن معرفته في بلد كالمغرب، وأبسط مثال هو البطالة المقنعة التي تحصي الحكومة أصحابها ضمن الفئة النشيطة. ويكفي الواحد أن ينظرإلى أحيائنا وأزقة الأحياء الشعبية منها خصوصا، ليرى أعداد الباعة المتجولين (الفراشة) الهائلة، والذين يتم احتسابهم في التقارير الرسمية ضمن الفئة النشيطة وليس ضمن فئة العاطلين.
فالكثير من الأحياء لا تستعمل إلا كمضاجع للنوم فقط. ويعاني سكانها من مصاعب النقل العمومي، فالحافلات قليلة وغير منتظمة وتعرف ازدحاما شديدا وتسودها مظاهر النشل والتحرش الجنسي. أما التاكسيات، فأغلبها لا يقل عمرها عن ثلاثين سنة. وهي خربة بشكل لا يصدق، وتفتقر لكل شروط السلامة والراحة.


وهناك آثار سوسيولوجية للسكن في عمارات أقفاص، ناتجة من برامج فوقية... والسلطة، عندما تسجل المرشحين للاستفادة، تمنح الأسبقية للمتزوجين. فيتم تزويج الأبناء لزيادة حظوظ الحصول على سكن. في انتظار ذلك تقطن أكثر من ثلاث أسر في شقة من 60 متراً...
وهناك خلل في توزيع العقار... فالعقار هو مجال للادخار ولتبييض الأموال، فإن هناك مئات الآلاف من المنازل والشقق المغلقة، يحتاط بها أصحابها من "تقلبات الدهر". في جل الأحياء، ما زالت البقع الموجودة في نقاط استراتيجية بالمدن دون بناء، بقع حصل عليها أصحاب نفوذ تملكوا الأرض خارج قانون السوق، بالريع وما يسمى "التفويتات" (وهي صفقات تحت الطاولة)... وقد أكدت تقارير جمعية "الشفافية" أن الرشوة تنخر قطاع العقار وتتسبب للدولة بخسائر مهولة بسبب التهرب الضريبي وتسجيل الأراضي بغير ثمنها الحقيقي في السوق... من عجائب انعكاسات هذا الأمر أن شركة عقارات حققت ما يعادل 97 في المائة ربحاً من أصل رأسمالها في عام واحد... والأمثلة المشابهة كثيرة ومتعددة... هذا لم يحصل صدفة.
فالفقر والغنى عندنا لا يفسران بالقدر أو بالحظ، بل بعلة سياسة تمارسها جهات معينة ونتيجة سياسات غير معلنة... تقبع خلفيات اقتصادية وسياسية خلف القرارات والمخططات العقارية... وغالبا ما تكون النتيجة ضد الفقراء.
يعيش المشهد السياسي المغربي العديد من التناقضات على مستوى التصورات السياسية والإيديولوجية ،وعلى صعيد الفلسفة التعاقدية ...
فالممارسة السياسية تتسم بنوع من الضبابية في الخيارات والرؤى الغير المحددة في مجال السياسة وعوالمها,حيث تعمل وفق تراكمات ورواسب البنية الاجتماعية التقليدية في إنتاج الحلول وصناعة القرارات السياسية ، مرورا بالمؤسسات لإضفاء الشرعية على الممارسات السياسة ،ومتجاوزة هذا إلى التصور المجتمعي والتعاقد الديني –السياسي للمستقبل الضامن للاستمرارية في ظل تطور شروط نضج المجتمع وتطور وعيه السياسي .
وحتى على مستوى الخطاب والممارسة، هناك ما يوطد استمرارية الجمود السياسي والتاريخي وإعادة إنتاج الماضي في قوالب تحديثية ،تزيد المشهد بؤسا وقتامة وركود.

لذا فإن أي تغيير في ظل الاستمرارية الفاقدة لأي وعي ديمقراطي، هو في الحقيقة إلا إعادة ترسيخ وتكريس سياسة البؤس والجمود ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من الحرس الثوري الإيراني في حال هاجمت اسرائيل مراكزها


.. الاعتراف بفلسطين كدولة... ما المزايا، وهل سيرى النور؟




.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟


.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟




.. طهران تواصل حملتها الدعائية والتحريضية ضد عمّان..هل بات الأر