الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غربه لا تشبه الغربه

آمنه سعدون البيرماني

2014 / 6 / 6
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


غربه لا تشبه الغربه
امنه سعدون البيرماني
(قرأت في صفحه احدهم عن العراقيين و مرارة رحلتهم مع الغربه في الثمانينات ,فأوحى لي الكلام بهذه المقاله )
يمكننا ان نعتبر فترة الثمانينات هي بدايه حقيقيه لرحله العراقيين مع الغربه عن الوطن ,رغم ان الهجرة بدأت قبل ذلك بكثير وتحديدا منذ فترة اوائل السبعينات وكانت محصورة بين الاكراد الذين تم تهجيرهم طوعا او قسرا لعدم اعتراف النظام بأبسط حقوقهم والكل يذكر الحروب الداميه التي سخر فيها النظام آلته الحربيه لسحق ما سمي ((تمرد ))الاكراد وما تلا ذلك من جرائم ابادة جماعيه بمختلف صنوفها لهذه الشريحه الطيبه من ابناء العراق .وايضا هجرة العراقيين المسيحيين نحو العالم الجديد او استراليا هربا من حكم البعث الذي لاحق الكثير منهم من الاثرياء او الكفاءات وحتى رجال الدين و ابتزازهم ماديا ومعنويا والاصرار على تجنيدهم في صفوف المخابرات** ! هذه المعلومه قد تكون جديدة على البعض ولكن الكثير من مسيحيي العراق يعرفوها .
المهم الغربه تنوعت في مطلع الثمانينات, فمن غربه قسريه لكل من يمتلك التبعيه الايرانيه -في ما عُرٍفَ وقتها بالتسفير -, والتي قد لاتكون بالضرورة محددة لاصله وفصله لان كما يعرف البعض كان الالتجاء الى التبعيه الايرانيه وسيله فعاله للتخلص من التجنيد الاجباري في زمن العثمانيين وكانت العمليه لا تكلف الشخص سوى بضع فلوس بسيطه يرحم نفسه واولاده من السفر عبر القفار والثلوج للدفاع عن امجاد دوله السلطان العثماني !*. وما تلا ذلك من ملاحقه وتضييق لكل شيعه ال البيت , وبالاخص في فترة الحرب العراقيه الايرانيه وما تلاها , كما بدأت الغربه الاختياريه للكثير من الشباب الملاحق من قبل ازلام النظام المقبور فقط بسبب الانتماء الطائفي (الشيعه ) او الانتماء القومي (الاكراد) والكل يعلم كيف كانت الحياة في سجون واقبيه المعتقلات لامثال هؤلاء الفتيه , وخاصه ان القله القليله منهم كان بالفعل من نزلاء هذه المعتقلات وكانت الصدفه او المعجزة -سموها ما شئتم -من ساعدته على الافلات والهرب نحو حريه تغلفها غربه ابديه عن الوطن .
لفت نظري في ما قرأت التاريخ وتحديدا 1985,قد لا يعلم البعض ما معنى هذا التاريخ بالنسبه لي او بالنسبه للعراق ككل هذا العام تحديدا بدأت الحرب العراقيه الايرانيه تأخذ منحى اخر بعد ان بدأ صدام باستخدام الصواريخ أرض –أرض لقصف المدن والاحياء الامنه في ايران وجرت هذه الفعله الحمقاء الى تبادل القصف على المدن ضاربه بعرض الحائط كل الاعراف والمواثيق الدوليه وسط تجاهل المجتمع الدولي (رغم وجود بعض الجهود هنا وهناك لايقاف القصف المتبادل ولكنها كانت ذرا للرماد في العيون ليس الا !)واستحسان بعض دول الجوار ! ,هذا التاريخ كان ايضا بدايه الغربه بالنسبه لي ,غربه طويله داخل الوطن وما اقسى الغربه داخل الوطن ,ففي هذا العام اضطررت الى مغادرة بيت الاسرة الذي ابصرت النور فيه ,بيت والدي الحبيب رحمه الله بعد ان طالته الصورايخ الضخمه واحالته حطاما وكانت المعجزة ان نخرج منه احياء انا وعمتي لوالدي الباقيه الوحيدة من حادث اغتيال والدي ووالدتي مطلع السبعينات على ايدي ازلام النظام السابق, لملمنا ما يمكن الاستفادة منه من الاغراض التي سحبناها من بين الركام والزجاج المتكسر لنهاجر لفترة بين بيوت الاقرباء ضيوف مرحب بهم حينا وفي اخر ضيوف ثقلاء الى حين شرائنا لسقف ياوينا في منطقه بعيدة عن ايدي الصواريخ وبعيدة ايضا عن ديار الاهل والاجداد .اسرتي التي سكنت منطقه كرادة مريم لقرون تهجرت بعدنا ايضا ,بسبب الاستملاك القسري الذي قام به النظام لبيوت واملاك اسرتنا ومنها بيتنا المقصوف ,نظير دريهمات لا تفي ربع سعر املاكنا الحقيقي ! استقرينا في منطقتنا الغريبه الجديدة لمدة استطالت الى عشرين عاما , منطقتي التي تعد من المناطق ذات التنوع الطائفي والعشائري, الجديدة نسبيا في فترة الثمانينات ,منطقه غرباء جمعتهم بيوتها الحديثه وشوارعها العريضه النظيفه ,التي لم احس فيها بالانتماء وايضا لا يمكنني ان اعتبرها غربه حقيقيه وذلك بسبب العلاقه الجميله ببعض جاراتي الرائعات واسرهن الطيبه والتي ازدادت قوة بعد سقوط النظام وبدايه ما يسمى بالحواسم حيث وقف الجيران سنه وشيعه ,عربا واكرادا ,ومسيحيين وصابئه , يدا بيد لحمايه المنطقه من التسليب واحتفالا بزوال الكابوس , لاازل اذكر كيف كانت جلسات السمر امام البيوت والتندر بحب الجنود الامريكان للفلافل العراقيه ,او عشقهم لاكله الباقلاء بدهن ! لا ادري كيف تسلل الارهاب الى منطقتي ولا ادري كيف صحونا ذات يوم على اسراب سيارات نقل الاثاث وهي تنقل الاخر _ذو المذهب المختلف _عن منطقتنا الى غير رجعه ! من سمح لهم بالتغلغل ومن ساعدهم على الدخول اذا كان كل الجيران قد استحالوا الى اسرة واحدة ؟! علم ذلك عند الله وصناع السياسه !
منذ 2006 ومع تدهور الوضع بدأت رحلتي مع غربه جديدة ,غربه قاسيه مرة الطعم , التهجير ,غربتي بين احضان بغداد ,الام القاسيه ,التي لم تعد تسع امثالنا ,بعد ان تمدد اليها الوافدون الاغراب من كل حدب وصوب والذين احضروا معهم فلسفتهم الخاصه ,تقاليدهم البعيدة عنا, والاقسى من كل هذا , نظرتهم التي تحتقركل ما يميز اي بغدادي ,نظرة كُره نَمَتْ عبر السنين لا اعلم لها سببا نحو كل ما يطبع بغداد وتراث بغداد واصاله بغداد , لم تسعني الاماكن ولا بيوت الاقارب التي كنا عليها كما السابق ضيوفا اعزاء مرة وتارة اخرى ضيوف غير مرحب بهم ! افتقدت جاراتي الطيبات ,اخواتي في كل محن العراق الماضيه ما قبل 2003 وايضا شريكاتي في حسرتنا على جيرة حلوة ذهبت تحت اقدام امراء القتل ونصل سكين الذبح ,لي الان 8 سنوات من الهجرة داخل الوطن ,داخل بغدادي وبغداد ابي وعمومتي واجدادي ,سنوات شعرت فيها بالذل والمهانه والتشرد ,كل شعور قبيح لم يتمكن صدام المقبور ولا ماكنته الجهنميه القاتله ان يفرضوه علي وعلى امثالي طيله فترة الحكم السابق , اكثر من 35 عاما وقفنا فيها كالشوكه في حلق النظام ,فلا نحن نوالي فنستريح ,ولا نحن نُهاجر فُنريح , حتى مل الانتظار مني ولاسبابي الخاصه حططت رحالي اخيرا في كردستان ,لابدأ مشوار غربه من نوع اخر ,اظنها لن تطول ,لان شعورا بالامتنان والانتماء ,لمدينه احتضنتني , واسرتي و اعطتني الامان ,واحترمت ضعفي وتفهمت معاناتي ,واهلها الطيبين الذين يلقونني يوميا بالابتسامه والترحيب ,هم يفهمون تماما ما عانيت وأعاني ,فالاكراد كانوا اول ضحايا التهجير والملاحقه والقتل والابادة الجماعيه , هم خبراء الاغتراب في هذا الوطن ,اظنني وجدت اخيرا موطيء قدم و شبرا من الارض يأويني في هذا الوطن الممزق الجريح
المصادر:
* سلسله اللمحات للدكتور علي الوردي
** المعلومه من تجربتي الشخصيه لكوني درست في مدارس الراهبات وقتها والكثير من صديقاتي كُنَّ من الطائفه المسيحيه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل عمليتها البرية المحتملة في رفح: إسرائيل تحشد وحدتين إضاف


.. -بيتزا المنسف- تثير سجالا بين الأردنيين




.. أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط


.. سفينة التجسس بهشاد كلمة السر لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر




.. صراع شامل بين إسرائيل وحزب الله على الأبواب.. من يملك مفاتيح