الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يصبحُ (الدين) مُشكلة!

حازم شحادة
كاتب سوري

2014 / 6 / 8
الادب والفن


دائماً ما يثير قرفي ذلك الحديث الطائفي الذي اعتمده المروجون والمهرولون للتدخل الدولي في سوريا تحت مسميات لا علاقة لها بالمجتمع المدني الذي يتبرأ من أي مصطلح أو سلوك يزيد في انقسام المجتمع حول تكتلات طائفية رأينا كيف كانت عاقبتها فيما حدث بلبنان أو العراق ومع ذلك يلهث هؤلاء بكل ما أوتوا من شذوذ فكري وتاريخي كي يجعلوا من سوريا مسرحاً ذا عرض مفتوح للنزاع الديني والإثني كفيل بالمراكمة على تخلفنا الحاضر تخلفاً بأبعاد عربانية سيئة الصيت والذكر.

إن الدين بأبعاده الأخلاقية والإنسانية حالة عرفتها البشرية منذ البدايات الأولى لتطور العقل والذي عجز عن فهم العديد من أسرار هذا الكون بما يحتويه من ألغاز كبيرة كالخلق والموت والمرض والخوف فانطلق خياله في تشكيل صورة لخالق كل هذه الفوضى المنسقة على نحو فاق قدراته الفكرية فكانت البداية مع تلك الحالة العجيبة والتي أدهشته فترة لا بأس بها من الزمن ألا وهي الولادة فقرر الرجل أن المرأة هي باعثة الحياة في الدنيا وعبدها أيما عبادة فكانت خليلته وآلهته في آن معاً ضمن فترة أطلق عليها العصر الأمومي كانت فيها المرأة ربة الكون الواحدة.

البدايات الأولى

ولأن التفكير الديني من السمات الذكورية بامتياز ومع مرور الزمن وارتقاء الأداء المهني والحياتي للرجل لم يقبل أن تحوز هذه الأنثى (التي تقبع تحته) على هذه المكانة العليا كما أنه وعلى الرغم من عملية الخلق التي تقوم بها لم يجد لديها الإجابة عن تساؤلاته المتراكمة حول السماء والأحداث التي يمر بها..ونظراً لارتباط تلك الحياة الأولى بالشمس وما تمنحه من دفء واطمئنان ولأنها النقيض الفعلي لليل البهيمي الموحش الذي يجلب إليه الخوف والصقيع قرر أن يعبدها عبادة خالصة لعل أبرز تجلياتها كانت في المرحلة الفرعونية ومعها بدأت عملية الانتقال إلى عبادة الإله الواحد وهو إله الشمس ودائماً ممثلاً بشخص بشري.

إن السومريين والأكاديين والبابليين والآشوريين والفينيقيين الذين سكنوا في بلاد الشام وبلاد الرافدين كانوا أصحاب حضارة شهدت العديد من الاختراقات الفعلية في طبيعة العقل البشري وفتحوا من خلال إبداعاتهم التي كشفها علماء الآثار مجاهل عدة في طبيعة تفكير العقل وقفزوا به قفزات نوعية لعل أبرزها تلك التي قدمها الفينيقيون (سكان الساحل السوري) ممثلة بالأبجدية العظيمة التي تمثل لمن يفهم حجر الأساس في كل التراكمات الحضارية اللاحقة...لماذا؟.

لأنها سمحت بتخزين المعرفة بواسطة الكتابة التي يسهل نسبياً تعلمها والتعامل معها عوضاً عن أسلوب الرسم الذي كانت تتبعه حضارات أخرى كالحضارة الفرعونية وتحولت على سبيل المثل جملة (هجم الملك بجيشه على الأعداء) من جدار عريض يرسم عليه الملك قائداً لجيشه وفي الطرف الآخر رسومات لجيش الأعداء إلى مجموعة بسيطة من الكلمات المترابطة سمحت بتراكم المعرفة منذ تلك الفترة وبالتالي انتقال المعرفة من جيل إلى آخر ليستفيد منها ويراكم عليها.

هذه الحضارات كانت تؤمن بتعدد الآلهة وتلتقي في ذلك مع الحضارة الأغريقية العظيمة التي كانت تعتمد نفس الأسلوب في فرز الألهة مع الحرص دائماً على وجود كبير لهذه الآلهة (زيوس) الذي غالباً ما يتدخل لحل الخلافات بين الأرباب المتنافسين فيما بينهم على مناطق النفوذ بين البشر وهنا يبرز التساؤل...على الرغم من الاقتناع المطلق للإنسان بعظمة الإله إلا أن جل تصرفات هذا الإله تدور حول الإنسان، بمعنى آخر.. إن أبرز الأمور التي يقوم بها الله هي تصرفات وأفعال وأحكام وعمليات خلق تصب في النهاية في بحر الإنسان وكأن تلك الحضارات كانت تريد أن توصل رسالة مفادها أن الإنسان وليست الإلهة هي الأساس.


التحول التاريخي

طبعاً بدأ التحول التاريخي في منسوب الفكر والحضارة في منطقة بلاد الشام والعراق مع ظهور ما يسمى بالديانات السماوية التي أثارت من النزاعات والخلافات البهائمية بين أبناء هذه المنطقة أكثر مما أثارته من تحريض على العلم والفكر فكان الصراع قوياً بين من هو متمسك بالنمط المعرفي السابق والذي يتيح له حرية التفكير والرأي والتعبير والتجديد وبين من يريد وضع المسلمات الخالصة والتي من شأنها أن تدفع المجتمع ـ كما فعلت ـ إلى حالة من الركود والتسليم بأن التفكير هو مهمة من مهام الله وما على الإنسان إلا أن يعمل لقوته ويتعبد لإلهه (الذي لم يره مطلقاً واكتفى باختيار أنبياء جميعهم من اليهود ما عدا قلة قليلة نبيان او ثلاثة من العرب) وخصصهم جميعاً لهذه المنطقة من العالم رغم أن مساحته الهائلة والتنوع البشري الكبير الذي يضمه يحتاج إلى أنبياء ينتشرون في كل أماكن الدنيا من اليابان إلى أقصى قرية لاتينية في أمريكا الجنوبية.

وبما أن هذه الأديان (السماوية) تأتي متوالية ومناقضة لبعضها في جهورها كان من الطبيعي أن يجلس اليهود حتى يومنا هذا ينتظرون ظهور المسيح لأنهم لا يؤمنون بأن المسيح الذي يؤمن به مليارا شخص على سطح هذا الكوكب هو المسيح الحقيقي..كما لايؤمن المسلمون أن هذا المسيح قد عذب وصلب على عكس الإيمان الراسخ لدى المسيحيين بهذه الواقعة والتي تعتبر العمود الفقري للدين المسيحي.. إلى آخره من أوجه النفي التي توجهها كل ديانة إلى الأخرى على الرغم من الزعم بأنها ديانات سماوية أي مصدرها من الفضاء الخارجي وهو مصدر واحد ألا وهو (الله) الذي لم يره أحد من قبل لكن الجميع يؤمن به.

وما لبثت هذه الديانات بعد وضعها بأعوام قليلة أن أظهرت هشاشتها كفكرة واحدة موحدة فانبعثت من كل دين عشرات الطوائف والمذاهب تكفر كل واحدة الأخرى وتدعي أن الحقيقة من نصيبها وحسب فكان نصيب هذه المنطقة من العالم عصوراً من الجهل الظلامي.


التناقض بين الدين والعلم

لعل من أبرز الوقائع التي يتجلى فيها التناقض التاريخي بين العلم والدين ما تم خلال محاكمة العالم الإيطالي غاليليو غاليلي والذي أكد قبل أربعمئة عام من خلال تلسكوبه وأبحاثه العلمية الدقيقة أن الأرض كروية فحاكمته الكنيسة على هذا الأساس كزنديق كافر يخالف تعاليم الكتاب المقدس التي تؤكد أن الأرض كما خلقها الله هي أرض مسطحة وليست كروية وتم تهديده بالحرق إن لم يتراجع عن أقواله وبالفعل تم التراجع عن أبحاثه ووضع في الإقامة الجبرية فترة طويلة من الزمن كما تعرضت كتبه وأبحاثه للعديد من جرائم الحرق وكل ذلك بأمر من السلطة الكنسية الدينية.

لقد أدرك الأوروبيون بعد ذلك بمئتي عام أن السبب الرئيسي الذي يقف في وجه التقدم العلمي والفكري ما يضعه الدين أمام العقل البشري من خطوط حمراء تكاد تكون لا نهاية لها ولا يكتفي أزلامه وأبواقه وخونته بذلك بل يعملون على نشر الخوف في نفوس العلماء من خلال العقوبات الدينية والدنيوية التي ستحل بهم في حال أفصحوا عن علمهم ونتيجة لذلك قرروا أن تتخلى الدولة في تركيبتها السياسية والمدنية عن الدين بوصفه مؤسسة لها قولٌ فصلٌ في توجهات الناس واختياراتهم واكتفوا بها مؤسسة روحية لممارسة الشعائر في أماكنها الخاصة دون التطرق إلى ذلك خلال الحياة الاجتماعية المدنية.

والمراقب لما حدث من طفرة في العلوم بعد تخلي المجتمع عن الدين كمحدد فكري يرى أن ما حدث في القرن العشرين لا يعادل جميع مراحل ارتقاء الجنس البشري فكرياً خلال تاريخه السابق وحسب بل يتعداه بأشواط شاسعة..فمن المصباح الكهربائي إلى وسائل الاتصال الجماهيري إلى الطيارة إلى العلم النووي إلى اكتشاف الفضاء..وغيرها مما لا يعد ولا يحصى من الإنجازات والاختراعات .

أمة العربان

أما أمة العربان والتي ما تزال متشبثة بغياهب الدين ودهاليزه فهي ما زالت تخرج علينا بشتى أنواع التقهقر والانحدار حتى عندما تدعي سعيها نحو الحرية فإنها تنطلق من الجوامع مرددة شعارات وهتافات تزيد الاقتناع بمدى إصرارها على الالتزام بمنطق الدين والعودة بعجلة الزمن مئات السنين إلى الوراء لأن كل ما يشغلها ترسيخ مفهوم عالم الغيب الذي لا يدركه ويعلم خباياه سوى مجموعة من المشايخ يتولون قيادة القطيع الكبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع