الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة الإسلام المعاصر

عماد هرملاني

2005 / 7 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كشفت الأعمال الإرهابية التي وقعت في أماكن متعددة من العالم خلال الأعوام القليلة الماضية، وخصوصا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، عن حقيقة المحنة المركبة التي يعيشها الإسلام والمسلمون خلال المرحلة المعاصرة والتي تتشابك فيها نتائج الحصاد المر للدور الذي لعبته حركات الانغلاق الديني المتلطية وراء رايات الأصولية الإسلامية في تشويه صورة الإسلام والمسلمين ، مع مشاعر الحقد المسبق التي تحملها بعض الأوساط السياسية والإعلامية النافذة في الغرب تجاه العالم الإسلامي والتي تختلط في فضائها رواسب ثقافية ودينية تعود إلى عصور موغلة من التاريخ مع اعتبارات معاصرة ذات طبيعة سياسية واقتصادية تتعلق بهواجس السيطرة على النظام الدولي في العصر الحديث.
وبصرف النظر عن موضوع الأدلة التي تثبت أو تنفي تورط إحدى الجماعات الإسلامية المتطرفة في تنفيذ هذه العملية أو تلك، تظهر ردود الفعل الأولية التي يتكرر ظهورها بعد كل عملية إرهابية عن مدى الأذى الذي ألحقته تلك الجماعات، بفضل أخطائها المتراكمة، بصورة الإسلام والمسلمين حين نجحت في تحويلهم إلى متهم دائم في كل جريمة أو مجزرة يمكن أن تقع في أية بقعة من بقاع الأرض، ووصلت إلى إلباس ((المناضل الإسلامي)) صورة ((القاتل المحترف)) الذي أضاع بوصلة أهدافه الأولى وتحول إلى آلة عمياء تزرع الموت والدمار حيث يتيسر لها ذلك دون أي اكتراث باعتبارات المكان والزمان والهدف.
ومن هذه الزاوية، تذكر ممارسات الجماعات المتطرفة التي تنسب نفسها إلى الإسلام اليوم بمسيرة الأخطاء القاتلة التي وقعت فيها تجربة حركات العنف اليساري التي انتشرت ظاهرتها في مناطق عديدة من العالم ومن بينها منطقة الشرق الأوسط خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي والتي تحول العديد من رموزها المعروفين من ((مناضلين أمميين)) إلى ((قتلة مأجورين)) تبين فيما بعد أنهم كانوا مجرد عملاء تحركهم أجهزة استخبارات الاتحاد السوفييتي والدول التي كانت تدور في فلكه في ذلك الوقت، ومع ذلك يبقى الفارق الهام بين التجربتين أن حركات العنف اليساري كانت تتبع أيديولوجيا هامشية بالنسبة إلى مجتمعاتها المحلية، وهو ما جعل تلك الحركات تحمل بنفسها أوزار أعمالها العنفية، أما فيما يتعلق بحركات العنف الجديدة التي تنسب نفسها إلى الإسلام فإن خطورتها المضاعفة تكمن في أن طريقة تمسحها بالعقيدة الإسلامية تفضي إلى إلقاء تبعات ارتكاباتها الخاطئة على عاتق الشعوب الإسلامية برمتها والتي تجد نفسها مرغمة على تسديد فواتير ممارسات ترتكب باسمها دون أن تكون لها يد أو رأي في تأييد تلك الممارسات أو معارضتها.
وبطبيعة الحال فإن الكلام عن الدور الذي لعبته بعض الحركات الإسلامية المتشددة في الإساءة إلى سمعة الإسلام وتشويه صورته العقيدية والجهادية ، يجب أن لا يحجب آثار المشاعر العدائية المبيتة التي تسيطر على نظرة الغرب نحو العالم الإسلامي بدوله وشعوبه وعقيدته الدينية ، وبدون أخذ هذه المشاعر بعين الاعتبار سيظل من الصعب تفسير مظاهر السباق المسعور الذي تنخرط فيه دوائر صنع القرار السياسي وأجهزة الاستخبارات ووسائل الإعلام الغربية بمختلف اتجاهاتها وانتماءاتها من أجل تحميل الدول والحركات الإسلامية مسؤولية أية حادثة إرهابية تقع في أي مكان من العالم ، وذلك حتى قبل الإمساك بأي دليل يمكن أن يدعم الاتهامات التي يتم إطلاقها بشكل عشوائي ودون أدنى تبصر في ملابسات الحادث وتشابكاته الظاهرة والمستورة (وهي الحالة التي شاهدنا نموذجا عنها في ملابسات عملية التفجيرات التي وقعت أخيرا في مدينة لندن واتضح أن منفذيها من مواليد بريطانيا وحملة جنسيتها).
ومن غير إغفال أثر المواقف المتهورة التي تصدر عن ألسنة بعض الشخصيات والجماعات الإسلامية التي نجحت وسائل الإعلام الغربية في تحويلها إلى واجهة أمامية لظاهرة الإرهاب التي تجتاح العالم خلال المرحلة الراهنة، ودون أن يعني ذلك أي تلميح إلى إمكانية تسويغ الجرائم البشعة التي يتم ارتكابها من قبل تلك الجماعات في أماكن مختلفة من العالم، سيظل من الصعب النظر إلى تلك المواقف والتصريحات دون وضعها ضمن سياقها كردود فعل (يمكن وصفها بالبدائية) على السياسات العدائية التي ينتهجها الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص، في التنكر لمصالح المسلمين وحقوقهم وحتى كراماتهم التي يتم هدرها واستباحتها عبر فجائع يومية تتواتر مشاهدها بين فلسطين والعراق وأفغانستان، إذا تركنا هنا تجارب سكنت الذاكرة في البوسنة والشيشان والصومال، وإذلالات الضغوط التي تتعرض لها دول عربية وإسلامية عديدة تحت شعارات تعتمد معايير مزدوجة في محاكمة الدول وتصنيفها ضمن خانات الخير والشر تبعا لعلاقاتها مع القوى العظمى المسيطرة على النظام الدولي الجديد وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.
وإذا كانت النتيجة الأساسية التي يمكن الخروج بها من هذه القراءة تفيد بأن أجواء الاحتقان التي باتت تطغى على إيقاعات العلاقة المعقدة بين العالم الإسلامي والغرب دخلت في نوع من الدائرة المغلقة بين الأفعال وردود الأفعال التي تتوالد عن بعضها بآليات التغذية المرتدة، فقد يكون بالإمكان القول أن بعض إجراءات الثأر والانتقام التي تظهر ضد المسلمين في أعقاب الحوادث الإرهابية التي تقع في العواصم الغربية (ظهرت مؤخرا بعد تفجيرات لندن) تدل على أن تلك العلاقة ستظل لفترة طويلة أسيرة الدوران داخل الحلقة المشار إليها.
ومع تجديد التأكيد على أن تراكم الأخطاء التي ارتكبتها الجماعات التي اختطفت عنوان الانتماء إلى الإسلام على مدى السنوات السابقة، يبرر تحميل تلك الجماعات القسط الأكبر من المسؤولية عن محاولة جر المسلمين بدولهم وشعوبهم وأنظمتهم، ودون إرادة أي طرف منهم، نحو مجابهات غير متكافئة مع الغرب الذي يمكن الكلام طويلا عن مشاعره العدائية المبيتة وتربصه المتوثب من أجل اصطياد الذرائع والفرص التي تتيح له توجيه مزيد من الضربات إلى العالم الإسلامي بهدف تحطيم بناه السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وإعداده من أجل التكيف مع موجة العولمة التي يراد لها أن تكتسح العالم والتي يراهن الغرب عليها من أجل ترسيخ هيمنته المنفردة في التحكم بتوجيه دفة النظام الدولي الجديد بما يتلاءم مع متطلبات تأمين مصالحه الكونية في ميادين السياسة والاقتصاد وأيضا في ميدان المجابهات الدينية التي أطلق عليها صموئيل هنتنغتون اسم ((الصراع بين الحضارات))، يبقى من الواجب الإقرار بأن التصدي الجاد لظاهرة تنامي وتزايد دور الجماعات الإرهابية ونشاطاتها سيظل مرهونا باقتناع الدول الغربية نفسها بأن الوقت حان فعلا للبحث عن مقاربات جديدة تجد ترجمتها في مواقف وسياسات عملية تساهم في تنفيس حالة الاحتقان التي وصلت إلى ذروتها داخل العالم الإسلامي نتيجة ممارسات الغرب التي أسرفت في استهتارها بمصالح المسلمين وحقوقهم في العديد من بؤر التوتر التي تنتشر في أربع جهات الأرض.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص