الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-إقرأ-..لفظة ٌقـُرآنية لها معنى غير -القراءة-

ابراهيم عباس نتو

2005 / 7 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن فهمَ لفظةِ "اقرأ" عندي يختلفُ عن المتداول بين عامة الناس و خاصتهم في سياق ما جاء في الأثر عبر أكثر من 14 قرناً مضت. فكثيراً، و ربما دائماً، ما نقرأ أو نسمع عبارات مثل(أول كلمة نزلت من القرآن هي “اقرأ")، يقولونها بغرض توضيح أهمية "القراءة" عندنا و في تراثنا. و مع أن للفظة صلة كثيبة بـ"القراءة" --كواحدة من المعاني، و لكن لي رأياً آخر.



فإن مفهومِي، بناءً على تتبعي الشخصي و إلمامي بشيء من إحدى اللغات السامية، يقودني إلى أن المعني الأقرب للكلمة لا علاقة له بالقراءة.. في سياق القراءة و الكتابة؛ بل هناك معنى آخر، إضافةً إلى عدة قرائن و مؤشرات موضوعية و موضعية صاحبت منطوق العبارة المأثورة "إقرأ" بسم ربك".. بما يتصل بأحداث أوائل و "بدايات الوحي". أما إذا تم تقديم الفرضية البديلة، بأن سورة "المدَّثر" سبقتها، فذاك يجعل حتى كلمة "إقرأ" محل نظر، عن كونها المنطوق "الأول". و لكن، يبقى المعنى اللغوي لكلمة "إقرأ" و أنها لا علاقة لها بالقراءة و الكتابة، هو موضوعنا هنا.



فحسَب فهمي و متابعتي، فإن كلمةَ "اقرأ" هنا تأتي لتعني: أُدْعُ، أيْ بلِّغ، أصدع، أنشُرْ،..و ليس بمعني "اقرأ"، بما يتصل بالقراء ة و الكتابة و فك الحرف...

و على هذا يتم -في رأيي- اتساق الجناح الأخر من المقولة المأثورة: بأن سؤال و مقولة الرسول(ص) -"ما أنا بقارئ"- كانت في صيغة و سياق السؤال و الاستفسار، و ليست في صيغة "الإنكار"و "النفي". فالمقولة: "ما أنا بقارئ" لا تعني: لست بقارئ..بل تأتي كسؤال و استفهام.



فلفظةَ "ما" هنا لم تأت في معنى الإنكار و النفي (أنا لست بقارئ، أنا لا أقرأ)، بل جاءت لفظة "ما"..بمعنى الاستفهام و الاستفسار، كقولك: "ما أنا بقارئ؟" بمعنى: ما المطلوب مني قراءته؟؛ ماذا أنا بقارئ؟ ما المطلوب مني "تبليغه"؟، و"ما المطلوب مني الدعوة إليه أو به؟ فيكون الجواب متناسقاً: اقرأ، أي بلِّغ..و أصدع..و انشر، و ادعُ..بسم ربك...



و نشير إلى القول المألوف الذي يبين استعمال كلمة "إقرأ" بمعنى "بلِّغْ، أوصِـلْ ، و ذلك باستخدام العبارة التي تتداولها كتبُ القصص و السير، و أيضاً كتب التلاميذ، حيثُ العبارة المشهورة: "يا غلام، اذهب إلى فلان، و أقرئهُ السلام"، أي بـَلـِّغهُ السلام...".



و كذلك جاء في الأثر أنه (ص) دخل على خديجة(ر) و هي على فراش الموت، فقال لها: "يا خديجة، إذا لقِيتِ ضرائركِ فأقرئيهن مِنّي السلام." فقالت: "يا رسول الله، و هل تزوّجتَ قـَبلي؟" قال: "لا، لكن زوَّجَني اللهُ مريمَ بنتَ عمران، و آسيةَ امرأةَ فرعون، و كلثمَ أختَ موسى[و هي أيضاً أخت هارون.]".

فمقولة "ما أنا بقارئ" هنا ليس لها علاقة بالقراءة و لا بالكتابة، ..بل هي تتعلق بتبليغ الدعوة، الرسالة.



فإن سأل سائل: و ماذا عن المفهوم المتداول و المصاحب منذ فترة طويلة لعبارة "ما أنا بقارئ"، مما قد ينم عن نفي القدرة على الكتابة و القراءة، فيكون جوابي - ساعتها- أن الرسول(ص) ما كانت "الأميةُ" هاجسَه و لا كان ذلك شاغلَه خلال تلك المحادثة الحاسمة الشهيرة؛ فما كانت الأمية أو الثقافة.. و لا مستوى اللغة و الكتابةً و القراءةً شغله الشاغل في تلك اللحظة، بل كان الشاغل الحقيقي هو ما مَرّت عليه -و منذ فترة- من حادثات استغراقية و معاناتية وتجاذبية.. تتصل بالرسالة و إعلان الدعوة و إشهارها..أو -لا سمح الله- التخلي عنها،.. لولا دعم و مؤازرة السيدة خديجة(ر) و ابن عمها رجل الدين "ورقة بن نوفل"). فلم يكن الموضوع هنا يتعرض لمدى الاستعدادات اللغوية القرائية و الكتابية.



أما مسألة "الأمية"، فهي الأخرى مسألة فيها نظر، و هي موضع نقاش، أخذاً في الاعتبار عدة مواقف و مناسبات أشارت إلى بُعدِه(ص) عن الأمية، سواء أكان في ذلك الموقف المشهور حينما اعترض مندوب مكة في المفاوضات في "صلح الحديبية" (حينما رفض استعمال عبارة "محمد رسول الله"، و أصر على الاقتصار على "محمد بن عبدالله"؛..و تمت موافقته(ص)، بينما تردد و امتعض كاتبه الإمام علي بن أبي طالب(ر) لهكذا طلب من مفاوض أهل مكة؛ فإذا بالرسول(ص) يحسم الموقف و يمسحها بنفسه.. بأصبعه. (و هناك مواقف أخرى كذلك.)



كان اليهود في يثرب وفي فلسطين يصِفون مجاوريهم العرب بكلمة "أميين"، و لا يقصدون الجهل بالقراءة و الكتابة، بل كانت تلك الكلمة تطلق على كل من هو غير يهودي؛ (و أيضاً استعملوا الكلمة العبرية "قوييم" ((goyiim في صيغة الجمع بمعنى "الغرباء"، و مفردها "قـويْ" .(goy)و استعملت كلمة "الأميين" لتشير إلى من لم يكن لديهم "كتاب". كما و قد جاء في الآية [آل عمران: 20]: "فإن حاجـّوك فقل أسلمتُ وجهيَ لله و من اتبعنِ؛ وقل للذين أوتوا الكتاب [اليهود والنصارى] والأمِّيين: أأسلمتم؟". فكان العرب -إلى ما قبل هذه الفترة- لا يُصَنـَّفُون على أنهم ذوو كتاب، بل كـ"أميين"، بالمعنى الموضح هنا، و ليس بمعنى جهل الكتابة والقراءة. ثم كانت الآية[الجمعة: 2]: "هو الذي بعث في الأميين [العرب و الذين لم يكونوا مصنفين -على الأقل إلى تاريخ تلك الفترة- كـ"أهل كتاب"] رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتِه.."



ثم لديَّ إضافةٌ أخرى قد يكون فيها مزيد من التوضيح، و هي أن كلمة "أمِّي" تأتي عادة مكتوبة بالميم المشددة؛ والتشديد في العربية يعني "مضاعفة" الحرف و ازدواجيته و لو بالشكل المُدغَم الخفي؛ فتأتي الكلمة و كأنها "أممي"، مثل أن تقول "المنظمة الأممية" -كما في منظمة "عصبة الأمم"، أو "الحروب الأممية"، و نحوهما. فإن كان ذلك كذلك، فقد يكون المقصود أن الرسولَ نبيٌ أمميٌ ذو رسالة موجهة إلى عموم "الأمم" في أنحاء المعمورة و ما وراءها (..إلى العالمين)؛ فيكون المقصود إذن أنه النبي "الأمّي".. النبي "الأممي".



__________

د. إبراهيم عباس نـَـتــُّـو

Dr. Ibraheem A. NATTO

[email protected]

عميد سابق في جامعة البترول








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س