الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاثة تحديات تواجه السيسي (1)

جوزيف بشارة

2014 / 6 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


كثيراً ما تدور بذهني تساؤلات بشأن سعي السيد عبد الفتاح السيسي لمنصب رئاسة الجمهورية. سبب تساؤلاتي هو المسئوليات الجسام والتحديات غير المسبوقة التي ينتظر أن تقع على عاتق الرئيس الجديد. منصب الرئاسة في هذه الفترة العصيبة من تاريخ مصر مشقة وليس ترفاً، معاناة وليس راحة، وعقوبة وليس مكافأة. السيد السيسي رجل عسكري ترقى في السلك الحربي وبلغ أرفع المناصب التي كان يمكن له أن يبلغها. ربما دفعت الخلفية العسكرية الصلبة الرجل للسعي للمنصب على اعتبار أن الرئاسة في وقت الشدة خدمة جديدة يقدمها لوطنه الذي أفنى شبابه في خدمته. السيسي ليس غريباً عن التحديات والصعاب والمشقات. المناصب الحساسة والخطيرة التي تولاها الرجل في القوات المسلحة تجعله على دراية تامة بماهية المسئوليات الرئاسية. ولعلي في السطور الآتية أسلط الضوء على أهم ثلاث تحديات ينتظر أن تواجه السيسي في الفترة المقبلة.

التحدي الأول: الانقسام الوطني:

يجيء اعتلاء عبد الفتاح السيسي لمنصب الرئاسة في خضم حالة الانقسام السياسي التي تلت ثورة الثلاثين من يونيو التي أزاحت نظام حكم الإخوان. الانقسام هنا لا يعني فقط خروج الإسلاميين عن الصف الوطني، ولكنه يعني أيضاً الانقسام الذي نشأ في جبهة الثلاثين من يونيو التي أسقطت الإسلاميين. لا شك في أن الانقسام المزدوج هذا سيجعل من مهمة الرئيس السيسي عسيرة في إيجاد نوع من الإجماع الوطني حول القضايا الملّحة التي سيتولى معالجتها في المرحلة القادمة، وهي قضايا تحتاج دعماً شعبياً كبيراً ومساندة من كافة الأطراف.

نجحت ثورة يونيو بامتياز في جمع الغالبية العظمى من عناصر وكتل وجماعات المجتمع حول هدف عزل الإخوان. كان تجمع المصريين حول هدف عزل الإخوان عملاً إعجازياً يصعب وربما يستحيل تكراره. لم يخرج عن الإجماع الوطني عندها إلا الإسلاميين العلنيين، والإسلاميين المتخفين، فضلاً عن المتعاطفين والمتعاونين مع التيار الإسلامي بجانبيه العلني والمتخفي. ورغم أن نسبة الإسلاميين العلنيين في المجتمع المصري كبيرة ولا تقل عن ثلاثين في المائة من إجمالي السكان، إلا أن ثورة يونيو نجحت في حشد الملايين. كانت نتيجة الاستفتاء على الدستور في يناير الماضي دليلاً جلياً على الشعبية الجارفة التي تمتعت بها ثورة يونيو، وهو الأمر الذي أكدته من جديد نتيجة الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو الماضي.

لكن جبهة ثورة يونيو لم تبق على اتحادها في مواجهة الإسلاميين، إذ شهدت تفتتاً مؤسفاً عندما انفصل عنها عدد من التيارات كتلك المعروفة بمعارضتها دخول العسكريين المجال السياسي، وتلك التي اعترضت على فض اعتصام رابعة، وتلك التي اعترضت على قانون التظاهر. لا يمكن هنا تحميل طرف من دون الأخر مسئولية التفتت في الجبهة، إذ شارك الجميع بدور في حالة التشرذم التي يشهدها الشارع السياسي المصري اليوم. وعلى الرغم من أن نسبة المنفصلين عن جبهة يونيو تعد ضئيلة جداً بالقارنة بمن أبقوا على ولائهم للجبهة، إلا أن المنفصلين يضمون شخصيات عامة لها أوزانها السياسية والاجتماعية والثقافية. كما أن لهم، المنفصلين، أصوات عالية تجد أذاناً صاغية لدى قوى ومنظمات دولية فاعلة، وهوالأمر الذي يضاعف من أوزانها ويضع المزيد من الضغوط على النظام القائم والرئيس الجديد.

أما بالنسبة لخروج الإسلاميين عن الصف الوطني واستخدامهم العنف ضد مصر ومؤسساتها، فهو أمر جد خطير، ويعد أكثر إلحاحاً من انقسام جبهة يونيو. النسبة الكبيرة للإسلاميين في مصر تجعل من استبعادهم من الحياة السياسية والاجتماعية عبئاً ثقيلاً على النظام الحاكم. ربما فعلها من قبل عبد الناصر حين كانت نسبة الإسلاميين قليلة، وربما سعى مبارك لتكرار الاستبعاد السياسي في الثمانينات وحتى منتصف التسعينات، ولكن تجربتي عبد الناصر ومبارك لم تقضيا على الحركة الإسلامية والتطرف الديني. أدى الاستبعاد السياسي والاجتماعي في عهد عبد الناصر للجوء الإسلاميين للعمل السري، بينما أدى الاستبعاد السياسي لهم في عهد مبارك إلى تركيزهم على العمل الاجتماعي وتوغلهم بكثافة في المجتمع المصري واستيلائهم على النقابات وجمعيات العمل الأهلية.

وإذا كان اللجوء لجهاز الأمن مهماً للغاية في إبطال مفعول الإرهاب الذي يستخدمه الإسلاميون، فإنه من المهم التأكيد على أن الأمن وحده لن ينجح في حل القضية. هناك أسباب قوية تدفعنا للاعتقاد بأن الأمن وحده لن ينهي التطرف ولن يعيد الإسلاميين إلى الصف الوطني. السبب الأول هو أن الإسلاميين لا يؤمنون بالوطن ولا يخشون تمزقه. السبب الثاني هو أن الإسلاميين لا يؤمنون بالحياة ولا يقلقهم إهدارها، هم يعتبرون الأبرياء من ضحاياهم كفرة استحقوا القتل، وينظرون لموتهم على انه استشهاد يقودهم إلى جنة الحوريات. السبب الثالث هو أنه لا يمكن المضي قدماً في الحل الأمني من دون وجود دعم ومساندة إقليمية ودولية لجهود القضاء على الإرهاب، ومن المستبعد تماماً أن يقبل العالم طويلاً بالحل الأمني.جانب كبير من العالم لا يزال يؤمن بأن الأزمة المصرية أزمة سياسية بين نظام سياسي خلعه انقلاب عسكري ونظام سياسي جاءت به الدبابات.

لا شك في أنه الانقسام الحالي في الشارع المصري تحدي كبير ينتظر الرئيس السيسي. سيجد الرجل نفسه مطالباً بإيجاد حلول لكل هذه الانقسامات. ربما لا يعير السيسي انقسام جبهة يونيو أي اهتمام لأنه الأقل إلحاحاً والأقل خطورة أمنياً، إذ من المنتظر أن يعطي الرئيس الجانب الأكبر من وقته واهتمامه للإرهاب الذي تستخدمه الجماعات الإسلامية بقيادة جماعة الإخوان المسلمين. لكن تجاهل انقسام جبهة يونيو لن يبدو عملاً حكيماً. المنفصلون عن الجبهة قادرون على الحشد والوصول إلى القاعدة الشعبية وباستطاعتهم زعزعة ثقة الطبقة الشعبية المؤيدة للنظام لو لم ينجح السيسي في حل القضايا العاجلة التي يطمح المصريون في معالجتها في القريب العاجل. أما بالنسبة للإسلاميين، فالأمر يبدو مختلفاً إذ أنه في الوقت الذي يجب فيه اللجوء للجانب الأمني لمواجهة الإرهاب، فإنه على السيسي أيجاد وسيلة معجزية من جديد لاستئصال التطرف والإرهاب. معضلة تتطلب حلاً جذرياً في مجالات التعليم والثقافة والخطاب الديني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على