الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة التحرش

عصام عابدين

2014 / 6 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


فى الآونة الاخيرة , تزايد الحديث حول أزمة التحرش كأحد أهم الأزمات والمشاكل الاجتماعية التي تمر بها البلاد بجوار مشاكل اخري , بعد أن تفحلت الازمة فى واقعنا الاجتماعي وأزدادت تعقيداً . بدأ يتحدث عنها الاعلام وكأنها ظهرت لاول مره هذه الايام , بعد أن وصلتهم احد صرخات ضحايا التحرش في مجتمعنا البائس ,
فبدات المحاورات والنقاشات بين افراد بأيدلوجيات وأعتقادات مختلفة بحثاً عن حلول للازمة , وهذا هو الجانب الكوميدي من الحدث فى الحقيقة , حيث أن غالب الافكار والحلول المطروحة كانت برأي على قدر لا بأس به من السطحية , فتجد البعض في حيرة من امرهم بين خطأ الفتاه او خطأ المتحرش والبعض الاخر يجيب انه خطأ كلاهما , وتجد اخرين يتحدثون عن فجور الفتيات في ملبسهن , وبناء على ذلك سأحاول فى السطور القليلة القادمة تحليل الازمة وإعطاء بعض الحلول لها إن أمكنني ذلك .
بالبداية سأقوم بتقسيم المتحرشين الى ثلاثة انواع :-
النوع الاول وهو الاكثر انتشاراً وسيطرة على اطراف الجريمة , هم المتحرشين من الشباب , حيث ان مُعظم طبقة المتحرشين من الشباب , الذي رغم عدم ادراكه لنفسه , إلا انهُ مُدرك بشكل لا واعي منه لمدي انحطاط النظام الاقتصادي بالبلاد ,الذي تسبب في توليد دافعين من اهم دوافع استمرار وجود ازمة التحرش , احدهم عامل ذاتي , والاخر عامل الموضوعي , هذه العامل الاول هو شعور اليأس الذي تولد فى نفوس الشباب , نتيجة لاحساسهم لمدي تعسُر الحياة الاقتصادية لغالب افراد المجتمع من الطبقات البسيطة والمتوسطة , وبالتالى تعسر تلبية بعض احتياجاتهم الغرائزية " اعني الاحتياجات الجنسية " بشكل انساني او طبيعي ان صح القول , ولذلك بدأت الغريزة بالبحث عن منفذ اخر لتصريف شحناتها بشكل بدائي لاواعي او خاضع لسلطة العقل الانساني .
اما العامل الثاني الموضوعي فهو البيئة الاجتماعية المريضة , الفاسدة , التي نشأت كنتيجة لإنحطاط واقع اقتصادي فشل في الحفاظ على بيئة اجتماعية اقرب الى الأدمية مما ادي الي تفاشي الأمراض الاجتماعية فيها باشكال وجودية متعددة المظاهر , متوحدة من حيث كونها لا انسانية , وهذه البيئة لها الدور الاكثر تأثيراً على الازمة , حيث أن البيئة الاجتماعية الفاسدة تلك تعمل كغذاء ينمو علية المرض , اعني التحرش او مجموعة الامراض الاجتماعية الاخري , فتترعرع وتكبر تلك الامراض وبشكل يحتوي على بعض الشرعية بنظر المتحرش , حيث ان معظم المتحرشين اليوم , على عكس المناديين بمحاصرة المشكلة تماماً لا يروا اي مُشكلة او خطأ فيما يرتكبون , بات الامر أحد السلوكيات الطبيعيه بالنسبه لهم التي يُنجزوها وهم لامكترثين لها فى معظم الاحيان , لكن لابد من انجازها . ويحدث ذلك فى معظم الاحيان دون رادع او مانع من احد لما يرتكب , فلا تُقدم الفتاه على الاعتراض وذلك نابع من ضعف موقفها فى مجتمعنا حيث ان الامر ربما يتطور الى شجار بين المتحرشين و الضحية و تعدي بالضرب في مشهد به بعض الشجاعة التي تؤكد على ان المتحرش يعتقد فى شرعية سلوكه وكأنة يتشاجر للحصول على احد حقوقة , وربما يزداز الامر سوء ويتطور الى خطف او اغتصاب كامل من بعد , فى مكان عمومي ودون تدخل من احد , لكن هذه المره دون تدخل من احد لا بسبب اعتقاد الناس فى شرعية السلوك , وانما بسبب وقوع الحدث داخل اطار البيئة الاجتماعية المريضة , وهؤلاء السلبيين المحيطين بالواقعة هم نتاج تلك البيئة الاجتماعية الفاسدة , التي تنتشر فيها الانانية والجهل , الكبت الجنسي , السلبية الخ , لكن لا ينتشر فيها اي شيء له علاقة بالمثل العليا للاخلاق , وكيف ترتقي الاخلاق الاجتماعية فى مجتمع يبحث فيه الكل عن توفير وسائل الحياه لنفسه فقط , وان سنحت له الفرصه ربما يكون احد وسائل انهاء حياة البعض .
اما النوع الثاني من المتحرشين : - فهم متحرشين من الاطفال , وهو نوع أثار تعجب الباحثين عن حلول للأزمة , حيث انه يفترض ان يكون الطفل الغير بالغ يمر بمرحلة كمون للغريزة الجنسية , لكنهم نسوا ان العامل الاساسي فى الازمة هي تلك البيئة الفاسدة , وراح من ذهنهم أن الاطفال قبل البلوغ تُراودهم رغبات تقليد سلوك البالغين حتي يشعروا وكأنهم كذلك بالفعل , فنجد احد الاطفال يُقلد طريقة البالغين فى الحديث , والاخر في ضحكته او طريقة سيرة , اما الاخر فربما يبعد اكثر من ذلك ويحاول تدخين السجائر او تعاطي المخدرات , وبما ان التحرش فى الوقت الحالى لا يختلف كثيرا عن عبوة السجائر داخل قبضة المتحرش , فلابد للطفل ان يقفو نفس طريق مثلُه الاعلى فى السلوك الاجتماعي , ويبادر بالتحرش بالفتيات حتي لو لم يُمتعه ذلك كما لم تُمتعة باقي الافعال التي قلد فيها البالغين , لكنه فقط يستمتع بكونه يشعر انه بالغ , ويكفيه ذلك الدافع كبديل للغريزة ليقدم على فعل جريمة مثل التحرش دون رادع او مانع من احد , فلا يجد من يوبخُه من الأهل المُنشغلين بالسعي لجلب قوت اليوم , او من العامة الموجودين فى إطار البيئة الاجتماعية المنحطه تلك , والمنشغلين بأمورهم الشخصية وحدها , دون إعطاء أهتمام لمن يُغتصب حقه او من تنتهي حياته من البشر , وتمر السنين على هذا الحال حتي تبلغ الغريزة الجنسية بهذا الطفل سابقاً , افضل فتراتها واقوها (البلوغ) , ولا تجد مسكن لإفرازاتها سوي ذلك السلوك الذي إعتاده من سنين مَضت , وبعد أن تأكد من شرعية ما يفعل ذاتياً واجتماعياً , سيقدم على التحرش فى ثقة من نفسه .
اما النوع الثالث من المتحرشين :- فهو أقل من النوعين السابقين باعتقادي في الانتشار بين مرتكبي تلك الجريمة لكنه موجود بكثرة رغم انه يدنوهم , وهم مجموعة المتحرشين من المتزوجين , وهذا النوع سيثير عجب المحللين اكثر من النوع السابق " الاطفال " إن قاموا بتحليله , لكن حمداً لله انهم لم يفعلوا حتي الان كما اعتقد , فدوافع هذا النوع لأرتكاب مثل جريمة التحرش , متعددة , احد اهمها واكثرها سيطره عليه , هو الواقع الموضوعي الفاسد الذي تربي فيه , اعني تلك البيئة المريضة التي تربي فيها هذا المعنيِ , ومارس فيها مهنة التحرش ببراعة فى فترة طفولته وبلوغه حتي اتاحة له الفرصة أن يحصل على زوجة يبادلها الحب بشكل شرعي وسليم , لكن كيف له ان يفعل ذلك وهو لا يملك اي فكرة عن علاقة جنسية سوي التحرش , كل ما يعرفه عن الجنس فقط التحرش , وجهله العظيم بأي ثقافة جنسية الذي اكتسبه طول الاعوام الماضية ! , ولا اتوقع من احد افراد تلك البيئة الفاسدة المليئة بالانانية والجهل سوي أنانية وجهل اثناء ممارسة علاقة حميمية ايضاً ,
لكن لنفترض ان أحدهم لديه بعض الثقافة الجنسيه ولكنه مازال يمارس التحرش رغم ذلك ( ولا يمكن ان نذهب ابعد من ذلك فى الافتراض والتحليل ) , ربما يكون السبب او الدافع لذلك هو عدم وجود توافق بين الزوجين وهناك رغبة مجبوحة للإنفصال , حيث انه فى مجتمعنا ثقافة الانفصال بين الزوجيين شبه منعدمه تقريبا , فنادراً ما تحدث رغم أن الغالبية تتذمر على المقاهي من علاقاتهم الزوجية
بالاضافة الى ضغط رجال الدين على المواطن البسيط وتحذيره من التنفيس عن اي رغبات خارج اطار الزواج الشرعي
اصبح الان الرجل مُحاط من جميع النواحي , يريد الغريزة و بشكل شرعي في نفس الآن , ولا يريد المعصية ولا يمكنه الزواج , فلا يلبس ان يفكر فى الامر اكثر من ذلك حتي ينطلق في ممارسة طقوسة الاجتماعية الشرعية بنظره , ربما هي غير شرعية من المنظور الانساني و الديني بالتاكيد لكنها كذلك بنظر المتحرش .
ربما يتعجب البعض من تقسيم المتحرشين الى عدة انواع واطوار حياتية وكأن أزمة التحرش من صفات المجتمع من قديم الزمن , بالطبع هي ليست من صفات المجتمع القديمة التي تربي عليها الاجيال , وإنما هي ايضاً ليست بالمشاكل التي ظهرت اليوم , هي فقط ظهرت اليوم بالإعلام , لكن قبل ذلك بعشرات من السنين كانت ظاهره وبشدة وحتي الان فى جميع ارجاء المجتمع . ومن لا يراها سوي فى الاحتفالات وانها موجهه من البعض لأثارة البلابل فهو لا يري مجتمعنا فى الحقيقه , هو فقط يتحدث عنه .
ولنجد حل لتلك الازمة يجيب علينا العمل على إدخال التعديل والتغيير على كل ما سبق سرده من دوافع لوقوع الجريمة "التحرش" وغيرها , وذلك حتي يتأكد التخلص الجذري من الازمة , ويتم ذلك اولاً بتعديل الاحوال والانماط الاقتصادية فى أرجاء البلاد , حتي يتسني تعديل الواقع الاجتماعي وزيادة مستوي المعيشة والتعليم والثقافة , فيزداد إدراك الافراد لنفسهم ولمجتمعهم , بدلاً من كونهم لا مدركين لنفسهم او ما حولهم ,
وربما يعترض البعض الان عليِ قائلين بأن هذه الحلول ربما تستغرق فتره من الزمن , فلا اجد ما أجيب به عليهم سوي اني فقط ابحث عن حل للأزمة , إن كنت تريد بعض المُسكنات فأستمر بما تفعل , قم بعمل ندوات ومحاضرات توعية عن التحرش فى قاعات كبيرة مغلقة فى منآي عن المتحرشين , او بتنظيم مسيرات نسائية تجوب أنحاء المدينة للتنديد بالتحرش وينتهي الامر بالتحرش بالمسيرة من قِبَل مجموعة من المتحرشين , او القاء القبض على المسيرة من قِبَل الشرطة . او اكتفي بالدعاية والاعلان فى التلفاز على قنوات غير قنوات الرقص والقنوات الشعبيه , المفضلة لدي عامة الشعب . ولا تنسي المطالبة بمد عقوبة التحرش ,و جعلها مدي الحياة , او ربما أعدام , وتغض النظر عن كونك لم تلقي القبض على أحد هؤلاء المتحرشين , ليتم اعدامهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في


.. التوتر يطال عددا من الجامعات الأمريكية على خلفية التضامن مع




.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي