الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الباري عطوان وتأليه صدام حسين

حمودة إسماعيلي

2014 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


مؤخرا وبمقالة يعلق فيها عبد الباري عطوان ـ كتحليل سياسي ـ على الوضع الذي يشهده العراق بعد دخول تنظيم "داعش"، كتب يقول بختام للمقالة : "لا نريد ان ننكأ الجراح اكثر من هذا، ولكننا نختم هذه المقالة بالقول، ودون اي تردد، ورغم معرفتنا المسبقة بآراء من يختلف معنا ويكابر ويعاند بأن العراقيين، شيعة، وسنة، واكراد، سيترحمون على مرحلة ما قبل الغزو الامريكي، ونظام الرئيس صدام حسين، الذي تثبت الايام انه كان عراقيا وطنيا اصيلا ولم يكن طائفيا رغم كل مساوئه في نظر هؤلاء، واراد بناء عراق قوي متعايش يحقق التوازن مع جيرانه ويحافظ على هويته العربية، وينتصر لقضايا امته العربية والاسلامية، ولهذا تآمروا عليه والعراق لانه يشكل خطرا على الغرب واسرائيل"(1). ولا نعرف متى سيتوقف عن تكرار هذه الأسطوانة، زيادة على أنه من المخجل أن يقوم الواحد بمقارنة وضع أسوأ بوضع سيء ـ نظرا لأنه يقل عنه سوءً كتصوّر ـ بدل نشدان واقع أرقى وأفضل للمقارنة، حتى ولو بالخيال : على الأقل كي لا يتبنى المواطنون نوعا من التقمص النفسي المازوخي إثر تطويق الخيال بأوضاع سيئة في المقارنة.

لكن المشكل هو في أن عبد الباري عطوان ـ دون أن ننفي أنه ككاتب له أكبر تأثير بالمنطقة كمعلق ومحلل للأوضاع السياسية والعسكرية، لكن التأثير لا يعني البراعة كما أن التغيير لا يعني التقدم ـ مهووس بشخصية صدام حسين كبطل ثوري ومنقذ سياسي، وهذا أمر معروف بحكم أن الآراء تختلف حول الكيانات النافذة والمؤثرة : فلازال هناك من يقومون بزيارة قبر هتلر المتنقّل، كما أن هناك من يتأسفون على القذافي، ومن يودون عودة ليس فقط مبارك بل الحجاج ابن يوسف الثقفي، على هذا المنوال هناك من يرى في صدام حسين المسيح في نسخته العراقية، منهم السيد عبد الباري عطوان. وحتى في تقديمه لأحد كتبه لا يتوانى عن إثارة هذه النقطة ـ كتأسف على ما فات ـ وكأن العراق كان جنة قبل سقوط نظام صدام : "ولم يكن من قبيل المفاجأة أن يعترف كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة، بأن الأوضاع في عهد النظام السابق في العراق كانت أفضل حالا من الأوضاع في عهد الديموقراطية الأمريكية، لأن العراق كان آمنا وموحدا، بينما تغيب الخدمات الأساسية والأمان عن العراق الحالي، وبات ثمانية آلاف شخص عراقي يفقدون أرواحهم شهريا، وأصبح البلد مقسما وفقد المعايير الطائفية والعرقية"(2). وقد مثل هذا لعبد الباري عطوان "حصان طراودة" ليركب عليه حتى يتمكن من تمرير وتقديم أفكاره ورأيه عن صدام حسين.

والسبب بالنسبة لعبد الباري عطوان هو : "أن الغزو الامريكي للعراق الذي تم بدعم عربي للاسف هو المسؤول الاول عن كل هذه الكوارث التي حلت وتحل بالعراق وشعبه ومن ثم، المحاصصة الطائفية التي بذر بذور فيروساتها بول بريمير الحاكم العسكري الامريكي بتوصية من السيد الاخضر الابراهيمي مبعوث الامم المتحدة في العراق، (اعتذر الابراهيمي عن هذا الخطأ رسميا)، والحقها بحل الجيش العراقي، وهي كلها مجتمعة قادت وتقود الى الحروب الاهلية الطائفية والعرقية التي نرى ارهاصاتها ومقدماتها في اسوأ صورها حاليا في هذا البلد"(3). وحتى لا نخوض في حديث عن "متلازمة تشومسكي" والتي أصابت العديد من المثقفين، على اعتبار أن انهيار مبنى بالخرطوم فإن السبب يعود للولايات المتحدة، شخص دهسته سيارة بوهران فإن السبب يعود للولايات المتحدة، مغني فشل في استقطاب جمهور كافي بالرباط فإن السبب يعود للولايات المتحدة، تمزق قميصك بالشارع فإن السبب..

ليس فقط أن هناك نوع من التعامي التاريخي ـ نظرا لضرر التأليه على التحليل المنطقي ـ فإن أي محلل يحترم نفسه لا يمكن أن يلقي بأسباب وضع معين على طرف واحد : فما دور صدام حسين في ما آل إليه العراق ؟ والذي حكم العراق منذ عصر الديناصورات كأنه إله سومري، دون حديث عن الويلات الاقتصادية والاجتماعية التي جرها على العراق نتيجة جشعه العشائري وعدوانيته الداخلية والخارجية ـ ما حدث بعد صدام هو أن الوضع العراقي الحقيقي انفضح ولم يتغير بعد نزع غطاء القمع والاستبداد ـ ويأتي عبد الباري عطوان ومن ينهج نهجه ليتأسف على مرحلة الدكتاتور نتيجة اللاستقرار التي آل إليها العراق بسبب صدام حسين نفسه. ودائما كان سعيه في مواضيعه هو إخراج صدام حسين ـ كالشعرة من العجين ـ مما آل إليه الوضع السياسي للعراق، كما كتب يقول بإحدى مقالاته : "المسؤول الاكبر عن كل هذه المأسي التي تتكاثر على العراق وشعبه هو النهج الطائفي الذي اتبعه السيد المالكي والمجموعة المتحالفة معه في حكم العراق، وهو النهج الذي مارس سياسة الاقصاء والتهميش، والثأرية ورفض التعايش باشكاله كافة وتعطيل المصالحة الوطنية بالتالي، وهذا النهج اخطر بكثير من “الارهاب”، في رأينا ”بل هو الارهاب عينه، لانه يوفر الاسباب والذرائع والتربة الحاضنة الخصبة للارهاب الآخر الذي يستغيث من اخطاره ويستعين بالغرب لمحاربته"(4).

ولست أول ملاحظ لهذه النقطة، فقد سبق أن كتب السيد طلال شاكر ـ قبل 8 سنوات ـ محللا هذا الموقف : "لماذا يصر كاتباً ومثقفاً مثل عبد الباري عطوان في جعل بطلاً مزيفاً وشخصية لئيمة وغادرة كصدام حسين فارساً مرفوع الهامة.. انها غرابة الأرض العربية وجدبها وعجزها في تقديم أبطال حقيقيين وهي عقدة المنكسرين والتائهين الذين يجدون تعويضاً في صور المستبدين وعنفهم وقسوتهم وهمجيتهم، كبديل عن التهاوي الداخلي الذي يستغرقهم ويحطم أنفاسهم انه ذل العبيد القابع في نفوس المستذلين، انه ارث ثقافة بدوية خاوية تلك الثقافة التي جعلت من خالد بن الوليد سيف الله. وعمر بن العاص داهية، والحجاج بن يوسف الثقفي حازماً ومؤمناً ومقداماً وبن لادن شيخا ومجاهداً، ان صناعة البطل في هذا الوجدان المتعصب بقيت في منطلقاتها وخطابها عقيمة ومكابرة ومستبدة!!، بل وأصرت هذه الصناعة البالية على تقديم الكثير من الأسماء التاريخية والمعاصرة بوصفها رموزاً مقدسة وعظيمة، وهي في حقيقة الأمر لاتستحق إلا اللعنة والازدراء وهي رموز مخجلة ومن العار التفاخر بها والانتساب لها"(5).

ولزيادة فهم هذا الموقف، وحسب حازم صاغية : "ففي ظل عدم وجود مراجع ورموز في مجتمع خائف أو مغلق أو متقلب أو متحول، يمكن للرئيس العراقي أن يتحول إلى “إيميج” (صورة) لجزء من الشبيبة التي حُرمت من أن يكون لديها إلفيس بريسلي أو جيمس دين أو غيفارا خاصون بها. بيد أن هذا الواقع المأساوي يقول عن العراق الذي صنعه صدام أكثر مما يقول عن الصانع نفسه. فحتى “الاقتناع” في الدول التوتاليتارية يبقى، كما نعلم جيدا، تعبيرا عن استدخال القمع وعن زيف الخيارات، بحيث لا يبعد بنا الأمر كثيرا عن معادلة الخوف والرهبة(6). والصروة (الإيميج) لها قوة التوسع والتأثير الخارجي، كما نرى في تأثر اللاعراقيين بنفس الصورة.

وبغض النظر عن محاكمته المشوشة التي أدارتها جماعة من الحمقى، فهذا لا يمحي كيف "استقرت صورة صدام حسين على رسالة سادية أحادية وظيفتها نقل الخوف، الخوف وحده، إلى المتلقي(7). فمن المهين مقارنة "عراق الصراع" (الحالي) بعراق الخوف (عهد صدام) : كاستبدال ـ عن رغبة ـ الوضع الأول بالثاني، فالعراق كشعب يستحق افضل من ذلك، والتعاطف مع العراقيين لا يمت بصلة للتعاطف مع صدام ـ كما يتم الخلط ـ حتى لو كان صدام عراقيا بالانتماء (عشائريا في النخاع).

________________________
هوامش :

1 : عبد الباري عطوان ـ حربان اهليتان بانتظار العراق والنموذج الليبي الدموي غير مستبعد؛ الرأي اليوم : 12/6/2014
2 : عبد الباري عطوان ـ القاعدة التنظيم السري؛ دار الساقي : ص8
3 : عبد الباري عطوان ـ حربان اهليتان بانتظار العراق.. المصدر السابق
4 : عبد الباري عطوان ـ يعارضون التدخل الامريكي العسكري في سورية ويفرشون له السجاد الاحمر في العراق؛ الرأي اليوم : 14/6/2014
5 : طلال شاكر ـ عندما يجعل عبد الباري عطوان صدام مرفوع الرأس؛ الحوار المتمدن
6 : حازم صاغية ـ كذا أنا يا دنيا: صدام ذكرا، من كتاب الرجولة المتخيلة (مجموعة مؤلفين)؛ دار الساقي : ص264
7 : حازم صاغية ـ المصدر السابق : ص258








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كوفي عنان أيضا يؤله صدام حسين ويعبده ؟
سيلوس العراقي ( 2014 / 6 / 17 - 19:33 )
على افتراض أن عطوان مغرم ومؤله لصدام حسين
فهل قام كوفي عنان بتأليه صدام أيضاً
بحسب رأي كاتب المقال الذي أورد كزءا من كلمة لكوفي عنان؟
هناك الكثير من الكتاب والصحفيين وأصحاب الرأي الاوربيين والامريكيين وليس فقط عنان وعطوان يرون بأن اسقاط العراق وصدام حسين بالطريقة التي تمت فيها من قبل اميريكا كان خطأ شنيعا ولا يغتفر
لانه فعلا أصبح العراق تحت الاحتلال الامريكي وفعليا تحت الاحتلال الايراني الطائفي المقيت
الذي دمر العراق وسيستعبده
والكثير من الغربيين يقولونها بصراحة بأن العراق في زمن صدام كان أفضل حالا


اخر الافلام

.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة


.. قوات الاحتلال تعتقل شابا خلال اقتحامها مخيم شعفاط في القدس ا




.. تصاعد الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد حرب إسرائيل


.. واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل وتحذر من عملية




.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را