الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نص الوجع : بلا بغداد , حياتي لا تساوي فلسا

سعدي عباس العبد

2014 / 6 / 19
الادب والفن


• ... لا زلت متردّدا , .. اتحاشى وجه بغداد .. اتحاشى دموعها وهي تلتف كحبال الشنق
• حول صوت الذكريات .. اتحاشى الحانات الباكية في عينيها .. والارصفة المكتظة بجمال ملامحها ...
• لا زلت مرتبكا وانا اتصفح شوارعها , شارعا شارع .. اتصفح مقاهيها واحدا واحد .. امرّ على
• ازقتها , واسواقها , ومتاجرها , لا زلت امرّ عبر ذاكرتي , على ذاك الفتى الذي كنته .. ذاك
• المتوجس .. المرتبك , من رائحة الطالبات المراهقات المعطّرات بندى حدائق عراق السبعينيات
• لا زلت متردّدا , شاخصا , بكامل ذاكراتي وذكرياتي , عند باب بغداد المغلق بقفل من التوجسات
• والسيارات المفخّخة بالديناميت والجنائز والنعوش واللاعودة وصدى النادبات .. كان الباب كبيرا
• وساحرا , بيد إنه مسدود , بحواجز من الكروش الوافدة عبر البِحار , موصد بالوزراء الطواويس
• الدخلاء , والانتهازين المأجورين , القوادين , بقيت زمنا عصيب ماثلا عند الباب , فيما بغداد
• كانت تبحث عني , انا فتاها البار , تبحث عني في وجوه الوزراء الغريبة , في ملامح المتنفذين
• في همس السماسرة , في رطانة الصفويين , والاميركين , والمنتحلين صفة مواطن من الدرجة
• الاوّلى .. تبحث عني في اغان الجوع , في رائحة الصرائف , وفي ازقة الحرمان , تبحث عن
• رائحتي ولوني في ندى الحدائق , ورفيف الفراشات , وزقزقة العصافير , ونهارات الصيف
• وخجل الصبي الذي كنته . تبحث عني في اراجيح العيد وضوء القمر ونثيث المطر , وفي
• بارات السعدون , وساحل دجلة ومنعطفات الكرادة .. لا زلت متردّدا , الملم بقاياي مرتبكا , ماثلا
• عند الباب , والباب لا زال مقفلا , لا نأمة لا صرير , لا نبرة تدعوني للدخول , لا ظل يتمشى
• فقط الباب وحده مشغول بعاصفة من السكوت .. وبقايا نشيج يسيل في فضاء العاصمة ..
• وبعض لوعة وشيء من الحسرة وكثيرا من الوجع , واشياء غزيرة من الألم تشغل مساحة
• مخيفة من روحي .. كيف ليّ انّ اطرق الباب الموصد .. الباب المؤطر برفوف من البنادق و
• المحاط بكلاب مدجّجة بالنباح والنهش والسعير والغباء .. واللافتات والشعارات والهراوات
• ... هذا الباب المحروس بكلاب الوزراء الدخلاء المأجورين , بابي , فيه بعض ملامحي
• ولمسات اصابعي , وبعض من رائحتي .. هذا الباب , باب اشرقي وباب المعظم والسعدون
• ومدينة الثورة , ثورة السبعينيات .. هذا الباب لا يشبه بابا اخر .. منه دلفت إلى بغداد
• ومنه اخرجوني جواسيس المحتل الاميركي , القوادون السفلة .. المتزاحمون على اشعال
• حرائق الفتنة , المتزاحمون على نهب الجمل بما حمل .. هذا هو ذات الباب الذي جائت منه
• الريح ..ذات الباب الذي اخرجوني منه مع الريح .. اخرجوني بالايدي والصفعات والركلات
• والبصاق والمفخّخات والبنادق والشعارات الطائفية وتعليقات الفضائيات المأجورة ..
• من باب بغداد خرجت مهجّرا نازحا مطرودا مسلوبا منهوبا , منه خرجت مباشرةً إلى
• الجحيم ..خرجت لشوارع لم الفها , .. دخلت امكنة لم تألف رائحتي .. ارنو لسماء
• لم يحدث انّ رأيتها من قبل .. اطالع اشياءً ليست اشيائي .. فاية غربة اقسى من الغريب
• في وطنه ..جعلوني مشغولا بغربتي حتى ألفاتها , جعلوني ارى التوابيت عند كلّ صباح
• حتى ألفتها , تمرّ على عيني التوابيت .. حتى خلت الصباحات توابيت .. حتى نسيت
• انّ لنا في الوطن صباحات , فقدنا الوطن , ففقدنا صباحاته , كلّ فقدان , بالمعايشة
• يغدو اليفا .. الاحساس بالفقدان نتاج الفة .. نتاج مران .. نتاج معاشرة ..
• ولكن هل استطيع انّ انسى .. النسيان هبت الله .. لا النزوح ولا الغربة ولا السجون
• ولا الجوع ولا الملاحقات ولا المهدئات النفسية ولا حتى الموت نفسه يستطيع انّ ينسيني بغداد
• وحانات بغداد وباب بغداد وباب الشرجي في نسخته السبعينية .. في زيه الثوري عند مطلع
• السبعينيات ......... بلا حانات شارع السعدون وابي نؤاس , لا تساوي حياتي عانة ملكية او
• قرشا مصريا او تومانا صفويا , او فلسا كويتيا .. لا تساوي بولة كلب على جدار مبنى
• حكومي , بلا حانات , ماذا افعل .. اين انفق النهارات , كيف اصرف وقتي الفائض ..
• وقتي العاطل .. بلا حانات تغدو بغداد , مأتم , تغدو صباحاتها مواكب الجنائز .. وتصبح شوارعها
• تجاعيد تبللها الدموع والشيخوخة ... ولكني لا زلت شاخصا عند باب بغداد ..و الباب موصد بحاجز
• من كروش الوزراء وحمايات مجلس النواب وكلاب المتنفذين في الحكومة , حكومة الاحتلال ..
• وانفار المتملقين والمتزلفين وماسحي الاكتاف والاحذية , ومروّجي الإشاعات والفضائح والاكاذيب
• والجواسيس السريين , والسراق الذين يشهّرون ببعضهم , ولصوص المصارف , وحتى عاهرات
• ومحظيات المتنفذين ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي


.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و




.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .