الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختفاء رباب ماردين 27

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2014 / 6 / 20
الادب والفن


صورة وذكرى

كنت في شقته. نفس الشقة التي عاشت فيها رباب معه. تلك الشقة التي ربما قُتلت فيها رباب. الشقة التي اختفت منها رباب.
شعور غريب خالجني وأنا أستطلع المكان. صالة الجلوس كانت فسيحة ولها نوافذ زجاجية كبيرة تطلّ على الحدائق. رأيت حسام يذهب ويزيح الستائر.
كانت تتوسّط الغرفة أرائك من الجلد بلون البني الفاتح وأزهار خضراء تملأ الزوايا. وقف حسام يراقبني وأنا أستطلع ما حولي باهتمام بالغ.
"تعالي." قال. "سأريك شيئا." وتوجّه الى الغرفة المجاورة. ذهبت وراءه فوجدت نفسي في غرفة النوم. أحسست بالحرج لتواجدي معه في غرفة نومه، ولكنني سرعان ما نسيت الأمر حين تذكّرت أن في هذه الغرفة أمضت رباب دقائقها الأخيرة... قبل اختفائها.
رأيت حسام وهو يقترب من الخزانة ويفتح أحد أبوابها. أخرج منها صورة ثم اقترب مني ومدّها لي. نظرت الى الصورة فإذ بها صورة لي مع رباب.
غُمرت بانفعال شديد وأنا أستذكر ذلك اليوم الذي التقطت لنا الصورة. قال حسام: "هذه الصورة وجدتها بين أغراضها الخاصة."
سألت: "أهكذا اكتشفت أنني أعرفها؟"
"نعم. بالإضافة الى الرسائل. فهمتُ أنك جئت الى هنا بحثا عنها، فأردت أن أعرفك أكثر."
"واقترحت أن تشاركني في البحث عنها."
"كانت هذه الطريقة الوحيدة كي أعرفك عن كثب."
نظرت الى الصورة التي في يدي. قلت بنبرة حزن غامر: "أتعلم؟ هذه الصورة هي آخر صورة التقطتْ لنا معا. كنا في رحلة إنهاء المدرسة مع باقي زملائنا وزميلاتنا وأمضينا وقتا رائعا. وفي طريق العودة، صدمتُ بها تخبرني أنها سترحل مع عائلتها الى مدينة أخرى. ورحلتْ بالفعل بعد أسابيع قليلة ولم أرها قط منذ ذلك الحين."
لم يعلّق حسام بشيء. ولكنه لاحظ انفعالي فقال: "سأكون في صالة الجلوس." وانساب بهدوء من الغرفة ليتركني لوحدي... مع الصورة.... مع الذكريات.
انحدرت دمعة على خدي وأنا أحدّق في الصورة. ماذا فعلت بك الحياة يا رباب بعد أن تركتِني؟! بعد أن كانت حياتنا جميلة... بسيطة... دون تعقيد؟! ليتك لم ترحلي! ليتك بقيتِ كما كنتِ! كما عرفتك!
هنا. في هذه الغرفة، عشتِ عذابك مع حسام، حسام الذي تزوجتِه بغير حب. لماذا؟ لماذا فعلتِ ذلك؟
هنا. في هذه الغرفة، عشتِ متعتك مع وسام، وسام الذي أحببتِه طوال حياتك... ولم يتزوجك، فقررتِ أن يصبح لك عشيقا يخون أخاه الذي ظلّ يبغضه طوال حياته. لماذا؟ لماذا فعلت ذلك؟
ثم اختفيت. اختفيت في ذلك اليوم من هذه الغرفة التي شهدت عذابك وخيانتك.
أين أنت الآن؟ أين أنت؟
أحسست أنني أختنق في الغرفة فخرجت الى غرفة الجلوس. رأيت حسام واقفا أمام النافذة يدخّن سيجارة ويتأمل الحدائق. التفتَ إليّ.
ثم لمحت أمامي على الحائط صورة كبيرة لهما. جمدت في مكاني وأنا أحدّق فيها. كانت هذه صورة تظهر فيها رباب، وهو معها، جالسين جنبا الى جنب، هو يطوّقها بذراعه، وهي تبتسم برقة وخلفهما ينتصب برج إيفيل.
"كان ذلك في شهر العسل." سمعت صوت حسام يقول.
"كنتما في باريس؟"
"باريس وروما."
رأيتهما في مخيّلتي معا في تلك المدينتين الجميلتين. ترى، بماذا كانا يشعران؟؟ أكانا سعيدين؟ انتابني الفضول لمعرفة الإجابة على هذا السؤال ولكنني لم أسأله شيئا. نظرت نحوه فرأيته يتتبّعني بعينيه.
قال فجأة: "تعالي. اقتربي."
سرت إليه بخطى بطيئة... مرتبكة. رأيته ينفض سيجارته في المنفضة التي بجانبه، ثم استدار نحوي.
"اقتربي أكثر." قال.
ترددت. ولكنه مدّ لي يديه وعلى وجهه ابتسامة يرتاح لها الوجدان. أعطيته يدَي فقرّبني إليه بحذر وأخذ يثنيني بنظراته الدافئة.
قال: "أريد أن أعترف لك بشيء، ولكن... أرجوك أن لا تغضبي."
"ما هو؟" سألت بفضول.
"هل ستغضبين؟"
"لا."
ارتسمت على شفتيه ابتسامة تنمّ عن الرضا. ثم قال دون أن يهتزّ له جفن: "أحبك. أحبك كما لم أحب امرأة في حياتي."
غُمرت بفرحة عجيبة انطلقت من أعماقي لسماع ذلك، وتمنّيت في نفسي أن يتوقّف بنا الزمان ليخلد إحساسي بتلك الفرحة التي لم أذق مثلها من قبل.
ولكن، بعد لحظات... كان عليّ أن أسأل: "وماذا عن رباب؟"
أجاب: "كنت أحبها، ولكن ليس بهذه الطريقة."
"ولكنها ما زالت زوجتك."
"بالنسبة لي إنها ليست إلا ميتة."
"ميتة؟"
"حتى لو لم تكن ميتة فلن تعود لتكون زوجتي. لقد انتهت بالنسبة لي. لم يعُد يهمّني أمرها، ولم يعُد يهمني أن أجدها... إلا لأجلكِ أنت."
أرخيت رأسي وأنا أفكر في رباب. انتابني شعور غريب أن أكون مع زوجها في الشقة التي تقاسمتها معه.
بعد لحظة، كانت يد حسام تحت ذقني ترفع وجهي إليه. قال: "أريدك أنت. أريد أن تكوني معي."
أحسست بيده تتحسّس وجهي برقة. لم يقل شيئا. ولم أقل شيئا. وقفنا كذلك نتبادل النظر ولم نقترب أكثر. كان ظل رباب ما يزال يربض بيننا. وأنا أحسست برغبتي في إيجادها أقوى من أي وقت مضى.

* * *

كنت مصرة على إيجادها. منذ الأحداث الأخيرة أحسست أنني اقتربت جدا من غايتي. وفي يوم، تذكّرت شادية ماردين وذلك الحديث الذي قالت لي فيه إنها رأت كل شيء. ترى، هل حقا رأت شيئا ما يمكن أن يوصلني الى مكان رباب؟ وماذا يمكن أن تكون قد رأت إن كانت رباب في غرفتها مع وسام؟!
كان عليّ التحدّث اليها.
ذهبت اليها الى المصحة التي تعيش فيها وطلبت زيارتها.
كانت جالسة بمفردها في الحديقة. اقتربت منها. وحين رأتني، بقيت ملامحها جامدة... عديمة التعبير.
"مرحبا، آنسة ماردين." قلت وأنا أبتسم لها بلطف.
لوهلة ظننت أنها لم تتذكّرني، ولكني سمعتها تقول بعد لحظات: "أهلا بك يا آنسة مدنية." ثم أردفت: "ماذا تفعلين هنا؟"
قلت وأنا أجلس الى جانبها: "جئت لزيارتك، إن كنت لا تمانعين."
ارتسمت علامات العجب على وجهها. قالت دون أن تنظر إلي: "حقا؟! هذا لطف منك."
"كيف حالك؟" سألتها.
"حالي؟؟ جيد..." قالت بشيء من الحذر. ثم سألتني: "وماذا عنك؟ هل كل شيء على ما يرام في البيت؟"
ترددت. لم أعرف كيف أجيبها، وهل يجوز أن أقول لها الحقيقة؟!
قلت: "ولِم تسألين ذلك؟"
"لا أدري." أجابت. "أريد دائما أن أعرف كل شيء عن البيت. فأنا أحب ذلك البيت كثيرا. ليتني كنت أستطيع العيش فيه."
"أنا متأكّدة أنك ستعودين إليه عن قريب." قلت.
رمتني شادية بنظرة ارتياب. "أحسّ أن من وراء زيارتك هذه هدف ما." قالت. "ماذا هناك يا آنسة مدنية؟ هل حدث شيء ما؟"
أطرقت رأسي ولم أجب. احترت كيف أجعلها تنطق.
"ماذا هناك؟" ردّدَت متعجّبة.
قلت لها: "هناك سؤال أريدك أن تردي عليه بصراحة."
رشقتني بعينيها، ولكن لم تقل شيئا.
فواصلتُ قولي: "أريدك أن تخبريني كل شيء تعرفينه عن ذلك اليوم الذي اختفت فيه رباب."
"لماذا أنت مهتمة بأمرها الى هذا الحد؟" سألت بعجب يمتزج بالغضب.
قلت لها: "سأعترف لك لماذا. لأن رباب هي صديقتي منذ الصغر وأريد أن أجدها. أريد أن أعرف أين صديقتي؟ أين اختفت؟"
"أتعنين... أنك تعرفينها؟؟ إذن كانت شكوكي صحيحة."
"نعم. لقد صدقت حين شككت بأنني أعرفها، وأنني جئت الى البيت لغاية أخرى غير الاعتناء بالسيدة ماردين."
ابتسمت شادية ابتسامة غريبة مشوبة بالاعتزاز. قالت: "وماذا أردت أن تسأليني؟"
"لقد قلت لي في السابق أنك رأيت كل شيء يوم اختفائها. فماذا رأيت؟ أرجوك، أخبريني."
تحركت عيناها داخل فتحتيهما بسرعة كبيرة، وكأنهما تستعيدان، كشريط سينمائي، ما رأتا. وبعد لحظات انتظار طويلة، بدت كالدهر، سمعتها تقول: "المسكينة رباب عانت الكثير في حياتها مع حسام. كنت أشفق عليها كثيرا وأرغب في مساعدتها. وذات يوم، كنت واقفة قرب النافذة، كعادتي، أتأملّ نحوها. وفجأة... رأيتها. كانت تركض كالمجنونة! وكأنها تهرب من أسد يريد افتراسها. وكان ذلك يوم اختفت."
صُعقت لكلامها. كيف لها أن تهرب إن كان وسام قد قتلها؟
"أنت متأكدة من هذا الكلام؟" سألتها بانفعال.
"طبعا متأكدة. أنا رأيتها بعينيّ."
"متى كان ذلك؟ في أي ساعة؟" سألتها.
"يوم اختفت، بعد الظهر."
"وكم كانت الساعة تقريبا، ألا تذكرين؟"
"وبماذا يهمّ ذلك؟"
"أرجوك، فكّري جيدا. حاولي أن تتذكّري."
أرخت عينيها وأخذت تفكر. بعد لحظتين، قالت: "ربما كانت قد أشرفت على السادسة."
إذن، ربما لم تمُت رباب! لقد رأتها شادية تهرب من البيت عند السادسة، أي بعد أن تركها وسام. ربما لم تمت، بل هربت!
إن كانت قد هربت فأين يمكن أن تكون؟
لقد انتقلت عائلتها من الحارة ولم أكن أعرف شيئا عن مكان سكنهم الجديد. فقد سكنوا مدة لدى أقارب لهم قبل أن ينتقلوا إلى مسكنهم الجديد.
قرّرت في نفسي أن الطريقة الوحيدة لإيجادها ، إن كانت فعلا قد هربت، هي العودة الى حارتنا القديمة. ربما أجد فيها أحدا يدلّني على أقربائها.

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا


.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه




.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة