الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيناريو الرعب ولغو الانتصارات الكاذبة

احمد ثامر جهاد

2005 / 7 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قراءة في كتاب الحادي عشر من أيلول لـ ( نعوم تشومسكي )

في احدث كتبه السياسية ( الحادي عشر من أيلول ) تتقدم صورة الناشط السياسي على سواها من الصور والاهتمامات المتعددة التي عرف بها المفكر وباحث اللسانيات الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي 0 وكغيره من المفكرين التنويريين الذين يضعون مناصرة قضايا الأنسان وحقه في الحياة في مقدمة أولوياتهم ، يصر تشومسكي على قبول الرهان في مجادلة خصومه بأفكار حرة تناهض كافة أساليب التزييف والتمويه واللعب على الحقائق 0ويرى إن الحقائق على الأرض أو ما يسمى بالواقع العياني يمتاز بقدرة سطوع تتخطى تهاويل الأعلام المهمين أيا كان 0 من هنا تبدو مواقف تشومسكي الإنسانية منذ حرب فيتنام وحتى يومنا هذا متناغمة مع صورة المثقف الغيور والمحرض الذي لا يأبه بإشاعة النسخ المعدلة عن الواقع ولايرضى لغيره إن يرهن عقله لصالح الصياغات المبتذلة التي تروجها إطراف الصراع هنا أو هناك ، لذا جاءت أغلب تحليلاته السياسية والفكرية معبرة عن مقولات أو تقويمات جريئة ذات مصداقية تتحدث بعقلانية غير مقيدة وترفض في الوقت عينه كل تقنيات الإبهام والتضليل ، فقط لأنها تتكلم الحقيقة البسيطة المضادة للوهم0
إن متابعة كتابات تشومسكي واخرين غيره تدفعنا إلى القول ، إن المفاهيم البديهية والأخلاقية عادة ما تتطلب وضعها في سياقات مبرهنة تشير إلى مرجعياتها الدامغة أسوة بالجهد المحموم يمارسه دعاة التبريرات الجاهزة ، وبينهم المسحورين بالنماذج الملفقة التي تفرزها سياسيات القوة – المعرفة المؤسساتية – حيث يجري ترسيخها كظاهرة عالمية جديدة 0ولكي نساهم في خلق مناخ عالمي يتوفر على الرأي السديد والمنطق الصائب يتوجب علينا الوقوف بمعايير الأمانة الفكرية والأخلاقية عند المآسي التي تحجبها بوصلة الضجيج الإعلامي العملاقة ولغو الانتصارات الكاذبة ونبرة التوسع البربري العتيقة ، وما هو أهم من ذلك أن نكون على استعداد نسبي للإصغاء إلى الحقائق الواقعية والطروحات المشروعة المعروضة على امتداد اللحظات المشرقة للتاريخ الإنساني . تلك التي تتجرد من أي إضافة أو دعم بلاغي لمجرد إنها القضية الجوهرية بلا منازع 0ولنا أن نبرزها ونؤكدها بشكل صارخ يتجاوز حبائل التعتيم ونظائر الواقع المتخيلة 0وان واجهتنا اعتراضات عدة تحضى بغواية القبول بحكم الإجماع أحيانا 0
في هذا السياق يأتي كتاب ( الحادي عشر من أيلول ) ليضاف إلى حصيلة كبيرة من الأفكار والآراء يفترض أن لها فاعليتها في الأوساط الثقافية والإعلامية والأكاديمية كونها لسان حال شخصية عالمية تتابع مجريات الأحداث الساخنة وتشارك في الوقت نفسه في صياغة الاعتقادات التي تتمخض عنها 0وهذا الكتاب في الحقيقة مجموعة من المقابلات أجراها صحفيون متعددون مع تشومسكي خلال الشهر الأول الذي أعقب الهجوم على مركز التجارة العالمية ومبنى البنتاغون 0وجرت معظمها عبر البريد الإلكتروني مثلما جاء في مقدمة الناشر (جريج روجيرو ) .
كتبَ تشومسكي أثناء عملية تحرير الكتاب قائلا : هذه الوقائع قد رفعت كليا من التاريخ ، وعلى المرء عمليا أن يصرخ بها من أعلى السطوح 00
عبر إجاباته عن كثير من الأسئلة يتحدث تشومسكي بشكل مفصل عن مفهوم الإرهاب الذي تتداوله يوميا العديد من الحكومات والجماعات والقنوات الإعلامية ، شارحا التلاعب القصدي لتعريفات مختلفة يشوبها التلون والتشعب والنفعية وفقا لهوى السياسات والنبرات الإعلامية 0 ولدى طرحه لبعض الأمثلة الحية عن حوادث سياسية بعينها جرى تفسيرها وترويجها بطرائق وصور متباينة تتناسب مع آلية نظر معينة تخضع في النهاية لموجهات النظام العالمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة ، يعقد تشومسكي بعض المقارنات الممكنة التي تقدم دليلا واضحا على النزعة العدائية لحكومات الغرب 0 ويرى في استعادة هذه الأمثلة حججا أساسية تكشف عن أهمية الاستعمالات السياسية للإرهاب التي تحدد برأيه موقعه من النظام الفكري أو السياسي أو العقائدي0
وقبل أن يقرأ عواقب العنف المتصاعد في العالم ، يشير تشومسكي إلى حقيقة أن الولايات المتحدة هي دولة إرهابية رائدة كما هم زبائنها 0 ويأخذ بسرد استشهادات واضحة تدعم كلامه عن إرهاب الدولة مثلما يقترح تسميته 0 ملمحا إلى التأثيرات الفعلية لمئات السنين من العنف الإمبريالي على مسار حضارة الغرب الثقافيـة والأخلاقية ونظرة الشعوب المقهورة لهذه الحضارة المتفوقة ! فحينما نتطرق إلى تشخيص مدى الأضرار الناجمة عن واقع الخضوع القسري المستمر لمنطق القوى المهيمنة سيكون من الطبيعي بالنسبة لنا الاعتراف بالأسباب الموجبة التي خلفت أذى هائلا بين ملايين من الأبرياء الموزعين بين شتى أرجاء الأرض 0 أولئك الذين ينهلون من خزان الغضب والخوف واليأس من دون أن تكون لنا القدرة على تفادي وقوع تلك النتيجة الأكثر تطرفا . أما إذا حاولنا بصورة معتدلة استقصاء الأسباب والنتائج الفاعلة أساسا ، يصبح من الضروري حينذاك الأخذ بنظر الاعتبار قضية كون الإرهاب الناتج عن سابق تصميم لا يعتبر بحال من الأحوال جريمة مخففة . وبوسعنا أن نتصور من جانب آخر حجم الإهمال المتعمد في تحديد سجل الأعمال الوحشية في كل مكان 0 وهذا الأمر يفسر بالطبع حقيقة لماذا يحيد الجميع – بفظاظة تذكر – عن الإشارة إلى المسؤولية الرئيسية وراء كل هذا الخراب والرعب 0وبالرغم من أن الدخول في بحث أبعاد الأزمة الراهنة لضحايا الإرهاب الدولي المنتشر في كل مكان يتطلب التفتيش والتحقيق في معظم المشاكل التي يجري استبعادها عن قصد ، إلا أن تشومسكي يكتفي بتسلط بقعة ضوء على ساطعة تعيد إلى الأذهان أسباب الإنكار والتعمية الرائجة إعلاميا 0 ويقول بلهجة تستذكر الوقائع : إن جرائمنا التي نحن مسؤولون عنها هي الضريبة التي ندفعها بسبب فشلنا في تأمين التعويضات الجماعية ، بسبب حمايتنا ودفاعنا عن المجرمين وبسبب سماحنا للأعمال الرهيبة أن تغرق عمقا في حفر الذاكرة ولهذه الأمور جميعا أهمية كبرى ،كما كان لها في الماضي 0
لقد بات معلوما للجميع أن ما تخطط له أميركا حاليا ليس من قبيل رد الفعل الآني تجاه مسلسل أحداث أيلول بقدر ما هو أسلوب جديد في إدارة الأزمات يضمن لها تفعيل تطورات دراماتيكية محسوبة في بعض المناطق ذات المصالح الحيوية بشكل يتماشى مع رغبتها في إحكام السيطرة عسكريا على العالم . يؤيد تشومسكي هذا الرأي بقوله : في حال نظرنا إلى التاريخ لا يمكننا أن نفترض إن تغيرات كبرى طرأت على الأهداف السياسية أو الدوافع بعيدة المدى للقوى الغربية المهيمنة ، ماعدا التغيرات التكتيكية التي تفرضها الظروف المتغيرة 0
تبدو المسألة أشبه باستثمار الفرصة الأمثل لحشد تأييد دولي لحروب محتملة تقتفي اثر عدو خفي يمكن له الظهور في أي مكان في كوكبنا الدامي . وأمام هذا الخطر المحدق بالذات تريد الولايات المتحدة من الحكومات الحليفة وغير الحليفة أن تتصرف كجماعة شمولية واحدة في زمن الحرب . لذا نراها تعمل بجد لتحقيق هذا الغاية ، عبر تمرير عشرات التقارير التي تفيد بان هنالك في العالم الإسلامي وفي البلدان الأكثر تخلف وانغلاقا ، أوكارا حقيقية للإرهاب تتغذى من الميل الجارف الذي يسعى للثأر من منجزات الحضارة الغربية في ميادين الديمقراطية والحرية والرفاه الاقتصادي . وعلى عزف أعلامي مماثل يجري الانتقال من فكرة إلى أخرى ترى غالبيتها في صراع الحضارات أو العولمة أو القيم الثقافية أو الإمبريالية الاقتصادية شرارة الغضب الكامن 0
هل تخفي إرهاصات العنف والتغيير والفوضى إشارة دالة للحظة تراجيدية قادمة ستفتح الأبواب كلها أمام كابوس المصائر ، الاحتمالات والمفاجئات والآفاق المرتقبة لمضطَهَدي العالم ؟
إن الإنسان المعاصر الذي اكتوى بنيران حربين كونيتين وبحروب إقليمية دامية وبكوارث ومجاعات يدرك اليوم إن شعارات طموحة مثل التعايش السلمي والتطور الحر والمتكافئ لكل شعوب وحضارات وثقافات العالم أصبحت في نطاق الأشياء غير المرغوب بها ، وإن الاتجاه اليميني المتحكم بمسارات الصراع سيضع المسمار الأخير في نعش القانون والمجتمع الدوليين . وهنا يذكر تشومسكي إن الولايات المتحدة هي البلد الوحيد الذي أدانته محكمة العدل الدولية بسبب إرهابه الدولي ، وهي الوحيدة التي رفضت قرار مجلس الأمن الذي يناشد الدول التمسك بالقانون الدولي . وثمة أمثلة عديدة تبين الممارسات المشينة والفظيعة التي قامت بها الولايات المتحدة ومعها الحكومات التي تنفذ سياساتها أو التي تحظى برعايتها لبعض الوقت ، وبالكاد نجد أي خلاف حول تفسير طبيعة تلك الأعمال وشرعيتها .
وفي سياق حديثه عن أساليب السياسة الأمريكية في التوعد والإكراه وبث الخوف ، يحيلنا تشومسكي إلى عدة مصادر هامة تناقش قضية الإرهاب ، أبرزها :كتاب الحروب غير المقدسة لجون كولي ، وإرهاب الدولة الغربية لأليكس جورج وعصر الإرهاب لوالتر لاكواير . ويستنتج من قراءة الوضع الراهن وتحليل تداعياته : إن أمم الأرض وشعوبها تواجه خيارا صعبا ومتصلبا ، فما هو معلن الآن هو بمثابة حرب حقيقية ضد الذين لا ينضمون إلى واشنطن في لجوئها إلى العنف وكيفما تختاره وترسمه هي وحدها .
لقد اصبح واضحا لنا كقراء أن تشومسكي مع الرأي الذي مفاده : إن هجمات نيويورك وواشنطن كانت نتيجة منطقية للسياسة الأمريكية ، فمن المسلم به إن الإرهابيين انسلوا من احتياطي اليأس والإحباط والغضب الذي ينتشر كالشرارة من الغني إلى الفقير ومن العلماني إلى الإسلامي ، على حد تعبيره . وهاهو يدعونا إلى ضرورة التفكير المستقل مؤكدا ، أن على المرء أن يبقى أكثر التصاقا بمجرى الحقيقة والشرف ، والاهتمام بالعواقب الإنسانية لما يفعله وما يفشل في فعله ، فمع أن هناك أناس يطالبوننا بالصمت المطبق ، لكننا نقول أن ليس أمامنا من طريق إلى متابعة حلمنا الإنساني بشكل حذر والتمسك بأملنا الوحيد في رؤية حياة بشرية أقل اضطرابا وأشد طمأنينة .
في نهاية الأمر يمكننا القول أن آلية التفكير خارج النسق المعهود هي ما يجعل نعوم تشومسكي من طلائع المفكرين السياسيين الذين يستنير المشهد الثقافي العالمي باطروحاتهم ومواقفهم الخارجة عن مفهوم صياغة الإنسان ببعد واحد ، وهذا التحدي يعني بالنسبة له أن سؤال العقل سيظل برهان حادا وكاشفا يواجه بثبات ملموس إشكالية الواقع التاريخي بكل تجلياتها من دونها يراهن على وهم .
هامش : الحادي من عشر من أيلول – نعوم تشو مسكي 0 ترجمة : مجموعة من المختصين / دار التكوين – سوريا –دمشق –ط1 2002 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة