الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقدير موقف للأزمة العراقية الراهنة وآفاق حلّها ( الحلقة الأولى )

محمود جديد

2014 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



- لم يكن استهداف العراق في التسعينات نتيجة وجود سلطة ديكتاتورية فيه ، ولا لمعاقبته على قرارات وحروب خاطئة اتّخذها نظامه ، ولا لسلاح يمتلكه ، وإنّما لأنّه يطفو على بحيرة من النفط قد تكون الأهم في العالم ، ويشكّل عمقاً استراتيجيّاً لجبهة شرقية ضدّ الكيان الصهيوني لا غنى عنه وعنها ، وطاقة بشريّة هي الأكبر في المشرق العربي عُرِفت بتاريخها العريق المليء بحضارات متعدّدة متراكمة ومتداخلة ومتفاعلة لا مثيل لها .. فحتّى لو كان غاندي حاكم العراق كان الغزو الأمريكي سيتم لأنّ أطماع الإمبريالية ليس له حدود .. ولكنْ لا بدّ من الإشارة إلى أنّ تلك القرارات والحروب الخاطئة شكّلت الذرائع المباشرة لتسويق وتبرير وتسهيل الاستهداف والغزو .. وعندما جرى احتلال العراق في عام 2003 كان همّ القوات الغازية وضع اليد الفوري على وزارتي النفط والزراعة ، وتركت متاحفه تُسبى على أيدي جنوده ولصوص العالم على مرأى وحداته العسكرية المحتلّة ، ومنشآته العلمية والاقتصادية تُدمّر ، وحقول نفطه تُحرٓ-;-ق ، وجيشه يُحلّ بقرارات بريمرية بدون اعتبار للفراغ الذي سيحدثه وللضرر الذي سينجم عن ذلك ، وتحكّمت بلقمة عيشه وبثروته وقرارات إنفاقها بوضعه تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .. وهذا كلّه ليعيدوا صياغته من جديد ، وهذا ماعبّر عنه بوضوح في حينه وزير الخارجية الأمريكي /باول / في شهادة رسمية أمام الكونغرس الأمريكي بقوله : " إنّ الهدف من احتلال العراق هو إعادة صياغته بما يخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والعالم " ، وهي شهادة رسمية معتمدة بعيداً عن التكتيك والمناورة ..
قبل البدء في تقدير الموقف يُرجى الانتباه إلى أنّ من متطلّبات إجرائه بشكل موضوعي ومجدٍ القيام بلعب دور أصحاب القرارللجهة التي نرغب بمعرفة موقفها من المسألة المعنية ، وعرضه ودراسته، وبالتالي فما سنكتبه في هذا السياق ليس موقفاً سياسيّاً أو حزبياً لي أو للتنظيم الذي أنتمي إليه ، ووجهة نظرنا سنعرضها في خاتمة المقال ...
أوّلاً : الوضع الداخلي العراقي ( العوامل الذاتية ) :
- ماقبل تفجّرالأزمة الراهنة :
منذ سقوط بغداد عام 2003 وإنشاء مجلس الحكم المحلي البريمري بمشاركة عناصر وقوى معارضة للنظام السابق وحتّى الآن إنّ المهيمن على الحياة السياسية في العراق هي هذه القوى نفسها ، ومنها تعاقب رؤساء وزراء عديدون وكان المالكي أطولهم فترة ( 8 سنوات ) ، وقد ورث نظام الحكم بعد خروج قوات الاحتلال منه تركة ثقيلة على مختلف المستويات سواء من النظام السابق أم من حقبة الاحتلال ، وكانت المحاصصة الطائفية والدستور العراقي في بعض بنوده أسوأها ، وهنا من المفيد إلقاء الضوء على أبرز سلبياته التي سمّمت الحياة السياسية ولا تزال ، والتي أعطت ثمارها الخبيثة التي استهدفها واضعوها من الأساس :
- طمس هويّة العراق العربية وانتمائه للأمة العربية وهذا لفصله عن أمته وقضاياها، وقطع الطريق على أيّة خطوات وحدوية بين العراق وأي قطر عربي آخر مستقبلاً، وإرضاءً للأحزاب الكردية والدينية .. كما وُضعت اللغة الكردية مع اللغة العربية على قدم المساواة كلغتين رسميتين في عموم العراق ، وإذا كان ذلك مفهوماً ومبرّراً في مناطق الحكم الذاتي الكردي فليس كذلك في باقي المحافظات العراقية..
- النظام الاتحادي المعتمد نظام هجين لأنّه عمليّا يدمج بين فدرالية في الشمال / كردستان العراق / وبين باقي الدولة العراقية ، وهنا استفاد الأكراد من مزايا الحكم الذاتي الكامل في العراق الذي يتمتّع بمزايا دولة تقريباً ودون أن يكون للعرب العراقيين أيّ دور فيه ، بينما بقي الأكراد شركاء أساسيين في حكم المحافظات العراقية الأخرى من خلال مشاركتهم بالوزارة العراقية ، وتواجدهم في مؤسسات الدولة الأخرى ... وفي الوقت نفسه ، زيّن الدستور وأغرى هذه المحافظات على إنشاء الفدراليات ، وسهّل عليها تحقيق ذلك ، وهذه من بذور شرذمة العراق التي وضعها المحتل الأمريكي وتركها فيه لإضعاف الحكومة المركزية في بغداد وفسح المجال لتمزيقه إلى ثلاث كيانات طائفية وقومية ، وفقاً لما طرحه بايدن نائب الرئيس الأمريكي ، وما يرغب به الكيان الإسرائيلي ... وقد يكون مسار الأزمة الراهنة يستهدف هذه الصيرورة ..
- اعتماد المحاصصة الطائفية داخل سلطات ومؤسسات الدولة العراقية للتفرقة بين أبناء الشعب العراقي وضرب وحدتهم الوطنية ولإضاف الحكومة المركزية وتعميق الفكر الطائفي فيه ، وما من بلد في العالم اعتمده إلّا وذاق مرارته ، وقد اكتوى لبنان بلظاه الشيء الكثير ..
- : الموقف من "البعث الصدّامي "
نصّت المادّة السابعة من الدستور على ما يلي :" يحظر كل كيان أو نهج يتبنّى العنصرية أو الإرهاب ، أو التكفير أو التطهير الطائفي ، أو يحرّض ،أو يمهّد ، أو يمجّد ،أو يروّج ، أو يبرّر له ، وبخاصة البعث الصدّامي في العراق ورموزه ، وتحت أيّ مسمّى كان ،ولايجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق ، وينظّم ذلك بقانون "
إنّ هذا الحظر المركّب الأوجه والأشكال والأنواع يعتبر إعداماً سياسياً ، وسيفاً إرهابيّاً مسلّطاً فوق رؤوس البعثيين ، وهذا يشكّل خرقاً فاضحاً لحقوق الإنسان ، ولأسس ومبادىء الديمقراطية التي يتشدّقون بها زوراً وبهتانا صباح مساء ، وهو تقنين مشدّد لمقولة "استئصال البعث " التي اعتمدتها إدارة الاحتلال وعملاؤها في العراق ، والتي أُثير حولها الكثير من النقاش والجدل والخلاف ، حتى داخل القيادات والأحزاب العراقية المتعاونة مع إدارة الاحتلال والتابعة لها ، وقد ثبت بالملموس لكل عاقل ذي بصيرة ، ولكل حرّ نزيه فشلها وحقدها ، وخطرها على مستقبل العراق ، إذ لا يمكن استئصال حزب بكامله حكم العراق حوالي أربعة عقود ، وعزله عن الحياة السياسية حاضراً ومستقبلاً ، حيث شكّل عدد منتسبي هذا الحزب وأسرهم حوالي ربع الشعب العراقي ، ولايجوز بأيّ شكل من الأشكال أن يتحمّل هؤلاء جميعاً وزر تهم أخطاء أو جرائم اُرتِكبت من قبل بعض من شاركوا في قيادة النظام الحاكم السابق وأجهزته الأمنية والتنفيذية ، بينما من المفروض أن يكون القضاء العادل والنزيه الجهة الوحيدة التي تبتّ بمثل هذه الأمور وفقاً لأدلّة قاطعة ...وقد جاء قانون اجتثاث البعث تتويجاً خبيثاً ومسموماً لما ورد في هذه المادة ..
وجاء في المادتين / 131 و 134 / شروط المرشح إلى رئاسة الجمهورية ،أو عضوية مجلس الوزراء والنواب ، ورئيس وأعضاء مجلس اتحاد ، والمواقع المتناظرة في الإقليم ،وأعضاء الهيئات القضائية ، والمناصب الأخرى المشمولة باجتثاث البعث وفقاً للقانون أن يكون غير مشمول بأحكام اجتثاث البعث ، كما أضاف الدستور شروطاً أخرى ،وهي أن يكون قد ترك حزب البعث قبل عشر سنوات من سقوط حكمه ، ولم يشارك في قمع الانتفاضة عام /1991/ والأنفال ، ولم يقترف جريمة بحق الشعب العراقي ...وبذلك يتم قطع الطريق على منتسبي البعث على المشاركة بالسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والمناصب الإدارية الهامة في الدولة ، كما يغلق الطريق على إمكانية إجراء أيّة مصالحة وطنية شاملة في المستقبل تحقق الوحدة الوطنية ، وتصونها وتعززها ، والتي لابديل عنها ....
إنّها شروط تعسفيّة تضمّنها الدستور ، و قانون اجتثاث البعث الظالم المنبثق عنه ، واللذان نجم وينجم عنهما مضاعفات خطيرة باستمرار ، وخاصة إذا أضفنا إلى ذلك الانعكاسات والتبعات السياسية والاجتماعية والمادية عن حلّ الجيش العراقي .. وقد برزت آثارها الملموسة لكلّ ذي بصيرة فيما يجري حاليّاً في العراق ...
- تدمير القاعدة المادية للاقتصاد العراقي ، ووضع العراق تحت كابوس الفصل السابع وما نجم عنه من تدخّل سافر في مختلف أوجه حياته السياسية والاقتصادية والمالية والتعليمية والتسليحية ، والثمن المدفوع للتخلّص من نيره .. وما رافق ذلك كلّه من فساد وظلم وتمييز وتهميش زاد الأوضاع فيه سوءاً على سوء ، .. وفي الوقت نفسه لم تُبذل الجهودالكافية من الحكومة العراقية لإصلاح هذه الجوانب السلبية ، ويتحمّل المالكي ووزراؤه المسؤولية الأساسية في هذا المجال ، كلّ واحد منهم حسب الصلاحيات والمسؤوليات المناطة به ...
- تغيير عقيدة الجيش العراقي والإشراف والهيمنة على تنظيمه وتدريبه من قبل المحتل الأمريكي ، وبطء إعادة بنائه ، وعرقلة تسليحه، ممّا حرم العراق من مؤسسة الجيش التي لا غنى عنها في الدفاع عن الوطن ، والمحافظة على أمنه ، والذي يُعتبر ضرورة لا بديل عنها في ظلّ أي نظام كان ...
- عقد اتفاقيّة أمنية بين الحكومة العراقية والمحتلّ الأمريكي لها آثار سلبية على اتخاذ القرارات الوطنية في العراق من جهة ، وجاهزة للتوظيف الخبيث من قبل ذلك المحتلّ ضدّ مصالح الشعب العراقي من جهة أخرى ..
- استغلال أوضاع المتطوّعين العرب وغيرهم الذين جاؤوا لمقاومة الاحتلال الأمريكي من قبل تنظيمات القاعدة المتواجدة على الأرض العراقية ، وزجّهم معها في أعمال العنف والإرهاب في العراق التي نفّذته بدون توقف ، والذي تصاعد في العامين الأخيرين ، وخاصة من قبل ورثة الزرقاوي والتي تسمّى اصطلاحاً بداعش ( الدولة الإسلامية في العراق والشام ) .. ويجب عدم إغفال المليشيات الشيعية المتطرّفة التي شكّلت قطباً آخر في تصعيد العنف والفوضى في العراق ، وتعميق الطائفية فيه ..
- عدم الانسجام والتكامل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ممّا عرقل إصدار العديد من القوانين ، أو التصديق على الميزانية في الأوقات المحدّدة والمناسبة ..
- فشل مجلس الرئاسة في القيام بدوره المرسوم له في الدستور العراقي على علّاته ، وغياب رئيسه لآجال طويلة بسبب المرض ..
- استهداف الأحزاب والقوى الوحدوية والوطنية والديمقراطية واليسارية ، وإضعافها وتغييب دورها ، ممّا جعل الساحة العراقية حكراً للأحزاب الطائفية والقومية الشوفينية ، وللقوى والعناصر التابعة أوالعميلة التي عادت إلى العراق على ظهر الدبابات الأمريكية.
- تبديد قسم كبيرمن ثروة العراق بين السرقات ، والنهب ، والإسراف والمبالغة في رواتب النواب والوزراء والمسؤولين الكبار، والصفقات المشبوهة .. .
هذه الأوضاع جميعها خلقت نظاماً مستبدّاً فاسداً مكبّلا بقيود داخلية وخارجية جعلته أسيراً لها، وفي ظلّ الاستبداد والفساد والتبعية ، تُسْتَبَاح الكرامات ، وتُخنَق الحريّات ، وتوءد الديمقراطية ، وتنشأ الحاشية الفاسدة، والشرائح الانتهازية ، ويزدهر الاستغلال ، وهذا كلّه ، يزيد من معاناة الجماهير وحقدها المشروع ، وغضبها المكبوت حتى لحظة الانفجار ..
في : 21/ 6 / 2014 - يتبع في حلقة تالية -








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر