الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفسير المنطقي للضيق النفسي

حمودة إسماعيلي

2014 / 6 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كشعور نفسي، يشير الضيق إلى حالة المعني بأنه مقيّد : والقيد يضيّق من ممارسته الحياتية، غير أن مقيّده كيان غير مرئي. يشعر الإنسان في حالة الضيق، بأن قوة ما تجثم فوق صدره، أو تطوق رقبته ـ بتعبير أوضح : الضيق هو الشعور بالانزعاج والحزن دون سبب واضح. وحسب إميل سيوران : "إذا حزنت مرة دونما سبب، فثق أنك كنت حزينا طيلة حياتك دون أن تعرف". لأن الضيق يكمن في منهج الحياة، أما داخليا فمجرد رد فعل ـ إسقاط (رافض) ـ لذلك المنهج.
الشعور بالضيق دافع للتخلص من القيود : وبما أنها افتراضية غير ظاهرة أو ملموسة، يصعب نزعها ـ بل لا يتم الالتفات لمصدرها، ليتطرق التركيز على داخل الذات.

حسب الثقافة المجتمعية، هناك تنافس بيولوجي اقتصادي، منذ الطفولة يتم العمل على تحفيز الأطفال للتفوق : "يجب أن تأكل كي تصبح أقوى وأكبر من الأطفال الآخرين ـ "يجب أن تدرس أفضل من الآخرين" ـ "يجب أن تنجح" ـ "يجب أن تعنتي بمظهرك ليبدو شكلك أجمل من الأخريات" ـ "يجب أن تتزوج(ي) بالأفضل.. الخ. وهو ما يفضح نوع البرمجة الممارسة على عقول الأفراد : على اعتبار أن ذلك (الأفضلية) هو ما سيجلب لك الحب والاهتمام والمساعدة والتقدير والائتلاف؛ ودونه تصبح خطأ تقني، يتم اهماله وتجاوزه حتى حين : حصول تلاقي مع خطأ تقني آخر، وتشكيل ثنائي عصابي منفعل.

وطبعا في ظل هذه البيئة التنافسية ـ التي يخفي فيها البشر عجزهم الفردي بإسقاطه على الخاسرين (والتماهي بنفس الوقت مع الفائزين) ـ لن يستمتع بالكعكة الاجتماعية ـ بما فيها من اهتمام وجداني ومادي ـ إلى القلة المتفوقة : كفريق فائز أو حتى فرد واحد (يمثل البطل المفتقد في كل ذات اجتماعية). أما البقية فتتقاسم أحساسيس الإحباط فيما بينها لتَدارك ما تبقى من الدمار الداخلي : نتيجة صراع الرغبة (بالأفضلية) ـ لنشدان الامتياز الاجتماعي (من جهة) ـ والنقص البيوعقلي الذي أدى للانهزام (من جهة أخرى). بذلك تكوّن علاقات وائتلافات لتجاوز الهزيمة بتقليد ساذج للمتفوقين لا يلغي الإحساس بالاهمال الذي تفرضه الجماعة كمجال يصنف المنهزمين.

إن الشعور بالضيق، هو الإحساس الذي ينتاب اللاعب الذي يجد نفسه في منافسة مع احتمال يميل لكفة الخسارة (خسارة الرهان بحياة أفضل وما يترتب عن ذلك من نقص امتيازات، من ضمنها "No Party" حسب ضيق أفق البعض). وبما أن الحياة المجتمعية الساذجة التي تنبني على المنافسات الإيكوسوسيولوجية (اقتصاديا واجتماعيا) تضغط بكلتا يديها على عنق الفرد ليضمن الفوز ولايخسر. على هذا النحو، تم تقزيم الإنسان وتشيئه في وظيفة : "حلاق"، "أستاذ"، "طبيب"، نجار"، "نخاس"، "ربة بيت"، "مغنية".. وهي في مجملها "ممارسات" وليست "ذوات" ـ المهنة جزء من ممارسات الإنسان، وليست الإنسان. وهو ما دفع المفكر المُمِل ديفيد هيوم أن يقول ـ في كتاب تحقيق في الذهب البشري : "أيها الإنسان، كن فيلسوفا لكن مع ذلك ابق انسانا". حتى لا يندمج الإنسان بذاته في ممارسته الفرعية من عدة ممارسات، تتحول على إثر ذلك (الممارسة الضيقة) لهوية تصنفه ضمن منافسة غبية تستقطب العقول الإقطاعية والقطيعحيوانية.

أكثر ما يهم في الأخير من كل ذلك هي حياتك ـ بما أنها تتجسد كانفعالات وحالات نفسية ـ هي ما يلزم أن تستفيد وتستمتع بعيدا عن صخب الضغوط التي تدفعك لتصبح الأفضل : أي شبيه بأحد الحمقى السابقين الذي يبجّله أشباه القردة الاجتماعيون.

إننا تنافسيون بامتياز، وكضريبة مترتبة عن ذلك : الشعور بأن الواقع ينسحب من تحت سيطرتك كالبساط، والضيق هو نتاج الإحساس بفقدان السيطرة على سعادة الفرد. لأنه ضمن المنافسة : السعادة ليست سوى من حق المتفوق والفائز، لا أحد يتوج الفاشل ـ لكن من حق الفاشل أن يسعد بفشله ! هذا ما ترفضه الروح التنافسية.

نأتي لنقطة مهمة ـ نظرا لارتباطها بالموضوع ـ وهي "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، لكن في موقع آخر نجد "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون" : يستمر شعور المؤمن بالضيق (حتى لو قرأ 1000 حزب) كخوف من ألا يحظى بكانة هامة ـ حسب أعماله الدينية ـ عند الرب الذي يتنافس حوله باقي المؤمنون : ما يعني أن آخرا قد يفوز بمكانته عنده ـ أي حبه واهتمامه وعطاءه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا لك
الباشت ( 2014 / 6 / 24 - 17:04 )
كلامك بلسم لبعض النفوس المتعبة
أنت إضافة جميلة لهذا الموقع الجميل
شكرا لك مرة ثانية


2 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 6 / 24 - 22:16 )
ملاحظه : قوله تعالى : (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) , مختص بالإيمان , و قوله تعالى : (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) مختص بالعمل الصالح .

اخر الافلام

.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا


.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة




.. اربع خطط اسرائيلية لدخول رفح….!! | #التاسعة


.. اشتعال في البحر الأحمر …!!!!!! | #التاسعة




.. ضرب قاعدة أصفهان .. عملية من الخارج أم الداخل؟ | #غرفة_الأخب