الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضمبازا

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2014 / 7 / 4
الادب والفن



ليلة أمس عندما أفقت على السحور وسمعت صوت "الضمبازا"* وهو يمر من الحارة، أسرعت الى الشباك المطل على الشارع وفتحته بحذر. راقبت المسحراتي كما في أيام الطفولة، وهو يدقّ على "الضمبازا" التي تصدر موسيقى من أجمل ما سمعَته وعشقَته أذناي. بعض الفتيان كالعادة كانوا يرافقونه ويلحقون به، يدردش معهم، يضحك أحيانا، فتختلط عليه الدقات، وأحيانا تتوقف تماما، وتتوقف خطواته معها أحيانا، وأحيانا أخرى يكمل مسيرته دون أي توقف، يبتعد بسرعة، وتخفّ معه دقات الضمبازا حتى تتلاشى تماما.
هذا المنظر ذكرني بأيام زمان، أيام طفولتي في حارتي القديمة في بيت جدي وجدتي، إذ كنت في كل شهر رمضان أنتظر بشوق ولهفة صوت الضمبازا، وأوصي أمي أن توقظني كي أشاهد الضمبازا، أو المسحراتي الذي يدق على الضمبازا، وحين كنت صغيرة أكثر كنت أخرج الى الحارة حتى يدعني "العازف" أدقّ على الضمبازا، وكانت هذه قمة المتعة والسعادة لي كطفلة صغيرة.
حارتي القديمة كانت تقبع في قلب القرية، قريبا من الجامع. إذ سكن السكان الأوائل في قريتي كفر كما في محيط الجامع وبدأوا بالتوسع شيئا شيئا، جيلا بعد جيل. شوارع الحارة كانت ضيقة، بالكاد تتّسع لسيارة واحدة، والبيوت قريبة من بعضها البعض، مسوّرة، متلاصقة بساحاتها وأحواشها، مطلة على بعضها البعض، متلصّصة على بعضها البعض. ولكن، رغم كل شيء، كان الدفء يغمر النفوس، والألفة تجمع القلوب، والمحبة تنتشر بين الأهالي، العلاقات حميمة، الزيارات كثيفة، التكاتف كبير والمشاركة دائمة في الأفراح والأتراح.
بعد أن كبرتُ قليلا، لم أعد أخرج الى الحارة لأدق على الضمبازا. ولكنني كنت ما أزال أستمع الى دقاته بفرح وشوق، أراقب "عازف الضمبازا"، الذي كان في العادة فتى يافعا، أراقبه من الشباك وهو يمر من الحارة بصحبة فتيان آخرين في نفس عمره. وكنت أبقى في سريري حتى بعد أن يمرّ من الحارة، أستمع وأستمتع بسماع دقاته وأحاول أن أخمّن أين وصل الآن؟ في أي حارة؟ وأصغي الى ضحكات الفتيان المرافقين له والى أطراف أحاديثهم التي تصل الى مسمعي. كنت أحسّ كأنني أشاهد فيلما دراميا مثيرا للاهتمام والفضول.
وكان هذا الفيلم يستغرق زمنا ليس قصيرا، ربما أكثر من نصف ساعة، منذ اللحظة التي تبدأ فيها دقات الضمبازا تصل الى مسمعي من البعيد كطرقات خفيفة، تعلو وتكبر حتى تصل الى الحارة، تمر منها، تبتعد شيئا فشيئا، ثم تتلاشى تماما.
لم أعد أسكن في حارتي القديمة منذ زمن طويل. تركتها مع عائلتي حين كنت في الثامنة من عمري. حارتي اليوم تختلف كثيرا عن حارتي القديمة، حارة في أطراف القرية، لها شارع واسع يوصل الى آخر الحارة، تنتصب على ضفتيه بيوت كبيرة حديثة، جميلة، يسكنها الجيل الجديد من أهالي القرية.
لم يطل سماعي لصوت الضمبازا كثيرا. بدأت الدقات دفعة واحدة من طرف الحارة، مرّت من البيت، ابتعدت بسرعة... وتلاشت خلال دقيقتين أو ثلاث على الأكثر.

كفر كما

...........................................................................................
* ضمبازا- طبل (بلغتنا)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا