الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داعش و أمور أخري

حسن خليل

2014 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


داعش و أمور أخري

تكمن المعضلة في تحليل أوضاع الثورات العربية من تعدد القوي الفاعلة فيها من ناحية و من عدم نضجها من ناحية أخري . فعلي سبيل المثال لا يري البعض في الثورة المصرية سوي التدخل الإمبريالي عبر الإخوان و النشطاء الخ بينما يري الآخرين أن هذا ما هو سوي نظرية المؤامرة صيغت لصالح الطبقة الحاكمة - أو طرف ما - و بينما يري البعض أن ما يجري في العراق هو صراع مصالح دولية - أمريكا الخليج سوريا روسيا إيران الخ - يري الأخرين أن هذا ليس أكثر من دعم لسلطة المالكي الطائفية . كل من الانتفاضات و الثورات العربية ساهمت فيها - مع أو ضد - عديد من القوي قوي محلية و إقليمية بمستويات مختلفة . و علاوة علي ذلك فهذه القوي لم يتبلور وضعها بعد من الطبقة العاملة المصرية التي مازالت بلا تمثيل سياسي مقنع لها الي الطبقات الحاكمة التي تتصارع - عساكر إخوان رجال أعمال الخ - بل حتي القوي الإقليمية و العالمية لم تستقر بعد علي شكل واضح لموازين القوي بينها بعد التراجع الأمريكي و صعود قوي عظمي صغري - روسيا الصين خصوصا - الوضع يتميز بالضبابية بسبب أن العالم ككل يمر بمرحلة تحول كبري تنعكس في واقع كل دولة و في العلاقات الدولية بل أن "الدولة" بحد ذاتها أصبحت موضع سؤال . دور المحلل هنا أن يرصد هذه اللحظة من موازين القوي المختلفة و أن يشير لكيفية أدارة الصراع لصالح الشعب
و ينطبق هذا التعميم علي مصر كما ينطبق أكثر علي العراق بتنوعه القومي و الديني و المذهبي و تاريخه الحافل و الاحتلال الأمريكي و موضعه الجغرافي المتميز فمن أين نبدأ؟
هناك حدثين علي قدر كبير من الأهمية أولهما الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 و ثانيهما الأزمة المالية العالمية عام 2008 . فالحدث الأول – الاحتلال – و ما سبقه من حصار دمر الأساس المادي لدولة العراق – الطرق و الكباري و محطات الكهرباء الخ – ثم أكملها بتدمير الجيش و تأسيس الطائفية دستوريا.و بالتالي تحول الصراع الاجتماعي لصراع طائفي و قومي رجعي في مجمله . و الحدث الثاني – الأزمة الاقتصادية العالمية – كشف عن حجم الإفقار و التهميش الموسع الذي مارسته المراكز الاحتكارية ضد الأطراف و بالتالي خلخلة البنيان الاجتماعي القادر علي صناعة تغيير تقدمي في عدد كبير من الدول. و الحدثين معا أوضحا تراجع الولايات المتحدة من وضعية القوي العظمي الوحيدة ذات التفوق المطلق الذي تمتعت به عقب أنهيار الاتحاد السوفييتي إلي وضعية القوة العظمي التي تكافح لإنقاذ أمبراطوريتها من القوي العظمي الصغري الصاعدة . هذا الكفاح أو بالأحرى تأكيد الهيمنة العالمية هو ما أملي علي الولايات المتحدة عزو العراق. لكن رهانها هذا خسر بشكل واضح. و في المقابل صعد الوزن النسبي لإيران في المنطقة.

الطائفية
المجتمعات القديمة طائفية بطبيعتها مثل مصر و العراق في القرن 19 و ما سبقه و مع تقدمها للحداثة و التصنيع و التنمية تفقد هذه الطائفية أما بشكل ثوري أو بشكل تدريجي حسب الحالة. و المجتمعات التي خاضت معارك و ثورات و انتفاضات من أجل التحرر الوطني وجدت فرصة للتخلص من الطائفية مثلما حدث في مصر و العراق و سوريا. ليس كهذا الحال في لبنان حيث لم تجري فيه عملية اجتماعية واسعة للتحرر الوطني و كان طائفيا منذ البدء برعاية فرنسية.و المجتمع العراقي المتعدد دينيا و قوميا و متعدد الروافد الحضارية كان قد نجح مع صعود التحرر الوطني في التخلص من كثير من الطائفية خاصة و هو مجتمع أفرز حياة ثقافية نشطة و هو بذلك تجاوز المنجز المصري بهذا الخصوص فمصر لا تتمتع بمثل هذا التنوع الهائل. و لكن مع هزيمة التحرر الوطني بقيادته البرجوازية عادت الطائفية مرة أخري لتطل بوجهها و غالبا برعاية هذه البرجوازية التي رأت فيها سبيلا لحرف التطلع الشعبي لإعادة توزيع الثروة و السلطة.و ترافق مع استعادة الطائفية و الرجعية التحول إلي أقتصاد ريعي غير منتج قدم الأساس المادي لهذه الطائفية و بني عليها. ريعية الاقتصاد هي التجلي المحلي – في منطقتنا – للسياسات النيوليبرالية التي أفضت للأزمة العالمية. و ريعية الاقتصاد هي أيضا التي فتحت أوسع الأبواب للفساد و راسمالية المحاسيب. و مع الطائفية تأتي المناطقية و العشائرية و العنف ضد النساء و كل مفردات المجتمع القديم.فلم يخلق المستعمر الأمريكي الطائفية من العدم بل أن نظام صدام هو من أستعادها من مزابل التاريخ الاستعمار الأمريكي فقط جسدها كدستور و جعلها أساسا للحكم. و الطائفية و معاداة الحداثة و التحلل الاجتماعي و التشجيع المباشر من البرجوازية التي تبحث عن أي وسيلة لإطالة حكمها أنتجت أيضا الاتجاهات الأكثر رجعية الإسلامية من الإخوان لداعش. لكن العراق ليس كمصر العراق لديه بترول! .

نظرية المؤامرة
وسط حالة الميوعة و الضبابية تسود نظرية المؤامرة التي تحاول تفسير الواقع بقوي غامضة قادرة علي القيام بالمعجزات . و في كل مرة فأنها تبحث عن غاية تبني عليها فالغائية قرين نظرية المؤامرة . فهناك من يري داعش كصنيعة سعودية و صنيعة إيرانية و حتي ناتج للمخابرات السورية الخ .و لا شك أن مؤامرات عديدة – ربما نعلم بعضها و لا نعلم كثير منها – جرت و تجري كل يوم . لكنها لا تقدم تفسيرا للواقع بل علي العكس التحلل الاجتماعي هو الذي يقدم المساحة الضرورية للمؤامرات جميعا. الدولة – كما يقول لينين – جهاز للقهر الطبقي . جهاز نشاء فوق المجتمع و هيمن عليه و يسعى لالتهامه. لكن هذا الجهاز لا يعمل دون رضا قسم مهم من السكان خصوصا من الطبقة الوسطي – مركز الحيوية السياسية – فحينما يدمر هذا الجهاز المجتمع نفسه تدميرا فأنه في نفس الوقت يدمر الأساس الذي ينهض عليه حينما تفقد الدولة رضا قسم مهم من السكان يصبح جهاز الدولة أقل فاعلية بل يصبح هو نفسه متحللا مثل المجتمع . فالتحلل الاجتماعي و التهميش و الإفقار الذي يفرضه هذا الجهاز علي المجتمع لصالح فئة صغيرة من اللصوص و المنتفعين يعود كي ينتقم منه فيتحلل ذات الجهاز الذي فرض التحلل علي المجتمع. و هذه الظاهرة نراها في العراق و مصر و سوريا كل يوم . فهل كانت الموصل حرة قبل احتلال داعش لها ؟ بل هل بغداد ذاتها أو القاهرة هي مكان "طبيعي" للاجتماع البشري في هذا العصر؟ هل هناك "قانون" – كتجسيد لسلطة الدولة - نافذ في هذه البلدان بعيدا عن الدائرة المحدودة لأصحاب النفوذ و السلطة؟ تحلل جهاز الدولة يسمح بنشوء أجهزة جديدة طبقا لنظرية الأواني المستقرطة . ففي كل حي مهمش هناك سلطة جديدة صغيرة تنشأ علي أنقاض جهاز الدولة المتفكك . فالتفكيك ليس فعل إمبريالي خالص و أنما واقع اجتماعي أساسا. و الدور الإمبريالي هنا هو الاستفادة من هذا التفكك الأصيل و تعزيزه لصالح الهيمنة و هكذا القوي الإقليمية – السعودية و قطر و تركيا و إيران الخ – و هذا التفكك هو الذي يقدم الخلفية الضرورية للمؤامرات الفعلية و يسمح بنجاحها.
و لا يوازي مثالية نظرية المؤامرة سوي مثالية الخطاب الحقوقي الذي يرفض قرأة الواقع و يكتفي بقرأة الكتب و النصوص القانونية و الدستورية و هذا الخطاب يقدم فقط أرضاء لأصحابه و يعتبر أن هناك واقع مثالي قائم طالما هكذا هي المواثيق . و مرة أخري لا شك أن تجاوز واقع التفكيك يعنى العودة للقانون و سلطة مقبولة اجتماعيا لكن هذه عملية اجتماعية كبري يعاد فيها صياغة التركيب الاجتماعي و توزيع السلطة و الثروة و كذلك القانون نفسه.

من أحتل الموصل؟
كان أحتلال الموصل و هرب القوات الرسمية و تقدم البشمرجة لكركوك حدثا هائلا هز العراق و كل دول المنطقة . و قيل أن تنظيم داعش هو من أحتل الموصل و قيل أن فلول حزب البعث أو ثوار العشائر . و قرأ البعض واقعة الاحتلال نفسها كهجوم من أشد القوي رجعية و تخلفا علي نظام المالكي الطائفي بينما قرأها آخرين باعتبارها ثورة شعبية مسلحة ضد نفس النظام و أستمرار لاعتصامات العام الماضي . و يبدو لي أن هذا التباين هو تجسيد للحالة الضبابية المائعة التي تناولناها في مقدمة هذا المقال. و علي مستوي أخر نجد هذا الاختلاف في الرؤية نفسه يمتد للثورة السورية ما بين أنها مؤامرة إقليميه و عالمية لتدمير الدولة السورية و بين أنها أنتفاضة شعب ضد استبداد نظام الأسد . و علي مستوي أقل كثيرا كان أنتصار مرسي في انتخاب الرئاسة المصرية الأولى لدى البعض يمثل أنتصارا للثورة و في المقابل رأي فيها آخرين أنتصارا للمؤامرة الأمريكية الرجعية لإجهاض الثورة المصرية.
النظم الاستبدادية – صدام بشار مبارك – لم تقمع فحسب الحركة المستقلة لشعوبها و لكنها أيضا أنضجت قوي أشد رجعية منها مثل الإخوان و الطائفيين من الشيعة و القوميين الرجعيين من الأكراد الخ. و حينما جاء الوقت كي تنتفض الشعوب ضد الاستبداد و الإفقار لم تكن هناك قوي جاهزة لاستلام السلطة – أو السعي لذلك – سوي قوي أشد رجعية و ظلامية و استبدادا. و قامت القوي الإقليمية – قطر السعودية تركيا إيران و العالمية خصوصا الولايات المتحدة بتدعيم هذه القوي بهدف استمرار الهيمنة العالمية .و بالنسبة للعراق فأن الاحتلال الأمريكي مثل تحولا كيفيا فمن ناحية حطم البناء المادي للدولة و من ناحية بني نظاما سياسيا طائفيا . و أدي أشتداد حدة الصراع في سوريا و العراق إلي مذيد من التطرف وسط القوي الظلامية . معضلة الشعوب العربية هي غياب طرف شعبي يمثل برنامجا وطني ديمقراطي حداثي.
فاحتلال الموصل إذن يأتي علي خلفية الرفض الشعبي لنظام المالكي الطائفي وريث الاحتلال الأمريكي و بدون هذه الخلفية لم يكن من الممكن أن يحدث أن يجري ما جري . و هو أيضا يجري علي خلفية تنامي القوي الطائفية الرجعية التي تتمتع بدعم إقليمي و عالمي. و التداعي العالمي لمواجهه داعش و غيرها ليس أكثر من تعبيرا عن أن هذه القوي نفسها وجدت أمامها الوحش الذي خلقته و شعرت بالرعب منه فهي تريد طائفية تمكنها من الهيمنة و ليس طائفية تحرق الأخضر و اليابس لكن الطائفية و الظلامية طالما انطلقت فلابد لها من التواصل لتصل لهذه الوضعية الجنونية التي تمثلها داعش و غيرها من التنظيمات الظلامية.

أين يقف اليسار؟
السؤال هنا أمام اليسار بتلاوينه المختلفة إزاء هذه الصورة المعقدة و المتحولة في كل لحظة ما العمل؟ هناك التوجه التطهري و الذي يقول كلهم طائفيين كلهم رجعيين و لذا فكل ما علينا أن نقوم به هو أن ندعو السكان المحليين للدفاع عن مناطقهم و رفض كل القائم . و هناك من يري أن نتعاون مع داعش – باعتبارها ثورة شعبية – أو محاربة داعش باعتبارها قوي ظلامية رجعية طائفية و أن هزيمة الإرهاب يجب أن تأخذ الأولوية الأولي.
و لاشك أن الدعوة لبناء لجان محلية من أجل دفاع السكان عن أنفسهم ضد كل القوي الرجعية أمر جيد في حد ذاته لكن كي يكون هذا ممكنا يجب علي اليسار أن يقدم رؤية من وجهه نظر الطبقات الشعبية لما يجري فكيف يمكن بناء تنظيم جماهيري دون رؤية سياسية طبقية واضحة تشكل العمود الفقري لها و تقدم إجابة علي الأسئلة الملحة؟
و لا شك أيضا أن أي موقف لا يأخذ في الاعتبار أنتفاضة غرب العراق – السنة – بعين الاعتبار يعني التحالف الموضوعي مع القوي الرجعية الطائفية في بغداد و طهران و بالتالي يعنى أنه لا أمل في نجاح هذه السياسية مطلقا.
فأين نري الضوء وسط هذا الضباب و السيولة وسط الرجعية و الظلامية التي بلغت حدها الأقصى؟ أن فشل النظام الاستبدادي الطائفي في الحفاظ علي الكيان الاجتماعي و اهداره لحياة مئات الآلاف و تشريده للملايين هو أكبر دعوة لبناء نظام جديد علماني و شعبي و متحرر . و كما شغلت المنظمات الارهابية مواقع الدولة القديمة فأن هذا يعنى أن قوي التقدم و الديمقراطية يمكنها أيضا أن تفعل نفس الشيء. غير أنها علي العكس من القوي الإرهابية لم تنضج ضمن المجتمع القديم المنهار بل كان هذا الانهيار علي حسابها دائما. و بالتالي لا توجد كتلة من السكان منحازة للديمقراطية و العلمانية و إعادة توزيع السلطة و الثروة لصالح الطبقات الشعبية. و هنا يجب أن نركز – كيسار – إعادة بناء بديلا اجتماعيا شعبيا . مثل هذه العملية هي عملية تاريخية و اجتماعية واسعة لن تنجز في يوم و ليلة . لكن علينا أن نبدأ ببرنامج شعبي ديموقراطي يجمع أوسع القوي الديمقراطي و اليسارية و يكون أساسا للجان المحلية و بديلا عن الحياة السياسية الطائفية السائدة.
حسن خليل
5 يوليو 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة على النشرة الخاصة حول المراسم الرسمية لإيقاد شعلة أولمب


.. إسرائيل تتعهد بالرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق وسط دعوا




.. بتشريعين منفصلين.. مباحثات أميركية لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل


.. لماذا لا يغير هشام ماجد من مظهره الخارجي في أعمالة الفنية؟#ك




.. خارجية الأردن تستدعي السفير الإيراني للاحتجاج على تصريحات تش