الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جرافيتى

ماهر طلبه
(Maher Tolba)

2014 / 7 / 8
الادب والفن


جرافيتي
حين شعر أن النهاية على الأبواب، قرر أن يترك للتاريخ تفاصيل حياته، لأنه ظل مصرا على أنه من أهم شخصيات التاريخ لولا ما حدث..
ولد في بيت عادى لم يكن به إلا نافذة واحدة تطل على شارع ضيق جدا بالكاد كان يستطيع - حين كبر- أن يعبره بالنظر ليسقط على صدر بنت الجيران - طائر جارح- والتي أبدا لم تراه رغم قرب المسافة.
كانت مدرسته الأولى قريبة من بيته، في يومه الدراسى الأول تعرف على صديقه الأول، كانا يشتركان في خصال كثيرة، المريلة التى بالكاد تخفى الجسد، الحذاء الذى تعبره الأصابع بلا خجل، والدموع التي ترفض ترك حضن الأم، جاءت جلسته بجانبه كأن القدر كان يعدهما لذلك الأمر الهام الذى حدث، لكنه في حينها لم ينتبه، رغم ذكائه المتقد وعبقريته التى تفجرت – هكذا ظل عمره كله يعتقد- منذ اليوم الأسود الذى انفصل فيه عن حبل أمه السري، وجد على وجهه نفس الدموع فشاركه بأن جعل صوته مصاحبا لدموعه، وانتصر الاثنان على المدرسة -أو هكذا اعتقدا- فذهبا إلى البيت عند انتهاء اليوم الدراسى.
لا تحمل الذاكرة حوادث كثيرة في تلك المرحلة.. فقط.. صفعة على الوجه من مدرس كرد فعل على إجابة خاطئة، عصا أو اثنتان وربما ثلاثة من مدرس لتأخره عن بداية اليوم الدراسى، "تزنيب " من ناظر لأنه لم يسدد المصروفات، ولم يحصل في الوقت المناسب على شهادة الفقر، وضحكات مصحوبة بسخرية مُرة من الأصدقاء لأنه بال على نفسه في حصة الدين، حين عجز عن تسميع آيات من الذكر الحكيم، تفنن يومها مدرس الدين في اظهار عذاب رب العالمين.. ولعنات كانت تتخبط في حوائط الفصل لتعود – دائما- تصطدم بوجهه حتى أنه حين غادر المرحلة الإبتدائية كانت قد غطت براءة الطفولة المرسومة على وجهه بعض الغرز والندبات التى لم تفارق وجهه وروحه حتى مات.. ويبقى فقط، أنه في هذه المرحلة لمحها صورة للبراءة فأحبها، وحكى عنها في ليله، وصار يغضب من نفسه ولنفسه كلما وجدها وهى التى تشاغله طوال الليل فى نومه تلاعب الأخرين وتهمله طوال النهار في يقظته، وفقط.. انسحبت من خياله فجأة وحل مكانها فراغ كبير.. قد تستغرب حين تعرف أنه حتى الآن يضحك من نفسه ويندم ويتمنى أن يتحقق المستحيل ويتعارفا من جديد.
اليوم الذى وقعت فيه الواقعة
لبعض الأيام رائحة خاصة.. يومه كان من هذه الأيام.. لم يحبه ولم يحب رائحته.. حين فتح عينيه كانت الشمس تغازله عبر النافذة الضيقة.. هو يرفض هذا النوع من الغزل لذلك اغلق النافذة وحاول أن يستعيد النوم.. لكنه يبدو كمن هرب من نافذته المفتوحة.. لذلك لم يجد بدا من أن يبدأ يومه.. لبعض الأيام رائحة خاصة.. لكنه في حينها لم يربط بين هذه الرائحة وما سوف يحدث... فقط بعدها بسنوات وهو يجالس الوحدة والخوف تذكر هذا اليوم وهذه الرائحة فأسف لأنه لم يكن يملك قدرة رؤية كتاب الغيب وصفحاته، ذلك الكتاب الذى ردد دائما اسمه مدرس الدين حين كان يمارس لعبته المفضلة في قرأته عليهم.. ليعلموا أى مصير أسود سيكون لهم في مستقبلهم البعيد.. فقط خرج من بيته كما اعتاد أن يفعل ألاف المرات.. سار في طريقه الذى يحفظه ويحفظه.. مر بكل من كان يمر بهم وبه من قبل.. الجديد فقط في هذه المرة.. هى أن الشوارع كانت مزدحمة بالسكينة.. هدوء لم يراه ولم يعتاده في الشوارع.. لكنه من كثرة ما قابل في حياته لم يتعجب وسار.. فجأة انتبه إلى ضجيج وأصوات صاخبة قادمة من بعيد.. ربما هو ضجيج الشارع المعتاد واشتباكاته المعتادة تعود إليه.. سار.. حتى وصل إليهم أو وصلوا إليه.. لم يحبهم يوما، ولم يطمئن قلبه لخطواتهم يوما.. لذلك كان دائما ما يترك لهم منتصف الطريق ويكتفى بالاحتماء بالحائط والتسلل هربا عبر شقوقه.. لكنه في يومه هذا لم يجد منفذا أو حائطا فتوقف والتفت خلفه.. كانت الشوارع ماتزال فارغة.. هل يعاود الرجوع؟.. هل يكتفي بهذا القدر من يومه ويغادره في انتظار غد آخر ويوم جديد؟.. لم يمهله القدر ليفكر.. فقد لمح الجانب الآخر وهو يمتلئ فجأة.. كأنهم هبطوا من السماء.. لم يكونوا ملائكة بثياب بيضاء وأجنحة، ولم يكن لهم سلوك وتصرفات الشياطين وعبثهم.. لكنهم تواجهوا.. كان هو الأقرب فحاول الفرار مما توقع حدوثه.. لكن المنفذ كان مغلقا والقدر يعد للأمر عدته.. لا مهرب لك اليوم.. لا مهرب لكم.. وبدأ الاشتباك.
يوم من تاريخ موازى
تذكر أنه لم يكن له أب ليعرفه.. أنه ربى في حضن أم لا تجد طعامهما بسهولة.. تذكر أنه حقق معه وهو بعد طفل.. وأنها اشارت إليه.. فلم يجد بدا وهو بعد الرضيع من أن يقول لهم.. لم افعل، ولكنى أحمل الأسف في داخلي شعلة أبدا لا تنطفئ.. ضُرب وسُحل وعُلق على صليب الأيام حتى نزف كرامته وكرامتها.. شرفه وشرفها.. لكنه في النهاية اوصلها إلى قبرها وصعد إلى سمائه حيث كان يظن الأمان.
الواقعة
كانت الفوضى.. كأنه يوم القيامة والكل يبحث عن النجاة.. لا منفذ لك.. لا منفذ لكم.. تصاف الفريقان.. هو المحايد بينهما.. تمنى فقط أن يغادر هذا الموقف سالما مسالما.. الحجر الأول فقط هوما لمحه.. قنبلة الدخان الأولى فقط هى ما رأها.. قادته خطواته العمياء إلى التخبط والوقوع أكثر من مرة.. وال
وصف سابق للحادث
"ويكون أن الهارب من صوت الرعب يسقط في الحفرة، والصاعد من وسط الحفرة يؤخذ بالفخ، لأن ميازيب من العلاء انفتحت، وأسس الأرض تزلزلت، انسحقت الأرض انسحاقا، تشققت الأرض تشققا، تزعزعت الأرض تزعزعا، ترنحت الأرض ترنحا كالسكران، وتدلدلت كالعرزال، وثقل عليها ذنبها فسقطت ولا تعود تقوم"*
عودة للواقعة
هناك عاوده حلم قديم، هى بفستانها الذى دائما ما حلم بها داخله، ضحكتها التى تفيض كالنهار فتدهن الدنيا وتبقيها ناصعة، خطواتها التى تدغدغ وجه الارض فتنشر البهجة في ارجائها.. رأها تمد له اليد، تشده، تدفعه بعيدا عن الغمام الزاحف، كانت قدرته على تحريك الجسد معدومة، رفعته على يديها وسارت، كانت رائحتها تملأ أنفه وتطرد روائح الغازات والدخان.. اسند رأسه على صدرها وانتشى.
يوم موازى
ارتطم وجهه بشئ ما.. كان هو يبكي.. تذكره وهو يقطع طريق الآلام مسحوق بالوحدة.. ليس الألم هو الوصف الصحيح، فليس هذا ألما، وليس هذا هو العذاب.. خُلعت ملابسه، مُزقت أمامه، ضربات السياط حولت الجلد لقطع من القماش مُزق أمامه، اللحم المفروم كأن سيارتهم مرت عليه.. سكاكينهم أخذت منه ما يمكن أن يكون طعاما لكلابهم، الصليب على كتفه أثقل من ذنوبه، السباب يتناثر كذباب حول طبق أصبح خاليا من الطعام، ليس الاسم مواكبا للوصف.. "كنت أتمنى أن ينتهى الطريق، لكنى أعلم أنه فى نهايته سيبدأ على الصليب عذابى الحقيقى وموتى الذى لا يأتى أبدا".
عودة للواقعة
رغم أنه لم يستطع أن يرفع الوجه لأعلى.. إلا أنه لمح القادم إليه يرفع عصاته ويهبط بها باتجاهه، لا يعرف لماذا ظهر أمامه الآن – فقط - بهذه المريلة التى بالكاد تخفى الجسد، الحذاء الذى تعبره الأصابع بلا خجل.. استعاد فجأة قدرته على الحركة.. فابعد الرأس عن العصا.. لكنها اصطدمت بذراعه فشعر كأن سكين قد قطعته، فصلته عن الجسد، وترنح تحت تأثير الضربة، فاصطدم من جديد بالأرض، هذه المرة لم ير وجه من ضربه من جديد.. ولم يحاول أن يرفع الرأس.. فقد غلبه ضعفه واستسلم للضربات.. فقط شعر أنه يقف من جديد أمام مدرس الدين، وأنه من جديد يستعيد سنوات تمنى أن لا يعيشها وأن تنتهى..
يوم موازى
بدأت المسامير في اختراق الجلد واللحم والعظام، وصلت حتى سمع دقاتها في الخشب، فقدت يده القدرة على الحركة، لم يعد الصليب سوى جزء لا ينفصل من الجسد المعلق.. الألم لا يمكن أن يكون هو الوصف الصحيح لما يشعر به.. إن جهنم تخرج من كف يده، من قدمه.. الشوك المرشوق فى الرأس يصرخ بصوت عالى، يرمى طبلة الأذن بألاف من الحجارة تنتقل كلها إلى عقلى كلمات..
عودة للواقعة
حين استعاد وعيه من جديد كان ملقى فوق القمامة.. وجهه مغطى بالدم، لم يعرف هل هو من اصابة فيه أم من الجثث التى تثقل على بدنه ويشعر بدفئها عليه، حاول أن يحرك جسده ونجح لكنه في محاولته اسقط العديد من الجثامين الساكنة فوقه... استطاع أن ينقلب على وجهه فلمح نصف سماء فقط وبعض الوجوه البعيدة تختفى خلفها تنظره وتشير له أن استعد للصعود.. هز رأسه، فتساقطت الوجوه واستعاد جزءا جديدا من الوعى مصحوبا بجزء جديد من القدرة على الحركة وجزء محدود من الألم.. حاول الجلوس لكنه فشل.. هذه المرة تفجر الألم من جسده.. شعر بالعظام تغوص في لحمه.. فتوقف عن المحاولة، وعاد من جديد إلى غيبوبته.
يوم موازى
نظر إلى من يجاوره على الصليب.. لصان جريمتهما قادتهما إلى هذا المصير، أما هو فقد كان ما كتب عليه هو ماقاده إلى صليبه.. لذلك حين اشار أحدهما باتجاهه وطالبه بالفعل صمت.. "هو في الأعلى يرى ويسمع ويُقدر ويعرف متى يكون الفعل.. أما أنا فمجرد حجر ألقى به على الأرض ولا يستطيع الارتفاع إلا باختلال القانون".. صرخ فيه.. أنْ افعل.. لكنه للحظة ظن أنه مثله معلق هو الآخر على صليب كتابه المكتوب، وأنه لا مهرب لهُ ولا مهرب لى.. فاستسلم للقدر وصرخ فأتى ليل اشد سواد من ليل صاحبه الملقى فوق القمامة.
عودة إلى الواقعة
حين فتح عينيه هذه المرة لم ير.. كان الهدوء من حوله يسود.. الهواء له رائحة مختلفة، وطعم مختلف.. حاول تحريك يده.. فشل.. شعر أنه معلق على صليب.. اخرج صوته صارخا.. انتبه من حوله للصوت المبحوح.. مد يده – شخص ما – إلى يده... مسدها بهدوء.. واقترب من أذنه التى مازالت مغلقة بالحجارة.. "حمد الله على سلامتك"..
*- اشعيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا


.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه




.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة