الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة نقدية حول مسرحية الكترا

عقيدي امحمد

2005 / 8 / 2
الادب والفن


الجانب العسير في دراسة المسرح اليوناني القديم ،اننا ونحن نتابع احدى المسرحيات لانكاد نفرغ من بحث قضية حتى تطرح نفسها للبحث قضية اخرى قد لاتتصل بالقضية السابقة اتصالا وثيقا ، بل قد تتقابل او تتعارض معها احيانا، والسبب في ذالك هو أن طبيعة البحث في الدرما الاغريقية القديمة مزدوج. من احدى الزوايا بازدواج الشكل بين الشعر والدرما وما لكل منهما من قضايا متفردة .
فنجد مثلا مسرحية الكترا لاتبدا ببداية القضية ، ولكنه تبدا من المنتصف لتصور الحالة الكائنة ثم تسترجع الاحداث الماضية في شكل روائي حتى تصل الى حاضر القصة ثم تتطور مع تتطلبه الخاتمة من احداث وبهذا تتحقق الواحدات الثلاث ، الزمان ، والمكان ، والموضوع .
وتعد مسرحية الكترا واحدة من المسرحيات الترجيديا اليونانية المروعة حيث تستطيع بفطنتها وزكائها تساعد اخاها اورست في الانتقام من امها وزوجها اجيست ، ونظرا لجمال فكرتها وموضوعها ، فضل طلبة السنة الرابعة تمثيل بالمعهد العالي للفنون الدرمية برج الكيفان الجزائر ، ان يجعلوا منها مذكرة تخرجهم لنيل شهادة الدراسات العليا في الفنون المسرحية ، حيث تقاسم ادورها كل من ناصر شنوف في دور اورست ، وخلادي حجلة في دور الكترا ، وصبرة نسرين بلحاج في دورقلوطمنستره ، وفاطمة الشيخ في دورخروسثميس ، وثامر علي في دور ايجيست ، وقوادري هبازعبد الرزاق في دور المربي ، وعسول فضيل ، وبلقاسم كعوان في الجوقة ، ومحمد في دور بلاد . وهذا تحت اشرف الاستاذ خودي احمد بمساعدة عباس محمد اسلام ، وقام باعداد السينوغرافيا الاستاذ زعبوبي عبد الرحمان ، والتوزيع الموسيقي مجيد منصوري .
وعندما كان الصمت يخيم قاعة العروض بالمعهد العالي للفنون المسرحية لاكتشاف هذه المعادلة الفلسفية ،لتشتعل اضواء البرجكتورات ،وتتعالى اصوات الموسيقى الصاخبة ، يخرج المربي متسلل ليتبعه اوريست ورائده بيلاد ، ليروي الى اوريست عن حال بلاده مناديا أياه ، (( يابن اجاممنون الرئيس الذي تولى قيادة جيوشنا امام طروادة في وسعك الان أن تشاهد هذه الامكان التي كنت دئما تتمنها ، هاهي ذي بلاد ارجوس التي كنت تحن اليها.))
ـــ مع العلم ان احداث هذه الحلقة من هذه المأساة المروعة تحدث بعد قتل اجاممنون بعشر سنوات اخرى ، وذالك حينما يعود الفتى اوريست ابن الملك اجاممنون والملكة كلوطمنستره ، واخوا الكترا ، من منفاه وفي صحبته رائده بيلاد . ويكون اوريست الان قد أصبح رجلا قويا وفي استطاعته الثأر لابيه من امه ومن عشيقها اللذين نفياه اطا هو طفل صغير، وهذا حتى لايعكر عليهما صفوا غرمهما بوجوده بالقرب منهما ، وعند عودته يوجد أخته الكترا عند مقبرة ابيه قبيل الشروق ارسلتها امها لتضع قربانا على قبر اجاممنون تهدئة لروحه لانها رات في المنام أنها تلد ثعبانا لاتكاد تضعه حتى يلدغها فتموت.. وهي لهذا تنهض مفزوعة من نومها ، فتوقظ ابنتها لتذهب الى قبر ابيها كي تضع على قبره هذا القربان للأنها تؤول هذا الثعبان بانه اوريست .ــــ
ويحضرالمربي الى القصر في ثياب رسول جاء الى الملكة بنبأ هام من عند اوريست ، وعندما يجد الملكة يخبرها أن ابنها قد توفي فتحزن أشد الحزن ، لتخبر هي ايضا الحارسين بالرسولين ، وتدخل الى مخدعها اين تقتل ، وعندما يسمع ايجست خبر وفاة اوريست الذي لم يكن شبحه يغيب عن عينه لحظة ، خوفا منه ورهبة .. حتى يضربه اوريست بضربة تسرع بروحه .
كان هذا هو المفهوم الدرامي لمسرحية الكترا أما من الناحية الاخراجية فقد اضفى عليها الاستاذ القدير خودي أحمد بعض الجمالايات ، الشيقة والرئعة والتي جعلت المتفرج في حيرة من أمره لأنه طرحه الى الجمهور بشكل عصري متميز يوحي الى الغرابة ، وهذا مساعده عليه الطلبة، لأنهم تقمصوا الدور على حسب مارسمه لهم ، وعلى هذا الاساس استاطع المخرج مع طاقم المسرحية للوصول الى الشى المراد الوصول اليه ، والشى الملفت الى الانتباه هو الجوقة والتي كانت توحي الى العقل الحكيم والرصانة والتي كانت كلما كانت تحاول الكترا الخروج على رشدها . تحاول أن تملأ قلبها بالنصيحة والكلام الجميل وعلى خشبة المسرح عندما كانت تجول الجوقة من الشمال الى الجنوب والعكس ، زكان احسن مشهد من ذالك هو عندما دخلت خروسثميس الى الكترا وقالت لها انها رات أبها ظهر امامها ، وانه غرزفي بيتنا الصولجان الذي كان يحمله في الماضي ، قبل أن ياخذه ايجست، ومن هذا الصولجان انبثق غصن مزدهر ، قادر على أن يغطي بمفرده بواسطة ظله أرض موقنا.
وتخبرها الكترا بان لاتقدم الى القبر شيا مما تحمله لأنه ليس من العدل ولامن المـشروع أن تقدم قرابين باسم اشد الاعدء ، وتتدخل الجوقة وتقول لها (( بأن هــذا الرأي صـحيح ، وذا كنــت علـى صـواب لابـد عــلــيك ان تفعلي به.)) وعندما تبدا الكترا في العويل والبكاء وبين الحين والاخرى تحاول الجوقة طمأنتها واعدتها الى رشدها ، دعينها في نفس الوقت الى الكف عن العويل والبكاء ، لتعود اليها اختها خروسثميس والفرحة والسرور بادية على وجهها لتخبرها بعودة اوريست. وهذا مالاتصدقه الكترا ، ولتأكد من ذالك يحثها لنظر الى خاتم ابيه ، حتى تتأكد جيدا من شخصيته لتقول الكتر(( ايه ياجمل الايام ..... ايه ايه الصوت الحبيب ....... لقد جئت الي .... ها أنت الان بين زراعي . )) وتمسكه وتضمه الى صدرها. وتقول بأعلى صوتها (( ايتها النسوة العزيزات ، يا نساء مدينتي ، انظرن الى اورست هذا الذي أوهم الخذاع أنه مات ، لكن الخداع أنقذه اليوم ، ليقول لها اوريست نعم ها انا ذا لكن اسكتي حتى لايسمعنا احد خلف هذه الجدران ، لينصرف من القصر صحبة رائده بلاد وبطريقة ذاكية الى الغاية يقتلون الام في مخدعها ، وعندما يدخل ايجست القصر فرحا مسرورا يسأل الكترا عن الجماعة التي اعلنت عن موت اوريست ، يوجههونه الى مخدعها وعندما يرفع الستار يكتشف انها ميت ويتراجع الى الورا خائفا مرتبكا سائل اوريست هل ممكن ان يشهد هطا القصر سلسلة من الاموات الجديدة يجبه اوريست بنعم هوموتك ، وانا الذي سأضيفه ، لتتعلى موسيقى الحزن صاخبة ليعلن اوريست عن موته ، وتحت اضاءت برجكتورات خافتة يسدل الستار ومن خلال هذا استطعنا الوصول اكثر الى شخصيات المسرحية .
شخصية الكترا : كانت ذات إرادة قوية أثناء المحن والمصائب التي تحيط ، وتقف صامدة امام الظالمين وهي تعيش من أجل فكرة واحدة هي الانتقام لقتل أبيها الذي غررت به زوجته قلوطومنستر ، بالتواطؤ مع مغتصب ، ولكون الكترا لاحول لها ولاقوة لكنها زعزت نفس القاتل ابيها وزرعت فيه القلق وهذا يدل أن صاحب القضية العادلة ، مهما يكن ضعيف الوسائل فلا بد من الفوز في النهاية وعكس شخصية الكترا في المسرحية هي خروسوثميس أخت الكترا فهيي تتصف بضعف الارادة والجبن وعدم الاستعداد لتحمل المسؤلية ، والياس من إمكان التغلب على الاقوياء والاستسلام بسهولة .
أما شخصية قلوطومنستر : أنها المراة التي من اجل المصلحة تقوم بكل الاشياء ، وحتى إن كان القتل ، وهذا ماجعلها ترتكب جريمة القتل ضد زوجها من اجل السلطة مع عشيقها اييجست ، ونستشف هذا عندما أخبرها المربي بالخبر الكاذب عن موت ابنها في سباق العربات ، وهـذا خوفا من الانتقام حيث أنها سلمته مكافئة على الخبر المفتوح لها ، رغم انها لاتستطيع الدفاع عن جريمتها الكبرى بقتل زوجها بأن تزعم أنها انتقمت منه لأنه ذبح ابنته قربانا للاله الذي طلب بذالك مقابل أن يجعل الريح المضادة لسفر الحملة ضد ه بزعامة اجاممنون ، تهداء ولاتعترض هذا السفر .
اما شريكها في قتل اجاممنون ايجست على الرغم أنه ظهر في المشهد الاخير حتى يتلقى الموت ، وذالك حين علم بنباء مصرع اورست ، راح يتأكد من صحة هذا النباء بحرص بالغ فسأله الكورس أولا ثم تكلم مع الكترا يخشونه توحي في الوقت نفسه عن فرحة الشديد بهذا الخبرواجابته الكترا ،على أسئلته بالواقعة بعبارات تهديد لم يفهمها إيجست جيدا .
بل تصور أنه سيجد في القصر ليس فقط الجماعة التي جاءت بنباء مصرع اورست بل وجد الدليل القاطع على صحة هذا النباء وأعمته الفرحة بهذا النباء الى حد أنه أمر بفتح الابواب ، لعرض جثة اورست على الملأ من اهل موقنا ، ليشهدوا بأعينهم مصرعه وفتحت الابواب ، وشوهدت جثة دامية ومغطاة بغطاء يحجبها لكنها كانت زوجته ، وهناك كانت الصدمة التي تلقاها لأنها لم تكن جثت اوريست .
وتعد شخصية خروسوثميس شخصية توحي بالضعف المقرون بالاخلاص العاجز ، فهي لاتريد أن تشارك أختها فيما توحي إليه من خطة للانتقام من قاتلي أبيها ، لكنها في الوقت نفسه تتمنى أن يعود اورست ليتولى هذا الانتقام ، والمنظر الوحيد الذي تتجلى فيه هو حين تاتي لتوافي الكتر بنبا عودة اوريست استنتاجا من مشاهدة واقعة هي أنها وجدت على قبر اجاممنون خصلة شعر لابد ، أنها من شعر اورست فمن عسى ان يقدم هذه الخصلة قربانا على قبر اجاممنون ، إن لم يكن اورست هو نفسه ومن هنا تصورت أنه موجود في هذه النواحي وراحت تحاول إقناع الكترا بذالك لكن الكترا الواعية لاتستطيع تصديق هذا الاستنتاج وتقف أختها على هذا الوهم قائلة لقد مات ايها البائسة وأنا أعلم ذالك من الرجل الذي شاهده يموت ان هذا الرسول موجود في القصر حيث تستقبله امنا فلم تملك خروسوثميس الا البكاء على خشية امها هذه في عودة اوريست ، وهذاالمنظر هو الوحيد الذي تلعب فيه خروسوثميس دورا بارزا ومؤثرا معا. وتاتي بعد هذا شخصية .
المربي : فقد ادى مهمته بمهارة وجدارة إذا ادعى أنه جاء من فوقس بنبأ لهم ، وهو مصرع اورست في سباق للعربات وكانت هذه الرسالة الكاذبة جزءا من المؤمرة التي دبرها اورست للمجئ الى موقانا خفية ومتنكرا ليقتل قلوطومنستر ، وايجست ثم يظهر هذا المربي ثانيا في تنفيذ مؤامرة الانتقام فيقوم بدوره الجاسوس على قلوطومنسترا ودور المرشد لأورست والمتستر عليه .
وصوفكل همل الحلقة الثالثة من مأساة اسخيلوس وهي الحلقة التي اتخذها وسيلة لمهاجمة المعتقدات الدينيية الاسطورية التي كان يدين بها مواطنوه .....إن صوفكل يهمل تلك الحلقة ، لأنه لم يكن فيلسوفا ولارجلاصلاح ديني كما كان أستاذه ..... بل كان شاعرا فنانا .. لايعرف من الانسان الامشاعره .وقلبه . ولامن الفن الا الناحية الجمالية فيه ، وهو لهذا لم يكن له شأن بالدين صلح أو فسد ، مادامت أمامه ثورة عاطفية تصلح للشعر وللفن ، ونحن نرى الكترا في مأساة سوفكل تبرز الى المقدممة بينما الذي يبرز الى المقدمة عند اسخيلوس هو أخوها اورست وعلى هذا تعد الكترا بطلة مأساة بهذا الاسم لكل من الشعراء الثلاثة ، لاتقتل المرأة في القرن الخامس قبل الميلاد وانما هي بطلة يلعب الخيال دورا كبير في استرجاع تصويرها على النحو القديم حين صورتها الاساطير ، وكذالك الحال مع (( انتيجونا )) و (( مديا )) و (( أندروماخي )) و (( هيكايا )) و (( أفيجينا وهيلينا )) و(( اندروميدا )) كل هؤلاء كن بطلات لمسرحية عرضت في القرن الخامس ق م وكلهن لايمثلن عصرهن ، وكذالك كان (( اوربيدس )) لايمثل الملك في ذالك العصر ، وكذالك كان (( اجاممنون )) و (( أياس )) و (( كريون )) وغيرهم . إن الجماعة تسعى الى مشاهدة سرائرها وتتلذذ عندم تشهد صراعا كابدته يعرض أمامها .. تريد أن يصور لها العمل واقعها الذي تحياه ، وعند صوفكل تنبسط الرؤى فيهدا العقل وتتمركز العاطفة فيخفق القلب ، فإذا أرادى أن يغوص الى أعماق الروح أو أن يتغلغل بين طيات النفس ثم يصعد الى السطح حاملا ما فيها من عواطف ارتقى سلم الشعر بموسيقاه الرزينة الهادئة وهذا عكس يوربيدس الذي ترجع عظمته اساسا الى الطريقة التي يرسم بها من خلال التمثيل الحي للاشخاص ، حقيقة الروح وتجربتها الدينية بحيث تغدو الشخصية في ذاتها صفرا الى جانب تمثيل روحها ، وهذه ميزة يشرك فيها معه زميلاه والشعر في يده أداة يضفى على تجربة الروح الدينية مزيدا من العمق وقوة التأثير .
لنقول في الاخير بأن ظاهرة الاتقان في المسرحية أبرزت فيها طاقة المخرج خودي أحمد في الامساك بخيوط الحدث الدرمي وبالتالي ايقاعه ، فكان أثر العصر واضحا في السيطرة على الزمن الممتد عبر مشاهد سريعة دارت في اكثر من مكان ، واستطاعت لعبة الايقاع المتواترة والمتوترة أن تنقلنا من مكان الى أخر على خشبة المسرح المسطحة ، فلم يتغير فيها سوى النور في حزمه وبقعه المتنقلة ، ومهما كان اختلاف الرأي في أستخدام المناظر الثابثة ، فإنها أستطاعت أن تلج بالمشاهد الى عالم الاساطير اليونانية ، وقد ساهم الاتقان في تقديم الممثلين المتمدرسين في البرهنة على الفكرة واداء الحوار بسلاسة تتماشى على حسب الايقاع المرسوم لها .
وعند هذا الحد تكون قد مرت قرون عديدة على مسرحية الكترا ومازالت إلى حد الساعة مجتمعات بأسرها تتجاهل بأستعلاء نزعة الطبيعة وجحد الانسان لذا حافظ المخرج على الاسلوب الذي يعبر عن الحداثة المتفجرة في مسيرة الانسانية لتأكد قيمة الفن في رفع لواء التعبير عن أمواج الحياة المتلاطمة وعلى هذا الاساس يستحق المخرج خودي احمد تحية خاصة مع طلبته وكذالك المعهد العالي للفنون المسرحية برج الكيفان على نشر الديناميكية في جسد المسرح الجزائري ، واعطائنا فرصة لتطلع على خبايا المسرح اليوناني ، ودفعنا من جديد الى التفكير في متابعة المسيرة المسرحية رغم العوائق التي تعترضها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا


.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني




.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع