الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفارقة تاريخية بين الداخلية والمالية في مصر

إلهامي الميرغني

2014 / 7 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


مفارقة تاريخية بين الداخلية والمالية في مصر
تمتد الجذور التاريخية للنظام الوزاري في مصر إلي سنة 1805 عند أنشاء والى مصر ( محمد على باشا ) ديوان أطلق عليه ديوان الوالي وجعل اختصاصه ( ضبط المدينة " أي العاصمة " وربطها والفصل في المشاكل بين الأهالي والأجانب على السواء ) .
اهتم محمد على بمالية الدولة وتنظيمها بناء على مشورة مستشاريه من الأجانب حتى يتسنى له الحصول على الأموال اللازمة في سبيل خلق مملكه له ولأسرته من بعده ومن ثم فقد أهتم بتقسيم الحكومة إلى إدارات مختلفة وانشأ بتتابع دواوين أو نظارات كان من بينها نظارة المالية ووضع في عهده أول ميزانية بدائية إيمانا منه أن عصب الدولة في ميزانياتها ، وسار على نهجه خلفاؤه فحول محمد سعيد بعض النظارات أو الدواوين إلى وزارات وأصدر في 25 فبراير 1857 مرسوما يشتمل على النظام الجديد الذي أدخله في الإدارة العامة ويتضمن رفع ثلاثة دواوين إلي مستوى النظارة وهي ( الداخلية – والجهادية – والمالية ) وعين ناظرا لكل منها.لذلك جاء إنشاء أول وزارة للمالية برئاسة الأمير مصطفى فاضل بعد أن كانت نظارة للمالية .
لقد ظللت لفترة طويلة أعتقد أن أول وزارة تم إنشائها كانت وزارة الري باعتبار تنظيم الري أساس لبناء الدولة المصرية علي مر التاريخ لكنها نشأت مع ميلاد الوزارات المصرية في عهد سعيد. ففي عام 1857 أنشئت نظارة الأشغال العمومية حيث كانت تضم العديد من المصالح مثل السكة الحديد والتلغراف والمساحة والإسكان والزراعة وميناء الإسكندرية والآثار ودار الأوبرا وحديقة الحيوان وحديقة الأسماك والصرف الصحي وذلك بالإضافة إلى الري. إلا أن نظارة الزراعة تأسست عام 1875 أي في عهد رياض باشا وتابعة لرئيس الوزراء وتهتم بالشئون الزراعية وأسندت مهامها إلى "دى بللينو" وهو فرنسي وكانت مهتمة بشئون الري وتوزيع المياه .
وفى عام 1914 تغير المسمي من نظارة الأشغال العمومية إلى وزارة الأشغال العمومية مع احتفاظها بالمهام الخاصة بالمساحة وميناء الإسكندرية والآثار ودار الأوبرا والصرف الصحي والأرصاد والظواهر الطبيعية ومرصد حلوان وذلك بالإضافة إلى الري. هكذا اختلطت المهام والوظائف في وزارة الأشغال العمومية.

وزارة المالية
في عهد الخديوي إسماعيل تولى وزارة المالية إسماعيل صديق المعروف باسم إسماعيل المفتش في الفترة من سنة 1868 إلى سنة 1876 وما زال لهذا الوزير ذكراه في مصر حتى اليوم حيث أتخذ قصره بلاظوغلي مقرا لوزارة المالية.
وفى الفترة ما قبل قيام ثورة يوليو 1952 كان تنظيم مالية الدولة يعد وفقا للأسس التي وضعها المستشارون البريطانيون بقصد خدمة مصالح الاستعمار الأجنبي وحلفاؤه ،ثم قامت ثورة 23 يوليو 1952 وكان من أول المهام التي اضطلعت بها أعاده تنظيم مالية الدولة وبدأت تظهر في الميزانية ظاهرة جديدة لأول مرة هي التوسع في الاعتمادات المخصصة لأغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وهكذا نجد أن تنظيم مالية الدولة مر بمراحل تاريخية متلاحقة يعكس كل منها النظام الاجتماعي السائد .
وعندما نستعرض أعمال وزارة المالية منذ إنشائها حتى الآن فأننا نجد بالإضافة إلى قيامها بعبء تحديد استخدامات الدولة وتدبير الموارد لها أنها كانت تتولى اختصاصات أخرى انفصلت عنها وتحولت إلى أجهزة أو وزارات أخرى ،مثال ذلك مصلحة الأملاك التي أصبح جزء منها تابع لوزارة الزراعة والجزء الأخر تابع لوزارة الإسكان ، والإدارة العامة لمستخدمي الحكومة التي تحولت فيما بعد إلى ديوان الموظفين ثم إلى الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، كذلك الإدارة العامة لمعاشات للعاملين بالحكومة والتي تحولت إلي الهيئة القومية للتأمين والمعاشات.
وفى 15مارس 1958 صدر قرار جمهوري بتعديل مسمى وزارة المالية إلى وزارة الخزانة ،وفى مارس 1973 صدر القرار الجمهوري رقم 49 لسنه 1973 بإدماج وزارة المالية والاقتصاد والتجارة الخارجية في وزارة واحدة حتى أبريل 1974 حيث فصلت وزارة المالية عن الاقتصاد والتجارة الخارجية وأصبح يطلق عليها وزارة المالية حتى الآن.
كما تطورت في ظل وزارة المالية إدارة عموم الحسابات لتصبح الإدارة العامة لحسابات الحكومة ومشترياتها ومخازنها والتفتيش ثم اقتصرت هذه الإدارة العامة على حسابات الحكومة وأنشئت عام 1969 الهيئة العامة للخدمات الحكومية لتولى الاختصاصات الخاصة بالمخازن والمشتريات كما أنشئت أيضا المديريات المالية بالمحافظات برئاسة ممثلي وزارة المالية وذلك بهدف تدعيم نظام الحكم المحلى ومراجعة الاعتمادات المالية من الموازنة العامة قبل الصرف.
لذلك ما نود الإشارة إليه هو أن تنظيم وزارة المالية وتنظيم الموازنة العامة والحسابات الحكومية ليس قدر محتم لا فكاك منه .ولكنه مرتبط بالرؤية الاقتصادية والاجتماعية وتوجهات الحاكم سواء كان الخديوي أو الاستعمار أو ملك أو رئيس جمهورية . وتتغير طرق إعداد وتبويب الموازنة وفقاً للانحيازات الاجتماعية للدولة .
الداخلية والمالية
تطالعنا كتب التاريخ في عهود ما قبل ثورة 23 يوليو 1952 بتبادل المواقع بين وزراء الداخلية والمالية.فلقد ظلت وزارة الداخلية وحتى 1952 وزارة مدنية يتولاها وزراء مدنيين. ولكن تغير الوضع بعد ذلك بتولي ضباط الجيش لوزارة الداخلية بدء من الرئيس عبدالناصر ثم السيد زكريا محي الدين ثم بدء ضباط الشرطة في تولي الوزارة لتتحول من وزارة مدنية يمكن أن يتولاها أي وزير لوزارة لا يتولاها إلا ضباط الشرطة.
العجيب في الأمر إن بعض الشخصيات التي عرف عنها عدائها للشعب وقهرها للحريات تولت وزارة الداخلية في فترات ووزارة المالية في فترات أخري . وبمتابعة تاريخ الوزراء في الوزارتين يتضح الآتي :
- إسماعيل صدقي باشا جلاد الشعب
هو الذي ألغي دستور 1923 ومنع انعقاد البرلمان وأغلقه بالسلاسل الحديدية.وقد تولي وزارة الداخلية ثلاث مرات من 9/12/1924-12/9/1925، من 20/6/1930-13/3/1933 ، ومن 17/2/1946-9/12/1946 ، كما تولي صدقي وزارة المالية أربع مرات في مارس سنة 1931 في وزارة عبد الخالق ثروت و في 4 يناير سنة 1933 في وزارة صدقي ثم من ديسمبر 1937 إلي إبريل 1938 في وزارة محمد محمود، ثم في 17 فبراير 1946. كما يعرف عنه أنه مؤسس اتحاد الصناعات المصرية.
- محمد محمود باشا صاحب القبضة الحديدية
التحق بالمدرسة التوفيقية بالقاهرة ، حيث أتم دراسته فيها عام 1897. ثم التحق بعد ذلك بجامعة أكسفورد بإنجلترا ، وحصل على دبلوم في علم التاريخ.عقب عودته من إنجلترا عين وكيل مفتش بوزارة المالية (1901- 1902)، ثم انتقل إلى وزارة الداخلية، وعين مساعد مفتش عام 1904، ثم سكرتيراً خصوصياً لمستشار وزير الداخلية الإنجليزي عام 1905.تولي وزارة الداخلية مرتين الأولي في 27/6/1928 - 2/10/1929 والثانية في 30/12/1937 - 18/5/1938 كما تولي وزارة المالية من 26 إبريل سنة 1937 وحتى 17 مارس 1938.وتولي رئاسة وزراء مصر أربع مرات.
- على ماهر باشا
تولي وزارة الداخلية 3 مرات الأولي من 30/1/1936-6/5/1936 ، والثانية من 18/8/1939-27/6/1940،والثالثة من24/7/1952-7/9/1952. كما تولي وزارة المالية في 27 يونيه 1928 في وزارة محمد محمود الأولي. وتولي رئاسة وزراء مصر أربع مرات.
- محمود فهمي النقراشي باشا
معروف عنه أنه سفاح الشعب الذي فتح كوبري عباس علي المتظاهرين ، تولي النقراشي وزارة الداخلية 4 مرات من 24/6/1938 - 18/8/1939 ، 28/6/1940 - 2/9/1940 ، 24/6/1945 - 15/2/1946 ، 9/12/1946 - 28/12/1948. كما تولي وزارة المالية في 30 سبتمبر سنة 1940.وتولي رئاسة وزراء مصر عدة مرات . يوم 8 ديسمبر 1948 حل النقراشي جماعة الأخوان المسلمين وفي 28 ديسمبر تم اغتياله علي يد أحد أفراد الجماعة.
- حسين سرى باشا
تولي سري وزارة الداخلية مرتين في 15/11/1940-4/2/1942 ثم 26/7/1949-12/1/1950. كما تولي وزارة المالية مرتين الأولي في 15 أغسطس سنة 1938 والثانية في 13 يناير 1942. تولي رئاسة وزراء مصر أربع مرات وهو الذي قام بحل مجلس إدارة نادي الضباط المنتخب برئاسة محمد نجيب عام 1952.
- إبراهيم عبد الهادي
تولي عبد الهادي وزارة الداخلية 28/12/1948-25/7/1949 ، كما تولي وزارة المالية مرة واحدة في 9 ديسمبر 1946.
- احمد ماهر باشا
تولي وزارة الداخلية من 9/10/1944-24/2/1945 كما تولي وزارة المالية في 24 يونيه 1938.وفي عهده حدثت حالة من أكبر حالات تزوير الانتخابات البرلمانية في مصر.
- محمد فؤاد سراج الدين باشا
تولي فؤاد سراج الدين وزارة الداخلية مرتين الأولي 2/6/1943 - 8/10/1944 والثانية من 12/1/1950 - 27/1/1952. كما تولي وزارة المالية في 11 نوفمبر 1950.
لذلك عندما نتأمل التاريخ نبحث عن المشترك في الحكم بين الداخلية والمالية . وكيف يتغير دور كل وزارة بتغير العصر والرؤية التي تحكم الدولة وقيادتها. ونفكر لو تم ذلك اليوم وعين اللواء محمد إبراهيم وزيراً للمالية وعين الأستاذ هاني قدري وزيراً للداخلية . تري ماذا يمكن أن يتغير في مصر ؟!

إلهامي الميرغني
11/7/2014









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفكيك حماس واستعادة المحتجزين ومنع التهديد.. 3 أهداف لإسرائي


.. صور أقمار صناعية تظهر مجمعا جديدا من الخيام يتم إنشاؤه بالقر




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يرغب في تأخير اجتياح رفح لأسباب حزبي


.. بعد إلقاء القبض على 4 جواسيس.. السفارة الصينية في برلين تدخل




.. الاستخبارات البريطانية: روسيا فقدت قدرتها على التجسس في أورو