الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جذرنة القصة الكردية ومزايا الحداثة: قراءة في المجموعة المترجمة (( قصص من بلاد النرجس )) للقاص حسن السليفاني

عبدالكريم الكيلاني
شاعر وروائي

(Abdulkareem Al Gilany)

2005 / 8 / 4
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


عندما يرتبط أدب الشعوب بحكايا موروثاتها فمن الطبيعي أن يكون هنالك رمز يختاره الأديب لجذرنة النص وإضفاء بعد إنساني إجتماعي قابل للتأويل على أساس إرتباطي ببيئته وإطلاق العنان لمخيلته للتجوال في الموروث ومايؤول إليه وبالتالي خضوع كامل المعادلة لهذا الرمز في كل مزايا الإبداع الثقافي وهذا ما حدا بالقاص حسن السليفاني إلى عنونة مجموعته القصصية ب( قصص من بلاد النرجس ) والتي تجمع بين طياتها فيضاً من قصص وحكايا بأقلام مبدعة مثلت خلاصة المشهد القصصي الكوردي وبما أن زهرة النرجس هي رمز للشعوب الجبلية عموماً ولشعب كوردستان خصوصاً فقد كان موفقاً في استخدام هذه الزهرة كرمز يعكس جميع الألوان بجمالها ونضارتها ونقائها وعندما نقرأ نصوص هذه المجموعة المترجمة من الكوردية إلى العربية يتضح لنا معالم وآفاق الأدب الكوردي الحديث بتقنياته السردية وخطابه اللغوي بالإضافة إلى مسارات تراكيب القصص التي تحاول التواصل ومواكبة التطور المستمر للأساليب المتبعة في الكتابة الحديثة وطريقة السرد المكثف وسيرها على خط مستقيم من بدايتها وحتى نهايتها وتماشيها مع المدارس والألوان القصصية بكل أطيافها وأشكالها .. ماجعلنا نمتطي صهوة الإستمتاع ونحن نحلق في فضاءات ( قصص من بلاد النرجس ) حيث الإبداع يتجلى ويرقى إلى أعلى مستوياته في أغلب قصص المجموعة ...
هي إذن نافذة إبداعية من نوافذ الأدب الكوردي الحديث حيث أننا نرى من خلالها بوضوح الواقع بكل تجلياته ومتاقضاته ونستشف الشعور الكامن المرتبط بطاقة الإنسان عبر بوابات الألم والحب والتضحية ولملمة جراحات عميقة نتيجة المعطيات والتراكمات التي أنهكت جسد الشعب الكوردي على مدى عقود من الزمان فجاءت قصص المجموعة لتؤكد لنا ماهية وعمق الثقافة وأصالتها من خلال الصور والأساليب المختلفة التي احتوتها دفتي الكتاب .. فضلاً عن ارتكازها على عوالم وشخصيات من صميم الواقع زائداً الموروث منها لتؤثث فيها حاضراً مفعماً بالحيوية من خلال رصد الحدث الملتقط بدقة وبراعة ومن ثم تحويلها إلى مادة توثيقية على شكل قصص قصيرة .. فحين يفاجئنا القاص أنور محمد طاهر في قصته الموسومة ب ( لصوص الليل ) بتمرده على عسس وعيون الحاكم والحقبة المظلمة التي أججت لهيب الثورة وأدارت محرك الزمان نحو الشمس لتضيء الروح بعد عتمة أودت بالمجتمع إلى تكاثر الغربان لتبدأ نهاية الزوال ويشع نور الحرية على الجميع (( إذا سألك أحدهم , قولي له لقد سلك دربه نحو الأعالي ـــ يعني هذا إنك ستقصد الجبال ؟؟ ـــ نعم ــــ ........ ــــ حينما كان يعبر دجلة كان ماؤه ينحدر نحو الجنون بغضب هادر ـــ توجه الى نبع طفولته وابتسامة شاسعة مديدة بطول قامة نهر دجلة كانت ترتسم على شفتيه ))) .....
أما القاص حسن السليفاني فقد حشد لغته السردية المموسقة باشتراطات فعلية حكائية مبنية على التفاعل الإيجابي مع الذات الإنسانية المؤدية إلى تغيير المجتمع على أساس الإندماج مع الواقع وإظهار الترسبات العالقة فيه من ( خوف .. ألم .. إيثار .. بطولة .. حب الأرض .. الدفاع عن الشرف والعرض .. مكانة الوطن ) وكل المشاعر التي تحض على التمسك بمباديء الإنسان وسموه والتعبير عن الآخر في داخله ليشكّل هالة قزحية تمثل الأنا والظاهر وتوحدهما عند الخطر .. وقد أجاد السليفاني من خلال أسلوبه في قصة ( ليلة المطر ) بلغة رصينة مكتنزة بالتسامي ومنبثقة من شظايا تلامس ذائقة المتلقي ولجوئه الى عنصر الإثارة بوتيرة متنامية من خلال إشارات واقعية ومفارقات حادة في استعادة زخم الذاكرة المؤثثة بالدلالات المتباينة ومن خلال رسم لوحة متقنة لمشهد شعوري جميل معبر ( كانت أضواء الشارع باسمة ـــ وحبات المطر تتراقص حولها والسوق غافياً ـــ كنت فرحاً بقطرات المطر التي تبلل شعرك ـــ .......... ـــــ رفعت رأسك الى السماء القاتمة وكنت تبتسم من القلب لهواء المطر البارد .. ـــ حقا المطر جميل ))
أما في قصة ( من دفتر الإنتفاضة ) فقد آثر السليفاني توثيق مرحلة تاريخية مهمة في حياة الشعب الكوردي الحافلة بالمآسي من خلال فهرسته للخطاب السردي داخل القصة وحقنه بوحدات معرفية تستمد تلميحاتها من جذور تاريخية واجتماعية ومنحها جواز تنقّل ضمن دوائر مفتوحة مشبعة بمقطعات شعرية تجسد الحالة المعاشة في حقبة معينة من حقب السير في دروب الحرية عبر مثابات جبال كوردستان المضمخة بدماء الشهداء فجاءت القصة مرتكزة ببنية فنية ولغوية متقنة تحمل في جنباتها سحر الإيقاع المنبعث من نقطة مركزية تتسع نحو الدائرة ليشمل تأثيرها إدراك المتلقي (( في رأس محلة الكندك أيضاً كان الرجال يجتمعون ويقصدون الكلي سيرا على الأقدام , كانت دموعك تنهمر من الفرح وأنت تشاهد هذا المنظر الرائع )) ..
وهكذا تأتي معظم نصوص مجموعة (( قصص من بلاد النرجس )) بايقاعات متشابهة ولكن منفردة بأساليبها لتعرفنا بالمشهد القصصي الكوردي عبر منظوماتها اللغوية المعبرة عن مزايا الحداثة تكثيفاً وإيجازاً ونقلاً للحدث ببراعة أدبية وتحويل المتلقي من دوائر مشوشة الى فضاءات جلية في أطر منظمة غنية بالدلالات الرمزية. ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار