الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الخروف و الذئب في النفس الإنسانية-

حميد لشهب

2014 / 7 / 16
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


نشر إيريك فروم عام 1964 كتابه: "النفس الإنسانية و قدرتها على الخير و الشر"، و أعيد نشره في أعماله الكاملة، المجلد الثاني عام 1989 بميونيخ. لا يتعلق الأمر بالسؤال الأخلاقي القديم فقط: مبدأ الخير و مبدأ الشر، بل بتحليل عميق للأسس التي تُضمر كلا الدافعين في نفس الإنسان و طريقة وعيهما من أجل إيجاد توازن بينهما كحد أدنى للإنسان المسؤول أو تغليب مبدأ الخير على مبدأ الشر كأسمى هدف عند الإنسان الواعي بذاته و المستعمل لعقله و قدراته الإنسانية الخلاقة و الإيجابية.

يقدم فروم خمسة أنواع من حاجات الإنسان، تمكن من فهم نفسه: الحاجة إلى الانتماء و إلى التعالي(التجاوز) وإلى الإرتباط بالجذور و إلى الهوية و إلى إطار توجيهي. وهذه الحاجات وموضوعية لم يخلقها اﻟ-;-ﻤ-;-ﺠ-;-تمع، بل أصبحت جزءا من طبيعة الإنسان خلال تطوره. لكنها تعرف تأثير المجتمع عندما تتمظهر، بل قد يفرض عليه هذا المجتع مطالب تتناقض و طبيعته، و بهذا تتم عملية الإحباط و التقييد، التي تفرز شعورا وجوديا خطيرا و هو تغريب الإنسان عن ذاته. و يؤكد فروم بأن الرأسمالية والشيوعية تجعلان من الإنسان آلة تابعة، مجردا من هويته الداخلية، بل تدفعانه إلى الجنون و إلى الأفعال المنحرفة أو إلى تدميره ذاته. و في هذا الإطار يجب فهم أطروحتة القائلة بـ "المجتمع المريض". و يحدث هذا عندما يتغير في اﻟ-;-ﻤ-;-ﺠ-;-تمع أي جانب هام، كما وقع عندما تحول الإقطاع إلى الرأسمالية أو عندما تغير نظام الإنتاج من نظام حرفي يدوي إلى آخر صناعي و ما تبع ذلك من تطور استراتيجيات التسويق و تثبيت منطق الإستهلاك.

لا يعتمد فروم في دراسته هذه على الأعمال الأكاديمية فقط، بل يضيف تجربته كمعالج و محلل نفساني. و يرى بأن الكثير من الأمراض النفسية مؤسسة في المقام الأول على عدم وعي الفرد ببشاعة اﻟ-;-ﻤ-;-ﺠ-;-تمع الإحتكاري المعاصر و التسلط والبيروقراطية. يتجاوز بكثير نظريات الشخصية، المؤسسة إما على فكرة الصراع كجوهر للشخصية أو على فكرة كون الشخصية قائمة على قوة دافعة واحدة، لابد من عملية تفتح و تطور لها.

يرى فروم بأن الصراع ضروري، لأن طبيعة القوى النفسية و حتى الإجتماعية هي هكذا، لكنها تتطلع إلى الكمال و إلى تحقيق الذات. وجوهر الشخصية الإنسانية عنده هو الميل إلى وضع الطبيعة الإنسانية موضع الدراسة و التمحيص و النقد، مؤكدا بأن الخاصية الأساسية لهذه الطبيعة هي قدرتها على معرفة ذاتها. و الأساسي عنده هو أن يعي الإنسان هذا الأمر، ليعي أهمية الإنفصال (الإستقلال) عن الطبيعة وبقية الكائنات. فإذا كان هذا الإستقلال إيجابيا، فإنه يؤدي إلى الحرية، أما إذا كان سلبيا فإنه يقود إلى الإغتراب.

إن العلم الموجه توجيها إنسانيا هو في عرف فروم ذاك الذي يأخذ بعين الإعتبار أخذ موقف نقدي اتجاه التصنيع كما هو ممارس الآن، لأنه من أهم أسباب استيلاب الإنسان و نبذ فكرة السوق الحرة والتخلي عن هدف التنمية غير المحدودة والأخذ بفكرة التنمية الإنتقائية و خلق شروط عمل ومناخ روحي عام يجعل الرضا النفسي أساسا للحوافز الفعّالة و الإستمرار في تشجيع التقدم العلمي لكن دون تحول تطبيقاته العملية إلى خطر على الجنس البشري و خلق ظروف عيش لا تركز على إشباع الحد الأقصى للدوافع الغريزية و توفير متطلبات الأمن والأمان الأساسية للبشر. فوهم »السعادة في الاستهلاك « لم يعد مطلبا قويا إلا في االأمصار التي لم تحقق الحلم البورجوازي.

لم يرفض فروم الدين جملة و تفصيلا، على الرغم من أنه أخذ موقفا واضحا منه، لأنه كان يعي بأن التوفيق بين الجوهر الروحاني والتفكير العقلاني هو مطلب ملح للكثير من الناس، بل هو ضرورة نفسية أساسية كذلك، لا يجب حرمان الناس منها، طالما بقيت في حدود معقولة و لا تتحول إلى أداة تسلط و قهر.

طبقا لهذا يمكن القول بأن الخروف و الذئب يقبعان معا، يدا في يد، كنصفي حبة لوز في قرارة النفس البشرية. لا ينتميان إلى طبيعتين مختلفين، بقدر ما يكونان موضوعين بعناية في قرارة مستودعه الذاتي. لا يعتبران نتاجا للمجتمع، لكن هذا الأخير قد يستغلهما لتغليب جانب على جانب آخر، حسب متطلباته و حاجاته. و لا ينجح هذا الإستغلال إلا إذا لم يكن الفرد مُلقحا بما فيه الكفاية ضد "جبروت" المجتمع. و يكمن التلقيح في وعي الفرد كرامته الإنسانية و تسلحه بالحرية المُعقلنة و تحليه بقدر كاف من استعمال مَلَكَة النقد الذاتي و المجتمعي. و لا يقتصر هذا على فئة معينة، كما يمكن أن يتوهم المرء، بل إنه في متناول كل فرد فرد، و خير دليل على ذلك وجود الكثير من الناس العاديين، الذين لم تتح لهم الفرصة للوصول إلى مستوى تعليمي جيد، واعون بأهمية كرامتهم و لا يتركون الذئب يطغى على الخروف في ثنايا أنفسهم، بعدم التجائهم إلى تطبيق خصائص الذئب في سلوكاتهم المجتمعية مهما كانت ظروفهم المادية و مستوى الدرجة التي وصلوا إليها في سلمهم الإجتماعي. فهناك مثلا من لا تسمح له كرامته الأنطولوجية بمد يده للآخرين و لو كان يعيش في فقر مقذع أو من لا يلتجأ إلى العنف، حتى و إن طُبِّق عليه هذا الأخير. في مقابل هذا هناك أناس، يُعَلِّلُون كل ما يقومون به كنتيجة لتأثير المجتمع، محملين المسؤولية لنتائج سلوكهم لجهات خارجية، كأن نعتبر مثلا بائعة الهوى أو المتسول أو المجرم أو المدمن على المخذرات ضحية القهر المجتمعي و ضغوطاته. فنصيب المسؤولية الشخصية لمن يسلك هكذا لا غبار عليه، بل يشرح بأن الكثير من أفراد المجتمع لا يعون بما فيه الكفاية بأن التحكم في صراع الخروف و الذئب فيهم هو بين أيديهم. فإذا وعى الجائع أو مهضوم الحق مثلا بأن الطريق الصحيح لاستعادته كرامته الإنسانية ليس هو مد اليد أو الإستسلام، بل المطالبة الواعية و المسؤولة، ليس بحقه في العيش، لكن بحقه في الحياة، فإن شروط الثورة تكون قد اكتملت و يكون الإنسان قد خطى خطوة مهمة في طريق تحرره الداخلي و الخارجي. إن الشرط الأساسي للثورة هو ثورة الفرد ضد الذئب القابع فيه و عدم الإستسلام للأوهام الأيديو-اجتماعية التي توهم بأن طبيعة الإنسان و الحياة هي التحلي بسلوك الذئب. و تفعيل الخروف في ذات الإنسان، ليس كسذاجة، قد توصله إلى تشجيع ديكتاتوريات، بل كَمَلَة تقوده إلى أخذ موقف من الحياة و الموت، بإشعال فتيل الوعي و النقد الذاتيين اتجاه الذات و اتجاه المجتمع. إن "فن الحياة" هو وعي الهدف من الحياة، و هذا الأخير ليس شيئا آخر من غير العيش بكامل الكرامة في حرية مسؤولة، غير فوضوية و لا تمس الكرامة الأنطولوجية للآخرين، بل تكون جزئا من كرامة جماعية مشتركة، و هذه الأخيرة هي الغائبة بامتياز في المجتمعات المعاصرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو