الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلتك مع الاخر

محمد خضر خزعلي

2014 / 7 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كتبت البارحة بضعة اسطر جالت بخاطري , بعنوان دعوة الى دمعة , وما اردت قوله بتلك الدعوة هو اننا كعرب متأخرين اذا ما قارنا انفسنا مع الاخر , سواء الغربي مثلا او الأمريكي او الصيني , وهنا كنت اتساءل لماذا هم في تقدم ونحن في تأخر.
هذا المقارنة برأي تجلب الحنق , فأنا عرفت ذاتي من خلالهم , اي بتقدمهم عرفت تأخري , وارى مشكلة الامة تتحدد بطبيعة الحال بعلمائها الداعين الى كرامة القلم ثم ما هي الا لحظات حتى يبيعوا تلك الكرامة لأجل منصب او ترفيع او مصلحة ,مهمتهم هي تنوير العقل , فإذا فسدوا فهل هناك من تنوير؟
ثم ارجع كل ذلك الخلل الحاصل لنفسي أنا , فأنا عندما ارى نظام العلاقات قائما على المصلحة او على استغباء الشخص لتحصيلها , والجشع والانتهازية , او دعم الاقارب والمحسوبيات , هنا يصبح مجمل النظام فاسد مهما رأيت به من حسنات , هذا الفساد سيؤدي بي الى ان اعتمد الفساد حتى اقدر على تحصيل البقاء والعيش .
فالتعامل القائم لا على اساس نوعية الفكر بل على كمه في ما يخص ترقية الاكاديميين على سبيل المثال , وعلى المحسوبية في توظيفهم ...الخ من امور ذات صلة ,ومن ناحية اخرى ان يظن كل مسؤول نفسه انه الدولة بشخصه الامر الذي ادى لكثرت الدول في الدولة الواحدة , بالإضافة الى كوني اقوم بتحصيل معاشي على اساس المجاملة والانتهازية واحيانا استغباء الاخرين , كل هذه الامور ادت الى تراجعنا امام الاخر الامريكي او الاوروبي او الهندي , المسبب الرئيسي بنظري لهذا الانحطاط هو التساهل وتقبل او الموافقة على الحالة الفردية الواحدة في سلوكياتها تلك , لحين ان اعتدنا عليها , هذا الاعتياد ادى بتراكم عدد الحالات الفردية الى ترسيخ شكل هذه العلاقات بالمجمل العام في النظام الاجتماعي مما يعني ان النظام الاجتماعي مصاب بالشلل امام الانظمة الاخرى , والا لماذا لا يتقدم؟
جاء رد احد اساتذة النقد الادبي علي بقوله : جميل ما تريد , لكن تبدو حزينا فلماذا الدمعة , بإمكانك ان تكون اكثر سعادة , واردف قائلا :مشكلتك يا اخي هي الاخر , فالآخرون هم الجحيم كما يقول سارتر , وهذا النقطة دائمة التكرار بكلامك .
سألته حسنا مشكلتي مع الاخر , فهل من حل لهذه المشكلة؟ , فقال :فما عليك الا نسيانه.
فمن هو الاخر ؟ وهل تعد اي معالجة ادبية او سياسية لشأن ما على سبيل عقد النقص ؟ وهل هو عيب ان اطرح خطاب ما يدعو لعلاج ظاهرة ما ان كنت اقدر على ذلك؟
سأجيب عن تلك الاسئلة حسب فهمي البسيط والساذج السطحي.
1-من هو الاخر: في ابسط صوره هو نقيض او مثيل الذات او الانا , وربما هو معكر الوحدة والصفاء , ولكنه عند كل من سارتر وجاك لاكان عامل تكوين الذات , ومعرفة الذات تشترط وجود اخر وهو الذي يمثل شرطا لمعرفة ذاتي , ويضرب سارتر مثال الشخص الجالس في مكان ما ثم ان اكتشافه لشخص اخر يراقبه اشعره بالخجل , هنا الذات اكتشفت خجلها بسبب وجود الاخر المراقب لها , ولم تكتشف خجلها لأمر نفسي او الذاتي.
ربط سارتر الاخرون بفكرة الجحيم لان عملية الحكم والفكر على الاخر تحوله من انسان الى موضوع , وتماما ينطبق نفس الكلام على الاخر الذي يحولني الى موضوع عند حكمه علي , وهنا يرى سارتر العلاقة بين الذات والاخر علاقة صراعية ووجود الاخر مصدر خطر مادام وجوده يعني لحظة نفي للذات , وهنا يصبح النفي والاقصاء طريقة لتعامل , ولذلك فالآخرون هم الجحيم.
بمنطق فوكو , فأن الاخر متعلقا تعلقا لا مفكة منه كما ارتباط الحياة بالموت , وعلى الرغم من ان الاخر هو اللامفكر فيه عند فوكو الا انه جوهري , فنحن لا نعرف الذات بدون الاخر , وفي رد جاك دريدا على ليفيناس الذي اعتبر مصدر الخطاب هو الذات , اعتبر دريدا ان الاخر هو المصدر , لان الانا لا تستطيع خلق خارجية ضمن نفسها بدون الاصطدام مع الاخر.
2-ارى انه لا يعيب كل من صاحب قدرة على افهامنا شيئا فيبما يخص ذاتنا ان يبدي ما لديه مقارنا حالنا بحال غيرنا , مثلا بالمجال السياسي كثيرا ما نقارن العرب بايران وايهما انجع بالسلوك السياسي في تحصيل منافعه , ومبرري لذلك بالاعتماد على هيجل الذي يفترض ان الاخر مهم لوجود الذات , هذا الوجود يعني الانسانية من وجهة نظره , فحسب هيجل فأن الوعي ذو شقين , الاول وهو الوعي بالحياة العضوية او الحيوانية , وهنا تكون الذات قد حصرت مهمتها في الحفاظ على الحياة الجسدية فقط , وعلاقتها بالطبيعة علاقة حسية ومباشرة , ولا تعترف الذات الا بحقيقتها كذات فقط , والاخر يندرج ضمن هذا التصور فهو ايضا لا يعترف الا بحقيقته كذات اخرى .
النوع الثاني من الوعي هو الذي يظهر بعد انتصار النزعة الانسانية على الحيوانية , وتجاوز هذا الوجود الحسي وان تصب رغبة الذات على ذات اخرى , وليس على ما هو طبيعي كما الحيوانات , وهنا يتولد الصراع مع الاخر على الاعتراف بالإنسانية من خلال المخاطرة بالرغبة الحيوانية لأجل الرغبة بالسيادة , هذا عكس الحيوان الذي تنحصر رغبته فقط بالحياة.
اي ان الانسان لا يصبح انسانا الا اذا خاطر برغبته للحياة لأجل السيادة , ففرق بين من اقدم على الموت لأجل الحياة وبين من قبل الحياة بطعم الموت , فالأول هو الانسان والثاني هو العبد.
3-ما اريده من كل القول السابق هو ان انحصار تحركي كأنا في اطار الوعي المباشر فقط ذاك الوعي الذي يعني الاهتمام فقط بالبقاء العضوي او الحيواني هو الامر الذي لا يطاق , مظاهر هذا الوعي اليوم هو كما سبق الاشارة اليه في بداية المقال , وما كان كذلك فهو كمن اختار الحياة بطعم الموت , وهو العبد فكلنا عبيد لغيرنا من ناحية وعبيد لأسباب بقائنا العضوي من ناحية اخرى.
وهنا كانت دعوتي للدمعة , فمتى ستنتصر لدينا نزعة الانسانية على الحيوانية , وما وظيفة الدمعة التي اردتها الا لإراحة النفس للعودة واستكمال الصراع , فلن انسى الاخر لأنه لا فكاك منه , لكن لن اقبل ان نضل عبيد له .
4-ربما يسأل احد ما هل ستعيد ما فعل بك الاخر عليه كما في فقه فرانز فانون الذي افترض ان المهمش اذا ما اصبح المركز ربما يقوم بأعمال التهميش للمركز الذي اصبح هامشا والتي قد تعتبر على سبيل التعويض عن عقد النقص واثبات للنفس بأنني استطيع فعل ما فعله الاخر , وهنا اقول لا وجود لشكل واحد للعلاقات بين الانا والاخر فكما في الفكر الغربي التي تذهب بمجملها للإقصاء وتهميش الاخر فهناك التعاون وهناك الصداقة , ثم ان الانفتاح عكس الانغلاق ومقياس التطور لدى ليفي شتراوس هو بمقدار الاحترام للخصوصيات المختلفة
في الاسلام "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" , وهذه الاية تدلنا على ان الاختلاف بين الذات والاخر قانون موجود , ولا تطلق حكما قيميا على هذا الاخر , بينما تؤسس لرؤية وضرورة الاعتراف بالآخر وجودا وأراءا وثقافة وافكارا , من باب التعرف عليه لا معرفته كموضوع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست