الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب على غزة.. وخطاب الهزيمة والكرهاية

حسن شاهين

2014 / 7 / 20
القضية الفلسطينية


للمرة الثالثة خلال السنوات الخمس الأخيرة، تشن إسرائيل عدواناً مدمراً على غزة المحاصرة، واضعة أهالي القطاع ومنازلهم وممتلكاتهم العامة على رأس قائمة بنك أهدافها، مُمارِسة أبشع صور العقاب الجماعي وإرهاب الدولة بحق شعب أبى أن يستسلم ويتنازل عن حقه في الحياة أسوة بباقي شعوب الأرض، وعن حقوقه الوطنية والإنسانية التي أقرتها المواثيق والقرارات الدولية.
وكما هي عادتها، صمدت غزة في وجه العدوان، وتحملت بجلد همجية جيش الاحتلال، وردت المقاومة الفلسطينية على العدوان بما أوتيت من قوة، فاردة رقعة المعركة بصواريخها لتشمل معظم مساحة الكيان الغاصب، من شماله إلى جنوبه، وعجز الجيش الإسرائيلي بسلاح جوه وبحريته ومدفعيته ووحداته الخاصة من شل القوة الصاروخية للمقاومة التي ظلت تضرب الداخل الإسرائيلي بوتيرة متصاعدة يوماً بعد يوم. صحيح أن المقاومة لم تحرر شبراً إضافياً من فلسطين، ولم تلحق خسائر جسيمة بالعدو؛ لكنها منعته من تحقيق أهدافه رغم كل ما يملك من تفوق عسكري، ودعم غير محدود من الإمبريالية العالمية، وهذا يكفي لكي تخرج المقاومة من الحرب مرفوعة الرأس.

إن الشعور بالفخر والعزة الذي ملأ صدور الفلسطينيين والغزيين منهم على وجه الخصوص، رغم وقوعهم تحت نار العدوان، لم يعكر صفوه سوى تعالي أصوات نشاز، رددت خطاب الهزيمة الممجوج إياه، الذي يدعو عملياً إلى استسلام غير مشروط للعدو.
فخرجت تلك الأصوات محملة الشعب الرازح تحت الاحتلال ومقاوته مسؤولية عدوان المحتل بدعوى أنها من استفزته ودفعته للرد على اعتداءاتها، ومستهزئة بالمقاومة ووسائلها غير المؤثرة بنظرها، على قاعدة أن المواجهة غير المتكافئة مع الاحتلال هي انتحار، ومتهمة المقاومة بالمتاجرة بدماء الأبرياء لتحقيق مآرب سياسية.
وأصحاب هذا الخطاب متنوعون، فمنهم وسائل إعلام ودكاكين سياسية تمولها منظومة النفط والغاز الرجعية، ومنهم يساريون وقوميون سابقون، اكتشفوا فضائل الليبرالية "الوهابية"، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والأنظمة القومية العربية التي كانوا يدورون في فلكها، ومن كذلك من يردد هذا الخطاب عن حسن نية، ورغبة صادقة بحقن نزيف الدم الفلسطيني في غزة، وهؤلاء يتأثرون عادة بما يسمعونه في كثير من وسائل الإعلام العربية، وعلى لسان قادة فلسطينيين نبذوا خطاب المقاومة منذ زمن، ونبذوا معه معظم حقوق الشعب الفلسطيني، ولن يطول الوقت حتى ينبذهم هذا الشعب بدوره.
وللإيجاز يمكن الرد على خطاب الهزيمة بالنقاط التالية:
أولاً- إن الاحتلال هو عمل من أعمال العدوان وفق القانون الدولي، وبالتالي فإن وجود الاحتلال بحد ذاته هو عدوان يستجوب الرد من المقاومة. وهنا يسجل على حركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية أنها قبلت من حيث المبدأ بالتهدئة من قبل، فأي تهدئة مع محتل يواصل استيطانه للأرض الفلسطينية ونهبه لمقدرات الشعب الفلسطيني وحصاره له في الضفة والقطاع؟!.

ثانياً- حتى لو قبلنا بمبدأ التهدئة، فإنه لا يمكن تحميل حماس مسؤولية خرق الهدوء قبل العدوان الأخير، فقد التزمت حماس بالتهدئة خلال الفترة الماضية لدرجة أنها منعت في كثير من الأحيان حتى أبسط أشكال المقاومة في غزة وهو التظاهر السلمي ضد الاحتلال.

لكن إسرائيل كانت قد بيتت النية لتوجيه ضربة قاسمة للمقاومة تُفضي إلى تجريدها من سلاحها -كما كشف نتنياهو مؤخراً في تفسيره للمبادرة المصرية السيئة للتهدئة- مستغلة هدم الأنفاق التي كان يهرب عبرها السلاح إلى غزة. فتذرعت بقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل لشن عدوانها على غزة، رغم نفي حماس مسؤوليتها عن العملية.

ثالثا- على الذين يطالبون المقاومة بوقف ردها على العدوان بدعوى عدم الكتافؤ بينها وبين جيش الاحتلال، ولفداحة الخسائر الفلسطينية قياساً بما توقعه صواريخ المقاومة في الجانب الإسرائيلي؛ أن يأتوا بمثال واحد على مر التاريخ لحالة كان فيها تكافؤ بين مقاومة ومحتل، سواء من حيث القوة أو الخسائر من الجانبين. هل كان هناك تكافؤ بين المقاومة الفرنسية والاحتلال النازي؟ أم بين المقاومة الجزائرية والاحتلال الفرنسي؟.

رابعاً- لقد تمكنت صواريخ المقاومة "العبثية" في نظر البعض، من شل الحياة في مدن الكيان الغاصب وهزت جبهته الداخلية، حتى تعالت الأصوات داخله مطالبة بوقف إطلاق النار، ما استدعى تدخل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عارضاً الوساطة بين إسرائيل وحماس، وهي سابقة لم تحدث من قبل وتعتبر نصف اعتراف أمريكي بحماس.

وإلى جانب خطاب الهزيمة، برز خطاب كراهية لم يألفه الفلسطينيّون من قبل، فمن كان يتخيل أن يجاهر عربي بدعمه لإسرائيل في حرب إبادتها على الشعب الفلسطيني، أو يشمت بأهالي غزة وهم تحت نار العدو؟!. وهذا الخطاب لم يظهر من العدم، بل تمت تغذيته على مدار السنوات الثلاث الماضية بتحريض ضد الفلسطينيين بحجة تورط حركة حماس في الأزمات الداخلية التي تمر فيها مصر وسوريا، وهي ادعاءات لم يقدم عليها دليل جدي واحد حتى الآن.
وهناك الكثير من الشواهد على أن التحريض الإعلامي على الشعب الفلسطيني لم يكن عفوياً، بل مبرمجاً، ليس أقلها أن الإعلاميين الذين قادوا جوقة التحريض المقيت هذه، هم جميعاً من الدائرين في فلك السلطة والمسبحين بحمدها ليل نهار، والذين يمكن لجمعهم بإشارة من إصبع عنصر أمن لو كانت السلطات تريد ذلك، ولكنها تركتهم ككلاب مسعورة تنهش سمعة الشعب الفلسطيني، تشوش بنباحها العالي على تعاطف الناس مع قضيته العادلة.

لقد استطاعت المقاومة الفلسطينية الباسلة، أن تثبت من جديد أن الجيش الذي حيكت حوله الأساطير هو ليس أكثر من نمر من ورق، ومجتمعه هش قابل للكسر والهزيمة. وهي الحقيقة التي سبق وأظهرها حزب الله خلال حرب تموز 2006، وعملت الرجعية العربية المستسلمة على زرع الشكوك حولها، باستخدام أدواتها من أبواق إعلامية ودكاكين سياسية وكتاب مأجورين. والآن تحاول أن تعيد الكرة مع قضية العرب المركزية.
إن انتشار خطابي الهزيمة والكراهية يثبت مدى تورط الأنظمة العربية في مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية، وهي المؤامرة التي ستتحطم بلا شك، كما العدوان الإسرائيلي، على صخرة المقاومة الفلسطينية الباسلة في غزة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال