الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المهاتما غاندي والقضية الفلسطينية

منعم زيدان صويص

2014 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


في هذه الأيام العصيبه، حيث يجابه الفلسطينيون العُزّل كيانا غريبا مدججا بكل أنواع الأسلحة المتطورة والفتاكة، لتحرير أنفسهم ونيل حقوقهم، يتذكر المرء رجالا عظماء ممن صنعوا التاريخ، أيدوا الشعب الفلسطيني وأدانوا الحركة الصهيونية والإستعمار البريطاني المتعاون معها، وحذروا من المآسي التي شهدتها فلسطين والمنطقة لعقود طويلة. ومن هؤلاء العظماء زعيم حركة إستقلال الهند موهانداس غاندي الذي لقّبه أبناء شعبه الهنود بالماهاتما أو الروح العظيمة.

في الثلاثينيات من القرن الماضي كانت فلسطين تحت الحماية البريطانية بقرار من عصبة الأمم، وكان هدف هذه الحماية تأمين الهجرة اليهودية إلى فلسطين تمهيدا لإنشاء "وطن قومي لليهود" فيها حسب نص وعد بلفور الذي صدر عام 1917. وكانت الهند أيضا تحت حكم المستعمرين الإنجليز، وكان الماهاتما يسعى لتحرير بلاده باتباع وسائله السلمية الخاصة بدون اللجوء إلى العنف، والتي سماها "الساتياغراها" أو قوة الحق، ومع ذلك كان يقضي معظم حياته في السجون بسبب التأثير العميق لكلماته على شعب الهند. وكان نشطاء الحركة الصهيونية يحاولون أستغلال شعبيته وتقديس العالم له، فتملقوه وعقدوا المقابلات معه وراسلوه ليحصلوا على تأييده لهجرة اليهود إلى فلسطين وأنشاء دولة لهم هناك. وبعد ضغوط كبيرة ومحاولات عديدة، رد غاندي عليهم، ولكنهم تمنوا لو أنهم لم يضغطوا عليه ويجبروه على الكلام، لأنه رفض مبادئهم وخططهم وفكرتهم من أساسها وأيد الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، حتى باستعمال العنف.

كان رد غاندي على شكل مقال كتبه في جريدة باللغة الإنجليزية أسسها هو عام 1933 وسماها "الهاريجان،" ومعناها باللغة السنسكريتية "أبناء الله." وهاريجان هو الأسم الذي أطلقه غاندي على طبقة المنبوذين في الهند، وكانت تشكل أكثر من ربع السكان. قبل ذلك كان هؤلاء يُدعوْن "الباراير" ودخلت الكلمة إلى اللغة الإنجليزية ولكنها حُوّرت إلى (pariah) وهي الآن مرادفة لكلمة (untouchable) أو منبوذ. واعتبرت هذه المقالة في غاية الأهمية لأن كاتبها كان من أهم وأكثر الشخصيات إنسانية في القرن العشرين، وكانت مخيبة لآمال الحركة الصهيونية واليهود يشكل عام. وقد نشرت هذه المقالة في الهاريجان يوم 26 نوفمبر 1938 وكان عنوانها: اليهود في فلسطين.

يقول غاندي: "إستلمت عدة رسائل يسألني مرسلوها أن أُصرّح برأيي في قضية العرب واليهود في فلسطين، واضطهاد اليهود في المانيا. وها أنذا اعطي رأيي، بعد فترة من التردد، حول هذه القضية الشائكة. أنا أتعاطف مع اليهود بشكل كلي، وقد عرفتهم عن قرب في جنوب إفريقيا، وبعضهم أصبحوا أصدقاء لي مدى الحياة. ومن خلال هؤلاء الأصدقاء عرفت الكثير عن إضطهادهم عبر العصور وكانوا المنبوذين من قِبَل المسيحيين. والطريقة التي تعامل بها المسيحيون معهم تشبه إلى حد كبير الطريقة التي تعامل بها الهندوس مع المنبوذين. وفي كلا الحالتين إستُخدِم الدين لتبرير المعاملة اللاإنسانية التي عوملوا بها."

ويضيف غاندي: "غير أن تعاطفي لا يُعميني عن متطلبات العدالة. المطالبة بوطن قومي لليهود في فلسطين لا تترك إنطباعا جيدا في نفسي، ولا التبرير الذي يتعلق بالكتاب المقدس والإصرار الذي أظهره اليهود على تحقيق هذا المطلب بعد عودتهم إلى فلسطين. لماذ لا يفعلون مثل بقية شعوب العالم، ويتخذون البلدان التي يسكنونها والتي ولدوا فيها ويعتاشون منها أوطانا لهم؟ فكما أن أنجلترا ملك للإ نجليز وفرنسا ملك للفرنيسسين، فإن فلسطين كذلك ملك للعرب. أنه من الخطأ والاانسانية أن يُفرَض اليهود على العرب. إن الذي يحصل في فلسطين اليوم لا يمكن تفيسره على أي أساس قانوني أو أخلاقي." ومن الواضح أن هذه الجملة الأخيرة لا زالت تنطبق على ما يحدث في فلسطين حتى اليوم، وخاصة الهجوم الحالي على غزة.

ويقول: "ومن المؤكد أن تجاهل السكان العرب الكرماء بإرجاع فلسطين لليهود، جزئيا أو كليا، وجعلها وطنا قوميا لهم، ستكون جريمة ضد الإنسانية. الحل الأكثر نبلا هو الإصرار على معاملة عادلة لليهود في الأمكنة التي يولدون ويتربون فيها. إن اليهود الذين ولدوا في فرنسا هم فرنسيون، بالضبط كالمسيحيين المولودين في فرنسا،" مضيفا أن الدعوة لوطن قومي تبرر طرد الألمان اليهود من المانيا.

وعن اليهود في فلسطين يقول: "إن فلسطين، كَفِكرة من الكتاب المقدس، ليست أرضا جغرافية، إنما هي في قلوبهم، ولكن إذ أصروا على إعتبار فلسطين الجغرافية وطنا قوميا فمن الخطأ دخولها تحت حماية البنادق البريطانية. فالعمل المبني على الدين لا يمكن تنفيذه بحراب البنادق أو بالقنابل. يستطيعون الإقامة في فلسطين إذا رضي العرب بذلك، وعليهم أن يربحوا قلوب العرب." ويضيف: "هناك مئات الطرق لإقناع العرب بهذا، شرط أن يتوقف اليهود عن الإستعانة بالحراب البريطانية، ولكنهم الآن يقتسمون مع البريطانيين ممتلكات شعب لم يُلحق بهم أي أذى."

ورغم أن غاندي تمنى أن يتبنى العرب اللاعنف، كما قال، "في مقاومة ما يعتبرونه إعتداء غير مبرر على بلادهم،" إلا أنه أضاف: "ولكنْ بناء على المبادىء الخاضعة للصواب والخطأ، لا يستطيع المرء أن يلوم المقاومة العربية في مواجهة الصعاب التي تداهِم العرب من كل جانب."

لقد برهنت الأحداث سنة بعد أخرى وعقدا بعد آخر أن خلق إسرائيل كان خطأ كبيرا وكارثي، وأن تصرف حكامها، الذين ورثوا الحركة الصهيونية، دعَم هذا الخطأ بدل أن يخفف من تبعاته، وما عنف الإسرائيليين المُفرِط في إنقضاضهم على فلسطينيي غزة العزّل إلا دليل على خوفهم من مصير مجهول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس