الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام والتطرف الديني

هنادي محمد الغلابي

2014 / 7 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


. بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبي الرحمة حبيب رب العالمين، إمامنا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
. بداية لابد أن نحدد سلفاً ما هو المقصود بالتطرف الديني.
لقد دأب الغرب على إطلاق تسمية ( الأصولية ) في وصف كل اتجاه متزمت لا يقبل أي حوار، يكافح متبعوه في سبيل رد الناس إلى نمط من الفكر والمعيشة والتصور كان يعد في فترة من الفترات التزاماً لجيل القاعدة الأولى في ظروفها ومقاييسها. وهذا الوصف يبدو دقيقاً حين يطلقه الغرب على الأصولية الإنجيلية، والأصولية الهندوسية، والأصولية الشيوعية، والأصولية التوراتية. ولكن هذا الوصف يبدو غير دقيق حينما نطلق لقب ( الأصولية الإسلامية ) على جماعات التطرف الديني، التي تنظر إلى العالم كله نظرة الخوارج إلى جمهور المسلمين على أساس أنهم حطب جهنم، دماؤهم وأعراضهم وأموالهم هدر مباح. إن هذا الربط بين المفهوم وبين أصول التشريع الإسلامي ربط هزيل ومائع، لأنه يسقط من حسبانه أهم خاصية من خصائص هذه الشريعة السمحة؛ ألا وهي المرونة والتطور في ظلال القيم الإلهية الثابتة، هذه الخاصية التي سمحت بشكل واقعي ظاهر أن تكون الشريعة الإسلامية هي الشريعة الصالحة لكل زمان ومكان
لقد كان هذا المعنى واضحاً غاية الوضوح لدى رجال الفكر الإسلامي، وأحب بهذا الصدد أن أنقل كلمة السيد الرئيس حافظ الأسد حينما سأله مراسل إحدى الصحف الأمريكية عن مشكلة الأصوليين فأجاب: نحن لسنا في مشكلة مع الأصولية الإسلامية، نحن في مشكلة مع اللا أصوليين... ذلك أن الذين يحتكمون إلى الأصول الإسلامية مدركون ما فيها من تسامح وحب وخير ويقدرون ما تشتمل عليه من مرونة وتطور ولا يمكن أن يشكلوا بحال من الأحوال عبئاً على أي وطن إسلامي.
إنني أعتبر ظاهرة الصحوة الإسلامية بركة حقيقية على الأمة، وخيراً ظاهراً، ونعمة مباركة تستوجب من المؤمنين الشكر الجزيل للمولى سبحانه وتعالى ولكن ترشيد هذه الصحوة وتوجيهها هو مسؤولية الدعاة إلى الله عز وجل، الذين يتعين عليهم أن يحولوا دون تسييس هذه العواطف النبيلة إلى مقاصد هدامة تسيء إلى الإسلام أكثر مما تحسن إليه وتعود على المسلمين بفادح الضرر والأذى.
إن دفع ظاهرة التطرف لا يمكن دون الوقوف على أسبابها وبواعثها، وقد رأيت أن نشوء التطرف الديني يمكن أن يرد إلى خمسة أسباب رئيسة:
ولاً - التطرف اللاديني:
إن سلوك كثير من الدول الإسلامية إزاء ظاهرة الانحلال والفساد الخلقي سلوك محيّر فثمة دول عديدة لا تفعل ما يجب إزاء تفشي الرذيلة وتفسخ الأسرة وتمزق الروابط الاجتماعية ولا تعمل ما يجب عمله تجاه شيوع الخمور والمخدرات وإلخ...
إن الإعلام يتحمل أكبر دور في هذه الظاهرة، بعد أن أصبحت وسائله داخل كل بيت تعرض الجريمة وتشجع على الرذائل، وتدعو إلى تمزيق الروابط الأسرية، ويتم إدراج القتلة والمجرمين دوماً في عداد الأبطال المغامرين، ووسطياً فإن الطفل لا يبلغ سن العاشرة حتى يشاهد بعينيه عشرات الممارسات من جرائم القتل، ومئات القرائن المفهومة التي تدعو للرذيلة، وعشرات المسلسلات التي تطالب بوضوح بوجوب نبذ التربية الإسلامية التي تتسبب في ( إرباك ) التوجه الحضاري للجيل الجديد، هذا فضلاً عن الفساد الذي ينشأ عن استعمال أشرطة الفيديو غير المراقبة إعلامياً.
إن هذه الوقائع حقيقة نملك عليها مئات الشواهد والأدلة، وكلها تُسهم في شطر المجتمع إلى شطرين متباعدين أيّما تباعد.... إما انحلال كامل وتفلت كامل، وتبعية عمياء لكل اتجاه خال من الفضائل... وإما غضب عارم شامل، وضياع تام للثقة المفترضة بين الشعوب الإسلامية وبين حكوماتها وقياداتها الوطنية على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والدينية، وبذلك يصبح المجتمع ضحية لأطماع المستغلين الذي يجيدون استثمار هذه العواطف الهائجة. وإن فئة قليلة هي التي تستطيع أن توازن نفسها بين هذه المتناقضات الصارخة.
إذن... إن التطرف اللاديني سبب رئيسي في ولادة التطرف الديني ولن نحسن توجيه الصحوة الإسلامية المباركة إلا إذا كافحنا بالحكمة ظاهرة الانحلال والفساد الخلقي، وأعدنا للفضائل والقيم الخلقية مكانها المعتبر في النصوص التشريعية، وأدوات السلطة ووسائل الإعلام، وهذا مصداق قول الله عز وجل: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم}(سورة الرعد: [ الآية: 11 ].).
تانيا ـ الإعراض عن شريعة القرآن:
إن قيام كثير من الأنظمة بتهميش وتغييب الشريعة الإسلامية والتراث الإسلامي المجيد الحيّ، قد أدى إلى ولادة تيار ينظر إلى سائر الأنظمة العربية والإسلامية على أساس أنها أنظمة ملحدة كافرة، وأن مقاومتها جزء من الجهاد الذي فرضه الله على الأمة.
فالمطلوب إذن إعادة الشريعة الإسلامية في كافة مجالات الحياة، مع أن أحداً منّا لا يجهل أن هذه الشريعة السمحة قادرة على مواكبة التطور في الزمان والمكان، قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليذّكر أولوا الألباب}(سورة ص: [ الآية: 29 ].)
ثالثا - الأصولية الصهيونية والأصولية الغربية:
إن الإعلام العالمي يتناسى وهو يتحدث عن أزمة التطرف الديني في الشرق الأوسط أن التطرف الصهيوني الذي يمارس أبشع أنواع العنف والاضطهاد في حق الفلسطينيين ويتحدى الأعراف والقرارات الدولية من غير أن يخسر منزلته كـ ( ولد مدلل ) للغرب هو أهم أسباب ولادة ما يسمى بـ ( الأصولية الإسلامية ). أضف إلى ذلك أن مجلس الأمن الدولي لا نزال نراه يقف متفرجاً أمام معاناة المسلمين في العالم، وخصوصاً في فلسطين والبوسنة والهرسك وغيرهما، من دون أن يسجل له أي موقف حازم تجاه التطرف المعادي للمسلمين والذي يمارس أبشع أنواع الاستبداد، في القاهرة، ثمة أكثر من أربعمائة فلسطيني يوشكوا أن يتحولوا إلى أربعمائة جثة تحت أكوام الثلوج العاتية في جنوب لبنان في مرج الزهور ومجلس الأمن يكتفي بأن يتمنى وبكل خجل على إسرائيل أن تنهي هذه المشكلة!... من غير أن يكلف نفسه عناء إجراء أي عقوبات اقتصادية أو غيرها ضد إسرائيل !..
إن هذا الأمر هو السبب ( الجوهري ) في ولادة تيار التطرف الديني.
إن منهاج التعليم والتربية الإسلامية عموماً بحاجة إلى إصلاح وتجديد، وثمة فتاوى صدرت في فترات من التاريخ تبدلت ظروفها كاملة، وتغيرت أطرها ومبرراتها ولابد من النظر إليها بوعي واستخلاص دلالاتها على ضوء الظروف الجديدة وضمن توجيهات الكتاب والسنّة. كما أن تخريج أجيال من حملة الشهادات الشرعية بثقافات منغلقة غائبة عن حركة التاريخ، غير واعية للعالم الذي تعيش فيه، يعتبر جهداً خاطئاً لابد من تقويمه حتى يسير في السبيل الذي ينسجم مع نظرة الإسلام في الكون والحياة، ومقاصد الشريعة السمحة، ببناء الأمة الماجدة، وعالم يسوده الإخاء والمحبة في ظلال كتاب الله وسنّة رسوله العظيم.
لقد بدأ النبي محمد صلى الله عليه وسلم دعوته في المدينة وهي مجموعة طوائف مختلفة، وفي غزوة أُحُد انسحب عنه ثلث جيش المدينة وتبين له أن ثلث الناس منافقون.. وبالرغم من كثرة المنافقين وتعدد جرائمهم ومخازيهم، لم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه أراق دم أحد منهم، ومازال يستأني بهم ويتعاهدهم بالحلم والإغضاء والتعليم والتأديب حتى سلمت له المدينة. {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}(سورة آل عمران: [ الآية: 159 ].). وسُجّل له صلى الله عليه وسلم تفاهم وتعاون وانفتاح مع ملك الحبشة النجاشي رغم أنه لم يُصلّ ولم يصم ولم يهاجر إلى رسول الله، وقد قال الله عز وجل: {والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا}( سورة الأنفال: [ الآية: 72 ].). ويوم توفي النجاشي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، إماماً بالمسلمين صلاته على الجنائز، كما أخرج ذلك الإمام البخاري في الصحيح، وسُجل له ود وتراحم مع نصارى نجران على نصرانيتهم،ومع مقوقس مصر على قبطيته، ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي. إن عقدة احتواء الناس بالجبر وقضم أفكارهم وآرائهم بالقوة لم تكن أبداً في منهج النبي صلى الله عليه وسلم، وعاش ومات وهو مكلل بشرف قول الله عز وجل: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}(سورة الأنبياء: [ الآية: 107 ]
إن المطلوب اليوم من علماء الدين الإسلامي إيضاح كيف استغل خلفاء وسلاطين المسلمين الدين ليوطدوا حكمهم لا أن يظهروا دولة الخلافة كالمدينة الفاضلة, فهم من خلال تضليلهم هذا المقصود وغير المقصود إنما يزرعون حلم في عقول مريديهم لن يكون له أي أثر سوى تخلف المسلمين واستمرارهم في الدرك الأسفل الذي يعيشون فيه.
لقد بات مطلب إخراج السياسة والتشكيلات الاجتماعية الحزبية من تحت إبط رجال الدين أمراً أكثر من ضروري, ففي الدين الإسلامي ليس هناك طبقة تسمى رجال الدين تختص بأوامر ونواهي معينة وحتى بأزياء معينة لتكون وصية على باقي المسلمين, فإن بقي مجتمعنا يشكل فكره السياسي عبر كتب الفقه وخطب المشايخ فقط فلن تقوم لنا قائمة إلى يوم الدين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 7 / 22 - 18:50 )
آيات الجهاد آيات دفاعيه , راجع :
http://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=48678

اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم