الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الأذكياء بشعون دائماً؟ لماذا؟

عصام سحمراني
(Essam Sahmarani)

2014 / 7 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في التراث العالمي الكثير من الأمثلة عن نوابغ لم يُعرفوا أبداً بوسامتهم، بل انّ بعضهم عُرف - على العكس من ذلك تماماً- ببشاعته، ولعلّ الفيلسوف الإغريقي -أو النبي- سقراط أبرزهم، كما هو الحال مع مثالنا العربي الشهير الأديب العباسي أبي عثمان عمرو بن بحر أو الجاحظ؛ صاحب "البخلاء"، وهو الذي نظمت الأشعار في قبحه الذي ضاهى عبقريته بحسب أهل عصره، فقيل فيه: "لو يُمسخُ الخنزيرُ مسخاً ثانياً.. ما كانَ إلاّ دونَ قبحِ الجاحظِ".

فما علاقة الذكاء والنبوغ والعبقرية بالقبح والبشاعة ودمامة الخلقة؟ وببساطة أكثر هل الأذكياء بشعون؟ لم ذلك؟ السؤالان الأخيران تحاول مجلة "سلايت"، في تقرير للكاتب دانيال إنغبر، أن تجيب عليهما عبر استعراض لعدد من الأفكار والنظريات الممتدة عبر التاريخ.

بين المظهر والهالة

ففكرة أنّ الوجه القبيح يخفي عقلاً لامعاً لطالما كانت فكرة جذابة. في البداية أراد العلماء أن يعرفوا إن كان من الممكن قراءة ذكاء شخص ما من شكل وجهه. وعام 1918 أظهر باحث من أوهايو في الولايات المتحدة عشرات الصور الفوتوغرافية الشخصية لأطفال يرتدون هنداماً أنيقاً أمام مجموعة من الأطباء والمعلمين، وطلب منهم أن يحددوا الأطفال من الأذكى إلى الأغبى. وبعد عامين أجرى عالم نفس من بيتسبرغ تجربة مشابهة عبر استخدام صور 69 موظفاً من مخزن القسم.

وفي الدراستين بدت التخمينات ساذجة في الظاهر، حين تمت مقارنتها بالنتائج الحقيقية، لكن سرعان ما اتضح أنّها كانت دقيقة في كثير من الحالات.

وقال باحث أوهايو إنّ بعض مواضيعه "تأثرت بشكل كبير بالمظهر اللطيف أو الإبتسامة العذبة، لكن وبينما توحي الإبتسامة للبعض بالذكاء فإنّها للبعض الآخر توحي بضيق الأفق". ونبّه الباحث، بالتالي، إلى أنّ سرّ الذكاء قد لا يكون مختبئاً في المظهر اللطيف.

وعام 1920 نشر عالم النفس من جامعة كولومبيا إدوارد ثورندايك نظرية باسم "تأثير الهالة" ليشرح فيها تأثير الهالة المحيطة بالشخص في الإستدلال على صفاته الفكرية؛ عبر اتساع تلك الهالة أو اضمحلالها. كما أكدت دراسات لاحقة أنّ تأثير الهالة يمكن أن ينشأ من صورة فوتوغرافية: فإذا ظهر شخص في الصورة وسيماً، يميل الناس إلى افتراض أنّه أكثر ذكاء، وأكثر اجتماعية، وذو قيمة أكبر. وطبعاً فإنّ افتراض شيء ما لا يدلّ -بالضرورة- على حقيقته.

أذكياء.. وسيمون

لكن ولدى الوصول إلى سؤال: هل يمكن أن يكون الأشخاص ذوو المظهر الجيد أكثر ذكاء؟ تبدو عندها المعلومات أقل وضوحاً. ولو أنّ عدداً من المراجعات للأدب يصل إلى أنّ هنالك علاقة إيجابية صغيرة بين الجمال والعقل. فقد تمكن محلل علم النفس التطوري ساتوشي كانازاوا من جمع كمية كبيرة من قواعد البيانات، من الدراسة القومية لتطور الأطفال في بريطانيا التي تضم 17 ألف شخص ولدوا عام 1958، والدراسة القومية الطولانية لصحة المراهقين في الولايات المتحدة التي تضم 21 ألف شخص ولدوا عام 1980. والدراستان تتضمنان معدلات الجاذبية الجسدية والنتائج وفقاً لاختبارات الذكاء المعيارية. وبعد أن حلل كانازاوا الأرقام وجد أنّ هنالك ترابطاً بين الجاذبية والذكاء، ففي الدراسة البريطانية على سبيل المثال نال الأطفال الجذابون 12.4 نقطة إضافية في حاصل الذكاء كمعدل. ومن هنا خلص كانازاوا إلى أنّ تأثير الهالة الشهير ليس وهماً معرفيا، بل هو قراءة دقيقة للعالم، وقال: "نؤكد أنّ أصحاب الجمال أذكياء لأنّهم كذلك!".

ومع ذلك فإنّ هنالك دراسات ومراجعات متناقضة، فبنظرة قريبة إلى صور المتخرجين من ثانوية ويسكينسون لعام 1957 نجد أنّه لا علاقة بين حاصل الذكاء والجاذبية لدى الطلاب الذكور، ولو أنّها بين الإناث علاقة موجودة.

كما أنّ الحكم لا يمكن أن يكون نهائياً فالتاريخ يمدنا بكثير من الأذكياء الذين كانوا قبيحي المنظر كالفيلسوف الإجتماعي الفرنسي جان بول سارتر مثلا الذي كان قصيراً وقبيحاً، كما يعترف هو نفسه بذلك في أحد كتبه. كذلك تخبرنا المصادر القديمة أنّ الفيلسوف العظيم سقراط كان دميماً أيضاً، وكذلك كان الموسيقي العبقري لودفيغ فان بيتهوفن والرئيس الأميركي ابراهام لينكولن.

ويكشف كانازاوا كذلك عن افتراضه أنّ الأشخاص الأذكياء مهووسون بالدراسة، وأن هؤلاء يميلون إلى النقص في المهارات الإجتماعية. وبما أنّ الأشخاص أصحاب المهارات الإجتماعية جذابون فقد يكون هنالك رابط غير مباشر بين الذكاء وأحد أنواع الجاذبية- على الأقل.

لكن إذا كنا نبحث عن الجمال الخالص كما يقاس بتقييم الصور أو قياس ملامح الوجه فإنّ الذكاء والمظهر الخارجي يسيران جنباً إلى جنب. أما لماذا يتم ذلك، فإنّ هنالك عدة نظريات منها أنّ جينات بعينها مسؤولة عن الجمال والذكاء معاً .

كما يرى كانازاوا أنّ الرجال الأذكياء يميلون إلى الإرتقاء في الهرم الإجتماعي ويختارون نساء جميلات كرفيقات، فتنال ذريتهم المجد من طرفيه.

فيما ترى نظرية ثالثة أنّ عوامل بيئية معينة داخل الرحم، أو بعد الولادة مباشرة، قد تنتج تشوهات خلقية وعاهات معرفية في الوقت نفسه، أو تناسقا وجهيا وذكاء مرتفعاً في الوقت عينه. كما تجد نظرية أخرى أنّ الأطفال الجذابين يعاملون بشكل أفضل ويتلقون انتباهاً اكبر من مربيهم ومعلميهم ما يساعد في تغذية ذهن أكثر حدة. وهنالك احتمال أخير أيضاً أنّ الأشخاص الأذكياء أكثر قابلية على الإعتناء بأنفسهم وبمظاهرهم.

وبذلك فإنّ الدراسات الأبرز والنظريات تربط أكثر ما بين الذكاء والجمال لا العكس، على الرغم من كلّ الأمثلة المذكورة للعباقرة البشعين. لكنّ كلّ ذلك يفتح أمامنا ميداناً أكبر للبحث عن معايير الجمال تلك، وهل هي نفسها بين بلد وآخر وزمن وزمن؛ شأنها في ذلك شأن الجمال المعلّب هوليوودياً والمقدّم للعالم أجمع كنموذج وحيد؟ كذلك لا بدّ لنا من خوض مجال بحث آخر عن الفارق بين الذكاء نفسه والعبقرية، فهل الثاني نتيجة للأول؟ أم تصدر العبقرية من مورد آخر بعيد عن الذكاء!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تعتزم فرض عقوبات على النظام المصرفي الصيني بدعوى دعمه


.. توقيف مسؤول في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس- لحساب الصين




.. حادثة «كالسو» الغامضة.. الانفجار في معسكر الحشد الشعبي نجم ع


.. الأوروبيون يستفزون بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال الق




.. الجيش الإسرائيلي ينشر تسجيلا يوثق عملية استهداف سيارة جنوب ل