الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزّة : عدوان غادر ، ومقاومة من طراز جديد

محمود جديد

2014 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



شكّك كثيرون بجدوى ردّ المقاومة الفلسطينية في غزّة على العدوان الصهيوني الغاشم ، على الرغم من تباين منطلقات ودوافع هذا التشكيك .. فالبعض انطلق من حرصه على الدم الفلسطيني ، وقطع الطريق على المزيد من الدمار في هذا القطاع المنكوب ،وعدم ثقته بقدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية الضخمة .. والبعض الآخر دفعته أحقاده ضدّ المقاومة وخياره الخاطئ بالاصطفاف إلى جانب مشاريع التسويات المذلّة مع العدو الإسرائيلي والانجراف في مجرى التطبيع معه .. ولكنّ الطرفين يجمعهما قاسم مشترك واحد هو تقدير الموقف السياسي والأمني الخاطئ ، واعتماد معايير الربح والخسارة استناداً إلى مفاهيم عسكرية كلاسيكية عاجزة عن تقييم العمل المقاوم وانعكاساته ونتائجه في ساحة الأعداء والأصدقاء ... ولو التزم المناضلون من أجل الحريةّ عبر التاريخ بهذه المفاهيم لما حدثت ثورة في العالم .. فالعمل المقاوم ، والانتصار والهزيمة شيء نسبي مادّي ومعنوي ولا تُقاس بالمتر والكيلو والقطعة ...
ووصل ببعض آخر إلى درجة التشكيك بدوافع العمل المقاوم من الأساس ، وربطه بهذا الطرف أوذاك على الصعيد العربي والإقليمي والدولي ، واتهامه بالعمالة وتنفيذ مخططات الآخرين وسياساتهم في فلسطين والمنطقة .. لا بل يوغل البعض في نهج الاتهامات الظالمة ويحمّل المقاومة وزر ماحدث ويحدث ، ومبرّئاً الكيان الإسرائيلي من مسؤولية ماجرى في غزة أو غيرها ويضعه في خانة الدفاع عن النفس .. ومتناسياً معاناة أبناء فلسطين وخاصة في القطاع ، وسياسة الحصار والاستيطان ومصادرة الأراضي وهدم البيوت واعتقال الشباب ومفاعيل القوانين الجائرة المفروضة على الفلسطينيين في العمل والسكن والبناء والإقامة والتعليم والتنقّل ، والأذى اليومي الذي يتعرّضون له من قبل المستوطنين الغرباء وجنود الاحتلال الإسرائيلي .. ويُضاف إلى ذلك نكوص حكومة العدوعن اتفاقاتها والتزاماتها السابقة مع الأطراف الفلسطينية ، ومن فصولها : إعادة اعتقال المناضلين الفلسطينيين الذين حُرّروا في صفقة / شاليط / ، وعدم تنفيذ إطلاق الدفعة الرابعة من المعتقلين القدامى والنواب الفلسطينيين وفقاً للاتفاق المبرم مع السلطة الفلسطينية ، والاعتقال الإداري دون محاكمة ..واعتقال المئات عقب اختفاء ومقتل الإسرائليين الثلاثة ، على الرغم من عدم إثبات التهمة على أيّة جهة فلسطينية محدّدة ، لا بل أنّ إحدى الأقنية التلفزيونية الألمانية ذكرت أنّ مقتلهم عبارة عن مسألة جنائية في الوسط الإسرائيلي ، ولم يُشفِ غليل نتنياهو ومؤيديه جريمة حرق الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير وهو حيّ ، والمجرمون الذين اقترفوها معروفون ...
ويُضاف إلى ذلك وجود آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال ومعاناة الذين صام منهم عن الطعام لفترات طويلة وما يتعرّضون له من مخاطر .. هذا كلّه في ظلّ تقاعس عربي ، وإهمال دولي لحقوق الشعب الفلسطيني ، ووجود نظام عالمي يدعم ويساند هذا الكيان الغاصب .. هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني والطرق المسدودة التي وصل إليها اتفاق أوسلو المشؤوم بعد 21 سنة من إبرامه، ألا تدفع أبناء فلسطين لحمل السلاح ضد العدو المحتل .. ؟. ألا يحقّ لهم الدفاع عن النفس لصد العدوان الغادر الإسرائيلي الذي يُشنّّ الآن ؟
وعلى كلّ حال ، هناك دروس وعبر ، وملاحظات واستنتاجات كثيرة من صمود أبناء غزّة الراهن فرضت نفسها أمام أعين الجماهير الفلسطينية والعربية لا يستطيع إنكارها إلّٰ-;-ا كل جاحد مكابر أو أعمى البصر والبصيرة ، من أهمّها :
1 - الإعداد الجيّد لصد الاعتداءات الإسرائيلية سواء في مجال الحصول على الأسلحة من أطراف عربية وإقليمية ، ونوعيّة الأسلحة وعددها ، والتدريب عليها ، وإخفائها ، وابتكار أو صنع وتطوير بعضها محليّاً ، أم في مجال تحقيق أمن المقاومة ومكافحة جواسيس العدو ، وحفر شبكة أنفاق واسعة للحماية والمناورة وإخفاء الصواريخ ووقايتها من التدمير ، ودرء الكثير من مخاطر الطيران الإسرائيلي على المقاومين الفلسطينيين وسلاحهم وعتادهم ..
2 - الاستفادة من الخبرة القتالية المتراكمة الطويلة للثورة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية ، وابتكار أساليب جديدة لم تكن واردة في حسابات العدو ممّا أربكته وأوقعت به خسائر لم يعهدها سابقاً ..
3 - تحقيق تلاحم نضالي بين مختلف الفصائل المقاومة ، وتأمين تنسيق تعاون وتكامل بين أطرافها .. واتباع أساليب جديدة في التفاوض وفرض المطالب الفلسطينية العادلة والثبات عليها ، ورفض الخنوع للضغوط الخارجية كيفما كان مصدرها ، وإجادة تحمّل عضّ الأصابع بهدف إيلام العدو أكثر فأكثر وإجباره مع حلفائه على التسليم بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية العادلة عاجلاً أم آجلاً ..
4 - النجاح في تحقيق الوحدة الفلسطينية داخل قطاع غزة وخارجه ، وتأمين التفاف شعبي رائع ليس له مثيل في السابق .. ممّا أرغم فريق أوسلو على حني الرأس للإرادة الشعبية ( ولو مؤقّتاً ) والتكيّف مع المعطيات الجديدة التي فرضتها بطولات وتضحيات وإنجازات فصائل المقاومة في غزة ، وخاصة بعد أن عجز عن تحقيق أي شيء على الساحتين العربية والدولية يحفظ ماء وجهه أمام شعبه المنكوب ...
5 - إنّ موقف الضفة الغربية الراهن ، وعدم القيام بواجباتهاالوطنية بالمستوى المطلوب لمساندة ودعم غزّة يكشف مدى تدجين قطاعات واسعة من حركة فتح التي كانت دائماً سبّاقة في النضال ، واحتوائها وامتصاص طاقاتها في مسارب السلطة والأمن وامتيازاتهما ، وفي الوقت نفسه ملاحقة واعتقال الرافضين هذا التدجين من شهداء الأقصى وغيرهم ، مع العلم أنّ قيام انتفاضة ثالثة في الضفة يرعب الكيان الإسرائيلي ، نظراً لموقعها الاستراتيجي الهام وطبيعتها الجغرافية والطبوغرافية ، ومجاورتها للتجمّعات السكّانية الأكبر في فلسطين المحتلة واتساع مساحتها ، وعدد سكانها .. وحدودها الطويلة مع الضفة الشرقية في الأردن ذي الأغلبية الفلسطينينة ، وقربها من المخيمات الفلسطينية في سورية ولبنان .. وهاهي بشائر ومؤشّرات انتفاضة الضفة الغربية أطلّت علينا ، وإذا اُستكمٍلٓ-;-تْ واستمرّت ستعدّل موازين القوى بشكل ملحوظ وفعّال لصالح القضيّة الفلسطينيّة ، والتسريع في حصول ثوّار غزّة على مطالبهم وحقوقهم العادلة، ولذلك فالمحافظة على الوحدة الوطنية الفلسطينية وتطويرها وتعزيزها هي المنطلق والأساس لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني المعروفة بكاملها .
أمّا في الجانب الإسرائيلي فيمكن تسجيل الملاحظات التالية :
1 - فشل الحكومة الإسرائيلية في توجيه الضربة القاصمة التي تبتغيها ضدّ فصائل المقاومة في غزة وعلى رأسها : كتائب عزالدين القسّام ، وسرايا القدس ، وتدمير وتفكيك مخزونها الصاروخي ، وشبكة أنفاقها .. من خلال شنّ عدوانها الجوي والبحري والبرّي على. قطاع غزّة .. وتجلّى هذا الفشل بعجز / الموساد / عن كشف الاستعدادات الفلسطينية من حيث حجم ونوعية الأسلحة والصواريخ وتخزينها وإخفائها ، وأسلوب الحصول عليها ، وتصنيعها وشبكة أنفاقها .. وتراجع دور عملائها في غزة .. وهذا ما جعل القادة العسكريين والسياسيين الإسرائليين يتّخذون القرارات الخاطئة ويفقدون الكثير من المصداقية تجاه الإسرائيليين والعالم ،ويزيد من خسائر الجنود والضباط الإسرائيليين ، ويُربِك المجتمع الإسرائيلي برمّته ..
2- إنّ جسامة الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في غزة والولوغ في الدم الفلسطيني ، سيعرّي الكيان الإسرائيلي أكثر فأكثر على الصعيد العالمي ويزيد من دائرة فضح ممارساته الإجرامية والضغط عليه ، كما سيعرّض قادته للملاحقة كمجرمي حرب وإحالتهم للمحاكم الدولية المختصة ، ولهذا الغرض يجب على السلطة الفلسطينية الإسراع في الانضمام إلى اتفاقية روما ومتابعة مقترفي الجرائم من الإسرائيلين دون تردّد أو تلكّؤ أو مماطلة هذه المرّة ...
3 - أثبت التصدّي الفلسطيني للعدوان بصواريخ المقاومة فشل القبّة الحديدية في أداء وظيفتها التي أنشئت من أجلها وشكّل ذلك لطمة موجعة للصناعات الأمريكية والإسرائيلية في هذا المجال ..
4 - إنّ استمرار صمود المقاومة الفلسطينية في تصدّيها للعدوان ، وتلقّي الداخل الإسرائيلي آلاف الصواريخ سسيلحق ضربة مؤلمة للهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة ، ويزيد من وتيرة الهجرة المعاكسة إلى خارج الكيان الصهيوني ...
5 - إنّ عجز الحكومة الإسرائيلية عن تحقيق أهدافها من عدوانها الغادر على غزّة سيؤثّر سلباً على الدور الاستراتيجي الخطير الذي وُجٍدت من أجله في فلسطين ، وهذا ماسيُخفٍض من أسهمها لدى الغرب ، ويفسح المجال للتخلّي التدريجي عن دعمها مستقبلاً ، لأنّها في الأساس مشروع استعماري خبيث ، وعندما يصبح خاسراً ستتمّ إدارة الظهر له .
وأخيراً ، إذ نعتمد عرض هذه الصورة الإيجابية لصمود أبناء غزّة وبطولاتهم وتضحياتهم ، لا يغيب عن بالنا حجم عدد الشهداء والجرحى وهول الخراب والدمار الذي حلّ في القطاع ، أو الذي يمكن أن يحلّ ، ولهذا فالمطلوب من كلّ إنسان حر شريف أن يقدّم أي شكل من أشكال الدعم المادي ، والطبّي ، والإغاثي ، والإنساني ، والإعلامي ليس في وطننا العربي فحسب ، بل في العالم أجمع ..ومطالبة كافّة المنظّمات الحقوقية والإنسانية أينما وجِدت بالإسراع في القيام بواجباتها تجاه شعب غزّة المنكوب ، وفضح وتعرية العدوان الإسرائيلي ، وملاحقة مجرميه أمام المحاكم الدولية .. ومناشدة الجماهير العربية وكل أحرار العالم النزول إلى الشوارع في كلّ مكان متاح للتنديد بالعدوان ، وبداعميه وحماته .. والدعوة لمقاطعة الكيان الإسرائيلي سياسيا واقتصاديا وعسكرياً ودبلوماسيا ، وهذا كلّه سيساعد على وقف العدوان ، والإسراع في لملمة الجراح ، وإنهاء المعاناة ، وإعادة الإعمار ، وتحقيق مطالب أبناء غزّة في رفع الحصار الظالم المفروض عليهم ، ونيل حقوقهم المشروعة بمنافذ برية وبحرية وجوية .. وتتحمّل جمهورية مصر العربية والجامعة العربية ومجلس الأمن مسؤولية كبيرة خاصة في تنفيذ ذلك وإنصاف الشعب الفلسطيني المظلوم ، والتاريخ لن يرحم أحداً ..
في : 26 / 7 / 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينتقم لمقتل 3 من قادته وإسرائيل تحشد ألوية عسكرية ع


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يسحب اهتمام الغرب من حرب غزة




.. الأردن يؤكد أن اعتراضه للمقذوفات الإيرانية دفاعا عن سيادته و


.. رئيس وزراء قطر: محادثات وقف إطلاق نار بغزة تمر بمرحلة حساسة




.. تساؤلات حول أهلية -المنظومة الإسرائيلية الحالية- في اتخاذ قر