الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة.. معركة الجدار الأخير

حسن شاهين

2014 / 7 / 29
القضية الفلسطينية


ملاحم ومآثر هزت وجدان العالم، تلك التي سطرها الشعب الفلسطيني في غزة وهو يتصدى للعدوان الهمجي للدولة المارقة الطارئة على المنطقة وعلى التاريخ. لقد أذهلت بطولة المقاومة الفلسطينية الباسلة الصديق قبل العدو، وغيرت حسابات كل من كان وراء الحرب الإسرائيلية المجرمة على غزة، سواء من نفذ ومن تواطأ ومن تآمر. هؤلاء الذين ظنوا أن لحظة القضاء على الجيب الباقي للمقاومة الفلسطينية قد أزفت، فخيبت غزة فألهم بصمود أهلها وثبات مقاومتها.

جاءت الحرب العدوانية على غزة والقضية الفلسطينية تمر بأسوأ مراحلها منذ نكبة 1948 على كافة المستويات، سواء المتعلقة بأوضاع الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده، أو حالة الأراضي الفلسطينية المحتلة اليوم مع تكثيف الاحتلال لسياساته الكولنيالية والأبرتهايدية في ظل الغطاء الذي وفرته "عملية" المفاوضات مع قيادة م.ت.ف طوال 20 عاماً، علاوة على تراجع مكانة القضية الفلسطينية بشكل لافت على المستوى العربي بعد تفجر ثورات الربيع العربي وما تبعها من حروب أهلية ونزاعات واضطرابات في غير بلد عربي.
جاءت الحرب العدوانية الإسرائيلية، وغزة محاصرة، والضفة ينهشها الاستيطان، والقدس تُفرغ من سكانها العرب، واللاجئون في الشتات تمارس عليهم الضغوطات من كل نوع لتصفية قضيتهم.
جاءت الحرب العدوانية الإسرائيلية، والنظام السياسي الفلسطيني يمر بأعمق أزمة شهدها منذ انطلاقة الثورة. فمنظمة التحرير الفلسطينية باتت هيكل مفرّغ من مضمونه، و"فتح" مفككة ومنهارة، ومشروعها السياسي، الدولة في حدود 1967، إبتُذل إلى إدارة ذاتية لكانتونات الضفة الغربية، وقوة أمنية لحماية للاحتلال من غَضْبة الشعب المحتل.
أما "حماس"، فقد دفعت ثمن خياراتها السياسية الخاطئة بدءاً من إقدامها على تشكيل حكومة السلطة الفلسطينية منفردة في آذار 2006، مروراً بخطيئة السيطرة على غزة، وصولاً إلى مغامرتها بالرهان على مشروع الإخوان المسلمين في المنطقة بعد الثورات العربية، واندفاعها الأرعن في مساندة "إخوانها" في غير بلد عربي، مفتقدة بذلك إلى حس المسؤولية الوطنية خاصة وأنها تسيطر على إقليم فلسطيني له ارتباطاته المصيرية مع الدولة العربية الأكبر بحكم الجغرافيا.
كان الثمن الذي دفعته باهظاً، فوقَّعَت مع فتح اتفاق الشاطئ الذي هو أقرب إلى وثيقة استسلام قدمتها "حماس" لا لمحمود عباس، بل لمن يدعمه ويسنده من أطراف إقليمية ودولية.
أما اليسار الفلسطيني فمستغرق بأزمته المستدامة، عاجزاً عن لملمة شتات نفسه، لا بل مهدد بمزيد من التشرذم والتفتت.
جاءت الحرب العدوانية الإسرائيلية، والقضية الفلسطينية بدأت تفقد شيئاً فشيئاً عمقها العربي، لا على المستوى الرسمي فحسب، بل والشعبي كذلك. لانشغال الشعوب العربية بأزماتها الداخلية من جهة، وللتحريض المستمر والمكثف ضد الشعب الفلسطيني، وتحميله مسؤولية كثير من الأزمات التي عصفت بدول عربية عدة، بشكل لا يمكن اعتباره إلا مدبراً وممنهجاً.
جاءت الحرب العدوانية الأسرائيلية، وقد تراجعت مكانة القضية الفلسطينية في المحافل الدولية المختلفة، كنتيجة طبيعية لتخلي "الممثل الشرعي والوحيد" للشعب الفلسطيني عن خطاب ونهج التحرر الوطني، وتقديم الفلسطينيين لأنفسهم بصورة سيئة بعد الانقسام الداخلي.

في ظل هذه الظروف المحيطة بالقضية الفلسطينية، وجدت إسرائيل أن الفرصة سانحة أمامها لإجراء تغيير جذري على الواقع في قطاع غزة.
لم نكن منذ البداية أمام عمل عسكري محدود، والإيهام بذلك ليس إلا خدعة. إن مراجعة كيف تطورت الأحداث بعد خطف ومقتل ثلاثة مستوطنين في الخليل، في عملية غامضة لم يمط اللثام عن ملابساتها بعد، بدءاً بحملة المداهمات والاعتقالات الواسعة في الضفة الغربية، مروراً إلى الإعلان عن عملية "الجرف الصامد" العسكرية في غزة، والتي كان يُعتقد أنها ستقتصر على القصف الجوي، وصولاً إلى بدء العملية البرية الآخذة بالتوسع المتدرج الذي لم يتّضح مداه بعد؛ إن مراجعة كل ذلك يجعل من الصعب -لا بل من السذاجة- تجاهل فرضية أن إسرائيل خططت منذ البدء لحرب حاسمة في غزة، واتبعت تكتيك كرة الثلج في تنفيذها.

إسرائيل تريد أن تكسر بالقوة ما تبقى من إرادة مقاومة لدى الشعب الفلسطيني، وتفرض عليه الاستسلام. لقد نضجت الظروف بنظرها لإنهاء القوة المسلحة للمقاومة أو على الأقل إيقاف فاعليتها، خاصة القوة الصاروخية، والتي ظهرت في حرب 2012 كمُدْخَل نوعي في ميزان القوة لصالح المقاومة، ويمكن أن تحدث نوعاً من توازن الردع مع جيش العدو رغم فارق القوة الهائل.
إسرائيل تعلم أنها لا تستطيع أن تحقق نصراً عسكرياً ناجزاً يمكنها من الوصول إلى هدفها، إلا بإعادة احتلال القطاع بالكامل، وهو ما لا ترغب به ولا طاقة لها بأكلافه الباهظة على كافة المستويات.
لقد أعلنت إسرائيل أن هدف "عمليتها العسكرية" في غزة هو وقف إطلاق الصواريخ من غزة، هذا في البداية، وبعد أسبوعين على الحرب أصبح الهدف هو هدم الأنفاق، وكلا الهدفين وهميين. إن الهدف العملياتي الحقيقي للجيش الإسرائيلي في هذه الحرب العدوانية يتمثل بضرب المجتمع الفلسطيني بشكل مباشر وإيقاع خسائر قاسية في ناسه ومقدراته، حتى ترضخ المقاومة وتلبي هدف إسرائيل السياسي للحرب، وهو نزع سلاحها المؤثر.
وهذه النوايا المبيته تكشفت بعد أيام من بدء حرب إسرائيل العدوانية على لسان رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، حين صرح بأن إسرائيل وافقت على المبادرة المصرية في سبيل نزع سلاح قطاع غزة من الصواريخ والانفاق، عبر السبل الدبلوماسية، مهدداً بتوسيع العملية العسكرية حتى تستجيب حماس لذلك، ومن بعده أكد الرئيس الأمريكي أوباما ووزير خارجيته على نفس المضمون.

إن هذه الحرب، على عكس ما كان يُعتقد في بداياتها؛ حرب مصيرية بالنسبة للشعب الفلسطيني، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فهي حرب الدفاع عن الجدار الأخير للقضية الفلسطينية التي كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تصفى، ولم يعد أمام الفلسطينيين من سكان القطاع إلا الصمود، ومن هم خارجه مطالبون بتجسيد أعلى درجات التضامن مع أهلهم في غزة، والاشتباك المتصاعد مع الاحتلال في الضفة الغربية ومناطق الـ48.
وقد أدرك الشعب الفلسطيني بحسه العفوي مصيرية المعركة التي تخوضها المقاومة في غزة اليوم، وهو ما يفسر عودة الروح الوطنية الجامعة بين أبنائه بشكل لم نألفه طوال السنوات العجاف التي تلت انطلاق عملية التسوية، ويذكرنا بالسنتين الأولتين لانتفاضة عام 1987.

يريد العدو أن يخرج منتصراً من هذه المعركة بأي ثمن، فلا إسرائيل الكيان ولا إسرائيل الدور، تحتملان نشوء توازن ردع جديد، على الجبهة الجنوبية، بعد ذلك الذي حققه حزب الله على جبهة الكيان الشمالية. لذلك، فقد تطول الحرب، ويزداد استهداف العدو المسعور للمدنيين، لكسر التماسك المذهل للجبهة الداخلية الفلسطينية وتوحدها خلف مقاومتها. وهو ما سيفشل به حتماً، لأنه لم يدرك بعد أنه يشن حرباً على شعب يدافع عن الجدار الأخير لوجوده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في


.. التوتر يطال عددا من الجامعات الأمريكية على خلفية التضامن مع




.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي