الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
بقية قلب ..!
علي غشام
2014 / 7 / 31الادب والفن
كان لي في بداية عمر المراهقة توجه ديني حد التصوف واعتبرها تجربة رائعة فتحت لي باب للتعرف على الأفكار والنظريات الفلسفية ومن ضمنها الماركسية .. هذا لأنني عشت في بيئة فقيرة منعزلة عن المُدنية واغلب سكانها من البسطاء الكسبة وأنا أصلاً من بيئة فقيرة دائمة العَوَز ، الناس في محيط مراهقتي وشبابي ترى الحاكم على خطأ وظالم وهم مصيبون في نظرتهم تلك لأن حكامنا أوغلوا باضطهادهم وجعلهم يتسولون الراحة والاطمئنان من خلال هروبهم من البلد او السفر الى الخارج طلباً للرفاهية او الحرية في كل شيء او اختيار جانب المعارضة وبالنتيجة ينتهي أمره اما معدوما او مسجونا او هارباً .
شاءت الظروف ان اخرج من البلد تحت مطرقة العنف والرصاص آذار عام 1991 وهنا جائت نقطة التحول الكبرى في حياتي حيث تنفست هواء الحرية لأول مرة في حياتي وصلت الحدود حيث الهروب الجماعي لأكثر من عشرين ألف بصري من أبناء مدينتي المقهورة ، لا استطيع ان أمحو ما رأيت في تلك الفترة لأنها أصبحت نقطة تحول لي ولمعظم من رافقني طريق الهرب ، الناس مزدحمون يتوسلون حرس الحدود الإيراني بالدخول نجاةً بأنفسهم وبقية متاع هم وأطفالهم ونسائهم تحت أزيز الرصاص والقصف من الخلف وبين تعنت الحراس الإيرانيين ومنعهم من الدخول 18آذار1991 ، أشد ما آلمني منظر تلك المرأة التي لم تتجاوز الثلاثين بعد وهي تجر طفلها بيد وتحمل الآخر على ذراعها باليد الأخرى حين باغتتها احد بنادق الحراس الأوغاد برصاصة خرجت بين جموع الناس المتجمهرة والمتحفزة لدخول إيران الدولة (الإسلامية) ...!
سقطت ساكتة دون حراك وصغيرها يتدلى على صدرها والآخر اختفى بين غابة السيقان الملتفة وبين عجلات اصحاب السيارات من الذين كانوا ينشدون الخلاص ايضاً والوصول الى أرض الميعاد الزائفة متصورين إنهم يدركون بقية سنين تبقت لهم من أعمارهم يعيشونها بسلام ..؟!
اشد ما آلمني إنني تعرفت على تلك الجثة للشابة الميتة ..فهي أخت احد الأصدقاء فحملناها ورجعنا بها للأرض العراقية وهي تنزف ما لبث أن توقف قلبها عن النبض واصفر لون وجهها واصطبغت ثيابها بلون الدم المخيف ..
حفرنا لها ما استطعنا ان نسميه قبرا لها فقد اخذ الجوع والتعب منا ما أخذ ودفنتها بيدي أنا وأخيها (صديقي) وأنا ألعن كل ما حولي من أشياء لا يمكن ان أتصور او أعيد تلك المشاهد التي عشتها ورافقتني كل السنين الأربعة عشر في منفى حقير ، أقضت مضجعي الكوابيس من هول ما رأيت وعنف اللحظات التي تسمرت الذاكرة والزمن عليها مسترجعا شريط ذكرياتي لا عناً مجيئي لهذه الحياة التي لا اعرف لحدّ الآن طعم راحةٍ فيها متحولاً الى قطعة من فجيعة لمناظر توالت عليَّ ومشاهد ما زلت أرى هولها وفداحتها وشرها .. مشاهد أصبحت روتينية في القتل والتدمير والتهديم والشر المنفلت وكأن شيء ما او بئر او ربما كوة من الجحيم أزيح غطائها لتخرج علينا كل شرور الأرض دفعة واحدة تلتهم شوارعنا وأسواقنا ومدارس أطفالنا ومدننا البائسة تحت رحمة وسلطة نفايات الأرض ونَكِراتها وجلافة الأعراب الذين تربوا على طائفية مقيته حدَّ النخاع ، شر داهم حياتنا منذ أكثر من أربعين عاماً بين رعونة حكام سَفلة وأفكار بَنتّ في داخلنا كره الأخر والتربص به وكأنهم كانوا يعدوننا ويبنون فينا بنياناً للجحيم بداخلنا وتعاليم اختلط مقدسها بمدنسها بتعمد وإصرار تهيئةً لهدم ما فلت من أيدي الحكام الرعناء تهديمه او النيل من بقايا الحياة فيهِ ..!!
ممكن ان يعاد تعمير بنايات الاسمنت وجعلها جميلة وأكثر حداثة من قبل وممكن ان يبلط شارع او يعلوا رصيف او يعاد تشغيل مصنع او معمل او ورشة او مدرسة ....؟
ولكن ليس من الممكن إعادة تعمير تلك الانكسارات والتداعيات الرهيبة وحجم التخريب النفسي وسيطرة منهجية العنف المنفلت في نفوس شعب تجاوز تعداده الثلاثون مليون نسمة يتباهى بقتل الآخر وسلب ماله وانتهاك عرضه ولو قدر للأدوار ان تنعكس لفعلت الضحية فعل الجاني ..
هل بقي شيء بعد ان تحول القديس الى إبليس فالتراب أولى بأجسادٍ لا تعرف معنى ان يكون الانسان مقدس....؟!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح