الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضياع المثقف بين النخبويه ودور الداعية

أمجد نجم الزيدي

2014 / 8 / 5
الادب والفن


تعقيب على بحث الاستاذ علاء هاشم الموسوي (المثقف العراقي وسؤال الادوار المغيبة – قراءة في المشهد الثقافي العراقي بعد 2003)
أمجد نجم الزيدي
(كل الناس مثقفون، لكن ليس لهم كلهم ان يؤدوا وظيفة المثقفين بالمجتمع)1
غرامشي
في بدء مداخلتي هذه اود التركيز على عنونة البحث ومدى ملامسته للمتن (المثقف العراقي وسؤال الادوار المغيبة – قراءة في المشهد الثقافي العراقي بعد 2003) والذي يحيلنا الى ان البحث سيقدم لنا تلك الاجابات التي نطمح لها، بكشفه لاسباب تغييب دور المثقف، ومن هي الجهة التي تقف وراء ذلك التغييب هل هي المنظومة السياسية العراقية المتعثرة دائما منذ بناء الدولة العراقية الحديثة، ام المنظومة الاجتماعية التي تعاني من انفصام هوياتي حاد، او المنظومة الدينية السلفية، بينما نرى ان البحث يركز وينشغل في تبيان طبيعة تكوين النخبة الثقافية ومشاكلها، والذي قاد البحث ربما صوب هذه الوجهة هو ارتكازه على طروحات علي حرب في كتابه (أوهام النخبة)2 وطروحات عبدالله بلقزيز في كتابه (نهاية الداعية)3، والذين يضعانا في مدار سؤال كبير لازال يؤرق مثقفينا، وهو الدور الذي من المفترض ان يلعبه مثقفنا، والتأرجح ما بين ان يتقوقع على نفسه ويبني تصوراته عن الحياة والمجتمع والكون انطلاقا من مايسميها علي حرب بأوهام النخبة، او ان ينخرط في لعب دور الالتزام السارتري الذي يقوده الى لعب دور الداعية بتعبير بلقزيز.
فالمثقف حسب راي علي حرب في كتابه المذكور هو (من تشغله قضية الحقوق والحريات، او تهمه سياسة الحقيقة، او يلتزم الدفاع عن القيم الثقافية، المجتمعية او الكونية، بفكره وسجالاته او بكتاباته ومواقفه (...) فالمثقف هو الوجه الاخر للسياسي، او المشروع البديل له)4، وكما هو واضح من اقتباسنا عن علي حرب؛ انه يركز على مفهوم الالتزام، وان كان ليس هو الالتزام التقليدي المنساق الى (تسيس مفرط انتهى بها الى لغو ايدلوجي)5 بتعبير عبد الله بلقزيز، ففكرة الالتزام التقليدية (انما تقرر وظيفة اجتماعية للمثقف تفترض انها حيز من حيزات الثقافة وشكل من اشكال حراكها المفترض، وبمقتضى ذلك الافتراض لا تكون وظيفة المثقف فكرية او معرفية فحسب وانما اجتماعية)6، لذلك فقد انبنت معظم طروحات الورقة البحثية على المثقف الملتزم التقليدي، الذي يتردد بين الموقف الثقافي الصرف والموقف السياسي، او الذي ينتظر مبادرة السياسي او الوضع السياسي المهيئ، والتي تصل به في بعض الاحيان الى حيز الاغتراب، حيث يقول الباحث عن المثقف العراقي مابعد 2003 انها (مرحلة ادخلته في صراع مع الذات مقارناً وجوده فيما بين المرحلتين، قبل 2003 وبعدها رافضاً حينا ومتقبلا حينا أخر، هو يحاول هضم ما يحدث له من تسارع في خطى أشبه ما تكون بحرق المراحل في شتى مناحي الحياة، تقلبات فرضت عليه فرضاً وما عليه الا ان يساير الوضع الاجتماعي والسياسي العام في البلد في ظل غياب رؤية صادقة منحازة للوطن والمواطن والوطنية).
وهذه المراوحة مابين فكرة الالتزام والنخبوية دعت الكثيرين الى التطرف في فكرة الالتزام، وإن غلفوها بصيغة اكثر عصرية وهي (دور المثقف)، الى الدعوة الى تشكيل قوة ضغط للمثقفين ليس كمثفين بالتصور النمطي للمثقف، او المثقف الذي يزيح السياسي ويأخذ دوره بتوصيف علي حرب، وانما بناء قوة سياسية من المثقفين، كتشكيل أحزاب سياسية وهذا ما رفع شعاره بعض المثقفين العراقيين قبل عدة سنوات، او تجمعات ثقافية ذات فعل سياسي، او بتعبير الباحث (جماعات ضغط ذات قيم واهداف مشتركة تساهم في الحدث السياسي الذي يؤول الى التغيير المنشود من قبلها)، وهذا بتصوري هو انزلاق في مستنقع السياسة، والتفريط بالدور الذي من الممكن ان يلعبه المثقف في دائرته ووسطه الثقافي حيث –كما يقول ادوارد سعيد- (لا وجود البته لمن يمكن وصفه بمثقف خاص، لانك تدخل العالم العام منذ اللحظة التي تكتب فيها كلماتك ثم تنشرها، كذلك لايوجد مثقف عام فقط، اي انسان يعيش كمجرد رئيس صوري او متحدث باسم جماعة او افراد او هيئات، او رمز لقضية، او حركة، أو موقف، فعلى الدوام ثمة نبرة شخصية وحساسية خاصة، وهاتان السمتان، هما اللتان تعطيان معنى لما يقال او يكتب)7.
فالمثقف حسب رأي علي شريعتي في كتابه مسؤولية المثقف (كلمة تطلق على فرد من طبقة أو شريحة معينة تقوم بعمل عقلي، فنحن نصنف طبقات المجتمع اعتبارا من نوع العمل الذي تقوم به كل طبقة، او نوع النشاط الذي تقدمه للمجتمع)8، أو بتعبير عبد الله بلقريز (ان تقسيم العمل في المجتمعات الوسيطة والحديثة (اي عمل فكري وعمل يدوي) كرسهم (أي المثقفين) كفئة متفرغة ذات اعتبار يحسبان ما تقوم به من وظائف علمية وفكرية يجد له تجسيدا في الحقول الاجتماعية كافة)9، ومن هذا الكلام نستشف ان المثقف قوة منتجة ضمن السياقات الثقافية، ولا يتلبس لبوساً اخر، لحقول مجاورة رغم كونها تمثلا ثقافيا بصورة او بأخرى، فالمثقف برأي ادونيس (هو ذلك المتمتع بالصفة التمثيلية – انسان يمثل بوضوح وجهة نظر ذات طبيعة ما، ويعبر بجلاء لجمهوره عن تلك الافكار التي يمثلها، برغم كل انواع العوائق)10، لان صورة المثقف الملتزم قد هبطت به (من معناه كمالك لرأسمال رمزي- هو المعرفة- الى مجرد ناشط حركي، داعية)11.
لذا فدور المثقف العراقي في هذه المرحلة التاريخية المهمة ان يمارس دوره كمثقف، بأشتراطات الثقافة، وليس بأشتراطات اخرى تفرضه عليه الرؤية التقليدي للمثقف الملتزم، وهذا لا يعني الانغلاق على نفسه نخبويا، وانما ازاحة السياسي التقليدي من خلال خطاب ثقافي متوازن يعتمد على استشراف الانساق المضمرة التي تحرك التاريخ وبنية المجتمع العراقي، وعدم الانجرار وراء الخطابات التوفيقية التي يعتمدها السياسي العراقي التقليدي..

الاحالات
ــــــــــــــــــــــــ
1- صور المثقف- ادوارد سعيد- ت: غسان غصن- دار النهار- بيروت 1996 ص21
2- أوهام النخبة ، او نقد المثقف- علي حرب – المركز الثقافي العربي- ط بيروت3 2004
3- نهاية الداعية، الممكن والممتنع في أدوار المثقفين- عبدالله بلقزيز- الشبكة العربية للابحاث- بيروت 2010
4- أوهام النخبة ص38
5- نهاية الداعية ص11
6- ن.م ص10
7- صور المثقف ص28-29
8- مسؤولية المثقف- علي شريعتي- ت: د. ابراهيم الدسوقي شتا- دار الامير- ط2 بيروت 2007 ص50
9- نهاية الداعية ص15
10- صور المثقف ص29
11- نهاية الداعية ص14








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا


.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني




.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع