الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الباحث الاجتماعي عبد الرحيم العطري في حديث للأحداث المغربية: التنشئة الاجتماعية مجرد تدجين اجتماعي لإنتاج الفرد الطيع

عبد الرحيم العطري

2005 / 8 / 9
مقابلات و حوارات


أجرت الحوار : حنان رحاب
في الحوار التالي يتحدث الباحث الاجتماعي عن أنواع العلاقات التي تقوم بين الجنسين كالصداقة والصحبة والرفقة والزمالة التي يمكن أن تحددها أهداف وسياقات تؤطرها والتي تدخل جميعها في الرغبة في التواصل والبحث عن الذات من خلال الآخر, ويؤكد أن العلاقات هي قدر الإنسان وشرطه الوجودي وأنه لا يمكن للتقاليد البالية أن تمنع الذكور والإناث من التعارف والتقارب والتواصل لأن الإنسان هو في البدء والختام كائن علائقي تواصلي.
 نشرت جريدة "الأحداث المغربية" في ملحق "من القلب إلى القلب" بتاريخ غشت 2003 رسالة تحمل عنوان "حائرة بين أخوين", جاء فيها أن شابة تبلغ من العمر 18 سنة تعرفت على شاب واستمرت علاقتها به مدة سنة استمتعت فيها بلذة أن تكون الفتاة محط اهتمام الآخر وغيرته وحبه كما تقول, إلا أن علاقتها بهذا الشاب عرفت بعض المشاكل التي أخذت تبرز على السطحوالتي كانت سببا في نهاية العلاقة, ومع مرور الوقت التقت بشخص آخر وتكررت لقاءاتها به إلى أن اكتشفت أنه أخ لصديقها الأول، لكنها لم تستطع وضع نهاية لعلاقتها الثانية وتؤكد أنها تفاجأت بوجود صديقها الأول بنفس المكان الذي تجلس فيه مع أخيه لدرجة أحست فيها بأن أمرها سيفتضح وسيكتشف صديقها الثاني حقيقة علاقتها بأخيه، غير أن خوفها لم يكن له مبرر خاصة مع تجاهل حبيبها الأول لتواجدها, وبعد مرور هذا الحادث اعتقدت أن الأمر قد انتهى لتجمعها الصدفة من جديد بصديقها الأول، وتكتشف أنها مازالت تحبه وأن قلبها مقسم بين الأخوين, وهو ما جعلها تطلب في نهاية الرسالة حلا يضمن لها استمرار علاقتها بالإثنين. ماذا يمكن أن تقولوه أستاذ لهذه الشابة؟
 ما يمكن أن أقوله لهذه الشابة هو ما قاله الشاعر الرائع نزار قباني وهو يتحدث عن نكسة 67
إن كنت قد صرخت بينكم
كل هذا الصراخ
فلأن مساحة الجرح أكبر
ولأن الطعنة كانت من الخلف
فصديقك الأول من المؤكد أن لسان حاله يردد هذا العبق النزاري، والجواب الأكيد هو بين يديك لا غير فعليك أن تختاري وتقرري وتعتذري لمن سببت له الألم، أقصد الأخوين معا، وأن تبحثي لنفسك عن صداقة أخرى بعيدا عن الأخوين معا، مع متمنياتي لك ولكل الشباب المغربي بالتوفيق والنجاح.
 تختلف تسميات العلاقة التي يمكن أن تربط ما بين شخصين من نفس الجنس وما بين شخصين من جنس مختلف ألا يمكن لكم تجميع هذه التسميات وإبراز الفرق بينها إن وجد وخاصياتها؟
 في البدء كانت الحاجة إلى الاجتماع الإنساني، وستظل هذه الحاجة إلى الآخر قائمة لأن "الأنا هو الآخر" كما قال الشاعر الفرنسي "رامبو" ولهذا ففاعلية الإنسان الاجتماعية لا تتأكد وتتكرس واقعيا ولا يصير لها معنى محتمل إلا في ظل شروط التواصل والانفتاح والتلاقي لأن العلاقات الإنسانية التي تربطنا بالآخر في سياقات مختلفة هي شرط وجودي بها تتأكد إنسانيتنا ونحقق بها التطور والامتداد في الزمان والمكان.
من هذا المنطلق يمكن القول إن العلاقات التي تنشأ بين الأفراد في المجتمع، باختلاف صيغها وأشكالها وأهدافها أيضا هي علاقات طبيعية وضرورية تساعد في تحقيق التكيف الاجتماعي، بل إنها ضرورة حضارية تميز الإنسان بصفة عامة.
ومن هنا فإن الفرد في المجتمع لا يستطيع أن يمتنع عن تدشين علاقات إنسانية مع الآخر سواء كان هذا الآخر من نفس جنسه أو من جنس يختلف عنه بيولوجيا فقط, لأن العادي والسوي هو تدشين هذه العلاقات، ومادام الأمر يتعلق بحاجة قصوى فإن الأفراد يلجأون طوعيا أو قسريا إلى ربط مجموعة من العلاقات التي تتخذ صيغ الصداقة والحب والأخوة والزمالة والصحبة والرفقة وما إلى ذلك من التسميات التي يمكن أن تحددها الأهداف والسياقات التي تؤطر هذه العلاقات والتي يمكن أن ندخلها جميعها في الرغبة في التواصل والبحث عن الذات من خلال الآخر, إذن فهذه العلاقات التي تجمع الأفراد ما هي في البدء والمنتهى إلا دليل قاطع على أن الإنسان هو علائقي بامتياز وأن البعد العلائقي هو شرط ضروري للوجود الإنساني.
 عند الحديث عن الصداقة كنوع من العلاقة قد تربط بين أفراد المجتمع ينفي العديد من أفراد مجتمعنا إمكانية وجود هذا النوع من العلاقة بين الذكر والأنثى كيف تنظرون للأمر؟
 يمكن القول بأن الصداقة هي من أرقى وأنبل العلاقات التي تجمع بني البشر, وذلك لأنها تنطوي على مجموعة من القيم والمعايير والرموز السامية, والتاريخ الإنساني يحتفظ حتما بصور باذخة عن صداقات نوعية جمعت أفرادا من نفس الجنس أو من جنس مختلف.
فالصداقة كعلاقة تقوم على التآخي والاحترام والتضامن ليست حكرا على جنس واحد فقط, ولا يمكن أن نقول بأنها مستحيلة بين الذكر والأنثى, وأن ننظر بعين الريبة والشك إلى كل صداقة تجمع شخصين من جنسين مختلفين من الناحية البيولوجية فقط إن القول فيه تعسف واختزال كبيران، وللأسف الشديد فهو السائد والقائم في مجتمع لم يكسر طابو الجنس ولم ينفتح على أسئلته الشقية بعين الحداثة. ففي المجتمع الذي يشكل فيه الجنس هاجسا مركزيا يتخذ منه موقف متناقض وغامض, في هذا النسق المجتمعي ينظر إلى كل صداقة قائمة بين الذكر والأنثى على أنها جنسية المبنى والمعنى, بل إن هذه النظرة ذاتها التي ينتجها المجتمع ويعيد إنتاجها عبر قنواته ومؤسساته التنشئوية وهي التي تجعل الكثيرين من الذكور والإناث ينحرفون بعلاقاتهم عن صيغة الصداقة إلى صيغ أخرى يحضر فيها الجنس بقوة، فالتبخيس والسخرية تكون بالمرصاد للشاب الذي يفتخر بصداقته مع فتاة ما أو الاتهامات الرخيصة التي توجه للصديقة التي تكشف أسرتها عن صداقتها مع شاب ما, هذه الأشياء وغيرها تجعل من الصداقة فعلا مستحيلا بين الذكر والأنثى في نظر المجتمع، وتجعل من ينخرطون في درب الصداقة متهمين بشتى الأوصاف القدحية فهم في نظر البعض باردون جنسيا أو فاسدون يغلفون فسادهم بيافطة الصداقة وما إلى ذلك من العبارات والمواقف التي تكشف بالواضح والملموس عن هاجس الجنس في مجتمعنا المغربي والعربي عموما.
 في العديد من الأحيان نجد داخل العلاقة التي يمكن أن نطلق عليها "الصحبة" والتي يمكن أن نرى فيها غلاف الحب – إن صح التعبير- الكثير من التناقضات التي تجعل من أطراف هذه العلاقة يصارعون ما يمكن أن نطلق عليه الواقع والرغبة في الاستمرار لتحقيق الوحدة في المستقبل، ما رأيكم في هذه المسألة؟
 أعتقد أن الصداقة وكما أشرت إلى ذلك سلفا هي من أرقى صيغ وحالات الاجتماع الإنساني، وهي مجرد نوع علائقي قد يكون درجة معينة في سلم هذه العلاقات التي تنشأ بين البشر, وهي بذلك لا تظل بمنأى عن إمكانات التطور والنماء والتحول والتغير, فقد تصاب بالذبول والانتهاء مثلما قد ينكتب لها النجاح والارتقاء. وفي هذا الإطار فإن العلاقة التي تسمونها الصحبة والتي تنشأ بين ذكر وأنثى من الطبيعي أن تتطور وتتألق أو تخبو وتضمحل، فهناك مشاعر وأشياء تتحرك وقيم ومواقف تنبني وتتأسس، وهي التي تجيد الامتداد وترسم القطيعة، لكن لا يجب ان ننسى أن هذه العلاقة بمطامحها التي تظل مشروعة تنبني في سياق مجتمعي محدد له إكراهاته وقوانينه أيضا، ومن هنا يبدأ التعارض بين ما نرغب فيه وما هو قائم ومكرس، والصراع بين الكائن والممكن الذي نحلم به.
فهذه العلاقات من هذا النوع يكون لها عمر افتراضي محدد يحسمه الواقع في غالب الأحيان وبالطبع فالاقتناع الجذري والقوي بالعلاقة هو الذي يقوي مناعتها ويضمن لها الاستمرار والوحدة المستقبلية والدائمة.
 من أجل رسم العلاقة يلجأ بعض أفرادها لتحقيق بعض التطور في العلاقة عن طريق الغموض والحلم، ألا يمكن اعتبار أن الغموض والحلم كمكون أساسي لأي علاقة؟
 إن العلاقة التي تنشأ بين فرد وآخر يحركها ويولدها الدافع والحاجة والمشكل أيضا، هذه هي العوامل المحتملة التي تقف وراء بناء أية علاقة إما على مستوى التطور والنماء فثمة عوامل أخرى تغذي العلاقة وتؤسس وجدانها ويمكن القول بأن الحلم من هذه العوامل ومن مكوناتها الرئيسية.
 مع تطور وسائل الاتصال أصبح العديد من الشباب يتحدثون عن علاقة مختلفة يمكن أن نطلق عليها علاقة افتراضية, هل يمكن أن يكون هذا النوع من العلاقة بديلا عن العلاقة الطبيعية التي تربط بين الرجل والمرأة عموما؟
 أعتقد أن الطفرة التي حققتها وسائل الاتصال في عصرنا الحالي وانخراطنا القسري في متاهاتها وعوالمها الافتراضية وشبكاتها العنكبوتية, كل ذلك كله لم يجعلنا بمعزل عن انعكاساتها وتأثيراتها وقبلا إنها تساهم يوميا في تغيير علاقاتنا وأنماطنا الحياتية ومن هنا فإن العوالم الافتراضية التي تتيحها شبكة الأنترنيت، والتواصل الذي توفره آلاف المواقع، والحدود التي تحطم يوميا بين الأفراد، كلها مجتمعة تجعل الشباب يبحث عن مختلف البدائل التي تضمن له تدشين العلاقات بمنتهى الحرية وبعيدا عن رقابة المجتمع وصداعه.
وبالتالي فإن أشكال الدردشة والتحادث مثلا التي تقع بين الشباب وغيرهم على "الويب" والتي أسميها دوما بالتواصل البارد لا يمكن أن تكون بديلا عن التواصل الحميمي والموضوعاتي الهادف, ولهذا فإن هذه العلاقات التي تنشأ افتراضيا لا تلغي الحاجة القصوى إلى العلاقة الإنسانية الطبيعية بين أفراد المجتمع, بل إن الإسراف في التعاطي مع هذه الأنواع العلائقية هو دليل قوي على افتقادنا للحميمية في مجتمع الآلة والسرعة والبعد الواحد.
 لماذا يحضر هاجس الجنس بقوة في هذه العلاقات التي تنشأ بين الذكر والأنثى ولماذا يصير أفقا وهدفا محتملا لها؟
 قبل الإجابة لا بأس أن نقوم بنثر هذه الأسئلة الملتهبة: كيف ننظر جميعا للمسألة الجنسية؟ وما موقفنا الواضح والمحدد من الجنس؟ ماذا يشكل الجنس بالنسبة لنا؟ هل نتوفر على تربية وثقافة جنسية؟ هذه وأسئلة أخرى أكثر إحراجا والتهابا تضعنا الإجابة عنها مباشرة قبالة المبحوث عنه في حضور الجنس في العلاقة المفترضة بين الرجل والمرأة.
إننا نفتقر إلى التربية الجنسية السليمة, وننظر إلى الجنس كجريمة نكراء تستوجب التكتم والسرية, ولا نسمح لأنفسنا بل لا يسمح لنا بالحديث عنه بكل حرية وتلقائية، وهنا تحضرني نتائج إحدى الدراسات التي شاركت في إنجازها حول الشباب المغربي، فقد اهتدت هذه الدراسة إلى نتيجة صادمة مفادها أن 95 من المبحوثين الذين شملتهم الدراسة لا يناقشون مشاكلهم الجنسية مع أسرهم ولا يجرؤون بالمرة على مصارحة أسرهم بالعلاقات التي يربطونها ولو كانت صداقات بريئة.
إن نتيجة كهذه تؤكد أن المجتمع يفرض حصارا على كل ما له علاقة بالجنس والتبادل والتواصل مع الآخر. إن الجنس لدينا هو المرغوب والمرفوض في آن واحد, هو المتعة واللعنة أيضا, ولأنه كذلك في مخيالنا الاجتماعي فهو يشكل هاجسا مركزيا يتحين الفرص للظهور في مختلف المسلكيات والنواحي الحياتية, ويصير موجها ومنتجا لمجموعة من التصورات والمفاهيم والقيم.
فالمرأة نتمثلها كموضوع جنسي لا تصلح لأن تكون صديقة بل تقبل كعشيقة فقط لتفريغ اللذة, والمرأة ذاتها تتمثل الرجل كموضوع جنسي يريد الإيقاع بها في فخاخ اللذة لا غير. وهذه التمثلات الاجتماعية هي التي تؤطر العلاقات التي تنشأ بين الذكور والإناث، وذلك عبر مسار طويل من البصم الاجتماعي الذي تضمنه وتؤمنه مؤسسات التنشئة الاجتماعية التقليدية.
 على ذكر التمثلات الاجتماعية للعلاقة بين الذكر والأنثى هل هناك من إمكانية لتغيير هذه التمثلات السلبية وجعلها أكثر إيجابية حتى ننظر إلى العلاقة كبعد إنساني راق ومشروع؟
 أولا فهذه التمثلات الاجتماعية لم تأت من فراغ وإنما ترتهن بإطارات مرجعية وبنيات سوسيوثقافية، إنها نتاج واقعي لما يعتمل في العقل الجمعي المجتمعي، وهي بالأساس ثمرة نهائية لمسلسل التنشئة الاجتماعية التي هي مجرد تدجين اجتماعي للأفراد.
إن التمثل الاجتماعي للعلاقة القائمة بين الذكر والأنثى هو تمثل منقوع بالضرورة في بؤرة الجنس بحيث تغدو الصداقة غطاء مستترا لعلاقة جنسية صرفة, وإن كانت في حقيقة أمرها مفتقرة للبعد الجنسي، فإن التمثل الاجتماعي لها يتأسس على معطى اللذة.
ومن ثم فإن تمثلا سلبيا كهذا لا يمكن أن يتغير في زمن قياسي فالتغيير الاجتماعي من أعقد العمليات الإنسانية لكن هذا لا يمنع بأن إشاعة الثقافة الجنسية وتوسيع دوائر النقاش حول الطابوهات وإنتاج معرفة سوسيولوجية رصينة وجريئة حول الشباب وقضاياه، وكذا العمل على تيسير سبل التواصل بينهم، كلها عوامل يمكن أن تساعد في تجاوز هذه التمثلات السلبية، وأعتقد أن الشباب ذاته مدعو قبلا وبعدا لتقديم النموذج بتطوير علاقاتهم وأنسنتها وإفراغها من كل بعد براغماتي رخيص، وهذا كله لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل مشروع مجتمعي حداثي يؤمن بالشباب ويؤمن كذلك بالنقد والمساءلة، مشروع لا يقوم على الترميق وسياسة الواجهة بل يتأسس في العمق على التوجهات الصلبة والاختيارات الشعبية العادلة, فهل نتوفر على هذا المشروع؟ وهل لدينا النفس الطويل لاعتناق الحداثة دون التفريط في قيمنا وأشيائنا الخاصة؟ فهل نجرؤ على فعل ذلك؟
إن السوسيولوجيا كمعرفة شقية ومشاكسة تهفو دوما إلى اكتشاف شروط إنتاج وإعادة إنتاج الاجتماعي والعلائقي وتمتهن النقد والتساؤل والفضح أيضا. مؤهلة أكثر من غيرها من المعارف لتمكين المجتمع وكافة مؤسساته وأفراده من تجاوز صعوبات الاندماج والتكيف والتمثل السلبي لمجموعة من الظواهر والحالات التي لا تنأى عن السواء, شريطة الاقتناع بجدوى الرأي السوسيولوجي في التخطيط والبناء المجتمعي وإخراجه بالتالي من خانة التهميش والحجر والإقصاء.
ولابد من التأكيد في الختام على أن العلاقات هي قدر الإنسان وشرطه الوجودي وأنه لا يمكن للتقاليد البالية أن تمنع الذكور والإناث من التعارف والتقارب والتواصل لأن الإنسان هو في البدء والختام هو كائن علائقي تواصلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص