الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العاصفة

حسن خليل

2014 / 8 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



في عام 2009 – علي ما أذكر – كتبت أن عاصفة ستهب علي العالم و سيكون مركزها بحرنا المتوسط . لم يكن هذا غريبا فمعظم المهتمين بالشأن العام كانوا يتوقعونها بشكل أو أخر . و ها نحن في قلب العاصفة فعلا نراها رؤية العين تدمر دولا و تقتلع شعوبا و تبيد أعراق و تسحق ما بناه البشر في عقود يوما وراء يوم. و تقول في نفسك ليست هذه عاصفتي . كنت أحلم بعاصفة تدمر الفقر و الفساد و الجهل و الغباء و ليست عاصفة تدمر الحياة و الإنسان. عاصفتي فتحت الباب قلبت التربة فظهر العفن و حتي نحن الذين كنا نعلم بوجوده رعبنا من منظره و حجمه و ظلاميته و حجم عاصفة الدمار التي أطلقها.

في الحياة قوي البناء و التكاثر و الحرية تعمل دائما لكن فيها أيضا قوي الدمار و من حسن حظنا أن قوي الدمار مؤقته و غير دائمة . فالأعاصير و الزلازل و البراكين و الحرائق لابد لها أن تنتهي. و حتي بدون أن تقاوم الحياة الحريق سينتهي من تلقاء نفسه حينما تنفذ المواد القابلة للاشتعال . و حتي الأوبئة المدمرة تنتهي تحت ثقل انتشارها نفسه . فالعاصفة لا تنتصر أبدا ليس هذا فحسب بل أنها عبر التدمير و الخراب و القتل تفتح للحياة – عدوتها اللدود – أفقا أوسع و أساسا أشد و أكثر الأراضي خصوبة هي التي بنتها البراكين و الغابة التي تحترق تعود أكثر أخضرارا و تنوعا و بهاء. فقوي الدمار ضرورية للحياة بنفس مقدار ضرورة قوي الحياة لقوي الدمار

و تسأل نفسك الم تمر كل المجتمعات المتقدمة بنفس هذه العواصف؟ ألم تتعرض روسيا لإعصار عاصف في مطلع القرن راح ضحيته ملايين بلا عدد في حروب و مجاعات و أضطراب بلا حد ثم تعرضت للعاصفة النازية التي دمرتها و معها أكثر من 20 مليون من البشر الذين هم مثلنا تماما في حقهم في الحياة ثم أعصار نهاية النظام السوفييتي . ألم تمر قلعة أوروبا ألمانيا بأعصار التحول الاجتماعي الفاشل عام 1918 كي تصل للمحرقة الكاملة في الحرب العالمية التي جعلت هذا الشعب المنعم يقف وسط الخرائب طوابير كي يحصل علي كسرة خبز ليس أكثر. و الصين المرشحة لتسيد العالم الآن ألم تمر بعاصفة الاحتلال و التمزق و الانقلاب الاجتماعي عام 1949 و ما قبله؟ ألم تؤدي العاصفة الصينية لمصرع عشرات الملايين في الحروب و المجاعات . كيف كان يفكر الصينيين وقتها ؟ و حتي الولايات المتحدة لم تبدأ صعودها – رغم غناها الفاحش و أتساعها – إلا بعد عاصفة الحرب الأهلية التي ارتكبت فيها فظاعات بلا حصر

ثم تعود لنفسك أن من الصعب أن يفكر الإنسان الفرد بمقياس تاريخي يتجاوز حياته و تقريبا من المستحيل أن يشعر بما يتجاوز حدود نفسه و الأقرب إليه فما بالك و الخوف و الذعر من الدمار يحيط به هو نفسه و الأقرب ألية . فمهما قلت لهذا الصيني أو الروسي أو الألماني أن عالم رحب سينفتح رغم العاصفة بل بسبب هذه العاصفة ذاتها لن يكون هذا ترضية كافية . و كيف يكون و الدمار و الحرائق تلتهم من تعرفهم و تبيد عالمك إبادة

أن كنت في غزة فسيكون الأمر سهلا . فهناك خط واضح علي ناحية قوي الحياة و علي الأخري قوي الدمار و الخراب. و حينما ستأتيك الرصاصة ستقول لنفسك لقد وقفت مع الحياة و أن كان لي عشر أعمار لوقفت في نفس الخندق . و حينما سيسقط من تحب ستتمسك بخندقك أكثر . لكن ما العمل حينما تكون الخطوط متقاطعة و متشابهه بل و غائمة ؟

فحتي حينما تلعن داعش و جماعات الظلام المجنونة و حينما تسخر من تلك الأفكار المغرقة في رجعيتها و السائدة رغم ذلك فكيف تنسي أن القوي المسيطرة علي هذا الكوكب و التي تدعي الاستنارة و الديمقراطية و حقوق الإنسان هي السبب المباشر وراء تلك الجماعات المتوحشة . أليس الإفقار و التهميش و الجهل هم نتاج مباشر لتركز الثروة في كل بلد و في العالم. أليست حتي الأفكار الدينية المغرقة في رجعيتها هي صدي خجول للنازية و الفاشية و الصهيونية التي أفرزتها بلاد الحضارة؟ . أليس النظام الرأسمالي العالمي هو سبب البؤس و الحروب أليس ما نراه هو نتيجة لأقصاء الإنسان و تقديس وهم الربح و المال عوضا عنه.

ثم تسأل نفسك و لم الكتابة فهل مازال لها معني ؟ و هل هناك من لدية وقتا ليقرأ حتي لو أراد وسط القصف و الصور ؟ و تسأل نفسك عالمنا حيث تتدفق الصور و المعلومات و الأكاذيب لا تعطي للعقل فرصة أن يفكر و يميز بين الغث و السمين . عالم الاتصالات و المعلومات هذا يغرق الكل بالمعلومات حتي لا يصبح لها معني . فما فائدة الكتابة و حتي الحوار ؟ فالعاصفة تطير كل الأوراق في الهواء و تخلطها فلا يعود لها نفع

علي أن أكثر ما يقلق حينما تزيح مشاعرك جانبا هو غياب تلك النواة من قوي البناء التي ستعيد خلق الحياة و تظهر علي العاصفة . تلك المضادات الحيوية متناهية الصغر التي سيقدر لها في النهاية أن تقضي علي الوباء

أخير أقول لست وحدك ..
خطر العاصفة ليس أن تجعلك خائفا مذعورا أن تجعلك تكاد تموت من القلق علي من تحب سواء تعرفهم أم لا . كل هذه مشاعر طبيعية بل و مطلوبة خطر العاصفة أنها تغلقك علي ذاتك تقطع صلتك بمن هم معك كما الحروب فضباب الحرب يعزلك عن رفاق السلاح الذين تستمد منهم الدعم المادي و المعنوي . لكن عليك أن تدرك أنهم هناك يعانون كما تعاني و يقومون بكل ما يمكنهم و أكثر .و إذا كانت العاصفة ستهب اللحظة القادمة عبرك و تستخرج أحشائك فهذا لا يعني إلا أمرا واحد و هو أن ليس هناك وقتا لتضيعه لتمد يدا لهؤلاء الذين يسيرون علي نفس الدرب ..

حسن خليل
9 أغسطس 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله اللبناني يوسع عملياته داخل إسرائيل ويستهدف قواعد عس


.. حزب الله يعلن استهداف -مقر قيادة لواء غولاني- الإسرائيلي شما




.. تونس.. شبان ضحايا لوعود وهمية للعمل في السوق الأوروبية


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية.. وطلاب معهد




.. #الأوروبيون يستفزون #بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال ا