الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آيات شيطانية هدرت دم سلمان رشدي

آريين آمد

2014 / 8 / 23
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


عندما تواجدت في كامبردج لمدة يوم واحد في العام 2005 انتهزتها فرصة جميلة لشراء بعض الكتب النادرة فوقع اختياري ضمن ما وقع، على كتاب الآيات الشيطانية (The satanic verses) لسلمان رشدي، لكن صعوبة اللغة المستخدمة في السرد الروائي جعلني أعلن انسحابي وعجزي عن إكمال الكتاب، مع غصة بقيت عالقة في ذهني وقلبي.
اعتقد بان الصدف الجميلة ما تزال باقية وثمة فرصة جديدة دوما للتعويض... الجمعة الماضية في شارع المتنبي وقعت عيني بالصدفة على كتاب يحمل عنوان (آيات شيطانية)/ سلمان رشدي.... كتمت فرحتي لأني سأعرف قريبا جدا السر الذي يحتويه هذا الكتاب والذي تسبب بإهدار دم كاتبه... وعليه قررت أن اقرأ الكتاب بعين الإمام الخميني لاقف عند الكلمة أو الجملة أو العبارة أو السطر أو الصفحة أو الفكرة التي تسببت بذلك. قررت أن اعرف أين ومتى ولماذا تم ذلك؟؟؟.
ابتدأت رحلة الاكتشاف وكانت من شقين... شق يخص سلمان رشدي وشق يخص الإمام الخميني.. الشق الأول كشف ومنذ الصفحة الأولى قدرة سلمان رشدي في كتابة النص على طريقة جيمس جويس، فهو مبدع، وبارع في استخدام الكلمة والفكرة والرمز والتنقل بين الأزمنة والسرد السريالي لدرجة توقعت إن بإمكان سلمان رشدي أن يتكلم ولا يتوقف إلى ما لانهاية. فالحالة عنده أشبه بإناء مملوء يفيض الماء من جوانبه دون توقف.. بمعنى فيضان مستمر، لهذا اشتد فضولي لأعرف أين بالضبط قرر الإمام إيقاف هذا الفيضان المتدفق لان في استمراره خطر كبير ربما يفوق طوفان نوح.
كيف تجرع الإمام الخميني قراءة الفصل الأول من الكتاب... وتحمل كل ذلك السرد السريالي لسلمان رشدي.. لأني اعتقد بأن القارئ يحتاج إلى تركيز من نوع خاص ليتواصل مع الكاتب... ولابد إن للإمام الخميني كان صبر طويل ليتحمل كل ما كان يقوله الكاتب... ويتابع انتقالاته المحبوكة بدقة بالغة.
اعتقد إن المساس بالمقدس هو الذي افزع الإمام، فسلمان رشدي كان يتناول المقدس كأنه جزء من تراث عتيق يحتاج إلى إعادة النظر، والتفكير من جديد بكل المنظومة الفكرية الدينية.
لنقرأ بعض العبارات ونسمح لأنفسنا تخيل حال الإمام (كان عظيم الجاهلية يضطجع على سجاد من الحرير قرب المنصة ومعه زوجته الفاتنة هند، ينهض أبو سنبل ويصيح بماهاوند: أهلا بك أيها الكاهن الحكيم، ويسمح لتلاميذ ماهاوند بالدخول إلى ذلك المكان للمرة الأولى. ويتكلم ماهاوند دون أن يفتح عينيه!!!! إن هذا تجمع للشعراء ولكنني لا ادعي إنني واحد منهم... فانا رسول الله وأنا استوحي كلامي من الواحد الأحد الذي هو اعلم من كل الذين يجتمعون هنا!!!! يبدأ الموجودون بالتملق وهم يتهامسون بأن ذلك المكان ليس دينيا، وان الحجاج إنما جاؤوا إلى هنا للتسلية والمتعة... ويصيح احدهم: اسكتوا هذا الرجل واطردوه من هنا، لكن أبو سنبل يسكت الجميع ويتوجه إلى ماهاوند قائلا: إذا كان ربك قد كلمك فعلا فلابد لجميع الناس أن يسمعوك.. وبعد لحظة من الصمت يبدأ ماهاوند بالتلاوة بصوت مرتفع: بسم الله الرحمن الرحيم. والنجم إذا هوى1/53ما ضل صاحبكم وما غوى2/53وما ينطق عن الهوى3/53إن هو إلا وحي يوحى4/53علمه شديد القوى5/53ذو مرة فاستوى6/53وهو بالأفق الأعلى7/53ثم دنا فتدلى8/53فكان قاب قوسين أو أدنى9/53فأوحى إلى عبده ما أوحى10/53ما كذب الفؤاد ما رأى11/53أفتمارونه على ما يرى12/53ولقد رآه نزلة أخرى13/53عند سدرة المنتهى14/53عندها جنة المأوى15/53إذ يغشى السدرة ما يغشى16/53ما زاغ البصر وما طغى17/53لقد رأى من آيات ربه الكبرى). ودون أن يبدو على ماهاوند أي شيء من التردد تابع التلاوة بصوت واضح مرتفع ( أفرأيتم اللات والعزى19/53ومناة الثالثة الأخرى) ... وعندما سمعت هند الآية الأولى هبت واقفة في حين إن عظيم الجاهلية قد سبقها إلى الوقوف، ويتابع ماهاوند تلاوته ( تلك الغرانيق الأولى...وان شفاعتهن لترتجى!!!!! وتعلو صرخات الاستحسان من أنصار الآلهة اللات في إرجاء المكان وفي اللحظة ذاتها تتوجه الأنظار إلى عظيم الجاهلية وقد وضع إبهامه على شحمتي أذنيه ويصيح الله اكبر.. وما يلبث بعد ذلك أن يسجد ضاغطا جبهته على ارض.. وكذلك هند لتقتدي به....ويستمر هذا الوصف ليعود ماهاوند لاحقا ويقف في مواجهة الأصنام الثلاثة ويعلن على الناس إلغاء الآيات التي أوحى إليه بها الشيطان.. ويصرخ بصوت مرتفع بآيات جديدة لتسجل بدلا منها في القرآن: ( ألكم الذكر وله الأنثى21/53تلك إذا قسمة ضيزى22/53إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى23/53أم للإنسان ما تمنى24/53فلله الآخرة والأولى25) ....
اعتقد بان الإمام الخميني هنا تحديدا اتخذ قراره الذي سيؤدي إلى اختفاء سلمان رشدي من الحياة العامة... ذلك القرار الذي ليس بمقدور أي مرجع أن يقوم بإلغائه... وعليه أدعو الجميع لقراءة آيات شيطانية.. فهي رواية ستجعلك تعيش بين نقيضين عملاقين الإمام الخميني وسلمان رشدي ... فالكتاب يضم بين دفتيه العديد من الصور بطرق لا تخلو من النقد، لذلك فان أفضل وصف ينطبق على سلمان رشدي هو وصف العقل الحر... العقل الحداثوي الذي يتناول المقدس كما هو وليس كما يصوره لنا كهنة الدين... ففي جزئية مهمة تتعلق بسلمان الفارسي وعلاقته المركبة بنبي الإسلام يستذكر سلمان رشدي جانبا من تلك العلاقة بأسلوب روائي لا يتحمله العقل المدجن أو العقل الخامل وهو الوصف الذي ينطبق على عقل المسلم الدوغمائي...
(اخبر سلمان الشاعر بعل بأن أتباع دين الخضوع (الإسلام) عندما وجدوا أنفسهم في واحة يثرب فقراء منقسمين، فقد راحوا يهاجمون قوافل الأغنياء من مدينة الجاهلية، ويسلبون بضائعهم)....لحد هذه النقطة لا اعتقد بان أي من المسلمين سيعترض على السرد المبسط للتاريخ، باعتباره حقيقة مسلمة بها... لكن بمجرد أن يبدأ لغة سلمان رشدي النقدية يحصل الانفصال... (لم يعترض ماهاوند على ذلك لان الغاية عنده تبرر الوسيلة) هذه الجملة الاعتراضية كفيلة بان تجعل امة بأكملها تنهض من سباتها الذي يستمر منذ أكثر من 1400 سنة... ويضيف (بعد ذلك وجد نفسه مضطرا لسن القوانين والتشريعات بحيث بالغ بذلك كثيرا فوضع القيود والقوانين التي تحدد حتى أتفه المسائل مثل، ماذا يفعل الإنسان إذا ضرط؟؟؟؟؟؟؟؟ أو أي يد يستخدم في تنظيف مؤخرته؟؟؟؟؟؟ بحيث لم يعد للإنسان أية حرية في أن يفعل أي شيء!!!!!!! فقد نزل الوحي محددا الكمية التي ينبغي للمؤمن أن يأكلها من الطعام وطريقة نومه!!!!! والأوضاع التي عليه أن يتبعها في ممارسة العلاقات الجنسية... ومع ذلك فان ماهاوند اخبر أتباعه إن اللواط والوضعيات الخلفية من الأمور المقبولة عند كبار الملائكة، وكذلك فان جبريل قد حدد الموضوعات التي يسمح للناس بتبادل الأحاديث حولها والأمور المحرم التعرض لها، وبلغ به الأمر إن حدد أجزاء الجسم التي يجوز حكها والأجزاء التي يمنع لمسها حتى لو تعرض الإنسان للجنون إذا لم يحكها)... هذا النوع من النقد يزعزع من الثقة بالمقدس ويسقط عنه هالة التقديس المصطنع...

أما عن علاقة الوحي بمحمد (ماهاوند) فيخبرنا سلمان رشدي وعلى لسان سلمان الفارسي أشياء طريفة للغاية لكنها تحقق الصدمة فالوعي الساكن لا يتحرك إلا من خلال الصدمة والرعب. ( الوحي كان ينزل دائما بإجابات عن الأسئلة الملحة التي كان يطرحها المؤمنون، وفي الوقت المناسب الذي غالبا ما يكون اليوم ذاته الذي طرحت فيه الأسئلة!!!!!!!!!!!. )...
ولان سلمان عينه ماهاوند كاتبا للوحي لكونه متعلما فانه كان كثيرا ما يكتب ما يشاء ويعدل في ما يقوله له ماهاوند ويأمره بكتابته!!!!!!!!!. هنا يشخص سلمان رشدي بان الوحي كان طوع إشارة ماهاوند، وماهاوند كان لا يتذكر كل ما يقوله له الوحي. (لقد اختبرته في بادئ الأمر بتحريفات ضئيلة الشأن، فإذا قال لي السميع العليم، كتبت السميع الحكيم، فانتبهت إلى انه لم يكن يلاحظ تلك التحريفات عندما أعيد عليه ما كتبت!!!!! مما شجعني على تحريفات أهم وأكثر خطرا، فكانت كلماتي تختلط مع تلك التي يمليها علي ماهاوند على إنها منزلة!!!!!!فأي وحي هذا؟؟؟؟!!!!!! فعندما أملى علية مرة أخرى كلمة النصارى فكتبت اليهود!!!!أعدت عليه ما كتبت فأومأ بالموافقة وشكرني بكل تهذيب!!!!! ولهذا كله فقد اكتشفت إنني إنما أؤمن بكذبة كبيرة.... وهنا اعتقد بان المنظومة الفكرية كلها تنهار بضربة واحدة.
لم يرتاب ماهاوند بما كان يفعله سلمان الفارسي لان يثرب كانت عرضة لهجمات الجاهلية... ويبدي سلمان الفارسي غضبه وأسفه لان الوحي لم يذكر بطولته في إنقاذ يثرب في معركة الخندق.. سلمان ناقم على الوحي. (الوحي لم ينزل بعبارة ثناء واحدة تخصني) ....

هذا الوحي الذي تغافل عن عبقرية سلمان الفارسي ومشورته العسكرية التي لا تقدر بثمن !!!! نراه لا ينسى أهل يثرب الذي فقد العديد من رجاله ليوصي الرجال بالزواج من اكبر عدد من النساء والأرامل ( ولكم كان كبير الملائكة واقعيا بهذا التشريع)... فالوحي أباح لهم الزواج من أربع نساء ولكم اسعد ذلك التشريع سكان يثرب.
هل اخطأ الإمام الخميني بهدر دم سلمان رشدي؟؟؟؟
هل اخطأ سلمان رشدي في تناوله للمقدس في رواية تبعث في النفس متعة من نوع خاص؟؟؟
مع من تجد نفسك الآن .... مع فتوى الإمام فتكون مكلفا شرعا بقتل سلمان رشدي، أم مع سلمان رشدي، باعتبار إن الموروث الثقافي كله بحاجة إلى إعادة النظر قبل أن يلفظنا التاريخ إلى خارج الزمن يوم لا ينفع فيه الندم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طبعـــا مع ســــــلمان رشـــــــدي
كنعان شماس ( 2014 / 8 / 23 - 14:53 )
والواقع ان اي ايراني منصف ينظر بعـــــدم احترام لقرار الخميني بقتـــل ســـلمان رشدي لا ن الرجل ببساطة عبر عما يجول في فكره . ان حرية التعبير مقدســــة . تصور ان محمد نفســه في تلك الازمنــة الموغلة في القدم قد عبر عما يجول في نفســـه ولم يقتله احـــد. واضح ان تلك الازمنه كانت اكثر ديمقراطية واحتراما لحرية التعبيـــر من زمن خميني الاغبر


2 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 8 / 24 - 00:18 )
آيات مسيحيه شيطانيه :
- (وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِيالْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ) .
- (فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا) .
لاحظوا الساديه في الإله المسيحي : أوامر بقتل (النساء + الشيخ + الطفل + الرضيع) حتى الحيوانات لم تسلم من ساديته , فها هو يأمر بقتل (البقر + الجمل + الحمير + الغنم) , يعني : دماء البشر لم تكفيه و يريد إراقة دماء الحيوانات؟... ما هذه الساديه؟! .

اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية