الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطَّرِيقُ إِلَى السَّعَادَةِ : عِشْ حَيَاتَك .... عِشْ أنْتَ

محمّد نجيب قاسمي

2014 / 8 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الطَّرِيقُ إِلَى السَّعَادَةِ : عِشْ حَيَاتَك .... عِشْ أنْتَ
مُعظم النّاس يتذمّرون من حياتهم بِما فيها من هُمومٍ وشَواغلَ وآلامٍ ومصاعبَ . بل بما فيها من مُتع و أفراح ومسرّات .فكلّ مَن تحدّثه يفضي إليك برفضه لواقعه ولحياته ولنفسه ولمحيطه ... وتجده يغبط الآخرين حياتَهم .ولا يَنْتَبِه إلى أنّهم جميعا يشتركون معه في ذات الرّفض والامتعاض والتذمرّ . وقديما قال أحد الفلاسفة بأنّك لو دعوت النّاس كلَّهم إلى التخلّص من مشاكلهم وهمومهم وإلقائها في كدس واحد ثم طلبت منهم أن يختار كلّ نفرٍ إحداها - إذ تستحيل الحياة دونها - لذهبوا إلى تَخيّر مشاكلهم الأولى لأنّهم ألِفوها وتعوّدوا على التّعامل معها ورأوْها أقلَّ حدّةٍ ممّا لدى الآخرين ..
وهكذا فنحن لا نعيش حياتنا الحاضرة كما هي بل ننشدُ حياةً أخرى هيَ ليست لنا أمْ أنه لم يحِن بعدُ أوانُها أم أنّها مضت وزالت ولن تعود..
فكثيرة هي أحلامنا بما هو مُمكنٌ وبما هو صعبُ التّحقّقِ وبما هو مستحيلٌ. بل إنّ ما يتحقّق منها يتحوّل إلى يوميّ مبتذل ويفقد قيمته الأولى التي كان عليها .هذا إن لم يتحوّل إلى أمر ممقوت أصلا ويصير رزيّة من الرّزايا ومصيبة من المصائب .ولنا في العلاقات العاطفية التي تجمع الذّكر والأنثى أمثلةٌ كثيرة شاهدةٌ بوضوحٍ على ذلك..
ومن العجيب أنّنا في حَنِينا إلى الماضي لا نهتمّ كثيرا لأيّام الرّخاء والمرح بل نراها دوْما قصيرة لم نشعر بمرورها .وإنّما يكون حنينُنا أكثر إلى أيام الشّقاء والبُؤس فهي دومًا محفوظة في الذّاكرة بعناية وهي مصدر فخرنا وعزّتنا وعلامة على نجاحنا وصلابتنا وقوّتنا و وصمودنا .
ورغم أنّ حبّ التجاوز والتّجديد ومواجهة المشكلات والصّعاب من طبيعة الإنسان فإنّ ذلك لا يبرّر ولا يعني البتّة أن يرفض حياته كلّها ويحرم نفسه من أن يعيشها لحظة بلحظة بعراقيلها و خَيْبَاتِها وبنجاحاتها وانجازاتها ، بآلامها ومُتعها، بأفراحها وأتراحها ، بمسرّاتها وأحزانها ،بتسارعها ورَتابتها وغير ذلك من أوجه الحياة المتعدّدة والمتداخلة والمتناقضة . فأنت عندما تمتطي وسيلة نقل مثلا عليك أن تسير بما يتلاءم مع حالتك النفسية والجسدية ووضع الطريق وحالة المطيّة وما إلى ذلك .فتلك هي حياتك عليك أن تعيشها كما هي وتَنْتَشِي بها كما هي ولا فائدة من إبطاءٍ أو عجَلَةٍ غير مُسْتَوْجِبَتَيْن تجعلانك تعيش حياة أخرى هي ليست لك أم أنّهما قد تقضيان على حياتك أصلا..
وقِسْ هذا على كلّ مناحي الحياة من مسكن وملبس ووظيفة وزوج ومرض ومسرّة .فأنت مدعوّ إلى أن تحيى حياتك الحاضرة بكل دقائقها وتفاصيلها وبكل لحظاتها .فتلك حياتك أنت أمّا حياة الآخرين فليست لك وإنْ تقاطعتَ معهم مرّة بعد أخرى وطائفة دون غيرها .و لك أن تحلم وتأمل بما هو آتٍ ولكن مَن سيعيش هذا القادم هو ليس أنت الآن بل هو أنت مستقبلا..فلا مجال للتذمّر المبالغ فيه والنّكد الزّائد في الحياة إذْ لا حَظَّ لنا مِنهما سوى مزيدٍ الألم وإفسادِ مُتعةِ اللّحظة الحاضرة. كما أنه لا لُزوم أن تحمل في صدرك بُغض الآخرين وكراهيّتهم فلن يفسد ذلك عليهم سوى القليل في أفضل الأحوال وإنّما ستكون أنت أعظم ضحيّة لبُغضك وكُرهك لأنهما يملآنك أنت ويوتّرانك أنت ويثيران أعصابك أنت .ولا أدلّ على ذلك من أنّنا نَنْفعِل ونتأزّم بمجرّد مرور شخص نزدريه ونكرهه وقد لا يكون قد شاهدَنا أصلا وقد يكون وقتها يترنّم بأغنية أو يحلم حلمه في اليقظة أو تَجُولُ بخاطره لحظات سعادة ونعيم .فمن المتضرّر آنذاك نحن أم هو ؟
ومثلما يتبرّم معظم الناس بحياتهم فإنّ كثيرين منهم من يرفض ذاته ويعيش متوتّرا غير متصالح مع نفسه لأنه يريد أن يكون شخصا آخر فيعجز ..ومن هؤلاء من يرفض جنسه لأنه يريد أن يكون ذكرا إن كانت أنثى وأنثى إن كان ذكرا . وهناك من يرفض جسده نحيفا كان أو بدينا طويلا أو قصيرا ..ودعك من التفاصيل الصغيرة المتعلقة بتجميل أنف أو بصباغة شعر أو بوضع طلاء فتلك تَطْرِيَةٌ قد تكون لطيفة .
ولهذا عوض أن يعيش المرء شخصيته كما هي ونفسيته كما هي فإنه يريد أن يعيش إنسانا آخر لم يستعدّ له ولم تتراكم لديه تجربته وليست له ميوله وليس له جسده وليس له سنّه وهكذا .وينتهي به الأمر إلى أن يعيش حياة زائفة فيخسر ذاته ويخسر حياته..
إنّ الإنسان كائن متميز عن سائر الكائنات ومعقّد أشدّ التعقيد سواء في فرديته أو في اجتماعيته وهو أقدر الموجودات على التعامل مع كل الظواهر والتغلب عليها وتوظيفها لصالحه ..وما تاريخ حضارة هذا الإنسان سوى شاهد عظيم على انجازات مبهرة ملَك بها الكون كلّه أو هو في طريق امتلاكه..ولكن هذا الإنسان مازال بحاجة إلى معرفة نفسه والسيطرة عليها ومراكمة تجاربه في التعامل معها كما نجح في التعامل مع كل شيء ..وأول طريق لمعرفة ذلك والفوز به هو الإقرار أن الإنسان وجب أن يعيش حياته لا حياة غيره وأن يعيش ذاته لا ذوات الآخرين .وحينها سيعرف أن سعادته تكون بأن يعطي لِلْبَسْمَةِ حظّها وللدّمعة حظّها وأن يقدّر قيمة النجاح كما يقدّر فوائد الفشل ..والعبرة بتحويل كلّ شيء إلى موقف تعليمي يستفيد منه .أَوَلَيْسَ الطريق السليم لتعليم المتعلّم هو تيسير أمر الخطإ لديه ؟
المكناسي / تونس
24 أوت – أغسطس 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE